لسنا بصدد الحديث عن قضية عقائدية تتناول ظهور المصلح الذي سيخرج في آخر الزمان لأنقاذ البشرية ، فهذه النظرية موجودة في فلسفة الكثير من الديانات السماوية وغير السماوية أيضاً ، ونحن نحترم معتقدات الآخرين بغض النظر عن موقفنا منها ، لكننا اليوم سنتناول مشروع سياسي مرتبط بقضية المهدي المنتظر ، أو بمعنى آخر "مهدي الفرس المنتظر" (حتى لانتهم بمساس مهدي الآخرين) ، لأن مهدي الفرس ، الذي نتحدث عنه ، يعمل على نصرة إيران وتحقيق أهدافها السياسية فقط!!، أكرر هذه الجملة وكأنني أرفع صوتي ليصل إلى أبعد مدى ممكن ، مهدي الفرس مهمته نصرة إيران فقط وليس له أي علاقة بالبشرية لا من قريب ولا من بعيد ، هل هناك حاجة إلى التكرار حتى يعي (الموالون) لإيران هذه الحقيقية ، على العموم ... سنبدأ الموضوع بسؤال لطالما طرحته دون أن أحصل على أجابة شافية حتى من شخصيات دينية بارزة ، فقد جاء في كتاب (الغيبة للطوسي – ص471) أن شخصاً سأل الأمام جعفر الصادق (رض) ، "هل المهدي والقائم واحد"؟!.. فأجاب الصادق "نعم" .. فقال "لأي شيء سمي المهدي"؟!.. فأجاب الصادق "لأنه يهدي إلى كل أمر خفي"!!، السؤال .. بما أن المهدي (يهدي) إلى كل أمر خفي فلماذا لا يطلق عليه المُهدي (بضم الميم)؟!، لأن (المهدي) هو أسم مفعول وليس أسم فاعل ، وهذا يناقض الصفة التي يحملها!!، فهل هناك من يحل لنا هذه العقدة؟!، كما يبدو أن كلمة (المهدي) تلفظ كما تكتب في اللغة الفارسية!!، لأن المهدي الذي نحن بصدده هو صناعة إيرانية.
لقد صاغ الفرس سيناريو المهدي المنتظر (الخاص بهم) بطريقة دقيقة ومحكمة ، وهو على مرحلتين ، مرحلة ما قبل الظهور التي يكلف بها الرعية شرعاً بالتمهيد والتعجيل للظهور ، ثم تأتي مرحلة الظهور التي يسعى الرعية لأدراكها ، بشكل عام ... وضع الفرس صيغة للمهدي المنتظر شبيهة بفهوم خط الأفق ، فخط الأفق يراه الجميع من مسافة ثابتة مع أختلاف مواقعهم ، واللحاق به شيء مستحيل لأنه فاصل وهمي ، (لازلت أتكلم عن المهدي الذي يروج له الفرس وليس غيره) ، لأن الفرس تعمدوا أن تكون مرحلة الظهور وهمية ، كخط الأفق ، لايمكن أن يصل لها أحد ، فقد وضعوا عراقيل وحواجز لايمكن تجاوزها!!، والسؤال المهم .. لماذا لايريد الفرس ظهور المهدي المنتظر؟!.
يسبق ظهور مهدي الفرس (علامات) تبشر بقرب ظهوره وهي تبدأ في مرحلة ما قبل الظهور ، ولهذه (العلامات) أهمية كبيرة لدى الفرس ، ويمكن أعتبارها أساس قضية مهدي الفرس المنتظر من الأف إلى الياء ، لأن الرعية مكلفون بالسعي لتحقيق القدر الممكن من هذه العلامات بكل السبل المتاحة أو على الأقل عدم الوقوف في طريق ما يحققها وذلك للتعجيل بظهور المهدي المنتظر!!، يعني .. لو وضع شرط معين لبلوغ كنز فأن تحقيق الشرط يكون له الأولوية لدى الباحثين عن الكنز ، بنفس الطريقة فأن ظهور المهدي هو الكنز الذي يبحث عنه الرعية ومن أجله يسعون لتحقيق الشروط!!، وهنا تظهر أهمية العلامات لدى الفرس ، وهي دائماً ما تتغير وتظهر بديلة تتلائم مع أهداف الفرس ، مثال على ذلك .. عندما تآمر (مؤيد الدين أبن العلقمي الفارسي) مع المغول لأسقاط الدولة العباسية عام 1258 ، عمل الفرس على تهيئة شيعة العراق لتقبل أمر الأحتلال المغولي والرضوخ له ، بل تسهيله أن أمكن ، فأدعوا أن من علامات ظهور المهدي هي سقوط بغداد على يد المغول ، حيث سيخرج المهدي لقيادة الجيش الاسلامي لتحريرها!!، لكن المهدي لم يظهر لحد الأن رغم مرور (755) عام على وصول هولاكو لبغداد!!، وأنتهت تلك العلامة ، وأصبحت في طي النسيان ، وظهرت بعدها علامات آخرى تتلاءم دائماً مع المشاريع الفارسية!!، وهنا يجب أن نشير إلى أمر بالغ الأهمية ، في تلك الفترة التي أحتل فيها المغول بغداد ، (القرن الثالث عشر) ، لم يكن الفرس قد أعتنقوا التشيع ، بل كان السواد الأعظم منهم على المذهب السني ، وهذا يعني أن الفرس أستغلوا قضية المهدي المنتظر لأغراض سياسية قبل أن تكون لهم دولة مستقلة عن الدولة العربية الأسلامية ، وقبل أن يفرض الشاه أسماعيل الصفوي (تشيعه) على الفرس بالحديد والنار بنحو قرنين ونصف ، أذاً .. كيف يتعامل الفرس اليوم مع قضية المهدي المنتظر ويستغلونها لصالحهم بعد أن اصبحت لهم دولة شيعية يحكمها رجال الدين؟!.
لو راجعنا (التشكيلة الأخيرة) لعلامات الظهور سنلاحظ أنها على شكلين ، الشكل الأول عبارة عن أهداف سياسية وتوسعية تسعى إيران لتحقيقها من خلال الرعية تحت شعار التعجيل بظهور المهدي بتحقيق علامات الظهور ، ومن أهمها:
(أنتقال العلم من النجف إلى قم)هذه العلامة طرُحت بعد أن بدأ الفرس بالسعي لقيادة المجتمع الشيعي من إيران ، عن طريق نقل الحوزة العلمية والمرجعية الدينية من (النجف) إلى (قم) ، فأذا ما وضع هذا الهدف كواحدة من علامات ظهور المهدي المنتظر فأن الرعية سيسعون لتحقيقها!!، أي سيعملون على جعل (قم) في المقدمة ، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة إن حوزة (قم) بدأت تستقبل طلبة العلوم الدينية من غير الإيرانيين بشكل ملفت للنظر ، حتى من العراق بدأوا يلتحقون بإيران ويتركون النجف خلف ظهورهم ، وأذا ما بحثنا في ملف قدوم (محمود هاشمي الشاهرودي) للعراق سنجد أن من بين المهام المكلف بها هي أفتتاح حوزة علمية في النجف ، بكادر تدريسي فارسي سينقلون من إيران إلى النجف بتوجيه من الولي الفقيه ، وهذا يعني أن حوزة النجف العلمية ستكون تابعة لحوزة قم.
(قيام الجمهورية الأسلامية في إيران تمهيداً لدولة المهدي)
طموح رجال الدين الفرس بالوصول إلى كرس الحكم قادهم لبناء معتقد يربط الدين بالسياسة ، وقد ظهر هذا الطموح بوضوح في فترة الحكم القاجاري (1779 – 1925) ، التي برز فيها دور رجال الدين ونفوذهم في إيران بشكل كبير ، ولم يغفل الفقهاء الطامحون بالسلطة أن يساوموا على كرسي الحكم مقابل ظهور المهدي المنتظر!!، فجعلوا أحد شروط الظهور تسلم مقاليد الحكم في إيران!!، وحتى يجعلوا منها قلعة حصينة حمايتها والحفاظ على نظامها المتأسلم واجب ديني ، ربطوها مباشرة بالمهدي المنتظر ، وأدعوا أنها القاعدة التي سيبني على أساسها المهدي المنتظر دولته الموعودة!!، لعبة ذكية جداً ، حفزوا الناس في البداية على القبول بحكم رجال الدين ، ثم جعلوهم السور الذي يحميها ، لكن حبل الكذب قصير ، ولابد للحقيقة أن تنكشف ، فقد نقلت صحيفة الإمام الإيرانية الصادرة بتاريخ 9 / محرم / 1402 هـ ، ص 319 ، وتحت عنوان "أهمية صيانة الجمهورية الأسلامية" رؤيا الخميني الذي يعتبر (الحفاظ على الجمهورية الأسلامية في إيران أهم من حياة المعصوم حتى وإن كان الأمام المهدي النتظر)!!، أذاً .. كشفت هذه الرؤية الخمينية كل الملعوب ، وظهر أن حكم رجال الدين أهم من المهدي المنتظر نفسه!!.
(حزب يقاتل على أبواب بيت المقدس يلقي عناية الأمام الحجة قبل الظهور) المقصود هنا هو حزب الله اللبناني ، ومن العجيب أن المهدي المنتظر يوجه عنايته لتنظيم حزبي ويغض نظره عن المجاعة في الصومال!!، فمن هو الأهم بالرعاية منطقياً؟!، حسب الأجندة الإيرانية أن لفت أنتباه العامة من الناس نحو تنظيم يخدم السياسة الفارسية هو أوجب ، ولهذا وضعوه شرطاً يسبق الظهور حتى يلقى دعم وتأييد العامة الذين ينتظرون ظهور المهدي بفارغ الصبر.
(خروج رجل من قم) شهدت المؤسسة الدينية الشيعية صراعاً طويلا بين رجال الدين في قم والنجف ، بدأ منذ منتصف القرن السادس عشر ووضع أوزاره (تقريباً) بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لصالح رجال الدين في قم ، أساس ذلك الصراع هو جعل ثقل المؤسسة الدينية الشيعية في قم بدلا من النجف ، أو على الأقل تكون النجف تابعة لقم ، ففي قمة ذلك الصراع الطويل كان رجال الدين الفرس في إيران يسعون لأبراز دور قم ولفت أنتباه الشيعة لها ، فكان لابد أن يكون لها وجود في مسلسل علامات الظهور ، فأدعوا أن من العلامات التي تسبق ظهور المهدي هو خروج رجل من قم يدعو الناس للحق!!، وهذه أشارة لأتباع رجال الدين في قم ، لأن وقت الظهور غير معلوم والرجل غير محدد ، وهذا يعني أن الشرط يمكن أن يطبق على كل شخص (حصراً في قم)!!، وقد قال البعض أن هذا الشرط تحقق بظهور الخميني الرجيم (أسكنه الله في قعر جهنم).
(العمائم السود من ذرية الرسول يقاتلون أعداء المهدي المنتظر قبل الظهور) سؤال ... في العراق الجديد لاتستطيع أن تقول أن السيستاني زنديق ، لأن جميع أتباعه سيغضبون ويتظاهرون ، ويطالبون بالقصاص من القائل!!، نفس الحال مع جيش الدجال ، فأن كلمة واحدة تمس مقتدى الصدر كفيلة بقتل صاحبها والتمثيل بجثته!!، أذاً السؤال هو .. ماذا سيكون مصير من يعادي المهدي المنتظر؟!، الموقف هنا مختلف بالنسبة لعامة الرعية لأنه مرتبط بأساسيات المذهب ، وبالتالي فأن القاعدة الجماهيرية ستكون كبيرة الحجم ، وهذا ما يحتاجه أهل العمائم ، الذين يطمحون بالسلطة والحكم ، لدعمهم وحمايتهم ، فما أن يربطوا أعداءهم بالمهدي المنتظر حتى تصبح القاعدة الجماهيرية بأكملها تابعة لهم ، وأكبر دليل على ذلك أدعاء إيران بأن أمريكا غزت العراق من أجل محاصرة المهدي المنتظر حال ظهوره!!، المشكلة أن أحد ما لم يسأل الإيرانيين كيف لهم أن يساهموا بتسهيل أمر الأحتلال الأمريكي للعراق (حسب أعتراف أبطحي ورفسنجاني) وهم يعلمون أن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو المهدي المنتظر!!.
(قيام حكم أسلامي في العراق موالي لإيران)
جاء من ضمن هذه العلامة أن تكون البصرة ولاية تابعة لإيران!!، وعلى الرعية أن يعجلوا الظهور بتحقيق هذه العلامة ، أو ترك الأمور تأخذ مجراها دون أعتراض من أحد!!، طيب ... لو كان العكس هو الصحيح فهل ستطالب إيران بتعجيل الظهور؟!، مع الأسف أن بعض السذج أنطلت عليهم ألاعيب الفرس ، ولم يسأل أحد لماذا كل هذه العلامات التي يجب أن تتحقق مكاسبها تعود لإيران؟!.
هناك الكثير من العلامات التي تصب بصالح إيران ، ولهذا قلنا منذ البداية أن المهدي المنتظر الذي يروج له فرس ليس له علاقة بالبشرية وأنما مهمته نصرة القضايا والأهداف الإيرانية ، لكننا سنكتفي بهذا القدر ، أما الشكل الثاني من علامات الظهور فقد صاغها الفرس لكي لاتتحقق أبداً ، مثل ، الصرخة المدوة التي تخرج من السماء ، حدوث خسوف وكسوف في غير موقعهما وفي بعض المصادر قالوا أن الأرض ستدور عكس أتجاهها ، فتغرب الشمس من المشرق وتشرق من المغرب ، وغيرها من العلامات التي لم تسبق الرسول الأعظم محمد أبن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لكن الفرس أرادوا منها أن تكون شروطاً ليس للبشر مقدرة على تحقيقها ، فمن المستحيل أن تدور الأرض عكس أتجاهها أو يحدث كسوف في غير موقعه ، وسبب وضعهم لهذه الشروط التعجيزية هو ضمان البقاء في المرحلة الأولى دون الأنتقال إلى مرحلة الظهور!! ، بصورة أكثر وضوحاً ، أن الفرس لايريدون أن يأتي شخص ويدعي أنه المهدي المنتظر أو يعلن عن ظهور المهدي في مكان ما ، كما فعلها جيهمان في الحرم المكي عام 1979 ، أو كما يحدث اليوم مع أحمد الحسني الذي يدعي أنه اليماني الموعود!!، لأن ذلك يعني نسف نظرية المهدي المنتظر وأحراق الورقة الرابحة التي يلعب عليها الفرس منذ زمن طويل ، وربما هدم المعتقد بإكمله ، فغاية الفرس هي أستمرار المرحلة الأولى ، التي يسعى فيها الرعية لتحقيق علامات الظهور المفصلة على مقاس الأهداف والمساعي الإيرانية في كل زمان ومكان ، وعدم وجود علامات تعجيزية تضمن أستمرار المرحلة الأولى ستؤدي إلى ظهور أشخاص بين فترة وآخرى يدعون أنهم المهدي المنتظر ، وهذا سيذهب بمصداقية نظرية المهدي أدراج الرياح ، وبذلك يخسر الفرس ورقة رابحة ، تجعل الرعية ينظرون نحو خط الأفق ويحاولون اللحاق به.