احتفاظ اصناف التمور لأسماء امازيغية كما سبق وان ذكرت ما هو الا دليل على قدم هذه الاصناف , واصالتها , وجودتها , فلولا جودتها ما بقيت بأسماءها إلى وقتنا الحاضر, لان الاصناف الرديئة لا يهتم بها الفلاح – وهذه الملاحظة تفيد الباحثين في علوم النخيل وتطويره – هذا فيما يخص تحديدا وبشكل عام الاصناف الليبية نظرا لاندثار اللغة الامازيغية في فزان, الا من الطوارق والذين هم إلى عهد قريب اهل بادية .
ومما لاشك فيه ان الراعى الاول بعد الله لهذه الاصناف هو الفلاح الامازيغى.
وينطوى هذا القول أيضا على الاصناف التونسية .
اما في الجزائر فالوضع مختلف بعض الشىء , (مع وجود بعض الاصناف بذات الاسماء والنوعية في تونس والجزائر ) .
لان سكان بعض الواحات الجزائرية الحاضنة لهذه الشجرة المباركة لا يزالون محافظين على اللغة الامازيغية , مثل واحات آدرار حيث نجد اهلها ...وليسو كلهم يتكلمون الامازيغية بلهجة تازناتيت , ومنطقة تاسيلى حيث ترعرعت اشجار النخيل هناك منذ زمن , وسنرى سوية بعض الاصناف من تاسيلى نلمح فيها نغمة كيل تاسيلى الامازيغية ( تماهقت ) , ومن اشهر واحات النخيل في الجزائر وادى مزاب بقراه الحاضنة للتمور واوفرها انتاجا : وهى تغردايت , تجنينت , آت بنور , آت يزجن , آت امليشت , آت برقان , القرارة , متليللى .
حملت اصناف تمور هذه الواحات اسماء امازيغية خفيفة على السمع سهلة على اللسان , وان حوت بعضها اسما له دلالة عربية واضحة الا ان من اسماها هو الفلاح الامازيغى بعفويته ولافتقار لسانه إلى الكلمة الامازيغية الاصيلة المندثرة , الا ان الافتقار للمفردة لم يكن سببا لضياع قواعد واسس اللغة الاصلية فصاغها جميلة عذبة , ممزوجة بين المفردة وقاعدة اللغة , لنعرف الصنف دون دراية مسبقة به, انه هو حامل الاسم , وتمثلت عفوية الفلاح الامازيغى في صنف ( تيمجوهرت ) , والذى اذا جئنا لاى احد بمجموعة من الاصناف وقلنا حزر فزر اى منها( تيمجوهرت ) لاشار واثقا.... ها هو...( لتيمجوهرت لونا احمر ياقوتيا اخاذا بالفعل ).
وبعض الاصناف اخذ اسماء مركبة من اسم علم وتابع لغوى مثل( او عروس ), لا بد وانه اسم لعائلة واو لقب من اكتشف الصنف واكثر منه .
, اغس بابا كاسى , اغس او نصير , اغس بابا على , اغس لطرش, تى لحسن ....الخ.
هذا ونجد ذات الاصناف بذات الاسماء في واحات يتكلم سكانها العربية على مقربة من الوادى مثل متليللى الشعانبة وضاية بن ضحوة .
وكما نجدالاصناف ( تاملالت ) ( تامزورت )(تزروفت ) للدلالة على الالوان .
بل وشمخت النخلة في الجزائر حتى في أوراس العز ليفوح من عراجينها همس شاوى نبيل .
واحتمت في ثنايا الاطلس رغم البرد وفاء لسكانه حيث تبادلت الدفء معهم .
ومن سفوح الجبال واعاليها والواحات الوسطى إلى توات عمق الصحراء الجزائرية كانت (تزدايت) خير وفي هناك .
ونالت نخلتنا شهرة فاقت مانالته من تربية ودلال في واحات ورقلا وتوقرت وسوف , حيث كانت رمز للثراء لمالكيها هناك, وحيث كان تافزوين غذاء للفقراء وازرزا غذاء للبشر وعلف للحيوان ...( ازرزا ام العيال ) ...هكذا قالوا في متليللى .
وآكربوش الاصيل الفذ ظل محافظا على نوعه واسمه رغم الداء والاعياء ( مقاوم للبيوض وهو آفة تصيب النخلة فتعدمها ).
اصالة ما بعدها اصالة من الله بها علينا في نخلتنا .
ومن براك في فزان حيث تشمخ تاليس , إلى ورقلا حيث عراجين الدقلة تتأجج نورا
تغزل شاعر شعبي اعرابى بنخلتنا حيث شده حنينه إلى بلده براك قائلا :
٭ماكيش كيف براك يا وارقلا ...براك تمرها تاليس وانتى دقلة .
حيث دخلت تاليس قاموس العامية دون صعوبة لسلاستها واريحيتها.
ومن فزان إلى واحات تونس وواحات الجزائر, وصلت نخلة ضاع اسمها الحقيقى فسميت بموطنها الذي جيئت منه ,( الفزانى ) , لاغرابة ان يكون تاليس او تافسرت او تاغيات او غيرها من الاصناف تكاثرت في واحات تمازغا العريضة , فنسبت إلى مسقط رأسها . ( لا محالة انه كان صنفا جيدا , فلا ضرورة لتحمل مشاق الرحيل به من فزان إلى الجريد وواحات الجزائر ).
في الجزائر تحديدا في سوف لم اجد من يعيننى على الاصناف هناك ...اشاروا إلى توقرت حيث المختبر , وكان الجميع في رحلة إلى واحة ورقلا , ...كانت خيبة ,حللت بمزاب زائرا لذاك الوادى الشيق المدهش حيث تفوح روح الاصالة والتراث الابي .
علمت بوجود مختبر للتمور في الوادى .... وكان مقره في بلدة ضاية بن ضحوة .
في المختبر تفضل على السيد المهندس : بلقج مالك , مشكورا بخمسة عشرة قائمة محصورة فيها اسماء اصناف التمور في كامل التراب الجزائرى .
في جداول مرقمة من 1 إلى 15 ويرمز كل رقم إلى اسم الواحة او الولاية المتواجد فيها الصنف مع اشارات تمثل نسبة التواجد .
كان السيد بلقج مالك على دراية ان الاصناف تحمل اسماء امازيغية , مع عدم معرفة دلالة الاسم .
كان معنا في المكتب موظفا يبدوا جليا من مظهره انه احد ابناء مزاب ( سرواله الميزابى وطاقيته البيضاء ) , اشار السيد بلقج عليه بيده وقال لى : عليك بأبناء الوادى فهم يتحدثون الامازيغية , ناشدته ما ذا تعنى الاسماء , تافزوين آكربوش , وغيرها .
اجاب بعدم المعرفة , وانها اسماء قديمة جدا , وما على لمعرفتها سوى اللجوء إلى اهل العلم والتخصص في اللغة – لانقويش – كما تفضل , علهم يفيدوننى فهذا شأنهم .
اعطانى الاخوة في المختبر اسماء الاصناف وكتابا عن انواع الفسائل ,شكل النخلة , حجم التمرة وطول السعف وكل ما يخصها من الناحية العلمية , كان الكتاب رقم واحد ,مما يفهم على انه لازالت ثمة كتب اخرى , وتقويما سنويا جميلا هدية منهم .
خرجت من المختبر متجها نحو غردايه كمن اصاب كنزا ...لم يكن كنزا ...كانت ثروة .
إلى هنا نصل معا إلى ثروة من الاسماء الامازيغية لاسماء اصناف التمور في الجزائر , ويليها الاخطار التى تواجه اصناف نخيل التمر , وتهددها بالانقراض و
نماذج لبعض السلالات الجديدة التى تم انتخابها من طرف الفلاحين بغرداية احببت نقلها تعميما للفائدة لمن يرى ذلك.