عقيدة التقيةعند الاثني عشرية
لقد عرف الفكر الإسلامي عبر التاريخ، الكثير من التيارات الفكرية، والمذاهب العقدية، المختلفة والمتباينة، لكن أكثرها دهاءً وتلونا، وأقدرها على التغلغل برفق في المجتمعات،
والذوبان بسلاسة في مختلف البيئات، هو المذهب الشيعي، فقد استفاد من الصياغة اليهودية المتقنة لعناصر التخفي والبقاء، وأتقن متَّبعوه سلاح التقية، وتلقوه عقيدة ودينا، وتربوا عليه منذ نعومة أظافرهم،
فعاش هذا المذهب مستخفيا عبر الزمن، يخفي عقائده، ويواري أفكاره، ولم تُعرف الكثير من كتب المذهب الشيعي إلا بعد قيام الدولة الصفوية في إيران، وإلا بعد انتصار ثورة الخميني،
حيث طبعت كتبهم واطلع العالم المسلم على هذا المذهب، وكان كثير من عقائده في طي الكتمان.
وهكذا نظَّر مؤسسوا هذا المذهب لعقيدة التقية
ليجعلوها من أهم ركائز الفكر الشيعي وأركانه، بل جعلوها تسعة أعشار الدين:
قال أبو عبد الله لأبي عمر:
«يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له»
وعنه أيضا قال:
«اتقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلا أكلته، ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت، لأكلوكم بألسنتهم، ولنحلوكم في السر والعلانية».
(انظر هذه الروايات في الكافي باب التقية ج 2 - ص 217 - 218)
وهكذا أخذت التقية مكانها من عقائدهم، وأصبحت ركنا من تركه قبل خروج القائم: «فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة» كما تزعم الرواية. ( الاعتاقادات ص114 – 115)
ولقد كانت هذه التقية، مصدر قوة للمذهب الشيعي، وأمانا كي يحيا بسلام داخل المجتمعات الإسلامية، ويفرِّخ ويبيض، حتى إذا ما وجد الفرصة الملائمة، والمكان المناسب، والجو الآمن،
اندلع كالنار في الهشيم، فيبدأ بنشر المذهب وتأسيس الدولة بالقوة، كدعاة الدولة الفاطمية، الذين أقاموا بالمغرب دولتهم، ونشروا بحد السيف مذهبهم، وقتلوا كل من خالفهم،
وقد كانوا في غاية من القلة والذلة، بل دخل المغرب ثلاث رجال ثم كونوا بعد ذلك دولة. ( انظر أخبار الدولة الفاطمية وما صنع دعاتها، تاريخ ابن خلدون ج 4 ص 31 فما بعدها)
لكن السحر انقلب على الساحر، فقد دمرت عقيدة التقية المذهب بكامله، وقضت بناءه من أركانه، وارتدت هذه المكيدة التي أسسها منظروا التشيع على مذهبهم بالنقض والإبطال
. وإليك السبب:يقول أحد علماءهم: «
غير خفي على ذوي العقول من أهل الإيمان، وطالبي الحق من ذوي الأذهان، ما بُلي به هذا الدين من أولئك المردة المعاندين -أي الصحابة- بعد موت سيد المرسلين، وغصب الخلافة من وصيه أمير المؤمنين، وتواثب أولئك الكفرة عليه، وقصدهم بأنواع الأذى والضرر إليه،
وتزايد الأمر شدة بعد موته صلوات الله عليه، وما بلغ إليه حال الأئمة صلوات الله عليهم من الجلوس في زاوية التقية، والإغضاء على كل محنة وبلية، وحث الشيعة على استشعار شعار التقية
، والتدين بما عليه تلك الفرقة الغوية -أي التدين بدين أهل السنة-، حتى كُورت شمس الدين النيرة، وخسفت كواكبه المقمرة، فلم يُعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل، لامتزاج أخباره بأخبار التقية، كما قد اعترف بذلك ثقة الإسلام وعلم الأعلام محمد بن يعقوب ...
فصاروا صلوات الله عليهم محافظة على أنفسهم وشيعتهم، يخالفون بين الأحكام وإن لم يحضرهم أحد من أولئك الأنام، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعددة وإن لم يكن بها قائل من المخالفين، كما هو ظاهر لمن تتبع قصصهم وأخبارهم وتحدى سيرهم وآثارهم» (الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 1 - ص 4 - 5).
فكانت المحصلة، نصوصا متضاربة، وأقوالا متعارضة، تنسب كلها إلى نفس الإمام، خوفا على نفسه كما يزعمون، ولا أدري ماذا يدفع عنه أن يضارب بين فتاويه، ويخالف بين أقواله
، وأي خوف يحمل الإنسان على هذا الكذب والافتراء على الله، والقول في دين الله ما ليس منه، وكيف يكون هذا الكذب دفعا للقتل عن النفس!! بل لأن يقتل المسلم ويقطع، أهون عليه من أن يقول على الله الكذب وهو يعلم!. وقد اعترف بهذا التضارب، شيخ الطائفة الطوسي كما يلقبونه بينهم، فقال وهو يحاول وجود حل لهذه المعضلة: «
ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا، بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا
، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا» (تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 ص2).
ثم ذكر عن شيخه أبي الحسن الهاروني العلوي أنه كان يعتقد الحق، ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث، وترك المذهب. (نفس المصدر)
وقد بلغ من خطورة هذا الأمر أن الإمام يفتي بشيء، فترد عليه فتواه، ولا يقبل منه قوله، بدعوى أنه تقية. كما وقع لأحدهم وهو شعيب العقرقوفي الذي سمع الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن أكل ذبائح أهل الكتاب
، قال شعيب: «فلما خرجنا من عنده، قال لي أبو بصير: كلها فقد سمعته وأباه جميعا يأمران بأكلها، ثم سأل الإمام عن ذلك،
فقال: لا تأكلها،
قال شعيب: فقال لي أبو بصير: كلها وفي عنقي،
فسأل الإمام ثانية، فقال: لا تأكلها،
فقال أبو بصير: سله ثالثة،
قال شعيب: فقلت: لا أسأله بعد مرتين» ( ذبائح أهل الكتاب - الشيخ المفيد - ص 9 - 10وبحار الأنوارج 63 ص15 ) وأبو بصير هذا من أكابر رواتهم.
فهذا حال الإمام المعصوم الذي لا يجوز مخالفته والراد عليه كالراد على الله تعالى، بعد أن أفسدت عليه التقية صدقه، وجعلت أتباعه يصدون عن قوله، ويردون فتواه في وجهه.
وقد نقضت هذه النصوص المتضاربة عقيدة عصمة الأئمة، وأن أقوالهم معصومة،
إذ أصبح لكل قول قول يضربه،
ولكل دليل دليل يناقضه، فأين كلام الإمام الذي هو حجة على الخلق، هل هو ذا أم ذا!!! وأي القولين تقية!؟
وسنذكر أمثلة استعمالهم لهذه التقية التي قطعت المذهب، وملأته بالاختلاف والاضطراب، فضاع بذلك ما أصلوه من اللطف بوجود الإمام، والأمر بطاعته، وأنه لولاه لما عرف الناس كيف يعبدون الله، وغير ذلك،
وكما ذكر الطوسي فإن هذا من أكبر الطعون على المذهب، فكل ما حاولوا إيراده لإثبات وجوب وجود الإمام، وأنه لطف لازم لحفظ الشريعة وهداية الخلق، قد انتقض
، فأصبح الإمام وأقواله سببا للاختلاف والاضطراب، وتضليل الناس، فيفتي مرة بالإباحة ومرة بالتحريم، ومرة يفسر الآية بمعنى، ومرة بمعنى مخالف، وما هذا الاختلاف الكثير، إلا مصداق واضح لقوله تعالى «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»
فمن أمثلة استدلالهم بالتقية،
أنه عندما استدل عليه م مخالفوهم ببطلان ما ادعوا من أن الرسول صلى الله عليه وآله قد وصَّى بالخلافة لعلي، وأن الصحابة ظلموه حقه، واغتصبوا منصبه، بأنه لو كان الأمر كما زعموا،
لما زوج علي ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة المسلمين، فهذا دليل على الأخوة التي كانت تربطهم، والمودة التي كانت تسري في قلوبهم، مع رابطة الدين المتينة، فيجيبون بأن ذلك كان من علي تقية.
يقول الطوسي
«فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتموه من النص لما زوج أمير المؤمنين عليه السلام بنته من عمر،
وفي تزويجه إياها دليل على أن الحال بينهم كانت عامرة بخلاف ما تدعونه، ويدعي كثير منكم أن
دافعه كافر.
قلنا: في أصحابنا من أنكر هذا التزويج، وفيهم من أجازه وقال فعل ذلك لعلمه بأنه يقتل دونها، والصحيح غير ذلك وأنه زوجها منه تقية». ( الاقتصاد - الطوسي - ص 213)
والعجب كيف ينسبون لعلي الشجاعة والقوة ويضيفون إليه الخوارق والمعاجز، ثم يروون عن أبي عبد الله أنه قال في تزويج أم كلثوم: «إن ذلك فرج غصبناه» (الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 346).
وكيف يرضى علي أسد بني هاشم بهذا الذي لا يرضى به صعلوك من صعاليك العرب، فضلا عن ساداتهم وأشرافهم في الجاهلية والإسلام .
وبسبب التقية أيضا،
تتضارب الروايات عن الإمام المعصوم حتى في تفسير كلام الله تعالى:
فعن موسى بن أشيم قال: « كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين
فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطاء كله، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أن ذلك منه تقية،
قال: ثم التفت إلي فقال لي:
يا ابن أشيم إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود
فقال: « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب» وفوض إلى نبيه، صلى الله عليه وآله
فقال: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»
فما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا» ( الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 265 – 266).وهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناقض أخباره، ويفتن أصحابه حتى كأنهم يشرحون بالسكاكين!!
وهكذا يتربى الشيعة على التقية، وعندما تلتقي شيعيا وتسأله عن بعض عقائد مذهبه كتكفير الصحابة مثلا، فإنك ستجده ينكر ويقسم ويتهرب،
ويستخدم أغلظ الأيمان، ويدعوا ثبورا، ويلعن من قال ذلك، وكل هذا مباح في شرعه، بل هو مثاب على كذبه ونفاقه، بل لو تركها لخرج من دين الإسلام.