ولادته ( عليه السلام ) : ولد في المدينة سنة 148 ه .
إمامته ( عليه السلام ) : هو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، القائم بالإمامة بعد أبيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه وإخوته في عصره ، ولعلمه وورعه وكفاءته لمنصب الإمامة ، مضافا إلى النصوص الواردة في حقه من أبيه على إمامته ( 1 ) .
وكانت مدة إمامته بعد أبيه 20 سنة ( 2 ) .
( 1 ) لاحظ للوقوف على النصوص الكافي 1 : 311 - 319 ، الإرشاد : 304 - 305 ، إثبات الهداة 3 : 228 روي فيه 68 نصا على إمامته .
( 2 ) الإرشاد : 304 . ( * )
أقوال العلماء فيه ( عليه السلام ) :
قال الواقدي : علي بن موسى ، سمع الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم ، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ابن نيف وعشرين سنة ، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة ( 1 ) .
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة : ومن أمعن نظره وفكره ، وجده في الحقيقة وارثهما ( المراد علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) ) نما إيمانه ، وعلا شأنه ، وارتفعت مكانته ، وكثر أعوانه ، وظهر برهانه ، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته ، وأشركه في مملكته ، وفوض إليه أمر خلافته ، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته ، وكانت مناقبه علية ، وصفاته ثنية ، ونفسه الشريفة زكية هاشمية ، وأرومته النبوية كريمة ( 2 ) .
وقد عاش الإمام الرضا ( عليه السلام ) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية ، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم ، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود ، وبطارقة النصارى ، ومجسمة أهل الحديث . وفي تلك الأزمنة أتيحت له ( عليه السلام ) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم ، فظهر برهانه وعلا شأنه . يقف على ذلك من اطلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء ( 3 ) .
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي :
( 1 ) تذكرة الخواص : 315 .
( 2 ) الفصول المهمة : 243 نقلا عن مطالب السؤول .
( 3 ) لقد جمع الشيخ الطبرسي قسما من هذه الاحتجاجات في كتابه الإحتجاج 2 : 170 - 237 . ( * )
دخل أبو قرة المحدث على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) فقال : روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، فقسم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ولمحمد ( صلى الله عليه وآله ) الرؤية .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : " فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن والإنس : أنه { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } ( 1 ) ، و { َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } ( 2 ) ، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ( 3 ) ، أليس محمد ( صلى الله عليه وآله ) " ؟
قال : بلى .
قال : " فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله ، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، فيقول : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } ، و { َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } ، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر . أما تستحيون ؟ ! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا : أن يأتي من عند الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر " .
قال أبو قرة : فإنه يقول : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ( 4 ) .
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : " إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ( 5 ) يقول : ما كذب فؤاد محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } ( 6 ) فآيات الله غير الله ، وقال : " َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا " فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة " .
فقال أبو قرة : فتكذب بالرواية ؟
( 1 ) الأنعام : 103 .
( 2 ) طه : 110 .
( 3 ) الشورى : 11
( 4 ) النجم : 13 . ( 5 ) النجم : 11 .
( 6 ) النجم : 18 . ( * )
فقال أبو الحسن : " إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه : أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شئ " ( 1 ) .
ولما انتشر علم الإمام وفضله ، أخذت الأفئدة والقلوب تشد إليه ، وفي الأمة الإسلامية رجال واعون يميزون الحق من الباطل ، فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضا ( عليه السلام ) وازدادت أعدادهم ، مما دفع بالخلافة العباسية إلى محاولة سحب البساط من تحت رجلي الإمام ( عليه السلام ) وأعوانه قبل أن تستفحل الأمور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها ، فلجأ المأمون إلى مناورة ذكية ماكرة استطاع من خلالها قلب تيار الأحداث لصالحه ، حيث استقدم الإمام الرضا ( عليه السلام ) وجملة من وجوه الطالبيين إلى مقر الحكومة آنذاك في مرو من مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، معززين مكرمين حتى أنزلوهم إلى جوار مقر الخلافة ريثما يلتقي المأمون بالإمام علي ابن موسى ( عليهما السلام ) .
الإمام الرضا ( عليه السلام ) وولاية العهد : وما كان من المأمون إلا أن بعث إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) قبل اجتماعه به : إني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك ؟ فأنكر الرضا ( عليه السلام ) هذا الأمر وقال له : " أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد " فرد عليه الرسالة : فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد بعدي ، فأبى عليه الرضا إباء شديدا . فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرياستين - ليس في المجلس
( 1 ) الإحتجاج للطبرسي 2 : 184 . ( * )
غيرهم - وقال له : إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك .
فقال له الرضا ( عليه السلام ) : " الله الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه " .
قال له : فإني موليك العهد من بعدي .
فقال له : " أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين " .
فقال له المأمون - كلاما فيه التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه - : إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه ، ولا بد من قبولك ما أريد منك فإني لا أجد محيصا عنه .
فقال له الرضا ( عليه السلام ) : " فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ، ولا أنهى ، ولا أفتي ، ولا أقضي ، ولا أولي ، ولا أعزل ، ولا أغير شيئا مما هو قائم " فأجابه المأمون إلى ذلك كله ( 1 ) .
أقول : ليس بخاف على ذي لب مغزى إصرار المأمون على تولية الإمام الرضا ( عليه السلام ) لمنصب ولاية العهد ، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الأحداث التي سبقت أو رافقت هذه المؤامرة المحكمة .
فعندما قدم هارون الرشيد ولده الأمين رغم إقراره ومعرفته بقوة شخصية المأمون وذكائه قياسا بأخيه المدلل الذي لا يشفع له إلا مكانة أمه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد ، كان يعني ذلك إيذانا بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الألوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفه وقاتلوا معه ، ولما انتقلت السلطة بأكملها إلى المأمون المستقر في خراسان والمدعوم بأهلها
( 1 ) الإرشاد : 310 . ( * )