إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ ، مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائيّة لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها.
ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها وهي ((... فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم الله)) (البقرة:222) فلا يظهر المراد منها على وجه تختص بالقبل كما هو ظاهر للمتأمل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حليّة مطلق الإتيان ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض .
ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ! فعلى سبيل المثال نذكر هنا بعض الموارد من الروايات والفتاوى التي تجوّز هذا الأمر عندهم:صحيح البخاري 6/35 .تفسير الطبري 2/233 .سراج المريدين لأبي بكر بن العربي / تفسير آية (( فأتوا حرثكم أنىّ شئتم )) .فتح الباري 8/152 .مسند أبي يعلى 2/355 .شرح معاني الآثار 3/40 ـ 45. الدرّ المنثور 1/638 زمنهاج السنة النبوية لابن تيميّة 2/97 .المجموع للنووي 18/100 .
وأخيراً لا بأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشيّة ، بل يجب علينا أن نبحث في الأسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها ، نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة .
ان المسائل والفروع الفقهيّة هي محل بحث ونقاش حتى الآن وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقليّة والنقليّة .
حديث البخاري في نكاح الدبر: عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوماً، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان، قال: تدري فيما انزلت؟ قلت: لا، قال: انزلت في كذا وكذا، ثم مضى.
وعن عبدالصمد حدثني أبي حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر (( فأتوا حرثكم أنّى شئتم )) قال: يأتيها في ... . رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر. ج5 / 160 باب نساؤكم حرث لكم.
قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) في شرح هذا الحديث والباب قال: اختلف في معنى (أنّى) فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية.
ثم علق ابن حجر على قوله في الحديث (أنزلت في كذا وكذا ثم مضى) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير. ثم قال ابن حجر: (قوله يأتيها في ...) هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور, ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي يأتيها في الفرج وهو من عنده بحسب ما فهمه ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصنعاني زاد البرقاني يعني الفرج وليس مطابقاً لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره, وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين: أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في وترك بياضاَ والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءاً وصنف فيها محمد بن شعبان كتاباً وبَيّن أن حديث بن عمر في إتيان المرأة في دبرها.
ثم قال ابن حجر: فأما الرواية الاولى وهي رواية بن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالاسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) حتى انتهى الى قوله (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) فقال: أتدرون فيما أنزلت هذه الآية, قلت لا, قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن, وهكذا أورده بن جرير من طريق ... عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عوف فأبهمه فقال في كذا وكذا.
وأما رواية عبدالصمد (رواية البخاري الثانية) فأخرجها بن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبدالصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر, وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولابد له من نكته يحسن بسببها إستعماله.
وأما رواية محمد بن يحيى بن سعيد القطان (السند الثاني للبخاري) فوصلها الطبراني في الاوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور الى ابن عمر قال: إنما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (نساؤكم حرث لكم ) رخصة في إتيان الدبر.
ثم قال ابن حجر: وقد عاب الاسماعيلي صنيع البخاري فقال: جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه. (فتح الباري ج8 / 141 ) . ونرجو الاطلاع على جميع البحث هناك، ففيه المزيد من الروايات والطرق وتصحيحها.
ونقول: هذه ليست المرة الاولى التي يقوم البخاري بتقطيع الاحاديث وإبهامها بكذا وكذا, بل هذا ديدنه ومنهجه إن نقل أحاديث تدعم مذهب أهل البيت عليهم السلام عموماً سواء في الفقه أو العقائد! والحمد لله الذي أظهر هذا الموضع على أيدي علماء ثقات عندهم لا من غيرهم.
وقال ابن حجر عن التحريم: وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري: إلى أنه لا يثبت فيه شيء.( ج8 / 142).
فهؤلاء كلهم وآخرون معهم حتى يصل الدور الى مالك والشافعي فيقولون بالجواز! وهم ليسوا من الشيعة! فثبت قولنا بأن المسألة فرعية فقهية خلافية عندنا وعندهم.
الشافعي يشير إلى ان بعض اصحابهم أجازوا وطيء المرأة من الدبر..
إتيان النساء في أدبارهن من أحكام القران ومن كتاب عشرة النساء قال الشافعي: ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه.
كتاب الام الشافعي مجلد8ص 3377
- قال النووي في (مجموعة 16/419) نقلاً عن الشافعي: (لم يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحريمه ولا تحليلة شيء والقياس أنه حلال).
2- ذكر ابن حجر في (فتح الباري 8/143) بعض من قال بعدم حرمة وطئ الدبر فقال: وذهبت جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيشابوري إلى إنه لا يثبت فيه شيء (يعني التحريم)، فراجع.
3- قال النووي في مجموعة أيضاً (16/420): وقد روي الجواز أيضاً عن مالك بعد أن رواه عن الشافعي وقد نقل ابن قدامة رواية عن مالك يقول (ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال..), ثم قال: قال المزني قال الشافعي: ذهب بعض أصحابنا إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه... وحكي أن مالكاً سئل عن ذلك فقال: (الآن اغتسلت منه)!
4- قال ابن قدامة الحنبلي في (المغني 8/131): فصل: لا يحل وطئ الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم (وليس إجماعاً فانتبه) منهم... ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك.
5- قال ابن حزم في (المحلى عن وطئ الدبر 10/69): وأما في النساء ففيه اختلاف اختلف فيه عن ابن عمر وعن نافع... (وبسنده عن ابن قاسم) قال: قال لي مالك: فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: لا بأس به ورواه أيضاً النسائي في (سننه الكبرى 5/315).
6- قال الجصاص في (أحكام القرآن 1/426) بعد أن نقل ثبوت القول بالإباحة عن مالك: ويروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً ويتأول فيه قوله تعالى: (( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون )) أي: من أرواحكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون، ونقله أيضاً الطحاوي في (شرح معاني الآثار بنصه 2/45). فتأمل واحكم بعد ذلك!!
7- بل رواه البخاري عن ابن عمر بشئ من التلاعب والتدليس الذي كشفه غيره كما بين ذلك ابن حجر في فتحه (8/141) حينما رواها البخاري عن ابن عمر وجعل أمامها بياضاً وفراغاً ولم يكتب (الدبر) فقال ابن حجر وقد قال أبو بكر ابن العربي في سراج المريدين: أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال (يأيتها) وترك بياضاً، والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءاً وصنف فيها محمد بن شعبان كتاباً وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها.
وقال ابن حجر عن فعلة البخاري هذه وحذفه للدبر وإيهام الناس وتحريف أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) دون رعاية الامانة العلمية: (وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها إستعماله (!)
والله المستعان على ما يصفون!! فكيف تدعى بعد هذا كله بأننا نكذب على علمائك ومراجعك يا أبا أنس ألا تتق الله وتكف عما تفعله وتقوله وتتبناه تعصباً وحمية جاهلية!!
أما بخصوص الآية الكريمة التي ذكرتها وهي قوله تعالى: (( فأتو حرثكم أنى اشئتم ))، وادعيت أن معناها كيفما شئتم أي بأي وضعية تحبون!! فهناك الكثير من أقوال علمائك ما ينقض قولك وادعاءك في معنى هذه الآية الكريمة ونذكر على سبيل المثال:
1- رواية البخاري وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في إتيان النساء في الدبر، كما اوضحنا ذلك آنفاً.
2- قول ابن قدامة (8/131) وابن حزم (10/69) في الدليل على القول بالاباحة: واحتج (واحتجوا) من أجله بقوله الله تعالى: (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )).
3- قول ابن حجر في فتحه (8/140) تعليقاً على قول البخاري: باب (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) فقال: اختلف في معنى أنى فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى، وبحسب هذا الاختلاف جاء الإختلاف في تأويل الآية.
فأين قولك وأين جزمك وأين إجماع علمائك على ماذكرته من معنى تريد إلزامنا به؟
4- ومع كل ذلك سأذكر لك المناظرة التي جرت بين الشافعي ومحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة في هذا الموضوع لتعلم عدم إجماع علمائك على المنع والتحريم وكذلك عدم دلالة الآية على ما تدعي:
قال النووي في مجموعة (16/419) والشوكاني في (نيل الاوطار 6/354): وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: لم يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال، وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الاصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال على المناصفة، قلت: فبأي شيء حرمته؟ قال: يقول الله عز وجل (( فأتوهن من حيث أمركم الله )) وقال
( فأتو حرثكم أنى اشئتم )) والحرث لا يكون إلا في الفرج، قلت: أفيكون ذلك محرماً سواه؟ قال: نعم
قلت: فما تكون لو وطأها بين ساقيها أوفي أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك الحرث؟ قال: لا، قلت: فيحرم ذلك؟ قال: لا، قلت: (فلم تحتج بما لا حجة فيه)؟ قال: فإن الله قال: (( والذين هم لفروجهم حافظون )), قال: فقلت له: هذا مما يحتجون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه، فقلت له: أنت تتحتفظ من زوجتك وما ملكت يمينك، أنتهى.
ودمتم في رعاية الله