وقد روت أخبار هذا التحذيرالنبوي مصادر الجميع في حجة الوداع ففي صحيح البخاري :1/ 38 : أن النبي صلى اللهعليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس فقال : لا ترجعوا بعدى كفارا يضرببعضكم رقاب بعض ! وفي : 2/191 : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يومالنحر فقال : يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلدحرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامكحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهمهل بلغت اللهم هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما فوالذي نفسي بيده إنها لوصيتهإلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض!) وقدخففها البخاري في : 5/ 126 : فاستبدل لفظ ( كفاراً ) بلفظ ( ضلالاً ) ! ! وقد عقدابن ماجة في سننه: 2/1300 : باباً بعنوان : باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكمرقاب بعض . . ! !والذي يتأمل في التحذيراتالنبوية يعرف أن معنى هذا التحذير أن الإقتتال بين أصحابه سوف يقع ، بل أخبرهمبصراحةً أنهم سيفعلون ، ولكنه صلى الله عليه وآله يستعمل بلاغته وعاطفته في التخويفوالتحذير ، ليقيم الحجة عليهم لربه عز وجل من ناحية ، ويترك لهم الحرية من ناحية ،حتى إذا وافوه يوم القيامة لا يقولوا : لماذا لم تحذرنا ؟!والذين يحذرهم من الإقتتالليسوا إلا الصحابة لا غير . . لا اليهود ولا القبائل العربية ، ولا حتى زعماء قريشبدون شركائهم من الصحابة .. فالدولة الإسلامية كانت قائمة ، وقد حققت مركزيتها علىكل الجزيرة ، والخوف من الإقتتال بعد النبي صلى الله عليه وآله ليس من القبائل التيخضعت للإسلام طوعاً أو كرهاً ، مهما كانت كبيرة وموحدة مثل هوازن وغطفان.. فهي لاتستطيع أن تطمح إلى قيادة هذه الدولة ، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح ، إلابواسطة الصحابة ..واليهود لا يمكنهم أن يقودواالعرب فضلاً عن دولة الاسلام ، كما أنهم لا يشكلون خطراً عسكرياً بعد أن حطم النبيصلى الله عليه وآله قوتهم العسكرية، وأجلى قسماً منهم من الجزيرة .. فمكائدهموخططهم مهما كانت قوية ، لا حظَّ لها في النجاح إلا.. بواسطة الصحابة وقريش ..وزعماء قريش ، مع أنهم يملكونجمهور قبائل قريش ، ومعهم ألفا مقاتل، وربما أكثر ، فهم لا يستطيعون أن يدعوا حقاًفي قيادة الدولة بعد النبي صلى الله عليه وآله لأنهم أعداؤه وطلقاؤه ، ومعنى ذلكأنه كان للنبي صلى الله عليه وآله الحق في أن يقتلهم ، أو يتخذهم عبيداً ، فاتخذهمعبيداً وأطلقهم .. فلا طريق لهم للقيادة إلا بواسطة العدد الضئيل من الصحابة ، منالقرشيين المهاجرين ..وبذلك يتضح أن تحذيره صلى الله عليه وآله من الصراع بعده على السلطة ينحصر بالصحابة المهاجرين ، ثم بالأنصار فقط .. وفقط