[center]براءة أئمة أهل البيت من الغلو ولعنهم الغلاة
كان ظهور الغلاة في دين الإسلام من أكبر الآفات والمصائب القاتلة التي حلَّت بهذا الدين، وأدَّت إلى إدخال كل تلك الخرافات والأوهام فيه، الأمر الذي شوَّه الوجه النوراني لحقائق الإسلام.
وقد خشي الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين أكثر من أي أحد آخر من هذا الخطر وحذروا منه المسلمين، ولدينا أحاديث وأخبار كثيرة صدرت عن الأئمة عليهم السلام في مذمّة هؤلاء الغلاة، حيث نجد في كتاب «الرجال» لأبي عمرو الكشِّيّ وحده أكثر من 24 حديثاً في هذا الأمر،((( هو أبو عمرو، محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي من كبار علماء الشيعة وأقدم رِجَاليِّيهم في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ينتسب إلى منطقة «كش» من نواحي سمرقند (في آسيا الوسطى)، لم يعرف تاريخ ولادته بالضبط. قال عنه النجاشي: ﴿ كان ثقة عين، روى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي وأخذ عنه، تخرج عليه في داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم ﴾ اهـ، وكان الكشيّ صديقاً للكُلَيْنِيُّ صاحب «الكافي». قيل إن وفاته كانت في حدود سنة 350 هـ، ويُعتَبَر كتاب الكشيّ الذي سماه ابن شهر آشوب في المعالم بـ "معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين" أحد الأصول الأربعة الرجالية لدى الإمامية)))
وقد جمعها العلامة المامقاني في كتابه «مقباس الهداية في علم الدراية» (ص 88)،
(((هو الفقيه الإمامي وأحد أبرز مراجع الشيعة في عصره آية الله الشيخ عبد الله المامقانى (1290هـ - 1351 هـ)، أُطْلِق عليه لقب «العلامة الثاني»، وهو صاحب «تنقيح المقال في أحوال الرجال» الذي يعتبر أحد أهم كتب علم الرجال في القرن الماضي إذْ جمع فيه كل ما دُوّنَ في الكتب الرجالية التي سبقته)))
وسنذكر فيما يلي بعضاً منها كما جاءت في كتب الرواية المعتبرة لدى الشيعة:
1- روى الشيخ الطوسي في كتاب «الأمالي» (ص 650) بسنده عن عبد الرحمن بن مسلم، عن فضيل بن يسار، قال قال الصادق عليه السلام: «احذروا على شبابكم الغُلاةَ لا يُفْسِدُونَهُم، فإنَّ الغُلاةَ شرُّ خَلْقِ اللهِ، يُصَغِّرُونَ عَظَمَةَ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الرُّبُوبِيَّةَ لِعِبَادِ اللهِ، وَاللهِ إنَّ الغلاةَ شَرٌّ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارى وَالمجُوسِ وَالذِينَ أشْرَكُوا. ثم قال عليه السلام: إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبِنَا يلحقُ المقصِّر فنقبله. فقيل له كيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، فلا يقدر على ترك عادته، وعلى الرجوع إلى طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أبداً، وإن المقصِّرَ إذا عرف عمل وأطاع.».
2- وروى العلامة المجلسي في «بحار الأنوار» (ج 34/ص 362) (نقلاً عن كتاب الغارات للثقفي(هو أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الأصفهاني، من كبار علماء الشيعة ويُعَدُّ من رواة حديثهم. ولد في الكوفة في أوائل القرن الهجري الثالث وكان في بداية عمره زيدي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمامية الإثنا عشرية، وتوفي في مدينة أصفهان عام 283 هـ. ﴾
قال: «عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِدٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ فَقَالَ: إِنَّ فِيكَ مِنْ عِيسَى مَثَلًا أَبْغَضَتْهُ اليَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالمَنْزِلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهُ.
(ثم قال عليٌّ عليه السلام): أَلَا وَإِنَّهُ يَهْلِكُ فِيَّ مُحِبٌّ مفرطٌ(في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي: مُحِبٌّ مُطْـرٍ) يُقَرِّظُنِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ، وَمُبْغِضٌ يَحْمِلُهُ شَنَآنِي عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِي، أَلَا إِنِّي لَسْتُ نَبيَّاً وَلَا يُوحَى إِلَيَّ وَلَكِنِّي أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللهِ مَا اسْتَطَعْتُ فَمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ فَحَقٌّ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وفِيمَا كَرِهْتُمْ، وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في المعصية، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف، (قالها) ثلاثاً»
( انظر إبراهيم بن محمد الثقفي، «الغارات»، ط1، دار الكتاب، 1410هـ، ج2/ص 401- 402 -403. وهذه الرواية أخرجها بتمامها من أهل السنة: عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في زوائده على مسند الإمام أحمد، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وأبو نُعَيم في فضائل الصحابة، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، والبزار في مسنده (جزء منها). وانظر الهيثمي في «مجمع الزوائد» (باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه/باب فيمن يفرط في محبته وبغضه)، والمتقي الهندي في «كنز العمال» (ج11/ص623، ج13/ص 125)).
ونقل الشريف الرضي في «نهج البلاغة» نحو ذلك عن الإمام عليٍّ فقال: وقال عليه السلام: «يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وبَاهِتٌ مُفْتَرٍ»، ثم قال الرضيّ: وهذا مثل قوله (عليه السلام): «هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ(قوله ﴿ محبٌّ غالٍ ﴾ الغالي هو المتجاوز للحدّ في حبِّه أي الذي يبالغ في حب الإمام حتى يخرجه عن البشرية ويضفي عليه الصفات الإلـهية أو يقول بحلول اللاهوت فيه ونحو ذلك، وقوله: ﴿ مبغضٌ قالٍ ﴾: القالي هو المبغض شديد البغض﴾( نهج البلاغة، جمع وتدوين الشريف الرضي، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، بيروت: دار الكتاب اللبناني، باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام، رقم 469، ص 558.).
3- وروى الشيخ الصدوق في كتابه «اعتقادات الإمامية» (المعروف باعتقادات الشيخ الصدوق) الرواية التالية، قال:
«وكان الرضا عليه السلام يقول في دعائه: اللهم إني بريء من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادَّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ. اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا. اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين. اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الإلهية إلا لك فالعن النصارى الذين صغَّروا عظمتك والعن المضاهئين لقولهم من بريتك. اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولاحياةً ولا نشوراً. اللهم مَنْ زَعَمَ أنَّا أربابٌ فنحنُ منه بَراءٌ ومَنْ زَعَمَ أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براءٌ منه كبراءة عيسى ابن مريم عليه السلام من النصارى. اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يدَّعُون ولا تَدَعْ على الأرضِ منهم دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً»( الشيخ الصدوق، «اعتقادات الإمامية»/باب الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض، ص74.).
4- وروى الشيخ الطوسي في «الأمالي» (ص 650) بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
«اللهم إني بريءٌ من الغُلاةِ كبراءةِ عيسى ابنِ مريم من النصارى، اللهمَّ اخْذُلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً.».
5- وروى الكشي في رجاله (ص 298 - 299) بسنده عن حمدويه، قال حدثنا يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن عبد الصمد بن بشير، عن مصادف قال: «لما لبَّى القوم الذين لبُّوا بالكوفة(أي قالوا: لبيك يا جعفر، أي فألَّـهُوا الإمام جعفر الصادق عليه السلام.) دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرتُهُ بذلك، فَخَرَّ ساجداً وألْزَقَ جؤجؤَهُ بالأرض وَبَكَى، وَأقبل يلوذُ بإصبعه ويقول: بَلْ عَبْدُ اللهِ قِنٌّ
(القِنُّ هو المتمِّحض في العبودية والرق. وقيل: القِنُّ من العبيد الذي مُلِكَ هُوَ وَأبَوَاهُ.)
داخرٌ
(داخرٌ: أي خاضعُ لِـلَّهِ مُنْقادٌ لَهُ، من دَخَرَ الرجلُ، يَدْخَرُ دُخُوراً، فهو دَاخِرٌ، ذَلَّ وصَغُرَ يَصْغُرُ صَغَاراً، وهو الذي يفعل ما يؤمر به، شاءَ أَو أَبى صاغِراً قَمِيئاً. ومنه الآية: أَو لم يروا إِلى ما خلق الله من شيء يَتَفيَّأُ ظلاله عن اليمين والشمائل سُجَّداً لِـلَّهِ وهم داخرون؛ أي خاضعون لِـلَّهِ مُنْقَادُون لَهُ.)
مراراً كثيرةً، ثم رفع رأسه ودموعُهُ تسيلُ على لحيته، فندمتُ على إخباري إيّاه، فقلتُ جُعِلْتُ فِداكَ! وما عليك أنت من ذا؟ فقال: يا مصادف! إن عيسى لو سكتَ عما قالت النصارى فيه لكان حقّاً على الله أن يصمَّ سمعه ويعمىَ بصره، ولو سَكَتُّ عمَّا قال فيَّ أبو الخطاب لكان حقّاً على الله أن يصمَّ سمعي ويُعمىَ بصري».
6- وروى الشيخ الصدوق في «عيون أخبار الرضا» (ج 2/ص 203) بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الغلاة والمفوضة؟
فقال: «الغلاةُ كفَّارٌ والمفوِّضةُ مشركون، مَنْ جالسهم أو خالطهم أو آكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوَّجهم أو تزوَّج منهم أو آمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدَّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وولايتنا أهل البيت.».
والعجب أن الأمر أصبح في زماننا على عكس ما تفيده هذه الرواية الشريفة، إذْ أصبح من لا يقول بأقوال الغلاة فلا يُثْبِتُ للأئمَّة الولايةَ التكوينيةَ وتصرُّفهم في تدبير الكون، يُعْتَبَرُ ناقص الولاية، بل يُعْتَبَرُ سُنِّـيَّاً ووَهَّابِيَّاً، بل يُعْتَبَرُ أسوأ من النواصب!!
اللهم إننا مبتلون اليوم بأناسٍ نبرأ إليك من كفرياتهم وشركياتهم كما كان أئمتنا يبرؤون منهم، ونُشْهِدُكَ أننا لا نعتبر أئمَّتَنا سوى هداة إلى طريق الله ورُوَاة صادقين لحديث رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وندعو بدعاء الإمام الرضا عليهم السلام «رَبَّنَا لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُمْ دَيَّاراً»!.
1- وروى الكشيُّ أيضاً في رجاله (ص 108) عن عمير عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي، قال، قال علي بن الحسين عليه السلام: «لعن الله من كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبإ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادَّعَى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله؟ كان عليٌّ عليه السلام واللهِ عبداً لِـلَّهِ صالحاً، أخو رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ)، ما نال الكرامةَ مِنَ الله إلا بطاعته لِـلَّهِ ولرسوله، وما نال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) الكرامةَ مِنَ الله إلا بطاعته.».
قلتُ: إن هذا الكلام للإمام زين العابدين عليه السلام حَجَرٌ في فم الشيعه وآيةِ الله الغالي أبي الفضل النبوي الذي قال في الصفحة 24 من كتابه «امراء هستي» (أمراء الكون) «إن الكمال النهائي من ناحية الولاية التي كانت لأهل بيت العصمة نابعٌ من طينتهم التي هي نورٌ محضٌ فهي كمال ذاتيٌّ وهبيٌّ وليست كمالاً كسبيَّاً!».
ويقول في الصفحة 30 من كتابه أيضاً: «خلافاً لأولياء الله الذين يصلون إلى هذا المقام والمرتبة بواسطة السعي والسلوك والرياضة والمجاهدات وطي المراحل الابتدائية، فإن ذلك المقام للأئمة هبةٌ إلـهيّةٌ وُهِبَتْ لَهُمْ ووُضِعَتْ فيهم منذ بدء وجودهم طبقاً للتقدير والمشيئة السبحانية!».
ونقول : إن هؤلاء العلماء الغلاة لما ابتعدوا عن الصراط المستقيم وعن طريق العقل والقرآن الكريم، استمسكوا بكل عقيدة موهومة وحديث مختلق لإثبات مدّعاهم،
من ذلك تمسكهم برواية ملفَّقة تذكر أن عليّاً بادر إلى قراءة آياتٍ من القرآن الكريم عقب ولادته وهو لا يزال رضيعاً في المهد!( انظر الرواية في بحار الأنوار، ج35/ص37-38.)،
هذا مع أن القرآن ما نزل على نبي الإسلام إلا بعد 12 سنة من ولادة عليٍّ عليه السلام، وحتى رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لم يكن له علم به،
كما قال تعالى:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾[يوسف:3]
وكما قال في موضع آخر أيضاً: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[هود:49]،
وقال سبحانه أيضاً: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾[العنكبوت:48]،
وقال كذلك: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[الشورى:52].
فهذه الآيات تبين بصراحة عدم اطلاع النبي على القرآن قبل أن يوحى به إليه، وعدم علمه بأنبائه وأخباره.
ولكن أولئك الغلاة الضالون يريدون نسف كل تلك الآيات بحديث هراء باطل أسطوري، لا يعلمُ أحدٌ أيُّ غالٍ عديم الإيمان أو عونٍ من أعوان الشيطان اخترعه وافتراه، رواه «ابن الفَتَّال» في كتابه «روضة الواعظين»،
هو محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن علي الفتال النيشابوري المعروف بابن الفتال، من علماء الشيعة الإمامية في القرن الخامس الهجري. من مشايخه شيخ الطائفة الشيخ الطوسي والسيد المرتضى علم الهدى، ومن تلامذته ابن شهرآشوب المازندراني. من أشهر مؤلفاته «روضة الواعظين وبصيرة المتعظين» وهو من مصادر بحار الأنوار وطبع مراراً في إيران والعراق. توفي ابن الفتال مقتولاً سنة 508هـ.
عند حديثه عن موضوع ولادة الإمام علي عليه السلام،
فنسبَ فيه إلى رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قوله:
«.... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عليٍّ فقال لي: يا حبيبَ اللهِ! اللهُ يقرأ عليك السلامَ ويهنِّئك بولادة أخيك عليٍّ...... فقمت مبادراً فوجدت فاطمة بنت أسد، أمّ عليّ، وقد جاءها المخاض وهو بين النساء والقوابل حولها.....
(إلى قوله) ثم قال لي جبرئيل: امدد يدك يا محمّد! فإنه صاحبك اليمين! فمددت يدي نحو أمه فإذا بعليٍّ مائلاً على يدي واضعاً يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذِّن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله عزَّ وجل وبرسالتي!»( ابن الفتال، «روضة الواعظين»، قم: دار الرضيّ للنشر، بدون تاريخ، وذكر فيه أنه صُوِّرَ طبقاً لنسخة طبعت سنة 1386هـ في النجف الأشرف، ج 1/ ص 83-84.)،
هذا مع أن الأذان إنما نزل بعد الهجرة إلى المدينة! ويتابع الحديث حتى يصل إلى القول: «ثم قال لي (عليٌّ المولود حديثاً): يا رسول الله! أقرأُ؟
قلتُ: إقرأْ! فو الذي نفسُ محمَّد بيده لقد ابتدأ بالصُّحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم فقام بها شيثٌ فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر بها شيث لأقرَّ له أنه أحفظ له منه!
ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضره موسى لأقرَّ بأنه أحفظ لها منه! ثم قرأ زبور داود....! ثم قرأ إنجيل عيسى...، ثم قرأ القرآن الذي أنزله الله عليَّ من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة!!...الخ الحديث الطويل المليء بالأباطيل»( ابن الفتال، «روضة الواعظين»، قم: دار الرضيّ للنشر، بدون تاريخ، وذكر فيه أنه صُوِّرَ طبقاً لنسخة طبعت سنة 1386هـ في النجف الأشرف، ج 1/ ص 83-84.)
فانظر أيها القارئ اللبيب في أي واد من وديان الغلوِّ يقع الإنسانُ الذي يصدِّق بمثل هذا الحديث الكاذب، وفي أي حفرة من الضلالة التي لا إمكان للنجاة منها، يسقط!
ولما كان متن هذا الحديث الخرافي يخالف صريح القرآن الكريم ويناقض العقل والوجدان والتاريخ، فإننا في غنى عن البحث في سنده وبيان ضعفه، إذْ إنه على درجة من البطلان والهراء يخجل معها الإنسان من مجرد ذكره وبيان كذبه.
مع أن ذلك الحديث المفترى يناقض ما رواه ابن الفتال نفسه في كتابه ذاته من أن علياً إنما وُلِدَ داخل الكعبة(ابن الفتال، «روضة الواعظين»، ج1/ص 81.)،
هذا ويذكر ابن الفتال رواياتٍ غريبةٍ أخرى مليئةٍ بالترَّهات حول رجلٍ عابدٍ راهبٍ يُقَال له«المثرم بن رعيب بن الشيقنام»!! وكيف أن أبا طالب ذهب إليه و...و... إلى آخر تلك الموهومات التي بمعزل عن سندها الذي فيه رواةٌ مجهولون وغلاةٌ، مَتْنُها على درجة من التهافت والبطلان تكفي لتشهد بأنه افتراء محض من نسج خيال قصاصين وضّاعين حمقى.
و روايات ابن الفتال هذه متناقضة تجعل الذي يقرأها لا يدري في النهاية هل وُلِدَ عليٌّ داخل الكعبة، أم وُلِدَ في بيت أبي طالب؟؟ وهل كانت قابلةُ عليٍّ حوريةٌ من نساء الجنَّة أم كان رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) نفسه؟!
إن أولئك الغلاة الحمقى يظنون أن مثل تلك الروايات التي تشبه أضغاث أحلامٍ لا يُعرف أولها من آخرها هي من فضائل المولى أمير المؤمنين عليه السلام!
إنهم يريدون أن يثبتوا استناداً إلى تلك الترَّهات الباطلة والخرافية موضوع تصرُّف عليّ في الكون والمكان!!؟
والسؤال ما هي نتيجة قبول مثل تلك الروايات؟
إنها لن تكون سوى القول بأن قراءة عليٍّ للقرآن حين ولادته وقبل بعثة رسول الله بعدة سنوات، إن لم تدل على إلـهية عليٍّ وعلمه بكل شيء، فعلى الأقل ستدلُّ على أن علياً - والعياذ بالله - أفضل وأعلم من رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)!!
لأن القرآن الكريم بين لنا عدم اطلاع رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) جنباً إلى جنب عدم اطلاع قومه على أخبار القرآن ومطالبه، فيقول تعالى:
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[هود:49]،
والقول بأفضلية عليٍّ على رسول الله أو مساواته له في الفضل كفرٌ. وأصلاً لو قرأ عليٌّ كل آيات القرآن على رسول الله - كما تدعي تلك الرواية الخرافية - فإن رسول الله سيكون قد سمع من عليٍّ آيات حادثة الإفك في سورة النور التي تبيِّن تزكية وطهارة أم المؤمنين عائشة،
وبالتالي تكون براءة عائشة قد أصبحت مسلَّمة له،
فلماذا إذن تلك الحيرة والتفكير الذي وقع به رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما سمع ذلك الموضوع؟!
ومئات القضايا الأخرى التي يتضمنَّها القرآن، والتي لم يكن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يدري بها قبل أن تقع خلال سيرته.
وإذا تركنا كل ذلك جانباً، فإننا نسأل ما هي الفائدة من صدور كل تلك الأعمال العجيبة من عليٍّ حين ولادته والتي لا بد أنها تعتبر معجزات؟
لماذا كان عليٌّ يظهر تلك المعجزات للنبيّ؟
أكان النبي منكراً لفضائل عليِّ فأراد عليٌّ أن يبينها له؟!!
فبالله عليكم أيها القراء الكرام هل هناك أحمقٌ فضلاً عن عاقل يمكنه أن يقبل بمثل تلك المطالب أو يستند إلى مثل تلك الأوهام لإثبات عقيدةٍ ما؟!
وقد ذكر المجلسي في «بحار الأنوار» أيضاً حديثاً طويلاً مفصَّلاً قريباً من هذا المعنى نقلاً عن كتاب «الأمالي» للشيخ أبي جعفر الطوسي
جاء فيه أنَّه بعد ولادة عليٍّ وعودة أمِّه إلى بيتها عزمَ نبيُّ اللهِ محمّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) على الذهاب إلى بيت أبي طالب لرؤية الوليد الجديد، فذهب
ولما: «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَلَمّا دَخَلَ اهتز له أمير المؤمنين عليه السلام وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته!. قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُون. إلى آخر الآيات.
فقال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. فقال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أنتَ والله أميرُهُم... الحديث»( الملا محمد باقر المجلسي، «بحار الأنوار»، ج35/ص37-38.).
ويُقال في هذه الرواية الموضوعة ما قيل في سابقتها من أن متنها مخالفٌ لصريح آيات القرآن التي تؤكد أنه لم يكن للنبي الأكرم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ولا لقومه، أيُّ علمٍ بالقرآن الكريم قبل نزوله، هذا فضلاً عن أن سند الرواية رواةٌ غلاةٌ وضَّاعون.
نسأل الله تعالى أن يحمينا وجميع المسلمين من أمثال تلك الموهومات والخرافات وأن ينجينا من شرِّ الغلاة الذين هم من أسوأ الآفات، ويهدينا إلى الدين الصحيح والصراط الإلـهي المستقيم الذي هو دين الإسلام واتّباع القرآن.
أجل، لقد آذى أولئك الغلاة سيدنا رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كثيراً حتى لعنهم وتبرأ منهم مراراً وإليكم الحديث التالي حول ذلك:
2- روى الكشي في رجاله قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة ومما وقع عبد الله بن حمدويه البيهقي وكَتَبْتُهُ من رقعته:
«أن أهل النيسابور قد اختلفوا في دينهم وخالف بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً وبها قومٌ يقولون إن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) عرف جميع لغات أهل الأرض ولغات الطيور وجميع ما خلق الله وكذلك لا بد أن يكون في كل زمان من يعرف ذلك ويعلم ما يضمر الإنسان ويعلم ما يعمل أهل كل بلاد في بلادهم ومنازلهم،
وإذا لقي طفلين فيعلم أيهما مؤمن وأيهما يكون منافقاً، وأنه يعرف أسماء جميع من يتولاه في الدنيا وأسماء آبائهم وإذا رأى أحدهم عرفه باسمه من قبل أن يكلمه. ويزعمون جُعِلْتُ فِداكَ أن الوحي لا ينقطع والنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لم يكن عنده كمال العلم ولا كان عند أحد من بعده وإذا حدث الشيء في أي زمان كان ولم يكن علم ذلك عند صاحب الزمان أوحى الله إليه وإليهم! فقال: كذبوا لعنهم الله وافتروا إثماً عظيماً»( انظر بحار الأنوار: ج 25/ص 161- 162.).
ونقول : إن هذا التوقيع واللعن والبراءة تشمل كل من يعتقد بالإمام أو النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مثل تلك العقائد المغالية، كيف لا وقد ضل كثير من عامة الناس بل خاصتهم وبعض المتسمِّين بآيات الله العظمى منهم(!) (كأبي الفضل النبوي) بسبب تلك الأحاديث الكاذبة التي وضعها الغلاة ونجدها في ثنايا كتب مثل كتاب «بصائر الدرجات» لمحمد بن الحسن الصفار (290 هـ) أو كتاب «الكافي» للكُلَيْنِيّ (329 هـ)، وغيرها.
3- وفي رجال الكشي أيضاً (ص 196)( وهي في نسخة رجال الكشي، طبع مؤسسة النشر في جامعة مشهد/إيران، 1348 هـ في ص: 225 - 226.)
عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن الحسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال،قال أبو عبد الله عليه السلام يوماً لأصحابه:
«لعنَ الله المغيرةَ بنَ سعيدٍ ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق إن المغيرة كذبَ على أبي عليه السلام فسلبه الله الإيمان، وإن قوماً كذبوا عليَّ ما لهم أذاقهم الله حرَّ الحديد، فوالله ما نحن إلا عبيدُ الذي خلقنا واصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع إن رحمنا فبرحمته وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة وإنا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون، ويلهم ما لهم لعنهم الله فلقد آذوا الله وآذوا رسوله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي (صلوات الله عليهم)، وها أنا ذا بين أظهركم لحم رسول الله وجلد رسول الله أبيت على فراشي خائفاً وجلاً مرعوباً، يأمنون وأفزع وينامون على فرشهم وأنا خائف ساهر وجل، أتقلقل بين الجبال والبراري، أبرأ إلى الله مما قال في الأجدع البراد عبد بني أسد أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب ألا يقبلوه فكيف وهم يروني خائفاً وجلاً أستعدي اللهَ عليهم، وأتبرَّأُ إلى الله منهم، أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وما معي براءة من الله، إن أطعته رَحِمَني وإن عصيته عذَّبني عذاباً شديداً أو أشدَّ عذابه.».
ونقول : انظروا كيف كذَّب الإمام الصادق عليه السلام بتلك العبارات الواضحة الصريحة كل تلك الترَّهات والأكاذيب التي ينسبها إليه الغلاة، والتي لا يزال الشيعه يعتقدون بمثلها بحق الإمام الصادق وشفاعته والتوسل به!.
ولا غرو أن يقول الإمام الصادق ما قاله فقد جاء في كتاب الله العزيز إنذارٌ لجدِّه رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[الزمر:65]،
هذا بعد أن ينقل القرآن الكريم لنا عن لسان النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ):
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾[الأنعام:15]،
ومثلها في سورة يونس/ آية 15، وسورة الزمر/آية 13.
فيحق للصادق أن يكون كذلك أيضاً لأنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من خَلْقِهِ - مهما علت منزلته - نسبٌ ولا قرابةٌ، ولن ينجيه إلا عَمَلُهُ ورحمةُ ربِّه، ألم يقل الله تعالى:
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾[النساء:123-124].
إن ذلك الحديث الذي أوردناه عن الإمام الصادق عليه السلام يبيِّن براءته من مقالات الغلاة التي كان غلاة عصره ينشرونها وخلَّفوها للأسف للأجيال اللاحقة حتى تلقَّفها منهم مراجع هذا العصر، من الشيعه ألا لعنةُ الله عليهم لعناً وبيلاً.
10 - رورى الكشيّ في رجاله (ص 254)([1]) كذلك عن محمد بن مسعود، قال حدثني عبد الله بن محمد بن خالد، عن علي بن حسان، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:
ذُكِرَ عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب، فقيل إنه صار إلى بيروذ، وقال فيهم وهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، قال: هو الإمام، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «لا والله لا يأويني وإياه سقفُ بيتٍ أبداً، هم شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، والله ما صغَّر عظمةَ الله تصغيرهم شيء قط، إن عُزَيْراً جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحا الله اسمه من النبوة، والله لو أن عيسى أقرَّ بما قالت النصارى لأورثه الله صمماً إلى يوم القيامة، والله لو أقررت بما يقول فيَّ أهلُ الكوفة لأخذتني الأرض، وما أنا إلا عبدٌ مملوكٌ لا أقدر على شيء ضرٍّ ولا نفع.».
نقول : ولِنُدَقِّق في جملة «فمحا الله اسمه من النبوة» ففيها معنىً دقيق وعال، إذ إنها تبين عدم صحة تلك العصمة الوهبية المطلقة التي يدعيها المغالون بالأئمة وتبعاً لذلك بالأنبياء والرسل، لأن عزيراً قد مُحي اسمه من سجل الأنبياء لمجرد أنه جال في ذهنه أو تصور أن يكون له مثل ذلك المقام، فلا عصمة على ذلك النحو الذي يقولونه، حتى لو أن عيسى بن مريم أقرّ - والعياذ بالله - بما قالته النصارى بحقِّه لفعل الله تعالى به كذا كذا، كما جاء في الرواية.
4- ويذكر الطبرسي
(هو الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، لا يُعرف تاريخ ولادته أو وفاته بدقة، وكل ما يُعرف عنه أنه من علماء القرن السادس الهجري ومن معاصري أمين الإسلام الطبرسي (548 هـ) صاحب تفسير "مجمع البيان" الشهير، وكلا الطبرسيين من مشايخ ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة 588هـ.)
في كتابه «الاحتجاج» (ج 2/ص 439) روايةً عن الإمام الرضا عليه السلام كما يلي:
«فقام إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله! صف لنا ربك فإنَّ مَنْ قَبْلَنَا قد اختلفوا علينا! فوصفه الرضا عليه السلام أحسن وصف ومجَّدَه ونزَّهَه عمَّا لا يليق به تعالى.
فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله! فإنَّ معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلُّها من صفات عليٍّ عليه السلام وأنه هو الله رب العالمينّ!
قال فلما سمعها الرضا عليه السلام ارتعدت فرائصه وتصبَّبَ عرقاً
وقال: سبحان الله عمّا يشركون! سبحانه عمّا يقول الكافرون علوّاً كبيراً!
أوليس عليٌّ كان آكلاً في الآكلين وشارباً في الشاربين وناكحاً في الناكحين ومحدثاً في المحدثين وكان مع ذلك مصلياً خاضعاً بين يدي الله ذليلاً وإليه أوَّاهاً منيباً؟
أفمن هذه صفته يكون إلها؟؟
فإن كان هذا إلهاً فليس منكم أحدٌ إلا وهو إلهٌ لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث كل موصوف بها!
فقال الرجل: يا ابن رسول الله! إنهم يزعمون أن علياً لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله دلَّ على أنه إلهٌ، ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبَّس ذلك عليهم وامتحنهم ليعرفوه وليكون إيمانهم اختياراً من أنفسهم!
فقال الرضا عليه السلام: أوَّلُ ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم فقال: لمَّا ظهر منه الفقر والفاقة دلَّ على أنَّ مَنْ هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله، فَعُلِمَ بهذا أن الذي أظهره من المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في صفات الضعف.».
12 - وذكر الكشي في رجاله روايةً أخرى في هذا المجال فقال: «وبهذا الإسناد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله، قال، قال أبو عبد الله عليه السلام:
إنا أهل بيت صدِّيقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أصدق الناس لهجة وأصدق البريّة كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدقَ من بَرَأَ اللهُ بعدَ رسولِ اللهِ، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبإ.» ثم تابع الكشيّ قوله: «ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبإ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في علي عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية!» انتهى كلام الكشّي(رجال الكشي، ص 100 في الطبعة القديمة، أو ص 108 - 109 في طبعة جامعة مشهد.).
5- وروى الصدوق في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» بسنده عن أبي عن الحسن بن أحمد المالكي عن أبيه عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام:
يا ابن رسول الله! إن عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عنكم أفندين بها؟؟
فقال: يا ابن أبي محمود! لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام أن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) قال: مَنْ أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.
ثم قال الرضا عليه السلام: «يا ابن أبي محمود! إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا
وقد قال الله عز وجل ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه إن أدنى ما يخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه يا ابن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة.»
( الشيخ الصدوق، «عيون أخبار الرضا»، ج1/ص 304.
قلنا ُ: فانظروا أيها القراء الكرام كيف يحذِّر الإمام عليه السلام ويخوِّف حتى من الذي يقول عن الحصاة نواة ويجعل ذلك الافتراء دينه، ومثله الذي يقول عن إنسان إنه فوق إنسان، وعن بشرٍ إنه ملاكٌ، فما بالك بمن يقول عن بشر إنه يعمل أعمال الله تعالى؟!
6- روى الشيخ الصدوق في «الخصال» (ص 63، المطبعة الإسلامية) بسنده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال:
«أَدْنى ما يخرُجُ به الرجلُ عن الإيمان أن يجلس إلى غالٍ فيستمع إلى حديثه ويصدِّقُهُ على قوله، إن أبي حدَّثني عن أبيه عن جدِّه عليه السلام أن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الإسلام، الغُلاةُ والقدرِيَّةُ.».
7- وروى المجلسي في بحار الأنوار (ج 65/ص 167) نقلا عن الكشي في رجاله عن خالد بن حماد عن الحسن بن طلحة رفعه عن محمد بن إسماعيل عن علي بن زيد الشامي قال قال أبو الحسن (أي الإمام الرضا) عليه السلام قال أبو عبد الله عليه السلام: «ما أنزل الله سبحانه وتعالى آيةً في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع (﴿ ينتحل التشيُّع ﴾ أي ينتسب إليه زوراً وكذباً، من النِّحلة، قال ابن منظور في لسان العرب: ﴿ والنِّحْلةُ: الدَّعْوَى. وانْتَحَل فلانٌ شِعْر فلانٍ، أَو قالَ فلانٍ إذا ادّعاه أَنه قائلُه. وتَنَحَّلَه: ادَّعاه وهو لغيره.!».
وهذه الرواية نقلها العلامة المامقاني أيضا في كتابه «مقباس الهداية» (ص 89).