في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة
3 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
موضوع: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة الخميس أغسطس 09, 2012 1:31 am
-[ 22 ]- س1: ما هو موقف الشيعة مِن هذه القضية القرآنية وهي: أنّ القرآن الكريم عند تعرُّضِه لحال الأمة المحمدية ودرجتها ومنزلتها عند الله قد قسمها إلى قسمين: قسم محدود بزمن. وهؤلاء أطلق الله عليهم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وعامّةُ ما يرد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مِن ذكر للصحابة - بلفظ الصحابة أو أمثالها - يُعنى به السابقون الأُوَل. وهذا القسم قد رضي ربنا عزوجل عنهم، دون أن يشترط فيهم الاتباع بإحسان، بخلاف القسم الثاني، وهو: القسم الثاني الذي اشترط فيهم الاتباع بإحسان. مع العلم بأنّ كثيراً ممّن يُطلق عليه لفظ الصحابة مذكور في الشطر الثاني مِن الآية، حيث قال عز من قائل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا -[ 23 ]- أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))التوبة/100. فإنْ نُقِلَ عن أحد مِن السابقين الأُوَل - مهاجراً كان أم أنصارياً - قضية فيها إثم أو معصية، أو خلاف أو شقاق، أيصحّ لنا نحن المتأخرين أنْ نطلق ألسنتنا في هذا الصحابي؟! مع أنّ السنة النبوية اقتضت أنْ لا نفعل ذلك، وأنْ لا نقتدي بهذا العمل الظاهر فساده، وأنْ نَكِلَ حالَ هذا الصحابي ومنزلته عند الله تعالى إلى الله عزوجل، لأنه وحده المختص بهم. كما هو الحاصل في قضية حاطب ابن أبي بلتعة، حيث إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج على مَن أنكر على حاطب بقوله: "لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم، فإنني قد غفرت لكم".
جواب السيد الحكيم في كتابه(في رحاب العقيدة)ج2: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور.. الأمر الأول: أنه لم يتعرض القرآن الكريم للسابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان إلا في قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ -[ 24 ]- جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (1). ولا يخفى أنّ الآية الشريفة قد تضمَّنت أمرين: أولهما: الإخبار عن رضا الله تعالى عن السابقين الأولين. ثانيهما: وعد الله لهم بالجنة، والحكم لهم بالفوز العظيم.
الإخبار بالرضا لا يدل على استمراره إلى حين موته أمّا الإخبار بالرضا فهو لا يدل إلا على أنه تعالى راضٍ عنهم حينما أخبر بذلك، وهو وقت نزول الآية الشريفة، ولا يكشف عن استمرار رضا الله تعالى عنهم إلى حين موتهم، بحيث يلقاهم راضياً عنهم، لوضوح أنّ رضا المولى عن عبده تابع لطاعة العبد له، ولو بتوبته مِن ذنبه، وهو يختلف باختلاف حالات العبد، واختلاف أعماله، فالله سبحانه وتعالى قد يرضى عن عبده في يوم، لطاعته له، ثم يغضب عليه بعد ذلك، لمعصيته له، ثم يعود فيرضى عنه إذا تاب وأطاعه، ثم يغضب عليه إذا عصاه... وهكذا، وليس مِن شأْن الرضا البقاء، بحيث لا يزول. ومِن ثم لا مجال للاستدلال بالرضا عنهم على نجاتهم.
الاستدلال على نجاة السابقين الأولين بالوعد لهم بالجنة(وردّه) وأمّا الوعد لهم بالجنة، والحكم لهم بالفوز العظيم، فقد يُستدَل به في المقام على المدعى. وهو ما سوف نتحدث عنه. إذا عرفت هذا فلابد.. أولاً: مِن تحديد المدّعى، ثم النظر في أنّ الآية الشريفة هل تدل عليه أو لا؟ ويمكن توجيه المدعى بوجهين: ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 100. -[ 25 ]- الكلام في أنّ السابقين الأولين مقطوع لهم بالسلامة والفوز بالجنة
الوجه الأول: أنّ السابقين الأولين مقطوع لهم بالسلامة والنجاة في الآخرة، والفوز بالجنة، إمّا لِكَوْنهم معصومين مِن الذنوب، أو لأنه يُخْتَم لهم بالتوبة المقبولة، أو لأنّ الله تعالى يتفضل عليهم بالعفو والمغفرة، وإنْ ماتوا على الذنوب والمعاصي. وقد يُستدل على ذلك بالآية الكريمة، لأنها قد تضمنت تعقيبَ الرضا عنهم بإعداد الجنات لهم، وبفوزهم، المناسب للقطع بسلامتهم. لكنه يندفع بأنّ ذلك لا يختص بالسابقين الأولين، بل كما ورد ذلك فيهم، ورد نظيره في غيرهم.
الوعد بالجنة والفوز لكل مهاجر وأنصاري
قال تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) (1). وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)) (2). ونحوهما غيرهما مما تضمّن الوعدَ لكل مهاجر ولو مِن غير السابقين. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 195. (2) سورة الحج الآية: 58 ـ 59. -[ 26 ]- بل يظهر منها العموم لكلّ مهاجرٍ مِن بلاد الكفر لبلاد الإسلام، ولو بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقال عزوجل: ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) (1) ومقتضاه عموم السلامة والفوز لجميع المهاجرين والأنصار.
الوعد بالفوز لكلِّ مؤمنٍ عملَ صالحًا
كما أنه قد استفاضت الآيات الكريمة في الوعد بالفوز لعامة المؤمنين الذين يعملون الصالحات، كقوله عز من قائل: ((وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) (2). وقوله عزوجل: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (3). وقوله جل شأنه: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ* ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) (4). ونحوها كثير جدًّا.
الوعد بالفوز والجنة لكلِّ مؤمن
بل أطلق في بعضها الوعد بذلك للمؤمنين، مِن دون تقييد بالعمل الصالـح، كقوله عز اسمه: ((وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 74. (2) سورة البقرة الآية: 25. (3) سورة العنكبوت الآية: 58. (4) سورة الشورى الآية: 22 ـ 23. -[ 27 ]- تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ)) (1).
إطلاق الوعيد بالخسران والعذاب لكل عاصٍ وزائغ
كما أنه ورد مستفيضاً في الكتاب المجيد والسنة الشريفة إطلاق الوعيد بالعذاب والخسران بسبب الزيغ والمعاصي، مثل قوله تعالى: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)) (2). وقوله سبحانه: ((وَمَنْ يُشَاقَّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (3). وقوله عزوجل: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)) (4). وقال جل شأنه: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيمًا)) (5)... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرةً. وكذا الحال في السنة الشريفة.
الجمع بين أدلة الوعد والوعيد باشتراط حُسْن الخاتمة في الوعد ومِن هنا لابد مِن الجمع بين الطائفتين: طائفة الوعد، وطائفة الوعيد. وذلك بِحَمْل أدلة الوعد المُطْلَقَة على اشتراط حسن الخاتمة، إما بالاستقامة على الحق حتى النهاية، وإما بالتوبة والرجوع للحق بعد الزيغ والخروج عنه. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 72. (2) سورة الأنفال الآية: 13. (3) سورة الحشر الآية: 4. (4) سورة النساء الآية: 114. (5) سورة النساء الآية: 93. -[ 28 ]- وهو المستفاد مِن الآيات والأحاديث الكثيرة أيضًا، قال تعالى: ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) (1). وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ المَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) (2). وقال عزوجل: ((أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (3)... إلى غير ذلك. وذلك جار في الآية الأولى الواردة في السابقين الأولين، والتي تقدم منك الاستدلال بها، حيث يتعيِّن حَمْلُها على خصوص مَن استقام منهم وحفظ العهدَ ولم يزغ عن أمر الله تعالى.
تحذير الصحابة مِن الفتنة والانقلاب ولاسيما مع ما ورد مِن تحذير الصحابة أنفسهم مِن الفتنة والانقلاب والوعيد للمنقلبين بالعذاب والخسران،قال عز من قائل: ((مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)) (4). ومِن الظاهر أنّ المراد بذلك غيْر مَن عُرِف بالنفاق قبل نزول الآية ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الشعراء الآية: 88 ـ 89. (2) سورة فصلت الآية: 30. (3) سورة آل عمران الآية:87 ـ 89. (4) سورة آل عمران الآية: 179. -[ 29 ]- الشريفة، كما تقدم التنبيه لذلك في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. وقال جل شأنه، مخاطباً المسلمين في أوائل الهجرة، بمناسبة واقعة بدر، حيث كان أكثرهم أو كلهم مِن السابقين - بالمعنى الذي تريده -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (1). وقد ورد عن عون بن قتادة قال: "حدثني الزبير بن العوام. قال: لقد حذّرنا رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنةً لم نر أنا نُخلَق لها، ثم قرأ: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) فقرأناها زمانًا، فإذا نحن المعنيون بها. قال: فحيث كان هذا فلِمَ خرجتم؟ قال: ويحك، نحن نعلم، ولكن لا نصبر" (2). وقال عز اسمه مخاطباً المسلمين ومعاتباً لهم على فرارهم يوم أحد، وكلهم أو كثير منهم مِن السابقين الأولين: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)) (3). وقال سبحانه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 24 ـ 25. (2) السنن الواردة في الفتن 1: 204 باب: قول الله عزوجل ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً))، واللفظ له. تفسير ابن كثير 2: 300 في تفسير الآية. (3) سورة آل عمران الآية: 144. -[ 30 ]- تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (1). وقال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)) (2). ومثل ذلك نُصُوص الحوض الكثيرة، وغير ذلك مما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، ومما لم نذكره. فإنه يتعيَّن لأجل ذلك حَمْل الآية المتقدمة على التقييد بِحُسْن الخاتمة. كما يجري ذلك في جميع ما قد يساق دليلاً على سلامتهم بوجْهٍ قاطع، مما يأتي في كلامك، ومما لم تذكره. ولا يسعنا استقصاؤه. ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.
توجيه إطلاق الوعد بالفوز
وربما كان وجْهُ الإطلاق في الآية المذكورة وغيرها هو أنّ اشتراط الاستقامة، أو حسن الخاتمة، مِن الوضوح بحدٍّ لا يحتاج إلى البيان، بحيث يُفهَم مِن الإطلاق مِن دون حاجة إلى أنْ يُنَصّ عليه، لِمَا هو المعلوم مِن الشرع والعقل مِن أنّ سبب الفوز إذا كان هو الإيمان والعمل الصالـح أو السبق لهما، فلا معنى لثبوت الفوز بعد فقدهما، والخروج عما فرضه الله تعالى، والزيغ عن صراطه المستقيم.
الكلام في التابعين
ولولا ذلك لَتَعَيَّن البناء على الإطلاق حتى في التابعين، لظهور أنّ إحسان السابقين الأولين إنما يكون بالإيمان والعمل الصالـح. فإنْ أريد ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 105 ـ 107. (2) سورة محمد الآية: 33. -[ 31 ]- بإحسان السابقين الأولين تَحَقُّق ذلك منهم ولو في فترة قصيرة كفى في تَبَعِيّة التابعين لهم في الإحسان حُصُولُ ذلك منهم في فترة قصيرة أيضاً حتى لو انقلبوا بعد ذلك. وإنْ أُرِيد بإحسانهم تَحَقُّق ذلك منهم بنحْوٍ الاستمرار، وبشرط الاستقامة، وحسن الخاتمة، بحيث يمضون إلى الله تعالى على الحق، لم تتحقق التبعية في التابعين إلا بذلك أيضًا. ولا وجه لجعل الاستقامة والاستمرار على الطاعة شرطاً في التابعين، دون السابقين الأولين. نعم قد يتجه ذلك لو كان التعبير هكذا: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان واستقاموا على ذلك ومضوا عليه رضي الله عنهم... . أما عبارة الآية الشريفة فلا تنهض إلا بما ذكرنا. كما لعله يتضح بقليل من التأمل. ويؤكد ذلك أمور..
في السابقين الأولين مَن ارْتَدَّ عن الإسلام الأول: أنّ في السابقين الأولين مَن ارتد عن الإسلام، وهو عبيد الله ابن جحش، فإنه هاجر إلى الحبشة، وتنصَّر هناك ومات (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 4: 21 كتاب معرفة الصحابة: ذكر أم حبيبة بنت أبي سفيان (رضي الله عنه). حاشية ابن القيم 6: 75. عون المعبود 6: 74. تهذيب التهذيب 12: 437 في ترجمة حبيبة بنت عبيد الله بن جحش. تهذيب الكمال 35: 175 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح 3: 1283 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الاستيعاب 3: 877 في ترجمة عبد الله بن جحش، 4: 1809 في ترجمة حبيبة ابنة أبي سفيان، 4: 1844 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الإصابة 7: 651 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الإكمال لابن ماكولا 7: 125 باب كبير وكثير وكثير وكنيز وكنيز. السيرة النبوية 2: 51 ذكر ورقة ابن نوفل بن أسد. تاريخ دمشق 3: 173 في ترجمة النبي محمد بن عبدالله بن عبد المطلب: باب ذكر بنيه وبناته عليه الصلاة والسلام وأزواجه،: 415 باب إخبار الأحبار بنبوته والرهبان وما يذكر من أمره عن العلماء والكهان. -[ 32 ]- ولا ريب في هلاكه، وقُصُور إطلاق الآية عنه، ولا مَنْشَأ لِقصوره إلا التقييد بالاستقامة، كما سبق. وكذا النضير بن الحارث العبدري، أخو النضر الذي قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) صبراً بعد واقعة بدر بأمْر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد رووا أنّ النضير هذا كان مِن السابقين الأولين وقد هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مُرْتَدّاً إلى مكة، ثم أسلم يوم الفتح (1)، وكان مِن المؤلفة قلوبهم وقد دفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يوم حنين مائة ناقة، يتألفه به، وقتل يوم اليرموك (2).
واقع السابقين الأولين لا يناسب القطعَ لهم جميعاً بالفوز الثاني: أنّ ملاحظة واقع السابقين الأولين وما شجر بينهم، ونظرتهم لأنفسهم، ونظرة بقيّة الصحابة ومَن بعدهم لهم، لا تناسب القطعَ لهم بالسلامة والفوز. وقد تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة ما ينفع في المقام. فإنه وإنْ كان وارداً في عموم الصحابة، إلا أنّ كثيراً مِن الوقائع المتقدمة هناك تخصّ السابقين الأولين، كما يتضح بالرجوع للجواب المذكور، بنحوٍ يغنينا عن الإعادة والنص على خصوصيات الوقائع. وقد قال أبو عبيدة للأنصار يوم السقيفة حينما حاولوا مبايعة سعد ابن عبادة: "يا معشر الأنصار، إنكم كنتم أول مَن نصر، فلا تكونوا أوّلَ ـــــــــــــــــــــــ (1) الإصابة 6: 430 في ترجمة النضر بن الحارث. أنساب الأشراف 1: 232 في أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين هرباً بأديانهم من مشركي قريش بإذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). تاريخ دمشق 62: 105 في ترجمة نضير بن الحارث. (2) الإصابة 6: 436 في ترجمة النضير بن الحارث. الاستيعاب 4: 1525 في ترجمة النضير بن الحارث. تاريخ دمشق 62: 101 في ترجمة نضير بن الحارث. -[ 33 ]- مَن غيّر وبدّل" (1). فتراه حذّرهم مِن التغيير، مُشِيراً إلى أنّ السبْق إلى النصرة لا ينفع مع التغيير، بل لابد مِن الاستقامة(إلى الموت أو التوبة على الأقل). وذلك كله شاهد بأنّ الصحابة أنفسهم لم يفهموا مِن الآية الشريفة المتقدمة القطعَ للسابقين الأولين بالسلامة والفوز، وهم قد عاشوا ظَرْفَ نزولها، واستوعبوا القرائن المحيطة به.
القطع للسابقين الأولين بالسلامة إِغْرَاءٌ لهم بالقبيح
الثالث: أنّ مِن الظاهر أنّ الآية الكريمة المتقدمة قد نزلت في حياة أكثر السابقين الأولين، ومِن البعيد جدّاً أنْ يُعْلِمَهم الله تعالى بسلامتهم وفوزهم بوجْهٍ قاطع، مِن دون أنْ يشترط عليهم الاستقامة، ويَستثني حالة النكوص والانقلاب، لأنّ ذلك قد يُغْرِيهم بالقبيح، فإنّ مِن أعظم الروادع العقلية عن الانحراف والزيغ - في العقيدة والعمل - التي تقوم بها الحجة مِن الله تعالى على الناس، هو خَوْفُ الهلاك والعقاب في الآخرة، وإذا أَمِنُوا ذلك خفَّ الداعي الرادع لهم عن ذلك(فإنّ مَن أَمِنَ العقوبةَ أَسَاءَ الأدَبَ). وهو لا يناسب حكمة الله تعالى في إقامة الحجة على الناس، واستصلاحهم بها. ولا سيما إذا لم يَكُن الوعدُ القاطع بسلامتهم تَفَضُّلاً ابتدائياً مِن الله تعالى، لِيَكُون مُحَفِّزاً على شكره تعالى بطاعته، بل كان(الوعدُ) نتيجةً لِعملٍ يقوم به الشخص الموعود، فإنّ العمل الحسن، والمراتب الموهومة، سببٌ للعجب والتفاخر والتبجح، في عامة الناس، إلا مَن عصم الله تعالى. وما أكثر ما تناحر السابقون الأولون بينهم، لأنّ كلّاً منهم يَدّعي ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 123 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر، واللفظ له. تاريخ الطبري 2: 243 ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة. الإمامة والسياسة 1: 12 ذكر السقيفة وماجرى فيها من القول. -[ 34 ]- الأولوية لنفسه، بسبب مواقفه السابقة، ومراتبه الموهومة، تَنَاحُراً أضرّ بالدعوة وبأتباعها، وإنّ تاريخ السابقين الأولين والصحابة عموماً مَلِيءٌ بالتفاخر والتبجح والتناحر، نتيجةَ ذلك، والحال أنه لم يظهر منهم القطع لأنفسهم بالسلامة والفوز في الآخرة، بل صدر عن كثير منهم ما يدل على الجهل بالمصير والخوف منه، كما يظهر بمراجعة ما سبق في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة وغيره. فكيف يا ترى يكون الحال لو علموا سلامة المصير، وتجلى لهم حسن العاقبة بوعد قاطع من الله تعالى؟! ولذا فمِن البعيد جدّاً أنْ يقطع الله تعالى لآحاد البشر المتعارف في حياته بالسلامة، فضلاً عن جماعة كبيرة يُتوقَّع منهم التفاخر والتناحر والتسابق على قيادة أمة ناشئة، كما حدث فعلاً. كيف؟! ولم يُغْفِل الله سبحانه تذكيرَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)- على رفعة مقامه، وبعده عن دواعي الهوى - بوخيم عاقبة الزيغ والانحراف العقيدي والعملي، تأكيداً لداعي الردع في نفسه الشريفة، وتنبيهاً لغيره،فقال عزوجل: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) (1). وقال جل شأنه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)) (2). وقال عز من قائل: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ* لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عنْهُ حَاجِزِينَ)) (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الزمر الآية: 65. (2) سورة الإسراء الآية: 74 ـ 75. (3) سورة الحاقة الآية: 44 ـ 47. -[ 35 ]- وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه: "إنه لا ينجي إلا عمل مع رحمة. ولو عصيت لهويت" (1)... إلى غير ذلك.
فضيلة السَّبْق للإيمان وعظم المسؤولية بسببه
نعم لا إشكال في ظهور الآية الشريفة في فضيلة السبق للإيمان والعمل الصالـح، إلا أنّ المؤمن كلما ارتفع شأنه، وعظمت نعم الله تعالى عليه، وتكاثرت الحجج في حقه، كانت مسؤوليته أعظم، ومخاطره أشد وأدهى، فإنْ قام بمقتضى مسؤوليته، واستقام في سيرته وسريرته، ارتفع شأنه، وكان أجره أعظم، وإنْ زاغ وانقلب، هوى إلى الحضيض، وكان عقابه أشد وأنكى، لأنّ الحجة عليه آكد، ولاسيما وأنّ السابقين إذا زاغوا وخرجوا عن الطريق قد يكونون أسوة لِمَن بعدهم، وسبباً في ضلالهم وانحرافهم، فتتضاعف مسؤوليتهم بسبب ذلك، كما تقدم في آخر جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة.
هل يجوز الدخول في أمر السابقين الأولين؟ الوجه الثاني لتوجيه المُدّعى في السؤال: أنّ السابقين الأولين وإنْ لم يُقطع لهم بالسلامة، والفوز في الآخرة، إلا أنه مهما صدر منهم مِن المعاصي والانحراف والشقاق، فلا ينبغي للمتأخرين النيل منهم، وجرحهم والطعن عليهم، لأنّ حُرْمَة السَّبْق تَمْنَع مِن ذلك، بل يُوكل أمرهم لله تعالى، ويكون حسابهم عليه، فإنْ شاء عذبهم بذنوبهم بعدله، وإن شاء عفا عنهم برحمته وفضله. وبعبارة أخرى: نحن وإنْ لم نقطع على السابقين الأولين بالنجاة والفوز، لأنّ الله سبحانه قد يعذبهم بذنوبهم ويؤاخذهم بما كسبو، إلا أنه ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 10: 184. الإرشاد للشيخ المفيد 1: 182. -[ 36 ]- ليس مِن حقنا - نحن المتأخرين - الدخول في أمرهم، والطعن عليهم، لأنّ حرمة السبق ترفعهم عنا، ونحن دون مستوى نقدهم. والله تعالى وحده يختص بذلك. وهذا ما قد يوحي به ذيل السؤال. لكنه يندفع بأنّ ذلك يحتاج إلى إثبات، والآية الشريفة لا تدل عليه، إذ لا نظر فيها لِموقف الناس مِن السابقين الأولين، بل قد تضمنت موقف الله سبحانه منهم، وهي وإنْ تضمنت وعده لهم بالفوز، إلا أنه حيث سبق تقييدها بصورة الاستقامة، وحسن الخاتمة، فهي تقصر حقيقةً عمَّن لم يستقم منهم، وزاغ في عقيدته أو سلوكه. ويتعين الرجوع فيه للأدلة العامة، وهي تقتضي حرْمة الموالاة، وجواز اللعن والطعن والتجريح، كما يناسبه قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)) (1). وقوله عزوجل: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)) (2). وقوله عز اسمه: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) (3). وقوله جل شأنه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاعِنُونَ)) (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 13. (2) سورة هود الآية: 113. (3) سورة محمد الآية: 22 ـ 23. (4) سورة البقرة الآية: 159. -[ 37 ]- وقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)) (2)... إلى غير ذلك. وذلك هو المناسب لموقف الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، مِن السابقين الأولين ومِن غيرهم مِن الصحابة، كما أشرنا إليه قريبًا. وأحكامهم تجري علينا، مادمنا نشترك معهم في شريعة واحدة ودين واحد، كما هو ظاهر.
عدم تحديد السابقين الأولين بوجه دقيق بقي شيء: وهو أنّ عنوان السابقين الأولين غير محدد بصورة دقيقة واضحة، فإنّ الكثرة الكاثرة مِن المهاجرين والأنصار متأخرون عمَّن قبلهم، سابقون لمَنْ بعدهم، ولابد في تحديد منتهى السبْق مِن دليل أخر. بل الجمود على عنوان السابقين الأولين قد يقتضي الاقتصار على أوّل مَن دخل في الإسلام واستجاب لدعوته مِن المهاجرين، وأوّل مَن دخله مِن الأنصار، وهم أنفار معدودون، لا يتجاوزون عدد الأصابع، وربما يُقطَع بالسلامة لهم- لكن لا مِن جهة الآية الشريفة، لِمَا سبَق- بل بعد النظر لواقع حالهم، إنْ تيسر ذلك. وحَمْلُ السابقين الأولين على ما هو الأعمّ مِن ذلك - المُناسب لِمَا يريده عامةُ الناس مِن هذا العنوان - يحتاج إلى دليل، وإنْ تمّ فهو غير محدد بصورة دقيقة، كما سبق. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الرعد الآية: 25. -[ 38 ]- لا مِيزَة للسابقين الأولين في النَّقْد والتجريح بإجماع المسلمين
على أنا لا نعهد في المسلمين القول بِتَمَيُّز السابقين الأولين - بالمعنى العام - بالقطع لهم بالنجاة والفوز، ولا بأنهم فوق مستوى نقدنا، أما الشيعة فظاهِر، وأمّا الجمهور فَهُم بيْن مَن ميَّز الصحابة - بمعنى مَن رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وسمع حديثه - عمومًا، وبيْن مَن أخضعهم جميعاً للنقد والتمحيص، كما يظهر مما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة.
الكلام في حمل الصحابة على خصوص السابقين الأولين
الأمر الثاني: تقول في سؤالك: "وعامّة ما يرد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مِن ذكْرٍ للصحابة بلفظ الصحابة أو أمثاله، يُعنى به السابقون الأول". ونقول: لم يَرِدْ في القرآن المجيد ذكر لصحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بعنوان الصحبة إلا في قوله تعالى: ((إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)) (1)، ومِن الظاهر أنّ المُراد به مجرّد صحبة المكان، أما في بقية ذلك فالخطاب إنما هو للمؤمنين عمومًا. نعم، قال عز من قائل: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ...)) (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 40. (2) سورة الفتح الآية: 29. -[ 39 ]- وصَدْرُ الآية الشريفة يقضي بالعموم لكلِّ مَن كان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يناسب معنى الصحبة على عمومه، كما أنه يعمّ غير السابقين الأولين - بالمعنى الذي يريده عامة الناس منهم - قطعًا، فإنّ سورة الفتح نزلت حين كثر المسلمون، لأنها نزلت بعد صلـح الحديبية، الصلـح الذي كاد المسلمون يهلكون بعدم استجابتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيه، كما ورد في أحاديث، تقدم بعضها في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. بل ربما كان نزول الآية الشريفة في عمرة القضاء، التي هي بعد عام مِن الصلـح المذكور، وهو العام الذي دخل الإسلام فيه كثير مِن ضعاف الإيمان. نعم، الصفات التي تضمنتها الآية الشريفة مُلْزِمَة بحَمْلها على خصوص مَن كان واجداً لتلك الصفات، ولا ريب في أنهم قسم خاص مِن الصحابة متميز بقوة الدين وبتفاعله به، وبتأثره بسلوك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وسيرته، المعبر عنه في عُرْف الناس بالخاصة، وربما يُحْمَل عنوان الصحابة الوارد في مقام المدح عليهم(أي:الخاصّة)، إذ كثيراً ما يُطْلِق العُرْف صحابة الرئيس على خاصّته الذين يعاشرونه، ويتفاعلون معه، ويسيرون على نهجه. ومِن الظاهر أنه لا مُلْزِم بالتطابق بينهم وبين السابقين الأولين، بل يمكن أنْ يكون في السابقين الأولين مَن هو فاقد لتلك الصفات أو لبعضها، كما يمكن أنْ يكون في غيرهم مَن هو واجد لها. ولابد في تشخيصهم وتعيينهم مِن التعرف على واقعهم وسلوكهم، ودراسة سيرتهم الذاتية. هذا، ولكن مع كلّ تلك الصفات العالية التي تضمنتها الآية الشريفة، لم يقطع الله سبحانه وتعالى لهم بالسلامة، ولم يعدهم بالفوز، إلا بشرط الاستقامة، والثبات على الإيمان والعمل الصالـح. -[ 40 ]- قال عز من قائل: ((وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا)) (1). وإذا كان الله جل شأنه قد شرط الاستقامة فيهم، فكيف لا يشترطها في غيرهم؟! أما السنة الشريفة فقد تعرضت لعنوان الصحابة في أحاديث كثيرة. ولا ندري ما هي القرينة على حَمْل(تفسير) الأحاديث المادحة على السابقين الأولين، والأحاديث الذامة - كأحاديث الحوض المتقدم بعضها في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة - على غيرهم؟ وما هو إلا تخرص وتحكم مِن دون دليل(بل الدليل على الشمول كما روى صاحب المستدرك عن أم سلمة رضي الله عنها). ولا سيما وأنّ بعض المضامين والقرائن تناسب العموم. فقد سبق في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قد خاطبهم بقوله: "لتتبعن سنن من كان من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم...". ولم يُنقَل عن أحد دعوى اختصاص الانحراف في الأمم السابقة بمَن تأخرت استجابته للدعوة. بل ولا بذوي المقام العادي منه، فقد انحرف قارون الذي هو ابن خالة موسى (عليه السلام) - كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) - (2) وابن عباس (3) أو ابن عمه - كما عن محمد ابن إسحاق (4) - والسامري الذي بلغ من شأنه أن ((قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)) (5). ومِن البعيد جدّاً تأخرهما عن الاستجابة لموسى (عليه السلام) والتصديق له، لابتناء دعوة موسى (عليه السلام) على إنقاذ بني إسرائيل. حيث يناسب ذلك ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الفتح الآية: 29. (2)، (3) مجمع البيان 7: 459. (4) تفسير القرطبي 13: 310. تفسير الطبري 20: 105. تفسير ابن كثير 3: 400. (5) سورة طه الآية: 96. -[ 41 ]- مسارعتهما لاعتناقها والاستجابة لها. وسبق هناك أيضاً عن موطأ مالك: "وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله: أنه بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي...". وسبق عن نافع عن عبد الله أنه قال: "قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبًا، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: ههنا الفتنة –ثلاثًا- مِن حيث يطلع قرن الشيطان"، وقريب منه أحاديث أخر. كما سبق أمره (صلى الله عليه وآله وسلم)بقتال الناكثين، وفيهم طلحة والزبير وعائشة. وقد أمرت أم سلمة عبد الرحمن بن عوف بالإنفاق في سبيل الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "مِن أصحابي مَن لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً". لظهور أنها إنما أمرته بالإنفاق حذراً مِن أن يكون مِن هؤلاء، مع أنه مِن السابقين الأولين بالمعنى الذي يريده عامة الناس مِن هذا العنوان، حيث يشهد ذلك بأنّ الحديث المذكور يشمل السابقين الأولين... إلى غير ذلك مما تقدم بعضه. ونعود فنؤكد ذلك بمواقف الصحابة مِن أنفسهم، ومواقف بعضهم مِن بعض، فإنها لا تناسب التخصيص المذكور، كما يظهر بالرجوع لِمَا سبق هناك.
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة الخميس أغسطس 09, 2012 1:35 am
الكلام في الاستدلال بقصة حاطب الأمر الثالث: تقول في سؤالك: "مع أنّ السنة النبوية اقتضت أن لا نفعل ذلك... وأن نَكِل حال هذا الصحابي ومنزلته عند الله تعالى إلى الله عزوجل، لأنه وحده المختص بهم، كما هو الحاصل في قصة حاطب بن أبي -[ 42 ]- بلتعة، حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج على من أنكر على حاطب بقوله: لعلّ الله اطلع على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فإنني قد غفرت لكم".
التحفظ على قصة حاطب بن أبي بلتعة
ونقول: هذا الحديث وإنْ رواه الجمهور بطرق متعددة - يأتي بعضها - حتى صار كأنه مِن المسلمات عندهم،ونحن فعلاً لا نريد إنكاره، إلا أننا مع ذلك نتحفظ في أمْرِه، ولا يسعنا الجزم بصدْقه، ولا بالمعنى الذي يحاول الجمهور حَمْلَه عليه، وهو القطع بالسلامة لأهل بدر،محاولةَ إضفاء طابع القدسية على الصحابة في قبال أهل البيت (عليهم السلام). ومقدمةً للحديث في ذلك يحسن منا التنبيه على أمر مهم جدّاً ينفع في المقام وغيره.. وهو أنّ المعلوم للباحث المُنْصِف أنّ جمهور السنة - برواتهم وعلمائهم في الحديث والفقه، وبسلطانهم المناوئ لأهل البيت (صلوات الله عليهم) مِن الصدر الأول - يُحاول إضفاءَ طابعِ القدسية على الصحابة، في قبال قدسية أهل البيت (عليهم السلام) التي فرضها الكتاب المجيد، الذي ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (1)، وأكّدتها السنة الشريفة المستفيضة،والتي رواها حتى مَن لا يلتزم خط أهل البيت (صلوات الله عليهم). وإنما فعلوا ذلك لِيَجعلوهم في قبال أهل البيت (عليهم السلام)، ويكونوا هم الوجهة التي يتوجه لها المسلمون، لينشغلوا بهم، ويغفلوا عن مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم).وكلما تعاقبت العصور، وظهرت دعوة ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة فصلت الآية: 42. -[ 43 ]- الشيعة، وأخذوا يشيدون بمقام أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤكدون عليه قولاً وعملاً، زاد تشبُّث الجمهور بالصحابة وبإضفاء طابع القدسية عليهم، حتى صار ديناً يتدينون به.كلُّ ذلك مِن أجل أنْ يتَّكئوا على الصحابة، وينتسبوا لهم، كما انتسب الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام). ويبرِّروا بذلك إعراضهم عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولا أقلّ مِن عدم تمييزهم لأهل البيت (عليهم السلام) في التعظيم والتقديس.
موقف الجمهور مِن إلحاق أهل البيت في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفي مِن الشواهد العملية لذلك أنّ الجمهور رووا في كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلحاق أهل بيته به (صلى الله عليه وآله وسلم)،ففي حديث كعب بن عجرة: "قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (1)،ونحوه غيره. بل ورد النهي عن الصلاة البتراء (2)، وهي الصلاة على ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 4: 1802 كتاب التفسير: باب إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا...، واللفظ له، 3: 1233 كتاب الأنبياء: باب يزفون النسلان في المشي، 5: 2338 كتاب الدعوات: باب الصلاةعلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). صحيح مسلم 1: 305 كتاب الصلاة: باب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التشهد. السنن الكبرى للنسائي 1: 381،382 كتاب صفة الصلاة: الأمر بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، 6: 17 كتاب عمل اليوم والليلة، كيف المسألة وثواب من سأل له ذلك، ص: 97 كيف الرد. صحيح ابن حبان 3: 193 باب الأدعية: ذكر الأخبار المفسرة لقوله جل وعلا: ((ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))، 5: 286، باب صفة الصلاة، ذكر وصف الصلاة على المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يتعقب السلام الذي وصفن، ص: 289 ذكر البيان بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما سئل عن الصلاة عليه في الصلاة عند ذكرهم إياه في التشهد،ص: 295 ذكر الأمر بالصلاة على المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر كيفيته. وغيرها من المصادر الكثيرة. (2) جواهر العقدين القسم الثاني 1: 49 في الثاني ذكر أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة عليهم في امتثال ما شرعه الله من الصلاة عليهم ووجه الدلالة على إيجاب ذلك في الصلاة. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. الصواعق المحرقة 2: 430 الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي: الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم. ينابيع المودة 1: 37، 2: 434. -[ 44 ]- النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن دون إلحاق آله به. ومع ذلك نرى جمهور السنة إما أنْ يُفردوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة أو يُلحقوا به آله وأصحابه معًا، وما ذلك إلا لِضِيقِهم مِن تمييز آل البيت (صلوات الله عليهم) بالتكريم والتقديس.
حديث الطحطاوي في توجيه موقف الجمهور
ومِن الطريف ما ذكره الطحطاوي في توجيه ما عليه الجمهور، حيث قال: "والظاهر أنّ ذكر الآل والأصحاب مندوب، أما الأصحاب فظاهر، لأنهم سلفنا، وقد أمرنا بالترضي عنهم، ونهينا عن لعنهم. وأما الآل فلقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء. قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد، وتمسكون. بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. ذكره الفاسي وغيره" (1). فانظر إليه كيف استدل على استحباب إلحاق الصحابة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر الصلاة، ومشاركتهم للآل في هذه الكرامة، بأنهم سلفنا، وقد أمرنا بالترضي عنهم، ونهينا عن لعنهم. مع أنّ ما ذكره مِن الوَجْه - لو تمّ - إنما يصلح دليلاً على استحباب الترضي عن الصحابة، وحرمة لعنهم، كما هو الحال في كل مؤمن، ولا ينهض دليلاً على المدعى، وهو استحباب إلحاقهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة عليه، كالآل. ولا سيما مع اقتصار الأحاديث الشارحة للصلاة ـــــــــــــــــــــــ (1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. -[ 45 ]- عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) والناهية عن الصلاة البتراء على آله (عليهم السلام)، من دون ذكر للصحابة فيها.
تفسير الطحطاوي للآل في حديث الصلاة البتراء
وأطرف مِن ذلك أنّ الطحطاوي ضاق ذرعاً بحديث الصلاة البتراء الذي ذكره، لِمَا فيه مِن تمييز أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكرامة لا يشركهم فيها غيرهم، فصَرَفَ الحديث عنهم (عليهم السلام) إلى الأمة أجمع حتى الفساق منهم. قال بعد الكلام السابق بلا فصل: "والمراد بالآل هنا سائر أمة الإجابة مطلقًا وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : آل محمد كلّ تقي. حمل على التقوى من الشرك. لأنّ المقام للدعاء" (1). ولنا أن نسأل الطحطاوي عن أنه إذا كان المراد بالآل ذلك، فلماذا إذاً إلحاق الصحابة بهم؟ ولماذا احتاج للاستدلال على إلحاقهم بما سبق؟ أوليسوا هم مِن أمة الإجابة؟ ثم لماذا يصرُّ بعد ذلك هو والجمهور على الصلاة البتراء، ولا يلحقون الآل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة مقتصرين عليهم، كما تضمنه الحديث الذي ذكره؟! أليس ذلك من أجل أن يتجنبوا تمييز أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكرامة تثقل عليهم؟ كل ذلك لأنهم فهموا من الآل خصوص أهل البيت (صلوات الله عليهم)، لا سائر أمة الإجابة، حتى الفساق منهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. -[ 46 ]- ونعود فنقول: الحديث عن أسباب تشبث الجمهور بالصحابة وإضفاء طابع القدسية عليهم والدواعي التي أدت إلى ذلك طويل متشعب. لا يسعنا استيعابه في هذه العجالة. وقد أفاض فيه علماء الشيعة وكتابهم، فليرجع إليه مَن يهمه الوصول للحقيقة.
كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) حول اختلاف الناس في الحديث النبوي إلا أنه يحسن ذكر شيء مِن ذلك، فقد سأل سائل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس مِن اختلاف الخبر.
فقال (عليه السلام) : "إنّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذبًا،وناسخاً ومنسوخًا، وعاماً وخاصًّا، ومحكماً ومتشابهًا، وحفظاً ووهمًا. ولقد كُذِبَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده، حتى قام خطيبًا، فقال: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال، ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدًا. فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله. ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، رأى، وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله. وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك. ثم بقوا بعده (عليه وآله السلام)، فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولَّوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا مَن عصم الله..." (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 188 ـ 189، واللفظ له. وقد ذكر المهم من هذا الكلام مع اختلاف يسير سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص من طريق الشعبي ومن طريق كميل بن زياد: 142-143. ينابيع المودة 3: 409 ـ 410. -[ 47 ]- حديث ابن أبي الحديد حول المنافقين ونشاطهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال ابن أبي الحديد تعقيباً على الكلام المذكور: "واعلم أنّ هذا التقسيم صحيح. وقد كان في أيام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منافقون، وبقوا بعده. وليس يمكن أنْ يقال: إنّ النفاق مات بموته. والسبب في استتار حالهم بعده أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يزال يذكرهم بما ينزل عليه من القرآن، فإنه مشحون بذكرهم... فلما انقطع الوحي بموته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يبق مَن ينعى عليهم سقطاتهم، ويوبخهم على أعمالهم، ويأمر بالحذر منهم، ويجاهرهم تارة، ويجاملهم تارة. وصار المتولي للأمر بعده يحمل الناس كلهم على كاهل المجاملة، ويعاملهم بالظاهر. وهو الواجب في حكم الشرع والسياسة الدنيوية... ولسكوت الخلفاء عنهم بعده خمل ذكرهم. فكان قصارى أمر المنافق أن يسر ما في قلبه، ويعامل المسلمين بظاهره (1). ويعاملونه بحسب ـــــــــــــــــــــــ (1) كأن ابن أبي الحديد يجهل أو يتجاهل مثل قول حذيفة المتقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة: "إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانوا يومئذٍ يسِرون، واليوم يجهرون"، وقوله الآخر: "إنما كان النفاق على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان". وكذا قوله: "إنكم اليوم معشر العرب لتأتون أموراً إنها لفي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النفاق على وجهه" / مسند أحمد 5: 391 حديث حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. مجمع الزوائد 10: 64 كتاب المناقب: باب ما جاء في الكوفة. وقوله الآخر: "إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيصير منافقاً وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات..." / مسند أحمد 5: 390 حديث حذيفة اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. المصنف لابن أبي شيبة 7: 460 كتاب الفتن: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنه. تفسير ابن كثير 2: 300. الزهد لابن حنبل: 43. حلية الأولياء 1: 279 في ترجمة حذيفة بن اليمان. كما غفل أو تغافل عن مغزى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم، فإنّ سؤال السائل عن أحاديث البدع، واختلاف الأخبار، يُعْرِب عن شيوع تلك الأحاديث في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، بحيث تناقلها الناس وظهرت، واختلط الباطل بالحق فلم يتميز، حتى حير السائل ودعاه للسؤال. وجواب أمير المؤمنين (عليه السلام) يناسب تعاون المنافقين مع مَن سبقه مِن الحكام على علْمٍ منهم بحالهم، وتنسيق منهم معهم، مِن دون أنْ يخفوا حالهم عنهم. أما الأحاديث التي انتشرت أيام معاوية، وبجهوده التي يأتي التعرض لها، فهي متأخرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم تنتشر في عهده، فلا يحوم السؤال حولها. ويناسب ما ذكرنا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : "أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أنْ رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى" / نهج البلاغة 2: 27. وقد عقب ابن أبي الحديد نفسه على ذلك فقال: "قوله (عليه السلام) : أين الذين زعموا.... هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم مِن الصحابة كانوا ينازعونه الفضل، فمنهم مَن كان يُدّعى له أنه أفرض، ومنهم من كان يدعى له أنه أقرأ، ومنهم من كان يدعى له أنه أعلم بالحلال والحرام. هذا مع تسليم هؤلاء له أنه (عليه السلام) أقضى الأمة، وإن القضاء يحتاج إلى كل هذه الفضائل، وكل واحدة منها لا تحتاج إلى غيره، فهو إذاً أجمع للفقه وأكثرهم احتواء عليه. إلا أنه (عليه السلام) لم يرض بذلك، ولم يصدق الخبر الذي قيل: أفرضكم فلان إلى آخره. فقال: إنه كذب وافتراء، حَمَل قومًا على وضعه الحسدُ، والبغي، والمنافسة لهذا الحي من بني هاشم أن رفعهم الله على غيرهم، واختصهم دون من سواهم"/ شرح نهج البلاغة 9: 86. -[ 48 ]- ذلك. ثم فتحت عليهم البلاد، وكثرت الغنائم، فاشتغلوا بها عن الحركات التي كانوا يعتمدونها أيام رسول الله، وبعثهم الخلفاء مع الأمراء إلى بلاد فارس والروم، فألهتهم الدنيا عن الأمور التي كانت تنقم منهم في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم من استقام في اعتقاده، وخلصت نيته، لما رأوا الفتوح.... وبالجملة: لما تركوا تركوا، وحيث سكت عنهم سكتوا عن الإسلام، وأهله. إلا في دسيسة خفية يعملونها، نحو الكذب الذي أشار -[ 49 ]- إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه خالط الحديث كذب كثير، صدر عن قوم غير صحيحي العقيدة، قصدوا به الإضلال، وتخبيط القلوب والعقائد، وقصد به بعضهم التنويه بذكر قوم كان لهم في التنويه بذكرهم غرض دنيوي. وقد قيل: إنه افتعل أيام معاوية خاصّة حديث كثير على هذا الوجه. ولم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث عن هذا، بل ذكروا كثيراً من الأحاديث الموضوعة وبينوا وضعها. وأنّ رواتها غير موثوق بهم. إلا أنّ المحدثين إنما يطعنون فيما دون طبقة الصحابة، ولا يتجاسرون في الطعن على أحد مِن الصحابة، لأنّ عليه لفظ الصحبة (1). على أنهم قد طعنوا في قوم لهم صحبة، كبسر بن أرطاة وغيره" (2).
كلام للإمام الباقر (عليه السلام) في الأحاديث النبوية الموضوعة ثم قال ابن أبي الحديد أيضاً: "وقد روي أنّ أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس. إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض، وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا. ثم تداولتها قريش واحدًا بعد واحد، حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود، حتى قتل. فبويع الحسن ابنه، وعوهد، ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق، ـــــــــــــــــــــــ (1) لكن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كان عن الأحاديث التي وضعها وافتراها المنافقون من الصحابة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلابد مِن كونها قد فاتت على مَن عبّر عنهم بالراسخين في علم الحديث، فرواها المحدثون على أنها حق لا يقبل الشك، لأنّ رواتها من الصحابة!! (2) شرح نهج البلاغة 11: 41 ـ 42. -[ 50 ]- حتى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية، وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حق قليل. ثم بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألف، ثم غدروا به، وخرجوا عليه - وبيعته في أعناقهم - وقتلوه. ثم لم نزل - أهل البيت - نُستذَل، ونستضام، ونقصى، ونمتهن، ونحرم، ونقتل، ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء، وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس. وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام)... وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعاً صدوقاً - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، مِن تفضيل بعض مَن سلف مِن الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منه، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق، لكثرة مَن قد رواها ممّن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع" (1).
رواية للمدائني ونفطويه في الأحاديث النبوية الموضوعة ثم قال ابن أبي الحديد: "وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب "الأحداث"، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أنْ برئت الذمة ممّن روى شيئاً مِن فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليًّا، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد مِن شيعة علي وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم أن انظروا ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 43 ـ 44. -[ 51 ]- من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه.... ثم كتب إلى عماله: انّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين. ولا تتركوا خبراً يرويه أحد مِن المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمُنَاقِضٍ له في الصحابة،فإنّ هذا أحب إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لـحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت كتبه على الناس. فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله... فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر. ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة. وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث، ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوه، ورووه، وهم يظنون أنها حق. ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها. فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، فازداد -[ 52 ]- البلاء والفتنة، فلم يبق أحد مِن هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عليه السلام)،وولي عبدالملك بن مروان،فاشتد على الشيعة،وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض عليٍّ وموالاة أعدائه، وموالاة مَن يدعي مِن الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا مِن الغض مِن علي (عليه السلام) وعيبه والطعن فيه، والشنآن له. وقد روى ابن عرفة، المعروف بنفطويه - وهو مِن أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر. وقال: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعِلَت في أيام بني أمية، تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم" (1).
كلام الإسكافي
ويناسب ذلك ما ذكره الإسكافي: قال ابن أبي الحديد أيضاً: " وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى...أنّ معاوية وضع قوماً مِن الصحابة وقوماً مِن التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليٍّ (عليه السلام) تقتضي الطعنَ فيه والبراءةَ منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. روى الزهري أنّ عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول الله، إذ أقبل العباس وعلي، فقال: ياعائشة إن هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: غير ديني، وروى عبد الرزاق عن ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 44 ـ 46. -[ 53 ]- معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي (عليه السلام)، فسألته عنهما يومًا، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟! الله أعلم بهما، إني لأتهمهما(عروة وعائشة) في بني هاشم. قال: فأما الحديث الأول فقد ذكرناه. وأما الحديث الثاني فهو أنّ عروة زعم انّ عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العباس وعلي، فقال: ياعائشة إنْ سرَّك أنْ تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب..." (1). ثم قال بعد كلام طويل "قال أبو جعفر وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلمّا رأى كثرة مَن استقبله مِن الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مرارًا، وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله و على رسوله وأحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ان لكل نبي حرم، وان حرمي بالمدينة وما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيه حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيه. فلما بلغ معاوية قولـه أجازه وأكرمه، وولاه إمارة المدينة..." (2). ويشهد بذلك في الجملة تصفُّح كلمات غيرهم، والنظر لواقع الأحاديث الكثيرة وتصفُّحها بإمعان وتدبر في القرائن المشاهدة بكذبه. وربما يأتي في حديثنا هذا ما يناسب ذلك. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 4 ص: 63، 64. (2) شرح نهج البلاغة 4 ص 67. -[ 54 ]- نَصِيب الصِّحَاح مِن ذلك
وربما يدّعي المدّعي أنّ ذلك لا يعمّ ما وجد في الصحاح، لكنه ليس كذلك، فقد قال ابن أبي الحديد: "وأما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء. إنما وليي الله وصالـح المؤمنين" (1). نعم يبدو أنّ بشاعة الحديث، مع ما استحكم في نفوس المتأخرين مِن الجمهور مِن عدالة الصحابة، حتى مثل عمرو بن العاص، وتعظيمهم الصحيحين، كلُّ ذلك بمجموعه اضطرهم إلى حذف كلمة (طالب) وجعل موضعها بياضاً أو إثبات (فلان) بدله. ولابن حجر العسقلاني كلام طويل حول ذلك. فليراجع (2). ويأتي في جواب السؤال الثامن إن شاء الله تعالى بقية من الكلام عن تلك الصحاح. ويزيد في تحفُّظنا على أحاديث الجمهور ما تبنَّوه مِن ضوابط في الجرح والتعديل تتناسب مع مواقفهم من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومِن مناوئيهم. ويأتي ما ينفع في المقام، خصوصاً في جواب السؤال الثامن إن شاء الله تعالى. وقد أطال أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك، فليرجع الباحث لما ذكروه إن أراد. وإنما ذكرنا ما ذكرنا لنبدي تحفظَّنا على حديث أهل بدر، مِن دون ردٍّ له ولا إنكار. لأنّ الإنكار لابد له مِن دليل، كالإثبات، بخلاف التحفُّظ، ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 4: 64. وذكره أيضاً تعقيباً على كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم 11: 42. (2) فتح الباري 1: 331 في المقدمة. -[ 55 ]- فإنه يكفي فيه ما مُنِي به الحديث مِن الظروف والسلبيات، التي تقدم التعرض لبعضها.
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة الخميس أغسطس 09, 2012 1:39 am
متن الحديث الوارد في أهل بدر وعلى كل حالٍ فالكلامُ حول هذا الحديث لا يحسن إلا بعد ذكر متنه، وقد رُوِي بصور متقاربة، نُثْبت منها ما رواه مسلم، بسنده عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: "سمعتُ عليّاً (رضي الله عنه) وهو يقول: بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا والزبير والمقداد، فقال: ائتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا... فأتينا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا حاطب ما هذا؟ قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله. إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش... وكان ممّن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفرًا، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): صدق. فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدر، وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم. فأنزل الله عز وجل ((يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ))" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم 4: 1941 كتاب فضائل الصحابة (رضي الله عنهم) : باب من فضائل أهل بدر (رضي الله عنهم)، وقصة حاطب بن أبي بلتعة. -[ 56 ]- التعقيب على الحديث المذكور وحينئذٍ نقول: 1 ـ الحديث - كما ترى - لا يتضمّن رَدْعَ عمر عن الطعن على حاطب، وإنكار عمله، الذي هو محل الكلام في المقام، وإنما تضمَّن ردعَه عن رَمْيِه لحاطب بالنفاق، ومحاولة قتله، بعد أنْ قبِلَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن حاطب عذرَه، وصدَّقه في نفي النفاق عن نفسه، كما هو صريح الحديث المتقدم. القرآن المجيد قد تضمن الإنكار على حاطب،كيف؟! وقد أنكر الله تعالى على حاطب في المناسبة المذكورة، فنزل قوله سبحانه: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ... قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرءاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ... لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (1). فيا ترى هل أعلن الله سبحانه تأنيبه والإنكار عليه بما عمل في كتابه المجيد، الذي يُتلَى آناء الليل وأطراف النهار، ثم لا يرضى مِن المسلمين تأنيبَه ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 1، 4، 6. -[ 57 ]- والإنكار عليه؟!. اللهم إلا أن يتوب، وهو أمر آخر خارج عن محل الكلام. 2 ـ وإنما أنكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمر محاولة قتله، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أنه لا يستحق القتل، أو لأنه عفا عنه، لا لأنّ أهل بدر لا يُعاقبون على ذنوبهم في الدنيا، فإنّ ذلك أمر لا يلتزم به أحد. وقد رووا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحدّ على مسطح بن أثاثة في قضية الإفك (1). كما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن عمر بن الخطاب أقام الحدّ على قدامة بن مظعون. وكلاهما من أهل بدر (2). الحديث لا يتضمن القطع بالسلامة والنجاة لأهل بدر 3 ـ وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فإني قد غفرت لكم". فهو لا يتضمن القطع لهم بالسلامة، بل رجاءه، ورجاءُ السلامة لا يمنع مِن الطعن عليهم بما يستحقون نتيجةَ ـــــــــــــــــــــــ (1) مسند أبي يعلى 8: 338. السنن الكبرى للبيهقي 8: 250 كتاب المرتد: باب ماجاء في حد قذف المحصنات. سبل السلام 4: 15 كتاب الحدود: باب حدّ القذف. تفسير القرطبي 12: 201ـ202. تفسير ابن كثير 3: 272. فتح الباري 13: 342. تحفة المحتاج 2: 480. تاريخ الطبري 2: 114 حديث الإفك. (2) تفسير القرطبي 6: 297. المستدرك على الصحيحين 3: 426 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي (رضي الله عنه). المعجم الكبير 19: 37 من اسمه قدامة: قدامة بن مظعون الجحمي بدري. فتح الباري 7: 306 سير أعلام النبلاء 1: 161 في ترجمة قدامة بن مظعون. الطبقات الكبرى 3: 401 في ترجمة قدامة بن مظعون. الإصابة 5: 423 في ترجمة قدامة بن مظعون. تهذيب الأسماء 2: 371 في ترجمة قدامة بن مظعون. الاستيعاب 4: 1472 في ترجمة مسطح بن أثاثة. المقتنى في سرد الكنى 1: 340 في ترجمة أبي عباد مسطح بن أثاثة. سير أعلام النبلاء 1: 187 في ترجمة مسطح بن أثاثة. مشاهير علماء الأمصار: 12 في ترجمة مسطح بن أثاثة. الثقات 3: 383 في ترجمة مسطح بن أثاثة. وغيرها من المصادر. -[ 58 ]- أعمالهم. فإنّ المتجاهر بالفسق - الذي لا إشكال في جواز ذمّه والطعن عليه - لا يُقطَع عليه بالهلاك، فإنّ رحمة الله وسعت كل شيء، وهو الغفور الرحيم. 4 ـ أما حمل الحديث على القطع بالسلامة فهو تكلُّفٌ لا شاهد له. ولا يدعو له إلا تسالم الجمهور مِن السنة على استقامة الصحابة وسلامتهم، التي هي مَحَلُّ الكلام هنا. فلا معنى لأنْ يستدل عليهما بالحديث المذكور. بل كيف يمكن أن يعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياتهم القطع بسلامتهم؟! إعلان القطع بسلامة أهل بدر إغراء بالقبيح
أولاً: لِمَا في ذلك مِن الإغراء بالقبيح، نظير ما تقدم في الحديث عن آية السابقين الأولين. وإذا أردت أن تستوضح ذلك فانظر إلى ما رواه البخاري بسنده عن فلان، قال: "تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الذي جَرَّأَ صاحبَك على الدماء. -يعني عليًّا- قال: ما هو، لا أبا لك؟ قال: شيء سمعته يقوله. قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والزبير وأبا مرثد، وكلنا فارس... فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه... قال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا. قال: فعاد عمر، فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين. دعني فلأضرب عنقه. قال: أو ليس هو مِن أهل بدر؟ وما يدريك، لعل الله اطلع عليهم، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد أوجبت لكم الجنة، فاغرورقت عيناه، فقال: الله ورسوله أعلم" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 6: 2542 ـ 2543 كتاب استتابة المرتدين المعاندين وقتالهم: باب ما جاء في المتأولين حديث:6540. -[ 59 ]- فإنّا وإنْ كنا نعتقد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يُرِق الدماء إلا بحق، بل كان يرى وجوب الدخول في تلك الحروب، كما صرّح بذلك كثيراً (1)، لأنهم مفسدون، وبغاة يجب قتالهم بحكم الكتاب المجيد ولعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بذلك. وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (2). إلا أنّ المحاورة المذكورة تكشف عن أنّ الناس ترى أنّ هذا الحديث - وإنْ كان بلسان الرجاء والاحتمال - يُعَرِّض الأمة لإراقة الدماء الكثيرة. ـــــــــــــــــــــــ (1) يحسن هنا أن نثبت ما رواه نصر بن مزاحم وغيره في أحداث واقعة صفين بعد أن اشتدت الحرب وأنهكت الطرفين، قال: "وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن ياعلي ابرز إلي، قال: فخرج إليه علي حتى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين، فقال: يا علي إن لك قدماً في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك، فقال له علي: وما ذاك؟ قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا. فقال له علي: لقد عرفت إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه) إنّ الله تبارك وتعالى لم يرض مِن أوليائه أنْ يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون عليَّ مِن معالجة الأغلال في جهنم"/ وقعة صفين: 474، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 2: 207 ـ 208. الأخبار الطوال: 187 ـ 188. ينابيع المودة 2: 8 ـ 9. وقريب منه في حلية الأولياء 1: 85 في ترجمة علي بن أبي طالب، والاستيعاب 1: 411 في ترجمة حوشب بن طخية الحميري، وتاريخ دمشق 37: 291 في ترجمة عبدالواحد، وأسد الغابة 2: 63 في ترجمة حوشب بن طخية. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). مجمع الزوائد 5: 186 كتاب الخلافة: باب الخلفاء الأربعة، 7: 238 كتاب الفتن: باب فيما كان بينهم في صفين. مسند أبي يعلى 1: 379 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). مسند البزار2: 215 فيما روى علقمة بن قيس عن علي، 3: 27 فيما روى علي بن ربيعة الأسدي عن علي ابن أبي طالب. مسند الشاشي 2: 342 فيما روى علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود. المعجم الكبير 10: 91 فيما رواه علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود. -[ 60 ]- وإذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) منزَّهاً عن ذلك - لِمَا سبق، ولعصمته عندنا - فما هو المؤمّن مِن غيره مِن ذوي النزعات البشرية المتعارفة، خصوصاً إذا سوَّلت لهم أنفسهم، ومنَّتهم أنّ ذلك وعد قاطع، لا يقبل الشك.
القطع بسلامة أهل بدر لا يتناسب مع مواقفهم وثانياً: لأنّ ذلك لا يتناسب مع موقف بعض أهل بدر في الواقعة وموقف القرآن الكريم منهم، وتعريضه بمواقف بعضهم وتأنيبه عليها، كما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة عند الكلام في موقف الكتاب المجيد من الصحابة. فلاحظ. بل عن الزبير بن بكار أنه قال: "تسمية أصحاب العقبة: معتب ابن قشير بن مليل من بني عمرو بن عوف شهد بدرًا، وهو الذي قال: يَعِدُنا محمدٌ كنوزَ كسرى و قيصر، وأحدُنا لا يأمن على خلائه. وهو الذي قال: لو كان لنا مِن الأمر شيء ما قتلنا ههنا" (1). بل ذكر غير واحد أنّ ثعلبة بن حاطب مِن أهل بدر (2)، كما ذكروا أيضاً أنه هو الذي نزل فيه قوله تعالى: ((وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)) (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) المعجم الكبير 3 ص 166 في تسمية أصحاب العقبة، واللفظ له، مجمع الزوائد 1 ص:111 كتاب الإيمان: باب منه في المنافقين. تهذيب الكمال 5 ص: 503 في ترجمة حذيفة بن اليمان. وقريب منه في تفسير القرطبي 14 ص: 133. (2) الثقات لابن حبان 3: 46، أسد الغابة 1: 227، الجرح والتعديل للرازي 2: 461. (3) سورة التوبة 75 ـ 77، أسباب النزول: 170، المعجم الكبير 8: 218، اسد الغابة 1: 227، مجمع الزوائد 7: 31، الدر المنثور 3: 26. -[ 61 ]- وثالثاً: لأنّ ذلك لا يتناسب مع مواقف الصحابة أنفسهم مِن أهل بدر، كما يتضح باستعراض التاريخ، وقد تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة المتقدمة ما يشهد به. لابد مِن تقييد الحديث بغير الذنوب الموبقة 5 ـ ولو فرض ظهور الحديث بَدْواً في القطع لهم بالسلامة، فلابد مِن تقييده بغير الذنوب الموبقة المهلكة، كالارتداد، والنفاق، والرّدّ لحكم الله تعالى، والبدعة في الدين، ونحوه. حيث لا يظن بأحد البناء على أنّ مثل هذه الذنوب مغفورة لأهل بدر. وإنما يقطع الجمهور لهم بالسلامة إمّا لدعوى عدم صدور مثل هذه الذنوب منهم، أو لأنه يُختَم لهم بالتوبة، وكلا الأمرين لا يدلّ عليه الحديث، وإنما المدّعى دلالته على مغفرة ذنوبهم حين وقوعه، بل قبله. وبعد تقييد الحديث بغير الذنوب المهلكة لا يصلـح دليلاً على عدم وقوع مثل هذه الذنوب، ولا على حصول التوبة منهم إلا أنْ يَثْبُت ذلك مِن دليل آخر. القرآن المجيد تضمَّن تهديدَ حاطب بما لا يناسب القطع بالسلامة 6 ـ على أنّ قوله تعالى المتقدم: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (1) دالّ على أنّ عمل حاطب المذكور معرِّض له للهلاك إذا لم يتب منه،لظهوره في أنّ مَن يرجو الله واليوم الآخر لابد له مِن أنْ يتأسى بإبراهيم (عليه السلام) وَمَن معه في البراءة من الكفار ومباينتهم، وأنّ عدم التأسي بهم مِن شأنِ مَن لا يرجو الله واليوم الآخر، الذي لا إشكال في هلاكه. بل في ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 6. -[ 62 ]- قوله تعالى: ((وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) مِن التهديد ما لا يخفى. كما أنّ قوله سبحانه: ((لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (1) ظاهر في ردّ اعتذار حاطب ورفضه، والتشديد في الإنكار عليه وتهديده، وهو لا يناسب القطع بالمغفرة له. بل ولا بيان الرجاء لها - الذي تضمنه الحديث - مع صدور الذنب المذكور منه. 7 ـ وحيث كانت الآيات المذكورة قد نزلت بعد كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتقدم، فلابد مِن حمل الكلام المذكور، إمّا على جهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهمية الذنب الذي صدر مِن حاطب - وحاشاه (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن ذلك - وأنّ الله سبحانه رفع بالآيات الشريفة الوهم الذي حصل،وإمّا على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أنْ يكبح جماحَ عُمر واندفاعه، ويكفّه عن التدخل في شؤونه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما يسببه له مِن إحراج، فصَدَمَه بذلك، وهو عالمٌ بشدة جريمة عمل حاطب، وتعرُّضه به للخطر. فاخْتَر أي الأمرين شئت. أما نحن فنرى في الآيات الكريمة مُبَرِّراً منطقياً للتشكيك في متْن الحديث، واحتمال التحريف المتعمد أو غير المتعمد فيه، إنْ تم سندًا، ودلالة. الكلام في الأحاديث المشابهة لحديث حاطب 8 ـ ومنه يظهر الحال في الحديث الآخر. وهو ما رواه أبو هريرة، قال: "ثم إنّ رجلاً مِن الأنصار عمي، فبعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تعال فاخطط في داري مسجدًا، أتخذه مصلى. فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واجتمع إليه قومه، وبقي رجل منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أين فلان، فغمزه بعض ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 3. -[ 63 ]- القوم: إنه، وإنه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أليس قد شهد بدرًا. قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه كذا وكذا.فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (1). فإنّ الحديث - مع الغض عن سنده - غير ظاهر في القطع لأهل بدر بالسلامة. كما أنه لا يناسب الآية الشريفة المتقدمة. وربما كان قد صدر قبل نزوله، فيجري فيه ما سبق. 9 ـ ومثله الحديث الآخر عن جابر: "ثم إنّ عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكو حاطبًا. فقال: يا رسول الله إنه ليدخل حاطب النار. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كذبت، إنه لا يدخلها، إنه شهد بدراً والحديبية" (2). حيث لا يمكن البناء على أنّ فضيلة بدر والحديبية توجب غفران جميع الذنوب حتى المهلكة. فضلاً عن أنْ يعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقطع بذلك، مع ما فيه مِن الإغراء بالقبيح. فلابد مِن حَمْله على الإنكار على العبد في قطعه على حاطب بدخول النار، مع أنه قد شهد الواقعتين المذكورتين. حيث قد يوجب ذلك غفران الذنب الذي شكى منه العبد، وقطع مِن أجله بدخول حاطب النار. تأويل حديث حاطب بما يناسب الحكمة والمنطق
10 ـ وربما تؤول مثل هذه الأحاديث - لو تمّت أسانيدها ومتونها - تأويلاً يتناسب مع مقتضيات الحكمة، ومع ما يظهر مِن الكتاب ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح ابن حبان 11: 123 حديث:4798 باب فرض الجهاد: غزوة بدر: ذكر الخبر الدال على أن ذنوب أهل بدر التي عملوها بعد يوم بدر غفرها الله لهم بفضله وطلحة والزبير منهم. (2) صحيح ابن حبان 11: 122 حديث: 4799 باب فرض الجهاد: غزوة بدر: ذكر نفي دخول النار نعوذ بالله منها عمن شهد بدراً والحديبية. -[ 64 ]- العزيز والسنة الشريفة، مِن التركيز والتأكيد على التذكير والتحذير والتقريع، مَنْعاً مِن تسويل النفس، والركون لجانب الرجاء، ركوناً يشجع على ارتكاب المحارم، وانتهاك حدود الله تعالى، وينتهي بالآخرة إلى الأمْن مِن مكر الله تعالى، وما يترتب عليه من محاذير. وحاصل هذا التأويل: أنّ المراد بيان أهمية الجهاد في بدر وعظيم فضيلته، وأنه قد يكون سبباً في غفران ذنوب أهل بدر التي سبقت الواقعة بملاك: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (1)، وأنه يقال لهم: استأنفوا العمل بعد ذلك مِن خير أو شر، فقد كفيتم ما مضى، وغفر لكم، فاختاروا لأنفسكم فيما بعد ما شئتم. نظير ما ورد في الحج مِن أنه يقال للحاج: استأنف العمل فقد غفر لك (2). وفي حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (3). والغرض من بيان ذلك التنبيه إلى أن صاحب مثل هذه الفضيلـة حقيق بأن يعفو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مثل هذه الشطحة منه، استصلاحاً له، أو أن يغفر الله تعالى بعض ذنوبه، أو نحو ذلك، من دون إعلان القطع له بالسلامة. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة هود الآية: 114. (2) راجع وسائل الشيعة 8 باب: 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه. (3) صحيح البخاري 2: 553 كتاب الحج باب فضل الحج المبرور، واللفظ له. صحيح مسلم 2: 984 كتاب الح باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. صحيح ابن خزيمة 4: 131 كتاب المناسك: باب فضل الحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق فيه وتكفير الذنوب والخطايا به. صحيح ابن حبان 9: 7 كتاب الح باب فضل الحج والعمرة: ذكر مغفرة الله جل وعلا ما تقدم من ذنوب العبد بالحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق. مسند ابن الجعد: 141 في بقية حديث شعبة عن منصور. وغيرها من المصادر الكثيرة جدًّا. -[ 65 ]- تحوير كثير من الأحاديث عمداً أو جهلاً وكثيراً ما تُحَوَّر الأحاديث الشريفة عن معانيها المرادة منها، نتيجةَ الجهل بالقرائن المحيطة بالكلام، أو التضليل المتعمد. نظير ما تضمنه حديث محمد بن مارد: "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت (يعني: إذا عرفت الإمام) فاعمل ما شئت. فقال: قد قلت ذلك. قال: قلت: وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر؟ فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ما أنصفونا أنْ نكون أُخِذْنا بالعمل، ووضع عنهم. إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنه يقبل منك" (1). ورود القطع بالسلامة في كثير من الأمور غير واقعة بدر
11 ـ على أنه قد ورد القطع بالسلامة في كثير من العقائد الحقة وأعمال الخير، ففي حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. على رغم أنف أبي ذر" (2). ونحوه كثير (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) وسائل الشيعة 1: 87 باب: 28 من أبواب مقدمة العبادات حديث:2. (2) صحيح البخاري 5: 2193 كتاب اللباس: باب الثياب البيض. (3) صحيح البخاري 1: 417 كتاب الجنائز: باب في الجنائز، 5: 2312 كتاب الاستئذان: باب من أجاب بلبيك وسعديك، ص: 2366 كتاب الرقاق: باب ماقدم من ماله فهو له. صحيح مسلم 1: 94، 95 كتاب الإيمان: باب من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار، 2: 687، 688 كتاب الزكاة: باب الترغيب في الصدقة. سنن الترمذي 5: 27كتاب الإيمان: باب ماجاء في افتراق هذه الأمة. السنن الكبرى للنسائي 6: 276 كتاب عمل اليوم والليلة: باب مايقول عند الموت. مسند أحمد 5: 166 حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه). مسند أبي عوانة 1: 28 كتاب الإيمان: بيان الأعمال والفرائض التي إذا أداها بالقول والعمل دخل الجنة والدليل على أنه لاينفعه الإقرار حتى يستيقن قلبه ويريد به وجه الله بما يحرم به على النار. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 66 ]- وفي حديث عمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ما منكم من أحد يتوضأ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" (1). وفي حديث عبادة بن الصامت: "أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: خمس صلوات افترضهن الله. من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له. ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" (2). ونحوه غيره (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) السنن الكبرى للبيهقي 1: 78 كتاب الطهارة: جماع أبواب سنة الوضوء وفرضه: باب مايقول بعد الفراغ من الوضوء، واللفظ له. صحيح البخاري 3: 1267 كتاب الأنبياء: باب قوله ((يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة...)). صحيح مسلم 1: 209 كتاب الطهارة: باب الذكر المستحب عقب الوضوء. صحيح ابن خزيمة 1: 110 كتاب الوضوء: جماع أبواب فضول التطهير والاستحباب من غير إيجاب: باب فضل التهليل والشهادة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة والعبودية وأن لا يطرى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم.... وغيرها من المصادر الكثيرة. (2) السنن الكبرى للبيهقي 3: 366 جماع أبواب تارك الصلاة: باب ما يستدل به على أن المراد بهذا الكفر كفر يباح به دمه لا كفر يخرج به عن الإيمان بالله ورسوله إذا لم يجحد وجوب الصلاة. (3) سنن أبي داود 1: 115 كتاب الصلاة: باب في المحافظة على وقت الصلوات. مسند أحمد 5: 317 حديث عبادة بن الصامت (رضي الله عنه). الأحاديث المختارة 8: 320 من اسمه عبد الرحمن: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي. المعجم الأوسط 9: 126 باب الهاء: ذكر من اسمه هاشم. الترغيب والترهيب 1: 148، 155،157. تعظيم قدر الصلاة 2: 953. وغيرها من المصادر. -[ 67 ]- وفي حديث أبي هريرة: "أن أعرابياً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبدالله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا..." (1). وعنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (2). وعن أم سلمة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة" (3). ولا يمكن البناء على ظاهرها، لأنها لا تناسب أدلة بقية الواجبات ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 2: 506 كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، واللفظ له. صحيح مسلم 1: 44 كتاب الإيمان: باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة. مسند أحمد 2: 342 مسند أبي هريرة. جامع العلوم والحكم: 207. الإيمان لابن مندة 1: 269 ذكر بيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. الترغيب والترهيب 1: 302. (2) صحيح البخاري 2: 629 أبواب العمرة: باب وجوب العمرة وفضله، واللفظ له. صحيح مسلم 2: 983 كتاب الحج باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. صحيح ابن خزيمة 4: 131 كتاب المناسك: باب الأمر بالمتابعة بين الحج والعمرة والبيان أن الفعل قد يضاف إلى الفعل لا أن الفعل يفعل فعلا كما ادعى بعض أهل الجهل. السنن الكبرى للبيهقي 5: 261 كتاب الح باب فضل الحج والعمرة. سنن ابن ماجة 2: 964 باب فضل الحج والعمرة. موطأ مالك 1: 346 كتاب الح باب جامع ما جاء في العمرة. مسند أحمد 3: 447 حديث عامر بن ربيعة. وغيرها من المصادر الكثيرة. (3) سنن الدارقطني 2: 283 كتاب الحج، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي 5: 30 كتاب الح باب فضل من أهل من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. سنن أبي داود 2: 143 أول كتاب المناسك: باب في المواقيت. المعجم الأوسط 6: 319. الترغيب والترهيب 2: 121. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 68 ]- والمحرمات، وأدلة الوعيد من الكتاب المجيد والسنة الشريفة. فلابد مِن تأويلها، ولا سيما بالإضافة إلى الاستقامة وحسن الخاتمة، حيث لا ريب في كونهما شرطاً في النجاة والفوز بالنعيم الخالد. وما يجري فيها يجري في أحاديث أهل بدر المتقدمة. كما لا يخفى. الأحاديث المذكورة تخص أهل بدر دون بقية السابقين الأولين 12 ـ وفي الختام: الحديث المذكور مختص بأهل بدر، لخصوصية في واقعة بدر، لا لأنهم مِن السابقين الأولين، فكيف يُساق دليلاً على تحديد الموقف مِن جميع السابقين الأولين بالمعنى الذي يريده عامة الناس؟! ولاسيما مع ما سبق مِن عدم تحديدهم بنحو دقيق، لا يقبل الزيادة والنقصان. ونأمل أن يكون حديثنا هذا وافياً بالجواب عن سؤالك. ومن الله سبحانه وتعالى نستمد التوفيق والتسديد. وهو الهادي إلى سواء السبيل.
عباس المدير العام
عدد الرسائل : 1086 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة الخميس أغسطس 09, 2012 2:44 pm
[
عدل سابقا من قبل عباس في الخميس أغسطس 09, 2012 9:18 pm عدل 1 مرات
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة الخميس أغسطس 09, 2012 7:53 pm
أنت مسكين يا عباس
قواسمية لطفي المدير العام
عدد الرسائل : 157 تاريخ التسجيل : 05/01/2012
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة السبت أغسطس 11, 2012 10:30 am
قال العضو "تراب تحت أقدام المهدي الايراني" ما يلي
قال المرجع الشيعي السيد محمد سعيد الحكيم في كتابه(في رحاب العقيدة)ج1ص32 في جواب س2: (وليس مِن رأي الشيعة تكفير الصحابة، بل ولا عامَّة المسلمين، على اختلاف طوائفهم(غير النواصب). وذلك يبتني على حقيقة الإسلام وتحديد أركانه عندهم. ويُعرَف ذلك مِن أحاديثهم عن أئمتهم (صلوات الله عليهم) ومِن فتاوى علمائهم وتصريحاتهم... ولو وُجِد(شاذٌّ يقول بغير ذلك) فهو وحده يتحمل مسؤولية قوله وموقفه، مِن دون أنْ يتحمل عموم الشيعة مسؤولية ذلك، فضلاً عن أن يُنسَب إليهم ويُحْمَل عليهم).
و الاصح أن الشيعة النواصب يكفرون الصحابة جميعا الا ثلاثة كما جاء في الحديث الشريف
* روى الكليني عن أبي جعفر قال: (كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري)
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
موضوع: رد: في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة السبت أغسطس 11, 2012 3:25 pm
بما أني أنفخ في جربة منقوبة مع امثال قواسمية لطفي فمن الآن لن أرد على أحد من أشكالهم،لأنهم لا يقرؤون ما نورد أصلاً،فقط ينقلون ما هم مقتنعون به،وهذا ليس من الأسلوب العلمي في النقاش. والسلام على من اتبع الهدى.
في رحاب العقيدة.مدى مقام السابقين الأولين من الصحابة