هو ثاني أئمة أهل البيت الطاهر ، وأول السبطين ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، وريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء ، أمه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدة نساء العالمين .
ولادته : ولد في المدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة ، وهو أول أولاد علي وفاطمة ( عليهما السلام ) .
نسب كان عليه من شمس الضحى * نور ومن فلق الصباح عمودا
وروي عن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ( 1 ) .
( 1 ) ابن الصباغ المالكي ( المتوفى عام 855 ه ) : الفصول المهمة : 152 . ( * )
فلما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي : سمه ، فقال : " ما كنت لأسبق باسمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخرج إليه فقال : " اللهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم ، وأذن في أذنه اليمني وأقام في اليسرى .
ألقابه ( عليه السلام ) أشهرها : التقي والزكي والسبط .
علمه ( عليه السلام ) : يكفي أنه كان يجلس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي غليل السائل ويقطع حجج المجادلين .
من ذلك ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسير الوسيط : أن رجلا دخل إلى مسجد المدينة فوجد شخصا يحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والناس حوله مجتمعون فجاء إليه الرجل ، قال : أخبرني عن { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } ( 1 ) ؟ فقال : " نعم ، أما الشاهد فيوم الجمعة والمشهود فيوم عرفة " .
فتجاوزه إلى آخر غيره يحدث في المسجد ، فسأله عن { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : " أما الشاهد فيوم الجمعة ، وأما المشهود يوم النحر " . قال : فتجاوزه إلى ثالث ، غلام كأن وجهه الدينار ، وهو يحدث في المسجد ، فسأله عن شاهد ومشهود ، فقال : " نعم ، أما الشاهد فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأما المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته عز وجل يقول : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
( 1 ) البروج : 3 . ( * )
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } ( 1 ) ، وقال تعالى : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } " ( 2 ) .
فسأل عن الأول ، فقالوا : ابن عباس ، وسأل عن الثاني ، فقالوا : ابن عمر ، وسأل عن الثالث ، فقالوا : الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ( 3 ) .
زهده ( عليه السلام ) : يكفي في ذلك ما نقله الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أنه ( عليه السلام ) قال : " إني لأستحيي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته " فمشى عشرين مرة من المدينة إلى مكة على قدميه .
وروي عن الحافظ أبي نعيم في حليته أيضا : أنه ( عليه السلام ) خرج من ماله مرتين ، وقاسم الله تعالى ثلاث مرات ماله وتصدق به . وكان ( عليه السلام ) من أزهد الناس في الدنيا ولذاتها ، عارفا بغرورها وآفاتها ، وكثيرا ما كان ( عليه السلام ) يتمثل بهذا البيت شعرا :
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق ( 4 )
حلمه ( عليه السلام ) : روى ابن خلكان عن ابن عائشة : أن رجلا من أهل الشام قال : دخلت
( 1 ) الأحزاب : 45 .
( 2 ) هود : 103 .
( 3 ) بحار الأنوار 1 : 13 .
( 4 ) ابن الصباغ المالكي ، الفصول المهمة : 154 . ( * )
المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا ثوبا ولا دابة منه ، فمال قلبي إليه ، فسألت عنه فقيل : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فامتلأ قلبي له بغضا وحسدت عليا أن يكون له ابن مثله ، فصرت إليه وقلت له : أأنت ابن علي بن أبي طالب ؟ قال : " أنا ابنه " ، قلت : فعل بك وبأبيك ، أسبهما ، فلما انقضى كلامي قال لي : " أحسبك غريبا " ؟ قلت : أجل ، قال : " مل بنا ، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك ، أو إلى مال آتيناك ، أو إلى حاجة عاوناك " قال : فانصرفت عنه وما على الأرض أحب إلي منه ، وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي ( 1 ) .
إمامته ( عليه السلام ) : يكفي في ذلك ما صرح به النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قوله : " هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا . . . " .
وروت الشيعة بطرقهم عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين أوصى إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) وأشهد على وصيته الحسين ( عليه السلام ) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : " يا بني إنه أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن أوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثم أقبل على ابنه الحسين ( عليه السلام ) فقال : وأمرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي فاقرأه من رسول الله
( 1 ) ابن خلكان ، وفيات الأعيان 2 : 68 . ( * )
ومني السلام " ( 1 ) .
روى أبو الفرج الأصفهاني : أنه خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وقال : " قد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقية من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله " .
ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه .
ثم قال : " أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } ( 2 ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت " .