عقيدة البداء عند الشيعة الاثني عشرية
إن من العقائد الباطلة التي ابتدعها اليهود، وافتروها في دينهم، قولهم بالبداء على الله عز وجل، وأنه يبدو له الشيء فيغير ما كان قد سبق له تقديره،
ويقولون في التوراة: «إن الله ندم على خلق البشر لما رأى سوء أفعالهم» تعالى الله. (انظر بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود -عبد الله الجميلي- فقد نقل النص من التوراة ج1 ص317)
ولعله تم استيراد هذه العقيدة للمذهب الشيعي بدافع الحاجة، إذ أن من أصوله ، أن الإمام يعلم الغيب، فكانت أخبار أئمتهم ترِد ببشارة قريبة، أو نصر متوقع، أو ظهور للمهدي، فيتخلف الوعد، ولا يحصل المأمول، فيعتذر الإمام بأن الله قد بدا له شيء فغير أمره، أما الإمام فقد أخبر على نحو ما كان قبل البداء.
ولهذا لما توفي إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، في حياة أبيه
، وقد كان أبوه عينه على أنه الإمام من بعده، نسبوا إلى أبي جعفر أنه قال: «
ما بدا لله في شيء كما بدا له في ابني إسماعيل ... إذ اختره قبلي، ليعلم أنه ليس بإمام بعدي» (الاعتقادات في دين الإمامية ص 41 والتوحيد كلاهما لابن بابويه «الصدوق» - ص336).
لكن من الشيعة من لم يقبل هذا التعليل، ولم تنطل عليه الحيلة، ولم يقبل أن يتغير الإمام، فانشقوا عن أصحابهم، وتوقفوا على إسماعيل، وزعموا أنه المهدي ...
ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يخطئ فيها خبر المعصوم، ويعين الإمام ابنه المنصوص عليه بزعمهم من الله عز وجل، ثم يموت الولد المعين، قبل موت أبيه الإمام.
فقد حصل أن مات محمد بن علي التقي الإمام العاشر، وقد كان أبوه عينه هو الإمام من بعده، وإليك الخبر: عن أبي هاشم الجعفري
قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر ابن محمد عليهم السلام،
وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام، فأقبل عليَّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: «نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له،
كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة».
(الكافي ج 1 - ص 327 ومدينة المعاجز ج7 ص522 والإرشاد للمفيد ج2 ص314 وكشف الغمة -الإربلي- ج3ص201)
ويروون أن هذه العقيدة التي تنسب الجهل إلى الله عز وجل ، هي من تعظيم الله عز وجل.
ففي رواياتهم:
«ماعبد الله بشيء مثل البداء» و «ما عظم الله بشيء بمثل البداء» (انظر الروايتين في الكافي ج1 ص 146 - 148)
وقد كثر التترس بهذه العقيدة في موضوع المهدي، إذ تكررت البشارات بظهوره،
واقتراب الفرج بخروجه، ولكن يأبى الله الذي لا يطلع على غيبه أحدا إلا إكذاب هذه الدعوات، ومع ذلك فلا حرج على الإمام، فإنه كان قد اطلع على اللوح المحفوظ فأخبر صادقا بما سيقع، لكن الله بدا له، فمحا وأثبت.وكانت البشارات تضرب لآجال قريبة في بادئ الأمر.
فقد قال أبو جعفر:
«ليس بين قيام القائم عليه السلام وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة» (الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 374)
ثم زيد في المدة ...
فعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
«يا ثابت: إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض،
فأخره إلى أربعين و ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب» (الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 368).
وتكرر هذا الأمر، وطالت الحسرة على هؤلاء الذين ينتظرون الفرج، واشتد يأسهم، وتكرر إخلاف أئمتهم، فيموت أحدهم أسفا قبل يدركه الموت ويدفن في حفرته، وقد قضى عمره ينتظر المهدي، لينتقم وينتصر، ويشفي الصدر، لكنه لا يدرك إلا الغم والنكد، ولا يلقى من انتظاره إلا حرقة الانتظار،
ويصور لنا أحد شعرائهم هذه الآلام فيقول:
كفى أسفا أن يمر الزمان * ولست بناه ولا آمر
وأن ليس أعيننا تستضئ * بمصباح طلعتك الزاهر
على أن فينا اشتياقا إليك * كشوق الربى للحيا الماطر
وطول انتظارك فت القلوب * وأغضى الجفون على عائر (ديوان السيد حيدر الحلي ج 1 - ص 32)
وتطييبا لخاطر هذا الذي قضى عمره في تتبع الأخبار وانتظار الإمام،
رووا عن أبي عبد الله أنه قال:
«من مات وهو عارف لإمامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات و هو عارف لإمامه، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه» وليس أمامه في القبر إلا منكر ونكير.(الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 372).
وما أشد ما تأخر هذا الفرج على منتظريه، وطال الوقت على مؤمليه، ولعل مدبري هذا الأمر كانوا على علم بأن لا فائدة من الانتظار، وأن لا فرج قريب، ولا مهدي سيظهر، بل لقد كانوا على علم تام، وإليك سيد الأدلة، أعني اعترافهم بأنهم كانوا على علم بما يفترون:
فقد روى الكافي عن علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «
الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة، قال: وقال يقطين-يقطين سني وابنه شيعي- لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ -
أي ما كان يبشر به من ظهور دولة بني العباس- قال: فقال له علي: إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أن أمركم حضر، فأعطيتم محضه، فكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر، فعللنا بالأماني، فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة، لقست القلوب ولرجع عامة الناس من الإسلام،
ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس وتقريبا للفرج» (ج 1 - ص 369)، وما زالت الشيعة تربى بتلك الأماني إلى اليوم، أي منذ ثلاثة عشر قرنا.
وهذه حكمة عظيمة من حكم تشريع البداء واهتمام الأئمة به، كما ذكر علامتهم المجلسي، فقد علل هذا الاهتمام البالغ أنه لحكم كثيرة، وذكر منها: «أن يكون في هذه الأخبار تسلية من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة الحق وأهله ... لأنهم عليهم السلام لو كانوا أخبروا الشيعة في أول ابتلائهم باستيلاء المخالفين وشدة محنتهم، أنه ليس فرجهم إلا بعد ألف سنة، ليئسوا ورجعوا عن الدين. ولكنهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج، وربما أخبروهم بأنه يمكن أن يحصل الفرج في بعض الأزمنة القريبة،
ليثبتوا على الدين، ويثابوا بانتظار الفرج كما مر في خبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه» (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 4 - ص 131 - 132).
ثم ساق الحديث السابق ذكره من أن الشيعة تربى الأماني فاعترفوا أنهم كانوا يخبرونهم بخروج المهدي وهم يعلمون يقينا أنه لن يخرج في ذلك الوقت، تثبيتا وتأليفا، وقد صدقهم أولائك المساكين، ويا للعجب من هذا العالم الذي يعتبر الكذب حكمة عظيمة، ويتبع إماما كذابا، يربي أتباعه بالأكاذيب.
وفي الحقيقة إن المتتبع لأحوال الشيعة ليرثي لما هم عليه، فهاهم مشايخهم يربونهم بالأماني، ويعدونهم بالشيء ليسكنوهم ويدخلوا عليهم السرور، تماما كما يعد الأب المعدم ابنه بشراء ما طلبه منه، ويبتسم في وجهه ويجفف دموعه، وهو يعلم في نفسه أن هذا لن يكون،
ثم إنك لترثي لحالهم أكثر، وأنت ترى ما يلحقونه بأنفسهم وبأبنائهم من الأذى والجراحات، وإراقة الدم وضرب الصدور والظهور بالسلاسل،تقربا إلى الله، فلم يكفهم الأذى المعنوي والنفسي الذي ألحقوه بهم، حتى أثخنوهم بالجراح، وآلموهم بالسياط، وأخذوا أموالهم باسم الخمس، واستحلوا فروج بناتهم باسم المتعة، وجعلوهم أضحوكة الأولين والآخرين، «ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء».
وصدق الحق سبحانه وتعالي أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) سوره محمد
وقال تعالي
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)