تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: في رحاب العقيدة.لا يحق للإمام التنازل لغيره.اختصاص الشيعة بأئمتهم الخميس أغسطس 09, 2012 8:02 pm | |
| -[ 79 ]- س3 لماذا لا نسلك نحن أهل السنة وأنتم معاشر الشيعة في القضايا التي حصلت في صدر الإسلام سِيرةَ الإمام علي وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، وخصوصاً الإمام الحسن (رضي الله عنه). فما أقروه نقرُّ به، وما أنكروه ننكره، فنلتزم: 1 ـ إقرار سيدنا علي خلافة أبي بكر (رض). 2 ـ إقراره تنصيب أبي بكر لعمر (رض). 3 ـ إقراره أمر الشورى، وأن يكون أحد أفرادهم. 4 ـ عدم إقراره معاوية والياً على الشام، لأنه لا يراه أهلاً لذلك، مع أن ذلك يترتب عليه مفسدة في المجتمع المسلم.
جواب السيد الحكيم في كتابه(في رحاب العقيدة)ج2: يحق لنا أن نسألك، فنقول: ماذا تريد مِن الإقرار؟
الكلام في الجَرْي على الأمْر الواقع
1 ـ فإنْ أردتَ منه الجَرْيَ على الأمْر الواقع، والتعاون معه، وعضده، لحفظ ما يمكن حفظه مِن مصلحة الإسلام، وعدم الخلاف عليه، وعدم شقّ الكلمة، للعجز عن التغيير، أو للعلم بأنّ في محاولة التغيير، والإصرار على المواقف الصلبة، محذوراً يفوق محذورَ الانحراف الذي حصل. فهذا قد صَدَرَ مِن الأئمة (صلوات الله عليهم)، كما تقول. -[ 80 ]- لكنه لا يَدلّ على شَرْعِيّة خلافة المُسْتَوْلِين، لِوُضُوح أنّ سكوت صاحب الحق عن استرجاع حقِّه مِن أجل ذلك لا يُبطِل حقَّه، ولا يجعل الحقَّ للغاصِب، بحيث يُخْرِجُه عن كَوْنِه ظالِمًا، ولا يُخفّف جريمةَ غصبِه وظلمه. وإنما هو يَرْفَع مِن شأن المظلوم، لصبره واحتسابه، ومراعاته مقتضى الحكمة والصالـح العام. ولذا حصل ذلك مِن الإمام الحسن (صلوات الله عليه) مع معاوية أخيرًا، بعد أنْ حاول حربه، امتداداً لموقف أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) منه. كما حصل مِن الإمام زين العابدين والأئمة مِن ولده (صلوات الله عليهم) مع خلفاء الجَوْر في عهودهم: يزيد ومَن بعده. وهو الذي جَرَى عليه شيعتُهم بعد ذلك، تَبَعاً لهم (عليهم السلام). ولا يختصّ الأمْر بالثلاثة الأولين، كما قد يبدو مِن السؤال. وليس ذلك لِتناقُض مواقفهم (عليهم السلام)، بل لاختلاف ظروفهم، كما هو ظاهر.
الكلام في إِمْضَاء الأمْر الواقع وإضْفاء الشرعية عليه
2 ـ وإنْ أردتَ مِن الإقرار الرضا بما حصل، وإضفاء الشرعية على حكم الأولين، بحيث يَخْرُجُون عن كَوْنهم غاصبين معتدين، كما لو تنازل المالك وصاحب الحق عن ملكه وحقه لغيره، بحيث له تملُّكه منه وتمتُّعه به، فيَرُدُّ ذلك أمران:
تَعْيِين الخلافة بأمْرٍ مِن الله تعالى وليس للإمام التنازل عنه الأول: أنّ حقهم (صلوات الله عليهم) في الخلافة - حسبما تقتضيه أدلة الشيعة - إنما كان بتعيين مِن الله تعالى، ونَصٍّ منه جل شأنه، وليس لهم (عليهم السلام) بعد ذلك جعله في غير موضعه، وإضفاء الشرعية عليه. بل لا يحق ذلك حتى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فإنه ردّ على الله تعالى، وتلاعب بفرائضه. -[ 81 ]- وقد وَرَد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لَمَّا عَرَضَ نفسَه على قبائل العرب، قبل الهجرة، لينصروه، كان فيمَن عرض نفسه عليهم بنو عامر، فقال له رجلٌ منهم: أرأيتَ إنْ نحن تابعناك، فأظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمْر مِن بعدك؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الأمْرُ إلى الله يضعه حيث يشاء" (1). وفي حديث عبادة: "بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على السمع والطاعة... وأنْ لا ننازع الأمْرَ أَهْلَه، ونقوم بالحق حيث كان، ولا نخاف في الله لومة لائم" (2). لِظهوره في أنّ للأمر والخلافة أهلاً يَحْرُم منازعتهم. وفي حديث عمرو بن الأشعث: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أَتَرَوْنَ المُوصِي منّا يُوصِي إلى مَن يريد؟! لا والله، ولكن عهد مِن الله ـــــــــــــــــــــــ (1) الثقات 1: 89 ـ 90 ذكر عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على القبائل، واللفظ له. تاريخ الطبري 1: 556 ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل (عليه السلام) إليه بوحيه. السيرة النبوية لابن هشام 2: 272 عرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على بني عامر. البداية والنهاية 3: 139 فصل في عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه الكريمة على أحياء العرب. السيرة الحلبية 2: 3. الكامل في التاريخ 1: 609 ذكر وفاة أبي طالب وخديجة وعرض رسول الله نفسه على العرب. الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء: 304. (2) مسند أحمد 3: 441 حديث عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه (رضي الله عنهم)، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي 8: 145 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب كيفية البيعة. السنن الكبرى للنسائي 4 كتاب البيعة: 421 البيعة على السمع والطاعة،: 422 البيعة على القول بالعدل، و 5: 211،212 كتاب السير: البيعة. مسند ابن الجعد: 261 شعبة عن سيار بن أبي سيار أبي الحكم العنزي. سير أعلام النبلاء 2: 7 في ترجمة عبادة بن الصامت. تذكرة الحفاظ 3: 1131 في ترجمة ابن عبد البر. تاريخ دمشق 26: 196 في ترجمة عبادة بن الصامت. صحيح ابن حبان 10: 413 باب بيعة الأئمة وما يستحب لهم: ذكر البيان بأن النصح لكل مسلم في البيعة التي وصفناها كان ذلك مع الإقرار بالسمع والطاعة. مسند أبي عوانة 4: 407 بيان حظر منازعة الإمام أمره وأمر أمرائه ووجوب طاعتهم. -[ 82 ]- ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) لِرَجُلٍ فرجل، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه" (1). وفي حديث محمد بن الفضيل عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : "في قول الله عزوجل: ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)) قال: هم الأئمة. يؤدي الإمام إلى الإمام مِن بعده، ولا يخص بها غيره، ولا يزويها عنه" (2). وفي حديث يزيد بن سليط عن الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) المتضمن لنصه على إمامة ولده أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من بعده، قال: "أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجتُ مِن منزلي فأوصيتُ إلى ابني فلان، وأشركتُ معه بَنِيَّ في الظاهر، وأوصيتُه في الباطن، فأفردتُه وحده. ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني، لـحبّي إيّاه، ورأفتي عليه. ولكن ذلك إلى الله عزوجل، يجعله حيث يشاء..." (3). والأحاديث في ذلك عنهم (صلوات الله عليهم) كثيرة جدّاً (4).
انْحِصَار الأهليّة للمنْصِب بمَن عيَّنَه الله تعالى له ولاسيما وأنّ الله سبحانه لم يجعلها فيمَن جعلها فيه إلا لانحصار الأهلية به، وعدم صلاحية غيره لها، ويكفينا في التعرف على الآثار والفوائد المهمة التي تترتب لو ولي الخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي يدعي الشيعة النص عليه.. ـــــــــــــــــــــــ (1) الكافي 1: 278 باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام) حديث:2. (2) الكافي 1: 276 ـ 277 باب أن الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله تعالى ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهله)) فيهم (عليهم السلام) نزلت حديث:3. (3) الكافي 1: 314 باب: الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) حديث:14. (4) راجع الكافي 1: 276 ـ 281، وغيره. -[ 83 ]- 1 ـ حديث الكتاب الذي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه أن يكتبه لأمته، ليعصمها من الضلال. وقد تقدم الحديث عنه في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. فإنّ الشواهد قاضية بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يثبت فيه خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بِنَحْوٍ يسدّ فيه الطريق على مَن يخالفه. ويأتي عن عمر الاعتراف بذلك. وأيّ شيء أهمّ مِن العصمة مِن الضلال؟ 2 ـ كلام الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) حول ما خسره المسلمون بعدولهم بالخلافة عنه (عليه السلام)، حيث قالت في خطبتها الصغرى: "وما الذي نَقَمُوا مِن أبي حسن، نقموا والله نَكِيرَ سيْفِه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمُّره في ذات الله. وتالله لو تكافوا عن زمامٍ نبذه إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأعتلقه، ولسار إليهم سيراً سجحًا، لا تكلم حشاشته، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً يطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانًا، قد تحير (كذا وردت في المصدر) بهم الرأي. غير متحل بطائل إلا بغمز الناهل، وردعه سورة الساغب. ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض. وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث. إلى أي لجأ استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ لبئس المولى ولبئس العشير، ولبئس للظالمين بدلاً. استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل. فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ((أَلا إِنَّهُم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)). ويحهم ((أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)). -[ 84 ]- أما لعمر الله لقد لقحت، فنظرةٌ ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع العقب دماً عبيطًا، وذعاقاً ممقرًا. هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن أنفسكم نفسًا، واطمئنوا للفتنة جأشًا، وابشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدًا، وجمعكم حصيدًا..." (1). ولها (عليه السلام) كلام آخر في خطبتها الكبرى يأتي التعرض له إن شاء الله تعالى. 3 ـ حديث أبي عمر الجوني، قال: "قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر: كرداذ وناكرداذ - أي عملتم وما عملتم - لو بايعوا عليّاً لأكلوا مِن فوقهم ومِن تحت أرجلهم" (2). 4 ـ وفي حديث حبيب بن أبي ثابت، قال: "قال سلمان يومئذٍ: أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم. لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان، ولأكلتموها رغداً" (3). وهو المناسب لما يأتي في جواب السؤال الرابع من الحديث عما يُسمَّى بحروب الردة. 5 ـ ومثله في ذلك حديث أبي لهيعة: "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما مات وأبو ذر غائب، وقدم، وقد ولي أبو بكر. فقال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة. لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان" (4). وفي كلام آخر لأبي ذر في أيام عثمان: "أيها الناس من عرفني فقد ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 16: 233 ـ 234، واللفظ له. بلاغات النساء لابن طيفور: 20 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن الدمشقي 1: 165 ـ 169. (2) أنساب الأشراف 2: 274 أمر السقيفة. (3) شرح نهج البلاغة 2: 49، واللفظ له، و 6: 43. (4) شرح نهج البلاغة 6: 13. -[ 85 ]- عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري. أنا جندب بن جنادة الربذي ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )). محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم. هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية، أضاء زيته، وبورك زيدها (زنده.ظ). ومحمد وارث علم آدم، وما فضل به النبيون. وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، أما لو قدمتم مَن قدم الله، وأخرتم مَن أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم مِن فوق رؤوسكم، ومِن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم، من كتاب الله وسنة نبيه. فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ))" (1). 6 ـ وفي حديث عمر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن حديثه مع أصحاب الشورى: "أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 171 في أيام عثمان بن عفان. (2) شرح نهج البلاغة 1: 186، واللفظ له. ويوجد هذا المعنى بألفاظ مختلفة في شرح نهج البلاغة 6: 326، المستدرك على الصحيحين 3: 101 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين عمربن الخطاب (رضي الله عنه) : مقتل عمر (رضي الله عنه) على الاختصار، والإمامة والسياسة 1: 26 في تولية عمربن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم، والطبقات الكبرى 3: 342في ترجمة عمر: ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، وتاريخ اليعقوبي 2: 158 في أيام عمربن الخطاب، والمصنف لعبدالرزاق 5: 446 ـ 447 في بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، والأدب المفرد للبخاري: 204 باب من أحب كتمان السر وأن يجالس كل قوم فيعرف أخلاقهم، وأنساب الأشراف 3: 14 في بيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و 6: 120 في أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه)، والعقد الفريد 4: 255 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان، والفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 في ذكر ابتداء مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وتاريخ المدينة لابن شبة 3: 882، وغيرها من المصادر. -[ 86 ]- وأي مغنم للإسلام والمسلمين أعظم مِن ذلك؟!... إلى غير ذلك مما ورد على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) وبقية المسلمين. حيث يكشف ذلك عن كفاءة المنصوص عليه للمنصب، بنحو لا يمكن قيام غيره مقامه، ليمكن إضفاء الشرعية على حكمه، واعتزال المنصوص عليه له، لو كان له الحق في الاعتزال.
امْتِنَاع عثمان مِن اعتزال الخلافة مع عدم النص عليه
ومِن الطريف أنّ عثمان قد امتنع مِن اعتزال الحكم حينما نقم عليه الناس، وطلبوا منه اعتزال أمرهم، محتجاً بأنه لا يخلع قميصاً كساه الله تعالى إياه (1)، مع أنه إنما ولي الحكم ببيعة الناس له، لا بالنص، ومع ذلك يدعي المدعي أنّ أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) حتى لو كانوا منصوصاً عليهم لأهليتهم عند الله تعالى دون غيرهم، فإنهم قد اعتزلوا الحكم، وتركوه لغيرهم، ورضوا بحكمه وأقروه!! ويؤكد ذلك في المقام.. ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 2: 675 في أحداث سنة خمس وثلاثين: ذكر الخبر عن قتله (أي عثمان) وكيف قتل. الكامل في التاريخ 3: 67 في أحداث سنة خمس وثلاثين: ذكر مقتل عثمان. المنتظم 5: 55 في أحداث سنة خمس وثلاثين: خروج أهل مصر ومن وافقهم على عثمان (رضي الله عنه). تاريخ دمشق 39: 438 في ترجمة عثمان بن عفان. -[ 87 ]- إمْضَاء ما حَصَل مُسْتَلْزمٌ لِضياع معالم الحق على الناس أولاً: أنّ استيلاء الأولين لم يكن مَبْنياً على أَخْذ الحق مِن صاحبه مع الاعتراف بكونه صاحب الحق، بل على عدم الاعتراف لصاحب الحق بحقه، تجاهلاً للنص عليه، ولدعوى أنّ الخلافة لقريش عامة، أو لِمَن عدا بني هاشم منهم، لأنه لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد، أو لغير ذلك. وعلى ذلك فإمضاءُ ما حصل، وإقرار خلافة المستولين، مستلزمٌ لتحريف حكم الله تعالى، وضياع معالم الحق على الناس. كيف؟! وقد ضاع ذلك على الجمهور، فاعتقدوا عدم النص، بسبب استيلاء المستولين، وأغفلوا أو تغافلوا عن النص، مع وجوده، ووجود طائفة كبيرة تعتقد به، وتعلن عنه، وتؤكد عليه، تقوم بسببها الحجة على الناس، فكيف يكون الحال لو أقر الأئمة (صلوات الله عليهم) ما حصل، وأعلنوا شرعيته، وسكتوا هم وشيعتهم عن الإنكار عليه؟! وقد ذكر المجلسي (قدس سره) عن كتاب الاستدراك، قال: "ذكر عيسى بن مهران في كتاب الوفاة (1) بإسناده عن الحسن بن الحسين العرني، قال: حدثنا مصبح العجلي، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر. قال: لما ثقل أبي أرسلني إلى علي (عليه السلام) فدعوته، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن إني كنتُ ممَّن شغب عليك، وأنا كنتُ أوّلَهم، وأنا صاحبك، فأحبُّ أنْ تجعلني ـــــــــــــــــــــــ (1) قال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الفهرست: "عيسى بن مهران المعروف بالمستعطف. يكنى أبا موسى. له كتاب الوفاة تصنيفه. أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن همام عن أحمد بن محمد بن موسى النوفلي عنه. وذكر له ابن النديم من الكتب كتاب مقتل عثمان..."/ الفهرست باب عيسى: 142. وقال النجاشي: "عيسى بن مهران المستعطف يكنى أبا موسى. له عدة كتب. منها كتاب مقتل عثمان... وكتاب الوفاة، وكتاب الكشف..." / الرجال باب عيسى: 297. -[ 88 ]- في حِلّ. فقال(الإمام علي): نَعَم، على أنْ تُدْخِل عليك رجليْن، فتشهدهما على ذلك. قال: فحَوَّل وجهه إلى الحائط، فمكث طويلاً، ثم قال: يا أبا الحسن ما تقول؟ قال: هو ما أقول لك. قال: فحوَّل وجهه.. فمكث طويلاً. ثم قام فخرج. قال: قلت: يا أبةِ قد أنصفك، ما عليك لو أشهدت له رجلين؟ قال: يا بني، إنما أراد أن لا يستغفر لي رجلان مِن بعدي" (1). وهذه الرواية وإنْ كنا لا نتعهد بصحتها، إلا أنه قد يناسبها ما ذكره المؤرخون لقصة الشورى، مِن أنّ عمر قد ثلب جماعة الشورى (2) بما يناسب إبعادهم عن الخلافة، ولم يطعن في أمير المؤمنين إلا بأنه ذو دعابة (3)، مع تصريحه بأنه لو وليهم لـحملهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء، كما ـــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأنوار 30: 142 باب ما أظهر أبو بكر وعمر من الندامة على غصب الخلافة عند الموت حديث:10، واللفظ له، و 8: 206 الطبعة الحجرية كمبني. (2) الاستيعاب 3: 1119 في ترجمة علي بن أبي طالب. الإمامة والسياسة 1: 26 تولية عمر ابن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم. كتاب الآثار: 217. أنساب الأشراف 6: 121 أمر عثمان بن عفان: أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه). تاريخ المدينة لابن شبة 3 مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأمر الشورى: 880، 881، 882، 883. شرح نهج البلاغة 6: 326. كنز العمال 5: 740 حديث:14266،:742حديث:14267.الفائق في غريب الحديث 3: 168. غريب الحديث لابن سلام 3: 331، في مادة قنب. الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 ذكر ابتداء مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). (3) الاستيعاب 3: 1119 في ترجمة علي بن أبي طالب. العقد الفريد 4: 262 فرش كتاب العسجدة الثانية: في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان. أنساب الأشراف 6: 121 أمر عثمان بن عفان: أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه). تاريخ المدينة لابن شبة 3: 880 مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأمر الشورى. شرح نهج البلاغة 6: 326 ـ327. كنز العمال 5: 740 حديث:14266،: 742 حديث:14267.الفائق في غريب الحديث 3: 168. غريب الحديث لابن سلام 3: 331، في مادة قنب. الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 ذكر ابتداء مقتل عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه). -[ 89 ]- سبق، وهو مناسب لتقريبه مِن الخلافة وترشيحه لها. بل قال الطبري: "فخرجوا ثم راحوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو عهدتَ عهدًا. فقال: قد كنتُ أجمعتُ بعد مقالتي لكم أن أنظر، فأولي رجلاً أمركم، هو أحرى أن يحملكم على الحق - وأشار إلى عليّ - ورهقتني غشية، فرأيتُ رجلاً يدخل جنةً(حديقة)، قد غرسها، فجعل يقطف كل غضة يانعة، فيضمه إليه، ويصيره تحته، فعلمتُ أنّ الله غالب أمره ومتوفٍ عمر، فما أريد أن أتحملها حياً وميتًا. عليكم هؤلاء الرهط...". ثم ذكر تدبير عمر في أمر الشورى بما هو معروف مشهور (1). حيث يبدو بوضوح تدافع كلامه، لأنه بالآخرة قد تحملها بتدبيره في الشورى بما يؤدي إلى تعيين عثمان. فلا يبعد أن يكون عزمه أولاً على استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كان أملاً في أن يجعل ذلك جزاء منه لتحليل أمير المؤمنين (عليه السلام) له مما فعل معه، فلما أيس من ذلك - كما تضمنته الرواية المتقدمة - قلب له ظهر المجن، فقرنه بجماعة من هوان الدنيا على الله تعالى أن يقرن (عليه السلام) بهم، ثم دبر الأمر ضده، وسد الطريق عليه بتعيين عثمان، ومن ورائه عشيرته التي لا تتورع عن شيء في سبيل الاستيلاء على مواقع القوى، والحيلولة دون وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته للحكم بعد ذلك. وقد فعل عمر ذلك إما حبّاً منه لعثمان، وإما إعراضاً منه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، لضغنه عليه قديمًا، أو لأنه لم يحلّه، وإما لأنه خشي أن تنكشف الحقيقة، وتظهر ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) بوصولهم للحكم، وسماع الناس لصوتهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 2: 580 وما بعدها قصة الشورى. وسقطت كلمة (ورهقتني) من تاريخ الطبري في برنامج الألفية، فألحقناها اعتماداً على الطبعة الموجودة في برنامج المعجم الفقهي. -[ 90 ]- وعلى كل حال سواءً صدقت هذه الرواية أم لم تصدق، فما تضمنته مِن اهتمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بِرَفْع الالتباس في أمر الخلافة، وظهور حكم الله تعالى فيها للناس، أمر لاريب فيه. وهو مِن أقوى الموانع مِن إقراره (عليه السلام) خلافةَ الأولين، وإضفاء الشرعية عليها، لو كان مِن حقه ذلك.
مَبْدَئِيّة الإسلام لا تناسب تَبَعِيّةَ الشرعية الإلهية للقهر والقوة وثانياً: أن مبدئية الإسلام، وشرف رسالته، ومثالية تعاليمه، لا تناسب تبعية الشرعية الإلهية للقوة، وقهر أصحاب الحق في استلاب حقهم، خصوصاً في مثل حق الخلافة، الذي يحظى بمقام رفيع، وقدسية عالية، في التشريع الإسلامي. ولاسيما إذا كانت دوافع القهر والاستيلاء على الحق المذكور نزعات مصلحية، كالحسد ونحوه مما تقدم التعرض له في السؤال الثاني. نعم، قد تضمنت تعاليم الديانتين: اليهودية والنصرانية المعاصرتين، تبعية القدسية الإلهية والمناصب الدينية للقهر والقوة، والكذب والتحايل، في قصص خرافية حسبت على الدينين الإلهيين، نتيجة التحريف والتضليل الذي لحقهما. ولاريب في نزاهة الدينين المذكورين في حقيقتهما عن ذلك، فكيف بدين الإسلام العظيم الذي هو خاتم الأديان، والقمة في الكمال التشريعي والمثالية والمبدئية؟! والحاصل: أنه بعد فَرْض ثبوت الحق لأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، نتيجة النص الإلهي -كما تقول الشيعة - لا مجال لإقرارهم (عليهم السلام) ما حصل مِن الأولين في أمر الخلافة، وإضفاء الشرعية عليها، لمنافاة ذلك للنص الإلهي، ولما يستلزمه من تضييع الحقيقة والتلبيس عليها، ولمجافاته لمبدئية التشريع المقدس ومثاليته. -[ 91 ]- يحق للخليفة أنْ يستنيب غيره في إدارة الأمة
نعم يحق للخليفة الشرعي أن يستنيب غيره عنه في إدارة الأمور في بلادٍ خاصة، أو في حالات خاصة، على أن يكون ذلك الغير نائباً عنه، تحت أمره ونظره، مع كونه هو الخليفة، لا على أن يكون ذلك الغير هو الخليفة بدلاً عنه، بالتنازل من الخلافة، أو هبته، أو بيعه، أو نحو ذلك. ومن المعلوم أنّ ذلك لم يحصل مع الأولين ولا مع غيرهم، وإنما استولوا على الحكم على أنهم هم الخلفاء الحاكمون، وعلى أنّ الأئمة مِن أهل البيت رعيّة محكومون.
الشيعة على بصيرة تامة مِن عدم تنازل الأئمة (عليهم السلام) عن حقهم الثاني: أن الشيعة على بصيرة تامة من أنّ الأئمة (صلوات الله عليهم) لم يتنازلوا عن حقهم، بل لم يزالوا في عهودهم يَشْكُون مِن غصْب حقهم، ويؤكدون ظلامتهم، ويتنمرون ممّن ظلمهم، ويبرؤون منه، ويوالون على ذلك، ويرونه مِن تتمة الدِّين الذي يجب التمسك به، وتتوقف النجاة عليه. وأحاديث الشيعة التي رووها في ذلك عن أئمتهم أكثر مِن أن تحصى، تتجاوز حدّ الاستفاضة والتواتر بمراتب. حتى بلغ الحال أن صار ذلك مِن ضرورات مذهبهم، لا يختلفون فيه، ولا يحيدون عنه.
دعوى كذب الشيعة في نسبة ذلك لأئمتهم (عليهم السلام)
وربما يدعي المدعي خطأ الشيعة في ذلك، أو كذبهم فيه، افتراءً على أئمتهم (عليهم السلام) وبهتاناً عليهم، خصوصاً مَن يحاول تشويه صورة الشيعة، وبهتهم بالموبقات العظام، وكأنهم أناس لا يعرفون مِن الحق والدين شيئًا، وإنما بُني دينهم - عقيدة، وسلوكاً - على الافتراء، والضلال،والبدع، والخرافات. -[ 92 ]- رد الدعوى المذكورة، وذكر الشواهد على صدق الشيعة
لكن ذلك - في الحقيقة - ناشئ عن قوة حجّة الشيعة، وأخذهم بأكظام خصومهم وسدّهم الطرق عليهم، حيث يضطر الخصم حينئذٍ للمكابرة والبهتان، مِن أجل التنفير عن الشيعة، لئلا تُسمَع دعواهم، ويُنظَر في حججهم. ولو أنصف الباحث وتجرد عن التراكمات والمسلمات، ولاحظ الشواهد والملابسات، لم يشك في صدق الشيعة في نسبتهم ذلك لأئمتهم (عليهم السلام) بعد اختصاصهم بأئمتهم (صلوات الله عليهم) وموالاتهم لهم، وتفاعلهم معهم، وأخذهم عنهم...
لا داعي لافتراء الشيعة ذلك مع أنه جَرّ عليهم البلاء أولاً: لأنه لو لم يكن ذلك صادراً عن الأئمة (عليهم السلام) فليس هناك ما يدعو شيعتهم لأن يفتروه على أئمتهم (عليهم السلام)، ويتبنّوه ويتدينوا به. ولاسيما وأنه قد كلفهم شططًا، وعرَّضهم لضروب البلاء والمحن والمآسي والفجائع. والخطأ في العقائد والتعاليم المأخوذة عن الغير - كالأنبياء (عليهم السلام) وذوي المقالات - وإنْ كان شايعًا، إلا أنه ينشأ مِن البعد عن أصحاب الدعوة والمبشرين بها، وتحوير النقلة والمفسرين لهاولا مجال لذلك في الشيعة مع أئمتهم (عليهم السلام) في هذا الأمر. لأنّ هذه العقيدة عُرفت عن الشيعة مِن عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) - كما يأتي - وتجلّت بوضوح بعد قتل الحسين (عليه السلام)، حين أعْرَض أئمةُ أهل البيت (عليهم السلام) عن المطالبة بالسلطة - لليأس منها في القريب المنظور - واتجهوا لتثقيف شيعتهم بثقافتهم، وبثّ علومهم ومعارفهم المختلفة فيهم، حيث قام للشيعة الإمامية كيان ظاهر، وتجلّت معالم عقيدتهم. وهم يعاشرون الأئمة (عليهم السلام) -[ 93 ]- ويختصّون بهم واحداً بعد واحد إلى مائتي عام، يضاف إليها ما يقرب مِن سبعين عاماً عصر الغيبة الصغرى، التي كان الاتصال فيها بالإمام (عجل الله فرجه) ميسوراً بواسطة سفرائه الأربعة (رضي الله عنهم). إذ يمتنع عادة مع كل ذلك خفاء رأي الأئمة (عليهم السلام) عن شيعتهم، واختلافهم معهم.
لو كان الشيعة مُفْتَرِين لوجب على الأئمة (عليهم السلام) مباينتهم وثانياً: لأنّ ذلك لو لم يكن مِن مذهب الأئمة (عليهم السلام)، وكان مفتعلاً عليهم، لوجب على الأئمة (عليهم السلام) الإنكار على الشيعة، فإنْ أصروا على فريتهم وخلافهم رفضوهم وطردوهم، وباينوهم ولم يخالطوهم، كما رفض أمير المؤمنين (عليه السلام) مَن غلا فيه، ورفض الإمام الصادق (عليه السلام) أبا الخطاب وجماعته، ورفض مَن بعده مِن الأئمة (عليهم السلام) مَن شذّ عن طريقتهم، وخرج عن تعاليمهم. مع أنّ ذلك لم يحصل، بل كان لهم (صلوات الله عليهم) كيانهم القائم بشيعتهم، كفرقة ملتحمة بهم، متميزة بموالاتهم، تتجه وجهتهم، وتفرح لفرحهم، وتحزن لحزنهم، وتتحرى مناسباتهم وما يتعلق بهم، وتعمل على فقههم وأحاديثهم وتعاليمهم، وتحفظها عنهم في كتبها ومؤلفاتها، وتحدث بها في مجالسها وأماليها، وتتبناها وتعتز بها، وتشيد بشأنها. وإذا كان رأي أئمة المذاهب يُعرَف مِن طريق أصحابهم المختصين بهم، فلِمَ لا يُعرَف مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مِن طريق شيعتهم؟! مع أنّ اختصاص شيعتهم بهم (عليهم السلام)، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم، أطول مدة بكثير، وأظهر، مِن اختصاص أولئك برؤسائهم، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم. -[ 94 ]- حفظ الشيعة لتراث أئمتهم (عليهم السلام) يشهد باختصاصهم بهم وإذا كابر المكابر مع كل ذلك، فأنكر اختصاص الشيعة بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتفاعلهم معهم، وكذب أحاديثهم عنهم، فماذا يقول عن الكمّ الهائل من الأدعية (1)، والزيارات (2) - على اختلاف مضامينها ومناسباتها الكثيرة - والحكم، والمواعظ، والخطب، ونحوها مما يفيض بالعلم الإلهي؟ تلك الكنوز التي اختص بها الشيعة، وتميزوا بها عن غيرهم. وقد امتازت بلسانها الرفيع، وبيانها الفريد، ومضامينها الشريفة العالية. فإنّ المنصف يرى أنّ الأئمة (عليهم السلام) لم يمكنوهم منها، ويخصوهم بها، إلا لاستجابتهم لهم (عليهم السلام) ورضاهم (عليهم السلام) عنهم، وانسجامهم معهم. ولماذا لم يتلقفها جمهور السنة ويتناقلوها ويرعوها ويحفظوها؟ (3)، مع أنهم قد أخذوا من أصناف الناس على اختلاف ميولهم ونزعاتهم، ومن ـــــــــــــــــــــــ (1) كأدعية كميل، والصباح، والعشرات، المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودعاء الحسين يوم عرفة، وأدعية الصحيفة السجادية، ودعاء الافتتاح، ودعاء أبي حمزة الثمالي الذي يقرأ في شهر رمضان، وبقية أدعية شهر رمضان في لياليه وأسحاره ونهاره، وأدعية شهري رجب وشعبان، وأدعية ليالي الجمع، وغيرها مما لا يحصى كثرة، ذات المضامين العالية في تمجيد الله تعالى وتقديسه والثناء عليه، والبخوع له والتضاؤل أمامه، والتذلل بين يديه، والرهبة منه، والرجاء له، والرغبة إليه، واستعطافه واسترحامه، والابتهال إليه والطلب منه، وغير ذلك مما لا يحصى من فنون الدعوات. (2)كزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بزيارة (أمين الله)، وبقية زياراته في مختلف المناسبات، وزيارة وارث، وليلة النصف من شعبان للحسين (عليه السلام)، وبقية زياراته (عليه السلام) في مختلف المناسبات، والزيارة الجامعة الكبيرة لجميع الأئمة (عليهم السلام)، وبقية زيارات المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ذات المضامين العالية الجليلة. (3)يقول المرجع الديني المعاصر السيد شهاب الدين المرعشي في استدراكه على مقدمة الصحيفة السجادية المطبوعة في حدود سنة 1361 هـ: "وإني في سنة 1353هـ بعثت نسخة من الصحيفة الشريفة إلى العلامة المعاصر الشيخ جوهري طنطاوي صاحب التفسير المعروف، مفتي الإسكندرية، ليطالعها، فكتب إلي من القاهرة وصول الصحيفة، وشكر لي هذه الهدية السنية، وأطرى في مدحها والثناء عليها، إلى أن قال: ومن الشقاء أنا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد، من مواريث النبوة وأهل البيت. وإني كلما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق إلى آخر ما قال. ثم سأل عني (كذا في المصدر): هل شرحها أحد من علماء الإسلام؟ فكتبت إليه أسامي من شرحها ممن كنت أعلم به. وقدمت لسماحته رياض السالكين للسيد علي خان. وكتب في جواب وصوله: إني مصمم ومشمر الذيل على أن أكتب شرحاً على هذه الصحيفة العزيزة. انتهى". فإذا كان الشيخ جوهري طنطاوي، مع موسوعيته، وكثرة اطلاعه، لم يطلع على الصحيفة السجادية مع اشتهارها وشيوع انتشارها بين الشيعة - على اختلاف مذاهبهم - فكيف بغيره ممن هو أقل منه اطلاعًا، وأضيق أفقًا؟! وكيف يكون الحال مع غير الصحيفة السجادية مما هو دونها ظهوراً وانتشارًا؟! -[ 95 ]- مختلف فنونهم ومعارفهم وثقافاتهم. وإذا كان القرآن المجيد شاهداً على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في رسالته عن الله تعالى، فإن تلك الكنوز الثمينة التي رواها الشيعة عن أهل البيت (عليهم السلام) شاهدة بميراث أهل البيت (عليهم السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معارفه، وتفاعلهم بتعاليمه. إذ لا ريب في عدم افتراء الشيعة لذلك كله من عند أنفسهم، فإنه يتعذر عادة صدور مثله من مجموعة يبتني كيانها على الكذب والبهتان، ليس لها مرشد يجمعها على حق. بل يمتنع عادة صدوره من غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين ورثوا -[ 96 ]- علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذوا عنه، وهم (صلوات الله عليهم) - كما قالوا - أمراء الكلام (1)، وعندهم الحكمة، وفصل الخطاب (2). كما أنّ تلك الكنوز الثمينة شاهدة لشيعتهم - الذين يحملونها عنهم، ويمتازون بمعرفتها، ويعتزون بها من بين جمهور المسلمين - بصدق انتسابهم لأهل البيت (عليهم السلام)، واختصاصهم بهم، وتفاعلهم معهم، وحملهم علومهم ومعارفهم، وكونهم مورداً لعناية أهل البيت (صلوات الله عليهم) ورعايتهم، ولفيوضاتهم القدسية المباركة الشريفة.
تأثر الشيعة بأخلاق الأئمة (عليهم السلام) ومِن الطريف ما ذكره ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة عند ترجمة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه). حيث قال: "وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحي، والتبسم، فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه. قال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنه ذو دعابة شديدة... وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب، لقوله لما عزم على استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك، إلا أن عمر اقتصر عليه، وعمرو زاد فيها (وسمجه). قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد. وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه... وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 266. (2) بحار الأنوار 97: 209، 28: 53. (3) شرح نهج البلاغة 1: 25 ـ 26 القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر لمع يسيرة من فضائله. -[ 97 ]- فإذا كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد استطاعوا تكييف الشيعة خلقياً بما يناسب أخلاقهم العالية وسجاياهم الكريمة، في لين الجانب، وسجاحة الخلق، فهم أحرى بأنْ يعرفوهم مذهبهم في الإمامة والخلافة، ويأمروهم بمتابعتهم فيه. وإذا كان الشيعة قد تأثروا بهم نفسيّاً وتفاعلوا معهم خلقيًّا، فهم أحرى بأنْ يتابعوهم في أمر الإمامة والخلافة، ولا يخرجوا عن مذهبهم فيه. فإنّ هذه المسألة علمية محضة، والتعرف عليها أهون بكثير مِن التفاعل في الأخلاق والسجايا. ولاسيما مع أنّ اضطهاد الشيعة على مرّ العصور، وشدة محنتهم، وقسوة الجمهور معهم، مِن شأنها أنْ تجعلهم حاقدين معقدين، وتحملهم على الشراسة، ووعورة الجانب، وسوء الخلق، لولا تأثرهم بأئمتهم (عليهم السلام) وتفاعلهم معهم. | |
|