مخاطبة القرآن للنفس
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( ل 2 ص 89 م15 ) حقوق النشر محفوظة
نستعرض في هذه المحاضرة مخاطبة القرآن للنفس سواء كان من زاوية السلوك ومقدار نشاطه أو التحدث معه في شتى مجالات الأنشطة ولا يتحدد بمجال واحد أو بمقدار معين بغض النظر عن طبيعة علم النفس وما يعتمد عليه من الأسلوب العلمي كما يتعرض القرآن إلى ناحية الظواهر النفسية على اختلاف حالتها من الانفعالية وأقسامها وإنها تارة تكون لوّامة أو مطمئنة ونحوها كما يتحدث القرآن عن طبيعة ما يقوم به علم النفس من دور العلاقة بين الفرد والبيئة كما انه لو فسر علم النفس بما انه أمر إيجابي مثل تحسين السلوك ورفع شأن مستوى الطبقات الفردية والاجتماعية كما انه يمكن للقرآن أن يرشد إلى ناحية الحالات الطارئة على الأفراد سواء كانوا بمستوى الطبقة الرفيعة كالعلماء والأنبياء أم الطبقة الحاكمة كنمرود وفرعون أم المجتمع من حيث الإيمان أم التمرد مثل قوم لوط أم أفراد مجتمع نوح وعدم الاستجابة .
كما أن القرآن يمر بمرحلة المعرفية عن دوافع السلوك ومظاهر الحياة العقلية سواء كانت في مرحلة الشعور كما في التطلع إلى الحياة العملية من العمل ونحوه أو التطلع إلى الآثار وعلاقتها بالموجد أم كانت ناظرة إلى مرحلة الاّ شعور مثل استعراض القرآن حالة الانتقال من اللامحسوس إلى المحسوس كما سار عليه طريق الاهتداء في سلوك إبراهيم في رؤية القمر والشمس ثم الانتقال إلى المؤثر الحقيقي .
وقد أمر الإمام علي عليهالسلام من ينطلق في المعرفة أن يتعرف على نفسه في قوله: غاية المعرفة ان يعرف المرء نفسه[28].
و قال عليهالسلام: كفى بالمرء معرفةً ان يعرف نفسه وكفى بالمرء جهلاً ان يجهل نفسه[29].
و قال عليهالسلام: من عرف نفسه تجرد[30] فمثل هذه الروايات ونحوها كلها متجهة إلى ناحية دراسة النفس بما هي من دون نظر إلى ناحية اصل المعرفة وميزانها المعرفي.
ثم ان ما نتطلع اليه من طبيعة التحدث القرآني مع النفس ربما يقع في سعة أكثر مما يسير عليه علم النفس عندما يتحدث عن السلوك بما هو إذ التحدث القرآني للنفس يقع من زاويتين النظرية والعملية بينما علم النفس السلوكي يتحدث من زاوية واحدة .
فان مثل قوله تعالى: « فالهمها فجورها وتقواها »[31] دلالة على ثبوت قوتين في النفس إحداهما قوة الخير و الأخرى قوة الشر كما يشير القرآن إلى الصراع بين القوتين وبيان جهة الغلبة من جهة الشر مثل قوله تعالى: « وما أبرئ نفسي إن النفس الأمارة بالسوء »[32] كما انه يتعرض القرآن إلى تقديم قوة الخير على الشر في قوله تعالى: « قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها »[33].
ثم نجد القرآن ينظر إلى النفس بما أنها حاوية على تلك الملكات ويأمر بعدم التعدي على كرامتها واعطائها حقوقها المشروعة مثل قوله تعالى: « ليجزى اللّه كل نفس ما كسبت ان اللّه سريع الحساب »[34].
و قوله تعالى: « و لا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحـق »[35].
ومن الملاحظ في أطروحة القرآن عندما يتحدث عن النفس يأتي بعبارات تجسمية مثل القلب والصدر مثل قوله تعالى: « وليربط على قلوبكم ويثبت بــه الأقدام »[36].
او قوله تعالى: «ولكن حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم».
او قوله تعالى: «إليكم الايمان و زينه فى قلوبكم»[37]
و قوله تعالى: « قال رب اشرح لي صدري »[38] فاطلاق النفس على مثل القلب والصدر بنحو المجاز دون الحقيقة وقد قسم القرآن النفس الى:
1 ـ النفس اللوامة في قوله تعالى: « و لا اقسم بالنفس اللوامة »[39].
و هي بيان حالات تأنيب الضمير كما ذكرنا ذلك في علم الأخلاق وفي بحث علم النفس وهي بيان حالة الاقتراف في الذنب أو الخجل ونحوهما مثل قتل الحجاج بن يوسف الثقفي في قتله لسعيد بن جبير عندما قتله ظلماً إذ يقول بعد ذلك مالي ولسعيد بن جبير طال ليلى من سعيد بن جبير[40].
و تكون مقدمات إقدام النفس على الظلم كما يشير القرآن في قوله تعالى: « فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور »[41]أو قوله تعالى: « ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة »[42]. فإذا اغلق جميع منابع الرحمة واتجهت النفس الى الإقدام نحو الشر والطغيان ثم تمكنت من تلك النفس المظلومة عادت النفس إلى طبيعتها من الإثارة الى حالة التأنيب فتكون لوّامة .
2 ـ النفس المطمئنة وهي النفس التي استقر بها معرفة المصير والرجوع الى خط الهداية .
المصدر بحث رقم ( 158 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري
..........................
[28] . الميزان في تفسير القرآن ج 6 ص 173 .
[29] . نفس المصدر .
[30] . نفس المصدر .
[31] . الشمس 8
[32] . سورة يوسف 53
[33] . الشمس 9 ـ 10
[34] . إبراهيم 51
[36] . الحجرات 7
[37] . الحجرات 7.
[38] . طه 25
[39] . القيامة
[40] . بحار الأنوار ج 25 ص 188 .
[41] . الحج 46
[42] . البقرة 7