هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري الحجة ، الخلف الصالح ، ولد ( عليه السلام ) بسر من رأى ليلة النصف من شعبان ، سنة خمس وخمسين ومائتين ، وله من العمر عند وفاة أبيه خمس سنين ، آتاه الله الحكم صبيا كما حدث ليحيى ، حيث قال سبحانه : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } ( 1 ) ، وجعله إماما وهو طفل ، كما جعل المسيح نبيا وهو رضيع قال سبحانه عن لسانه وهو يخاطب قومه : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } ( 2 ) .
اتفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم ، والجور ، ونشر أعلام العدل ، وإعلاء كلمة الحق ، وإظهار الدين كله ولو كره المشركون ، فهو بإذن الله ينجي العالم من ذل العبودية لغير الله ، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة ، ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء ، ويقطع أواصر التعصبات القومية والعنصرية ، ويمحي أسباب العداء والبغضاء التي صارت سببا
( 1 ) مريم : 12 .
( 2 ) مريم : 30 . ( * )
لاختلاف الأمة وافتراق الكلمة ، ويحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله :
1 - { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ( 1 ) .
2 - { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } ( 2 ) .
3 - { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } ( 3 ) .
وتشهد الأمة بعد ظهوره ( عليه السلام ) عصرا ذهبيا لا يبقى فيه على الأرض بيت إلا ودخلته كلمة الإسلام ، ولا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة " لا إله إلا الله " بكرة وعشيا .
أقول : لقد تواترت النصوص الصحيحة والأخبار المروية من طريق أهل السنة والشيعة المؤكدة على إمامة أهل البيت ( عليه السلام ) ، والمشيرة صراحة إلى أن عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل ، وأن آخر هؤلاء الأئمة هو الذي يملأ الأرض - في عهده - عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، وأن أحاديث الإمام الثاني عشر الموسوم بالمهدي المنتظر قد رواها جملة من محدثي السنة في صحاحهم المختلفة كأمثال الترمذي ( المتوفى عام 297 ه ) ، وأبي داود ( المتوفى عام 275 ه ) وغيرهم ، حيث
( 1 ) النور : 55 .
( 2 ) القصص : 5 . ( 3 ) الأنبياء : 105 . ( * )
أسندوا رواياتهم هذه إلى جملة من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصحابته ، أمثال علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ( عليه السلام ) وأم سلمة زوجة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة وغيرهم :
1 - روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا " ( 1 ) .
2 - أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " ( 2 ) .
3 - أخرج أبو داود عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " المهدي من عترتي من ولد فاطمة " ( 3 ) .
4 - أخرج الترمذي عن ابن مسعود : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " ( 4 ) .
إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي بلغت أعلى مراتب التواتر على وجه حتى قال الدكتور عبد الباقي : إن المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو راو أو روايين ، إنها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريبا ، اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح ( 5 ) .
هذا هو المهدي الذي اتفق المحدثون والمتكلمون عليه ، وإنما الاختلاف بين الشيعة والسنة في ولادته ، فالشيعة ذهبت إلى أن المهدي الموعود هو الإمام الثاني
( 1 ) مسند أحمد 1 : 99 ، 3 : 17 و 70 .
( 2 ) جامع الأصول 11 : 48 برقم 7810 .
( 3 ) جامع الأصول 11 : 48 برقم 7812 .
( 4 ) المصدر نفسه برقم 7810 .
( 5 ) الدكتور عبد الباقي ، بين يدي الساعة 123 . ( * )
عشر الذي ولد بسامراء عام 255 ه واختفى بعد وفاة أبيه عام 260 ه ، وقد تضافرت عليه النصوص من آبائه ، على وجه ما ترك شكا ولا شبهة ( 1 ) ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنة ، وقالوا بأنه ولد وأنه محمد بن الحسن العسكري .
نعم كثير منهم قالوا : بأنه سيولد في آخر الزمان ، وبما أن أهل البيت أدرى بما في البيت ، فمن رجع إلى روايات أئمة أهل البيت في كتبهم يظهر له الحق ، وأن المولود للإمام العسكري هو المهدي الموعود . وممن وافق من علماء أهل السنة بأن وليد بيت الحسن العسكري هو المهدي الموعود :
1 - كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتابه " مطالب السؤول في مناقب آل الرسول " . وقد أثنى عليه من ترجم له مثل اليافعي في " مرآة الجنان " في حوادث سنة 652 ه .
قال - بعد سرد اسمه ونسبه - : " المهدي الحجة ، الخلف الصالح المنتظر ، فأما مولده فبسر من رأى ، وأما نسبه أبا فأبوه الحسن الخالص " ثم أورد عدة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود ، والترمذي ومسلم ، والبخاري وغيرهم ، ثم ذكر بعض الاعتراضات بالنسبة إلى أحواله ( عليه السلام ) من حيث الغيبة وطول العمر وغير ذلك ، وأجاب عنها جميعا ، ثم قال رادا على تأويل البعض لهذه الروايات بأنها لا تدل على أنه محمد بن الحسن العسكري قائلا : بأن الرسول لما وصفه وذكر اسمه ونسبه وجدنا تلك الصفات والعلامات موجوده في محمد بن الحسن العسكري علمنا هو المهدي .
2 - أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابيه : " البيان
( 1 ) اقرأ هذه النصوص في كتاب " كمال الدين " للشيخ الصدوق : ص 360 - 381 ه ترى فيه النصوص المتضافرة على أن المهدي الموعود هو ولد الإمام أبو محمد الحسن العسكري وأن له غيبة . ( * )
في أخبار صاحب الزمان " و " كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب " .
3 - نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتابه : " الفصول المهمة في معرفة الأئمة " .
4 - الفقيه الواعظ شمس الدين المعروف بسبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " .
إلى غير ذلك من علماء وحفاظ ذكر أسماءهم وكلماتهم السيد الأمين في أعيان الشيعة وأنهاها إلى ثلاثة عشر ، ثم قال : والقائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنة كثيرون ، وفيما ذكرناه منهم كفاية ، ومن أراد الاستقصاء فليرجع إلى كتابنا " البرهان على وجود صاحب الزمان " ورسالة " كشف الأستار " للشيخ حسين النوري ( 1 ) .
وقد كان الاعتقاد بظهور المهدي في عصر الأئمة الهداة أمرا مسلما ، حتى أن شاعرا مثل دعبل الخزاعي ذكره في قصيدته التي أنشدها لعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) فقال :
خروج إمام لا محالة قائم * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
ولما وصل دعبل إلى هذين البيتين بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديدا ثم رفع رأسه ، فقال له : " يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم " ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ، ويملأها عدلا كما ملئت جور . فقال : " يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ( الجواد ) وبعد محمد ابنه علي
( 1 ) أعيان الشيعة 2 : 64 - 75 . ( * )