الشهادة الثالثة عند الشيعة
( أشهد أن علياً ولي الله )
سؤال : ما هو أساس الشهادة الثالثة لدى فقهاء الشيعة من الناحية الشرعية و التاريخية ؟
جواب : قول : " أشهد أن علياً أمير المؤمنين ولي الله "، أي ما يُسمّى بالشهادة الثالثة والتي أصبحت شعاراً للموالين للإمام أمير المؤمنين عليه السَّلام وشيعته، هي من الأمور التي تُثار بين فترة وأخرى من قبل بعض الجماعات بغرض شن حملة إعلامية على أتباع أهل البيت عليهم السَّلام الذين تمسكوا بولاء العترة الطاهرة. ومن الواضح أن الشيعة الإمامية لها أدلتها في التمسك القوي بذكر هذه الشهادة رغم أن تمسكها بذلك قد كلّفها ويكلّفها الكثير.
وقبل بيان دليل الشيعة الإمامية في هذا المجال ينبغي أن نُقَّدِمَ مقدمة ضرورية وهي : إننا نجد أن الإمام أمير المؤمنين عليه السَّلام رغم تواتر النصوص على إمامته وخلافته بعد الرسول صلَّى الله عليه وآله وتضافر الأحاديث على أحقيّته لأمر الخلافة، نُحّي عن هذا المنصب الإلهي بالقوة والتآمر، و غصبت الخلافة منه بالإكراه .
وعندما استولى معاوية على السلطة سنّ سبّ الإمام أمير المؤمنين عليه السَّلام على منابر المسلمين في محاولة منه لمحو فضائل الإمام عليه السَّلام ومناقبه بصورة خاصة، وفضائل أهل البيت عليهم السَّلام بصورة عامة، وذلك بهدف إبعادهم عن الساحة السياسية والاجتماعية، ولمنع الناس من التعرف عليهم والالتفاف حولهم والاستضاءة بنور هداهم.
يقول أبو الحسن علي بن محمد المدائني : " قامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤن منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي، فأستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السَّلام، فقتلهم تحت كل حجرٍ ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم "(1).
ولعل أبسط رد طبيعي وإيجابي على مثل هذه الهجمات الشرسة والغارات الجائرة، بل أقل رد متوقع من قبل الشيعة على هذا الظلم كان هو بيان الحقيقية والدفاع عنها بأبسط الكلمات وأصدقها حتى لا يتمّ الاعتراف بما سنّه الغاصبون للخلافة والحاقدون على أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السَّلام.
ولعل أصدق الكلمات وأخصرها وأبلغها وأدلهّا للتعبير عن هذه الحقيقة هي الشهادة المستمرة بأحقية الإمام علي عليه السَّلام لأمر الخلافة - تبعاً للنصوص الصريحة المعتبرة لدى الفريقين - من خلال قول أشهد أن أمير المؤمنين علياً وليُ الله، عقيب الشهادة بوحدانية الله عَزَّ وجَلَّ ونبوة خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلَّى الله عليه وآله.
· أول أذان بزيادة الشهادة الثالثة :
ذكر الشيخ عبد الله المراغي وهو من أعلام علماء السنة في القرن السابع الهجري في كتابه ( السلافة في أمر الخلافة )(2) روايتين يمكن الوصول من خلالهما إلى تاريخ البدء بذكر الشهادة الثالثة في الأذان.
الرواية الأولى : مضمونها أن الصحابي الجليل سلمان المحمدي ( الفارسي ) أذّن بزيادة الشهادة الثالثة، فأنكر ذلك بعض الصحابة ورفعوا الشكوى إلى النبي صلَّى الله عليه وآله، لكنه صلَّى الله عليه وآله لم يأبه بهذه الشكوى بل جابههم بالتأنيب وأقرّ لسلمان هذه الزيادة ولم يعترض عليه ذلك.
الرواية الثانية : إن الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري أذّن بعد يوم الغدير فزاد الشهادة الثالثة وشهد بالولاية لعلي بن أبي طالب عليه السَّلام، فثار جمع ممن سمع الأذان وهرعوا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وشكوا إليه ما سمعوه من أبي ذر، إلا أن الرسول صلَّى الله عليه و آله لم يأبه بهم بل وبّخهم بقوله : " أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية ؟! ". ثم عقّب كلامه صلَّى الله عليه وآله قائلاً : " أما سمعتم قولي في أبي ذر : ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؟! "(3).
· الشهادة الثالثة والحكم الشرعي :
وإذا أردنا أن نناقش أمر الشهادة الثالثة من حيث الجواز أو الحرمة ومعرفة الحكم الشرعي بالنسبة إليها، لزم مناقشة الأمر من جهتين :
الجهة الأولى : حكم ذكر الشهادة الثالثة بصورة عامة.
الجهة الثانية : حكم ذكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة.
أما بالنسبة إلى حكم ذكر هذه الشهادة عقيب الشهادتين أينما ذكرتا بصورة عامة، فلابد لنا أن نقول بأنه لاشك وإن ذكر الشهادة الثالثة بعد ذكر الشهادتين هو مما يرضاه الله عَزَّ وجَلَّ ويحبّه النبي صلَّى الله عليه وآله ويدعو له العقل السليم والفطرة الإسلامية، ذلك لأنه بعد ثبوت الولاية للإمام أمير المؤمنين عليه السَّلام في يوم الغدير، وتضافر النصوص وتواتر الأحاديث على خلافته للرسول صلَّى الله عليه وآله بتعيين من الله العلي القدير وتصريح من الرسول صلَّى الله عليه وآله، فلا مجال إذن لإنكار مطلوبية ذكر هذه الشهادة والإفصاح عنها والاعتراف بها لساناً بعد الإيمان والاعتقاد بها قلباً.
· الأحاديث الدالة على أهمية الشهادة الثالثة :
هذا إلى جانب وجود الأحاديث الصريحة الواردة بهذا الشأن، و التي نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
· رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنه قال : " لمّا خلق الله السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : أشهد أن لا إله إلا الله ( ثلاث مرات ). أشهد أن محمداً رسول الله ( ثلاث مرات ). أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً ( ثلاث مرات ) " (4).
· رُوِيَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله أنه قال : " من قال لا إله إلا الله تفتّحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمد رسول الله تهلل وجه الحق سبحانه (5) واستبشر بذلك، ومن تلاها بعلي ولي الله غفر الله له ذنوبه ولو كانت بعدد قطر المطر "(6).
· ورُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السَّلام في حديث طويل أنه قال : " ... فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل : علي أمير المؤمنين ولي الله " (7).
· رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السَّلام أنه قال : " من قال لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، فليقل عليٌ أمير المؤمنين ولي الله "(
.
· رَوَى الشيخ الصدوق رحمه الله قائلاً : حضر جماعة من العرب والعجم والقبط والحبشة عند رسول الله صلَّى الله عليه وآله فقال لهم : " أأقررتم بشهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولي الأمر بعدي ؟ قالوا : اللهم نعم، فكرره ثلاثاً وهم يشهدون على ذلك " (9).
· الشهادة الثالثة وأراء الفقهاء :
أتفق العلماء المراجع على جواز ذكر الشهادة الثالثة عقيب الشهادتين في الأذان والإقامة، بل أكدوا على استحباب ذلك، وفي ما يلي نشير إلى بعض هؤلاء العلماء الأعلام والفقهاء العظام كالتالي :
1. العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ.
2. الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق المتوفى سنة 1186هـ.
3. الوحيد البهبهاني المتوفى سنة 1206هـ.
4. السيد بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ.
5. الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ.
6. السيد علي الطباطبائي المتوفى سنة 1231هـ.
7. المحقق القمي المتوفى سنة 1123هـ.
8. الميرزا محمد إبراهيم الكرباسي المتوفى سنة 1261هـ.
9. الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب الجواهر المتوفى سنة 1266هـ.
10. الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة 1281هـ.
11. الميرزا الشيرازي المتوفى سنة 1312هـ.
12. الفقيه الهمداني المتوفى سنة 1322هـ.
13. المولى محمد كاظم الخراساني المتوفى سنة 1329هـ.
14. السيد محمد كاظم اليزدي المتوفى سنة 1337هـ.
15. الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى سنة 1338هـ.
16. الميرزا النائيني المتوفى سنة 1355هـ.
17. محمد حسين الأصفهاني المتوفى سنة 1365هـ.
18. أبو الحسن الأصفهاني المتوفى سنة 1365هـ.
19. محمد حسين كاشف الغطاء المتوفى سنة 1373هـ.
20. عبد الحسين شرف الدين صاحب كتاب المراجعات المتوفى سنة 1377هـ.
21. محمد حسين البروجردي.
22. محسن الحكيم.
23. عبد الهادي الشيرازي.
24. أبو القاسم الخوئي.
25. محمود الشاهرودي.
26. ميرزا مهدي الشيرازي.
27. محمد هادي الميلاني.
28. شهاب الدين المرعشي النجفي.
29. محمد رضا الكَلبايكَاني.
30. عبد الأعلى السبزواري.
31. محمد الروحاني.
32. محمد الحسيني الشيرازي.
33. علي السيستاني.
34. جواد التبريزي.
· استنتاج وتنبيه :
إذن فليس لنا إلا أن نقول تبعاً لفقهاء الإمامية وأعلامهم برجحان ذكر الشهادة الثالثة عقيب ذكر الشهادتين سواءً في الأذان والإقامة أو غيرهما من المواضع. هذا وينبغي التنبيه على أن فقهاء الشيعة الإمامية أعزهم الله رغم قولهم برجحان ذكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، إلا أنهم لم يعدّوها جزءً لهما، غير أن هناك من العلماء مَن لم يستبعد جزئيتها لهما، كما أن هناك من صرح بجزئيتها لهما.
ـــــــــــ الهوامش ـــــــــــ
(1) الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل : 4 / 435، مُحاضرات العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني حفظه الله، طبعة مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام، قم / إيران، سنة : 1417هـ، نقلاً عن شرح نهج البلاغة : 3 / 15، لأبن أبي الحديد المعتزلي.
(2) هذا الكتاب من جملة الكتب المخطوطة الموجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق.
(3) السلافة في أمر الخلافة : للشيخ عبد الله المراغي، من أعلام علماء السنة في القرن السابع الهجري، والكتاب مخطوط وموجود في المكتبة الظاهرية بدمشق.
(4) بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام ) : 37 / 295، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بأصفهان سنة : 1037، والمتوفى بها سنة 1110هـ، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة 1414هـ.
(5) المراد من " تهلَّل وجه الحق " هو المعنى الكنائي والمجازي وهو رضي الله عَزَّ وجَلَّ، كما هو واضح.
(6) بحار الأنوار : 38 / 318 و319، الحديث 27 من الباب : 67.
(7) بحار الأنوار : 27 / 1، الحديث 1 من الباب : 1.
(
بحار الأنوار : 38 / 318.
(9) أمالي الصدوق : 230، مجلس رقم 60، للشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، المولود سنة 305هـ بقم، والمتوفى سنة 381هـ