عايش المدير العام
عدد الرسائل : 116 تاريخ التسجيل : 14/06/2011
| موضوع: الشيعة الإمامية وتحريف القرآن ، كتاب إعلام الخلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السلف ، القسم التاسع الأحد يوليو 24, 2011 1:56 am | |
| القسم التاسع
إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف - ص 45
هل القول بتحريف القرآن يستوجب الـكفر ؟
ومن العجب تسرب الوهابية دور المدافع عن عوام الشيعة بحثهم على تكفير من قال بتحريف القرآن منهم ( 2 ) ! ، ولا ريب أن مخاطبة العوام وغير أهل التخصص ونشر الأشرطة بينهم ليس إلا إغرارا
( 2 ) هؤلاء المتخبطون تراهم في أول الكتيب أو الشريط يتهمون كل الشيعة بتحريف القرآن ثم يأتون بعد برهة يريدون من علماء الشيعة تكفير الذين قالوا به منهم ! وبعدها يرمون الشيعة بقرآن آخر غير قرآن المسلمين وهو مختص بـهم اسمه مصحف فاطمة عليه السلام ! فما ندري ، أ مصحفنا تام كامل وبعضنا يدعى تحريفه ؟! أم كلنا محرفون ؟! أم قرآننا مصحف فاطمة !؟ وكل هذه التناقضات تجدها على متن شريط واحد أو في كتيب ! وكما قيل : حبل الكذب قصير .
- ص 46 -
وخداعا لهم ، وإلا ما المانع أن تطرح المسألة مع علماء الشيعة قبل أن تنشر كتيباتـهم وأشرطتهم الملونة في كل سوق ودكة ، وجزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط !
وعلى أي حال لنناقش الفكرة بشيء من العلمية ، فنبدأ بذكر استدلالات الوهابية على كفر من قال بتحريف القرآن وبالأثناء نذكر رأي الشيعة في المسألة وبعض الضوابط ، لنرى هل الكفر يصح على مباني الشيعة أيضا أم لا .
ولنعرض عن ذكر استدلالاتـهم السخيفة التي جاءت في كتيباتـهم وأشرطتهم الملونة التي تتسم بالأسلوب الخطابي الرتيب وهي للهزل أقرب منها للجد ، ولنعتمد استدلال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الذي يعتبر عندهم استدلالا علميا ، وهي اللجنة التي يرأسها كبير الوهابية ابن باز ، قال :
" ومن قال : إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على وليّ الأمر قتله مرتدا ، لأن قوله يصادم قول الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته " ( 1 ) .
فهذه الردة وهدر الدم سببها مصادمة الآية ومصادمة إجماع الأمة ، ونحن إرضاء لخاطر الوهابية وتقوية لاستدلالهم نزيد على الوجهين السابقين وجها آخر للتكفير ونرتب لهم المطلب ، فنقول :
من قال بتحريف القرآن لا يخلو الوجه في تكفيره من أحد ثلاثة أسباب :
1- كذّب صريح القرآن وهو قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقوله تعالى {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). 2- خالف ضروريا من ضروريات الدين . 3- خالف أمرا مجمعا عليه .
فنقول لدعاة التكفير : حبا وكرامة ! ، ولكن على فقه من تريدون التكفير من الشيعة ؟! على فقه أهل البيت عليهم السلام أم على فقه شكيب وشكيبة ؟! ، معلوم عند الجميع أن الشيعة لا يقيمون
هامش: ( 1 ) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج4ص8فتوى6137 ط رئاسة إدارة البحوث .[/b]
- ص 47 -
[b]وزنا لفقه لم يأتـهم من أهل البيت عليهم السلام الذين أنزل الله فيهم {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}(الإنسان/21). {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب/33) ، ومع ذلك سنمن على الوهابية مرة أخرى بذكر كلمات علماء أهل السنة في أثناء البحث المؤيدة لما ذهب له علماء الشيعة .
* مناقشة أسباب التكفير :
السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عز وجل فيما أخبر به في كتابه .
ويرد عليه أن المخالفة لكتاب الله عز وجل شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عز وجل به ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عز وجل وصار إلى غيره مع كونه يرجو موافقة كلام الله عز وجل ، فهذا خالف كتاب الله عز وجل لجهله وهذا لا يكفر ، والإخبارية هم من هذا القسم بالنسبة للآيتين ، وهذا لأمرين :
1- عدم حجية الظاهر عندهم . مر سابقا أن الإخبارية يقولون بعدم حجية ظواهر القرآن لأن القرآن لا يفهمه إلا من خوطب به وهم الرسول وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
لذا فإن مراد الله عز وجل من الآيتين الكريمتين غير معلوم عندهم ، فلا يصح اتـهامهم بجحد وتكذيب ما أخبر به الله عز وجل ، وهذا يجري على كثير من علماء الإسلام الذين أخطأوا في فهم آية أو حكم من آية ، نحو من يقول بعدم جواز رؤية الله عز وجل يوم القيامة مع ما يخبر به الظاهر الساذج لهذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة/23-24)
وكذا شبيه قول من يدعي تحقق رؤية المؤمنين له يوم القيمة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا مع أن الله عز وجل يخبر في المحكم من كتابه أنه لا تدركه الأبصار ، قال تعالى {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}(الأنعام/103). ويقول {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى/11) ، وباتفاق أهل القبلة لا يكفر كلا الطرفين مع أن أحدهما خالف ما أخبر الله به جزما .
2- قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب .
- ص 48 -
فالآية الأولى غاية ما تدل عليه أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن ولكنها ساكتة عن حفظه عند جميع الناس فلعل الله عز وجل لم يقصد بالحفظ حفظه عند كل المسلمين بل أراد حفظه عن سيد المسلمين وإمامهم ، فمن أين استفدنا حفظه عند كل المسلمين من الآية !
والآية الأخرى تدل على منع استعلاء شيء عليه ولا يطرأ طارئ يظهر عليه فيبطل مضمونه ومحتواه من العلوم والمعارف سواء مما سبقه كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة أو مما يأتي به الناس من علوم ، وليس المقصود أن الباطل في الآية بمعنى حذف الكلمات ونقصها ، ويمكن تقريب هذه الدلالة بلحاظ مرجع الضمير (لا يأتيه الباطل) إذ لا يمكن أن يكون مرجعه إلى هذا المصحف لأنـها نزلت والمصحف لم يفرغ من جمعه بعد ، فلا ريب أن المقصود به –بزعمهم- القرآن في الكتاب المكنون ، فأي تحريف يقع هناك ؟!
لذا الآيتان في نظرهم لا تدلان على المدعى .
السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
حتى يتضح الحق في هذه الدعوى يجب تقديم مقدمتين :
المقدمة الأولى : ما هو ضابط كون الشيء معلوما من الدين بالضرورة ؟ المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يحتاج انتسابه للدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من المسلمين ، فيكون انتسابه للدين بديهيا بين الناس ، كوجوب الحج أو الصلاة في الإسلام ( 1 ) ، لذا ما يتوقف إثباته على الدليل لا يكون ضروريا ومعلوما بالبديهة.
المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بمجرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط ؟ لو أنكر مسلم أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب ، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر .
مثلا لو أنكر مسلم استحباب الصدقة لشبهة طرأت له ولبعض الأدلة ففي هذه الحالة يكون قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة ولكن هذا الإنكار لا يستوجب الارتداد والمروق عن الملة ، نعم من قال إن الصدقة غير مستحبة مع إقراره أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال باستحبابـها نقلا عن الله هامش: ( 1 ) لاحظ أنا نتكلم عن ضروريات الدين كالاستحباب الصدقة وصيام شهر رمضان وحرمة شرب الخمر ، لا عن أصوله فمن أنكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو المعاد يكفر بلا قيد أو شرط . [/b]
- ص 49 -
[b]عز وجل فهذا يكفر لتعنته على أمر الله عز وجل وإنكاره للربوبية ، أما لو أقر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء به وأنكر كونه جاء به من عند الله عز وجل فهذا يكفر لأنه أنكر ضروريا يؤول إلى إنكار الرسالة ، وأما الحالة الأولى وهي إنكاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال باستحباب الصدقة ونص على استحبابـها لشبهة معينة أو طرو لبس في مقدمات استدلاله في حال كونه مصدقا ومتبعا لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال ثبوتـها عنه فإن هذا لا يكفر ولا يرتد .
قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه :" والمراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة " ( 1 ) .
قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه :" الكافر وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، أو تنقيص شريعته المطهرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل " ( 2 ) .
قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً " ( 3 ) .
قال الشيخ الآراكي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر -أي من أنكر الله أو جعل لله شريكا ، أو لم يعترف بنبوة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم - نجس . والأحوط وجوبا الاجتناب عن كل منكر لضرورة من ضروريات الدين مثل الصلاة والصوم مما يعتبره المسلمون من أجزاء دين الإسلام إن علم أن ذلك من ضروريات الدين ورجع إنكاره إلى إنكار النبوة " ( 4 ) . هامش: ( 1 ) العروة الوثقى ج1ص67 ط دار الإرشاد. ( 2 ) تحرير الوسيلة ج1ص118 ط اسماعيليان . ( 3 ) منهاج الصالحين ج1ص109 . ( 4 ) المسائل الواضحة ج1ص22 ط مكتب الإعلام الإسلامي .
- ص 50 -
قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع إلى إنكار الرسالة أو إنكار المعاد " ( 1 ).
قال السيد محمد الروحاني رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً " ( 2 ) .
قال السيد السيستاني حفظه الله تعالى : "الكافر هو من لم ينتحل دينا ، أو انتحل دينا غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ولو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في العقائد -كالمعاد- أو في غيرها كالأحكام الفرعية ، وأما إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن كان ذلك بسبب بعده عن محيط المسلمين وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره ، وأما الفرق الضالة المنتحلة للإسلام فتختلف الحال فيهم " ( 3 ) .
قال الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى : " والكافر وهو المنكر لله أو رسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أو المعاد أو الشاك في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو المشرك بالله أو الشاك في وحدانيته ، نجسٌ ، وكذلك الغلاة – أي القائلين بألوهية أحد الأئمة عليهم السلام أو القائلين بحلول الله تعالى في أحدهم عليهم السلام – والنواصب – وهم أعداء أحد الأئمة عليهم السلام أو أعداء فاطمة الزهراء سلام الله عليها- ، والمنكر لإحدى ضروريات الدين –كالصلاة والصيام- مع علمه بأنـها من ضروريات الدين " ( 4 ) .
قال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى : " الكافر ، والمشهور بين الفقهاء نجاسته مطلقا ، وإن كان من أهل الكتاب ، وهو الأحوط الأولى والأظهر أن الناصب في حكم الكافر وإن كان مظهرا ( 1 )
هامش: (1) منهاج الصالحين ج1ص98 ،ط دار الكتاب الإسلامي . ( 2 ) منهاج الصالحين ج1ص27 ط دار الزهراء . ( 3 ) منهاج الصالحين ج1ص139 ط مكتب سماحة السيد في قم المقدسة . ( 4 ) توضيح المسائل ص191 م107 ، الفارسية . - ص 51 -
للشهادتين والاعتقاد بالمعاد ، ومن أنكر شيئا من ضروريات الدين ولم تحتمل فيه الشبهة يحكم بكفره ، وكذا من علم إنكاره من فعله كمن استهزأ بالقرآن ، أو أحرقه –والعياذ بالله- متعمدا " ( 1 ) .
قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم حفظه الله تعالى :" إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى ، أو إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجبا للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلى الله عليه وآله له ، لم يوجب الكفر كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم " ( 2 ) .
وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين بل نفي كونه منه لشبهة ولبس ، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لاتبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره – في هذه الحالة - لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره ، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلا برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وبعد ما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضروريا كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :
1- لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهيا لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل .
هامش: ( 1 ) المسائل المنتخبة ص66، ط الفقيه . ( 2 ) منهاج الصالحين ج1ص127م400 ط دار الصفوة .
- ص 52 -
قال في الفقه المقارن : " والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة وإلاّ لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات " ( 1 ) .
2- من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم.
فقد مر سابقا أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين ، لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله لحجية ظاهريهما ، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدل وتلاعبوا به .
ويتضح على هذا أن تفسيرهم لظاهر الآيتين الكريمين ومحاولتهم تفادي معارضة الآيتين لما صاروا إليه من القول بالتحريف وكذا تأويلهم وإيجادهم المخارج لحديث الثقلين ولروايات عرض الحديث على القرآن ، كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء القوم متبعون لأمر الله ونـهيه ، يتجنبون معارضة قوله ، وكذا مقتفون لسنة رسوله وما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم لذا ذكروا الوجوه لحديث الثقلين وأحاديث العرض حتى لا يتورطوا في معارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنكارهم لصيانة القرآن من التحريف – لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات - لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو إنكار الرسالة كالتعنت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ولا يؤول إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا ، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين .
السبب الثالث : خالف ما هو مجمع عليه .
* ملاحظة : قبل مناقشة هذا سبب التكفير هذا ، يلزم التنبيه على نقطة وهي أن بعض أهل السنة يستدل بالإجماع على صيانة القرآن من التحريف وهذا استدلال فاسد لأنه استدلال دوري ، فحجية الإجماع عند أهل السنة ترجع إلى ما رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تجتمع أمتي على ضلالة. وهذا هامش: ( 1 ) الأصول العامة للفقه المقارن ص 109 للسيد محمد تقي الحكيم رحمه الله ط . دار الأندلس .
- ص 53 -
الكلام حجيته نابعة من صدوره عن شخص مرسل من قِبل الله عز وجل ، والدليل على رسالته هو إعجاز القرآن ، وإعجازه لا يعتمد عليه إلا بعد الفراغ من أن القرآن سليم من الدس والنقصان لأن كل آية نضع يدنا عليها نحتمل أن بعض كلماتـها سقطت أو دست في الآية ، لذا أصبح عدم تحريف القرآن معتمد على الإجماع ، والإجماع معتمد على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسالة معتمدة على إعجاز القرآن ، وإعجازه معتمد على سلامته من التحريف ! فسلامة القرآن من التحريف تعتمد على سلامته من التحريف ، لذا لا يصح استدلال أهل السنة بالإجماع –إن تم - على سلامة القرآن من التحريف .
أما كون سلامة القرآن من التحريف أمرا مجمعا عليه لذا يكفر من خالفه ، فهذا السبب للتكفير أسخف من سابقيه ، لأمور : 1- هذه الدعوى فيها إلزام للشيعة بتكفير بعض علمائهم لأن عدم التحريف أمر مجمع عليه عند أهل السنة !!
2- دعوى الإجماع على صيانة القرآن من التحريف لم تتحقق عند أهل السنة فضلا عن الشيعة ، وسيأتي ذكر كلمات من قال من علماء أهل السنة بتحريف القرآن .
3- الإجماع ليس دليلا عند الشيعة في قبال الأدلة الأخرى وإنما هو مجرد كاشف عن الدليل ، فلا تكون معارضته معارضة للدليل الشرعي بل معارضة للطريق ، لذا المنكر قد ينكر كاشفية الطريق لا ما يكشف عنه .
ولنذكر هنا كلمات علماء أهل السنة الناصة على أن منكر المجمع عليه لا يكفر إلا في حال علمه أن ما أنكره قد صدر من الشارع لمآله إلى إنكار الرسالة ، وهو عين ما يدعيه علماء الشيعة ، فقد يتحقق الإجماع على شيء ولكن المنكر لا يثق بالصدور من إجماعهم لأدلة أخرى أو لشبهة طرأت له ، فلا يكفر لاشتباهه ، وعليه جمهور علماء الإسلام ، ومع ذلك تريد الوهابية أن تتبع الشيعة أمزجتهم ! | |
|