يقول (شيخ الإسلام الأموي) الحراني في مجموع فتاويه ج15 ص 20 – 21 أو (29 – 30 حسب طبعة أخرى ):
وقال شيخ الإسلام:
((قوله سبحانه: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 88، 89]،
ظاهره دليل على أن شعيبا والذين آمنوا معه كانوا على ملة قومهم؛ لقولهم:{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}، ولقول شعيب: أنعود فيها {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}، ولقوله: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم} فدل على أنهم كانوا فيها. ولقوله:{بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا}.
فدل على أن الله أنجاهم منها بعد التلوث بها؛ ولقوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا}، ولا يجوز أن يكون الضمير عائدًا على قومه؛ لأنه صرح فيه بقوله: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ}؛ ولأنه هو المحاور له بقوله: {أَوَلَوْ كُنَّا} إلى آخرها، وهذا يجب أن يدخل فيه المتكلم، ومثل هذا فى سورة إبراهيم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} الآية [إبراهيم:13].))
وَقَالَ شيخ الإسلام
((هذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها، ومنها قوله:{لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا} الآية [الأعراف: 88] وما فى معناها.
التحقيق: أن الله ـ سبحانه ـ إنما يصطفى لرسالته من كان خيار قومه حتى في النسب، كما في حديث هرقل. ومن نشأ بين قوم مشركين جهال، لم يكن عليه نقص إذا كان على مثل دينهم، إذا كان معروفًا بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه، وترك ما يعرفون قبحه.
قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، فلم يكن هؤلاء مُسْتَوْجبين العذاب، وليس فى هذا ما يُنَفِّر عن القبول منهم؛ ولهذا لم يذكره أحد من المشركين قادحًا.
وقد اتفقوا على جواز بعثة رسول لا يعرف ما جاءت به الرسل قبله من النبوة والشرائع، وأن من لم يقر بذلك بعد الرسالة فهو كافر ، / والرسل قبل الوحي لا تعلمه فضلاً عن أن تقر به، قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} الآية [النحل: 2]، وقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى
مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر: 15]، فجعل إنذارهم بالتوحيد كالإنذار بيوم التلاق، وكلاهما عرفوه بالوحي.
وما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم بُغِّضَت إليه الأوثان، لا يجب أن يكون لكل نبي، فإنه سيد ولد آدم، والرسول الذي ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم يكون أكمل من غيره، من جهة تأييد الله له بالعلم والهدى، وبالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم.
ولـهذا يضيف الله الأمر إليهما في مثل قولـه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} الآيـة [الحديد: 26] {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} الآية [آل عمران: 33] وذلك أن نوحًا أول رسول بعث إلى المشركين، وكان مبدأ شركهم من تعظيم الموتى الصالحين. وقوم إبراهيم مبدأه من عبادة الكواكب، ذاك الشرك الأرضي، وهذا السماوي؛ ولهذا سد صلى الله عليه وسلم ذريعة هذا وهذا.)) انتهى قول الحراني.
وقال آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي رحمة الله عليه في تفسيره الرائع : الميزان في تفسير القرآن ج8 ص 195 طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات :
((قوله تعالى: "قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب" الآية.
لم يسترشد الملأ المستكبرون من قومه بما أرشدهم إليه من الصبر و انتظار الحكم الفصل في ذلك من الله سبحانه بل بادروه بتهديده و تهديد المؤمنين بإخراجهم من أرضهم إلا أن يرجعوا إلى ملتهم بالارتداد عن دين التوحيد.
و في تأكيدهم القول "لنخرجنك" و "لتعودن" بالقسم و نون التأكيد دلالة على قطعهم العزم على ذلك، و لذا بادر (عليه السلام) بعد استماع هذا القول منهم إلى الاستفتاح من الله سبحانه.
قوله تعالى: "قال أ و لو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم" الآية.
أجاب (عليه السلام) بكراهة العود في ملتهم بدليل ما بعده من الجمل، و لازم ذلك اختيار الشق الآخر على تقدير الاضطرار إلى أحدهما كما أخبروه.
و قد أجاب (عليه السلام) عن نفسه و عن المؤمنين به من قومه، و ذكر أنه و المؤمنين به جميعا كارهون للعود إلى ملتهم فإن في ذلك افتراء للكذب على الله سبحانه بنسبة الشركاء إليه، و ما يتبعها من الأحكام المفتراة في دين الوثنية فقوله: "قد افترينا على الله كذبا" الآية.
بمنزلة التعليل لقوله: "أ و لو كنا كارهين".
و من أسخف الاستدلال الاحتجاج بقوله: "إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها" على أن شعيبا (عليه السلام) كان قبل نبوته مشركا وثنيا - حاشاه - و قد تقدم آنفا أنه يتكلم عن نفسه و عن المؤمنين به من قومه و قد كانوا كفارا مشركين قبل الإيمان به فأنجاهم الله من ملة الشرك و هداهم بشعيب إلى التوحيد فقول شعيب: "نجانا الله" تكلم عن المجموع بنسبة وصف الجل إلى الكل، هذا لو كان المراد بالتنجية التنجية الظاهرية من الشرك الفعلي و أما لو أريد بها التنجية الحقيقية و هي الإخراج من كل ضلال محقق موجود أو مقدر مترقب كان شعيب - و هو لم يشرك بالله طرفة عين - و قومه - و هم كانوا مشركين قبل زمان إيمانهم بشعيب - جميعا ممن نجاهم الله من الشرك إذ لا يملك الإنسان لنفسه الهالكة ضرا و لا نفعا و ما أصابه من خير فهو من الله سبحانه.
و قوله: "و ما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا" كالإضراب و الترقي بالجواب القاطع كأنه قال: نحن كارهون العود إلى ملتكم لأن فيه افتراء على الله بل إن ذلك مما لا يكون البتة، و ذلك أن كراهة شيء إنما توجب تعسر التلبس به دون تعذره فأجاب (عليه السلام) ثانيا بتعذر العود بعد جوابه أولا بتعسره، و هو ما ذكرناه من الإضراب و الترقي.
و لما كان قوله: "و ما يكون لنا أن نعود فيها" في معنى أن يقال: "لن نعود إليها أبدا" و القطع في مثل هذه العزمات مما هو بعيد عن أدب النبوة فإنه في معنى: لن نعود على أي تقدير فرض حتى لو شاء الله، و هو من الجهل بمقامه تعالى، استثنى مشية الله سبحانه فقال: "إلا أن يشاء الله ربنا" فإن الإنسان كيفما كان جائز الخطإ فمن الجائز أن يخطىء بذنب فيعاقبه الله بسلب عنايته به فيطرده من دينه فيهلك على الضلال.))
وأترك الحكم للقرّاء المنصفين غير متحجري العقول الذين ينكرون دوران الأرض ويكفرون من قال بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس الشمس حول الأرض كما يزعم زعيمهم ابن باز.