هو خامس أئمة أهل البيت الطاهر ، المعروف بالباقر ، وقد اشتهر به لبقره العلم وتفجيره له . قال ابن منظور في لسان العرب : لقب به ، لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسع فيه ( 1 ) .
أقوال العلماء فيه ( عليه السلام ) :
وقال ابن حجر : سمي بذلك لأنه من بقر الأرض ، أي شقها ، وإثارة مخبآتها ، ومكامنها ، فكذلك هو أظهر من مخبآتها كنوز المعارف وحقائق الأحكام ، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة ، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه ( 2 ) .
وقال ابن كثير : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،
( 1 ) لسان العرب 4 : 74 .
( 2 ) الصواعق المحرقة : 201 . ( * )
وسمي بالباقر لبقره العلوم ، واستنباطه الحكم ، كان ذاكرا خاشعا صابرا ، وكان من سلالة النبوة ، رفيع النسب ، عالي الحسب ، وكان عارفا بالخطرات ، كثير البكاء والعبرات ، معرضا عن الجدال والخصومات ( 1 ) .
وقال ابن خلكان : أبو جعفر محمد بن زين العابدين ، الملقب بالباقر ، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية ، وهو والد جعفر الصادق . كان الباقر عالما سيدا كبيرا ، وإنما قيل له الباقر ، لأنه تبقر في العلم ، أي توسع ، وفيه يقول الشاعر :
يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجبل ( 2 )
ولد بالمدينة غرة رجب سنة 57 ه وقيل 56 ه ، وتوفي في السابع من ذي الحجة سنة 114 ه ، وعمره الشريف 57 سنة .
عاش مع جده الحسين ( عليه السلام ) 4 سنين ، ومع أبيه ( عليه السلام ) بعد جده ( عليه السلام ) 39 سنة ، وكانت مدة إمامته ( عليه السلام ) 18 سنة ( 3 ) .
وأما النصوص الدالة على إمامته من أبيه وأجداده والتي ذكرها المحدثون والمحققون من علمائنا الأعلام فهي مستفيضة نقلها الكليني - رضي الله عنه - وغيره .
وقال ابن سعد : محمد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعين من المدينة ، كان عالما عابدا ثقة ، وروى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره .
قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة : لقيت محمد بن علي الباقر ؟ فقال : نعم وسألته يوما فقلت له : أراد الله المعاصي ؟ فقال : " أفيعصى قهرا " ؟ قال أبو حنيفة : فما رأيت جوابا أفحم منه . وقال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر ، لقد
( 1 ) البداية والنهاية 9 : 309 .
( 2 ) وفيات الأعيان 4 : 174 .
( 3 ) إعلام الورى بأعلام الهدى : 264 - 265 . ( * )
رأيت الحكم عنده كأنه مغلوب ، ويعني الحكم بن عيينة ، وكان عالما نبيلا جليلا في زمانه .
وذكر المدائني عن جابر بن عبد الله : أنه أتى أبا جعفر محمد بن علي إلى الكتاب وهو صغير فقال له : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسلم عليك ، فقيل لجابر : وكيف هذا ؟ فقال : كنت جالسا عند رسول الله والحسين في حجره وهو يداعبه فقال : " يا جابر يولد مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد ، اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام " .
وذكر ابن الصباغ المالكي بعد نقل القصة : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لجابر : " وإن لاقيته فاعلم أن بقاءك في الدنيا قليل " فلم يعش جابر بعد ذلك إلا ثلاثة أيام . ثم قال : هذه منقبة من مناقبه باقية على ممر الأيام ، وفضيلة شهد له بها الخاص والعام ( 1 ) .
وقال المفيد : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ( 2 ) .
وروى عنه معالم الدين بقية الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وسارت بذكر كلامه الأخبار وأنشدت في مدائحه الأشعار . . . ( 3 ) .
قال ابن حجر : صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ( 4 ) .
( 1 ) ابن الجوزي ، تذكرة الخواص : 302 - 303 ، الفصول المهمة : 215 - 216 .
( 2 ) الإرشاد : 262 .
( 3 ) الفصول المهمة : 210 نقله عن إرشاد الشيخ المفيد : 261 ، فلاحظ .
( 4 ) الصواعق المحرقة 301 . ( * )
مناظراته : وأما مناظراته مع المخالفين فحدث عنها ولا حرج ، وقد جمعها العلامة الطبرسي في كتاب الإحتجاج ( 1 ) .
قال الشيخ المفيد في الإرشاد : وجاءت الأخبار : أن نافع بن الأزرق ( 2 ) جاء إلى محمد بن علي ، فجلس بين يديه يسأله عن مسائل الحلال والحرام .
فقال له أبو جعفر في عرض كلامه : " قل لهذه المارقة ، بم استحللتم فراق أمير المؤمنين ، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى الله بنصرته ؟ فسيقولون لك : إنه حكم في دين الله ، فقل لهم : قد حكم الله تعالى في شريعة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) رجلين من خلقه فقال : { فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا } ، وحكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما أمضاه الله ، أوما علمتم أن أمير المؤمنين إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدياه ، واشترط رد ما خالف القرآن في أحكام الرجال ، وقال حين قالوا له : حكمت على نفسك من حكم عليك ؟ فقال : ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت كتاب الله .
فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن ، واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان " ؟ فقال نافع بن الأزرق : هذا والله كلام ما مر بسمعي قط ، ولا خطر مني ببال ، وهو الحق إن شاء الله .
ثم إن الشيعة الإمامية أخذت كثيرا من الأحكام الشرعية عنه وعن ولده البار
( 1 ) الإحتجاج 2 : 54 - 69 .
( 2 ) الإرشاد : 265 ، ولعل المناظر هو عبد الله بن نافع بن الأزرق ، لأن نافعا قتل عام 65 من الهجرة وللإمام عندئذ من العمر دون العشرة ، وقد نقل ابن شهرآشوب بعض مناظرات الإمام مع عبد الله بن نافع فلاحظ 4 : 201 . ( * )
جعفر الصادق ( عليه السلام ) وحسب الترتيب المتداول في الكتب الفقهية ، حيث روي عنه ( عليه السلام ) الكثير من الروايات الفقهية التي تناولت مختلف جوانب الحياة ، وللاطلاع على ذلك تراجع كتب الفقه وموسوعاته المختلفة .
وأما ما روي عنه في الحكم والمواعظ ، فقد نقلها أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ، والحسن بن شعبة الحراني في تحفه ( 1 ) .
وقد توفي الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) عام 114 ه ، ودفن في البقيع إلى جنب قبر أبيه ، ومن أراد البحث عن فصول حياته في شتى المجالات فليراجع الموسوعات التي تحفل بها المكتبات العامة والخاصة .
( 1 ) حلية الأولياء 3 : 180 - 235 وفي بعض ما نقل عنه تأمل ونظر . والحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : 284 - 300 . ( * )