من الغريب أن نسمع من يدعو إلى إحياء دور الدولة العبيدية الباطنية والتي كانت شوكة في حلوق الأمة الإسلامية ما يزيد على أربعة قرون في المغرب العربي ومصر والشام، وما الذي فعلته للأمة حتى نحيي دورها غير قتل العلماء وإفساد العقائد؟ ولماذا لا ننظر إلى جرائمها الفظيعة بدلا من أن نؤلف لها الأمجاد الزائفة؟، وإذا أردنا أن نحيي أمجاد الأمة التي تستحق منا الإشادة والتقدير لماذا لا نعود إلى أمجاد الصحابة والتابعين وبطولاتهم؟، ولماذا لا نتذكر بطولات أسود الصحراء الذين بثوا روح الإسلام الحقيقية والجهاد في بلاد المغرب والأندلس، الدولة المرابطية؟ وأبطال المشرق في أثناء الدولة النورية والصلاحية، أصحاب البطولات الحقيقية، الذين من الله عليهم بتنظيف المنطقة من رجس الدولة العبيدية الباطنية.
موقف العلماء من العبيديين
يؤكد أغلب المؤرخين والعلماء المحققين الدور الإفسادي الذي قامت به الدولة العبيدية في المغرب ثم مصر والشام كما يؤكدون عدم صله هذه الدولة ببيت النبوة، وجميع كتب التاريخ تورد قصة لقاء المعز العبيدي عندما دخل مصر واجتمع مع علمائها والحديث الذي دار بينه وبين نقيب الأشراف السيد ابن طباطبا عندما سأل عن نسبه، وقال المعز بجوابه المشهور عندما سل سيفه ثم قال: هذا نسبي، ثم نثر ذهبا وقال: هذا حسبي، وقد أصبحت هذه المقولة مثلا معروفا إلى يومنا هذا >سيف المعز وذهبه<، ولو كان يعرف أن له نسباً يصل إلى الدوحة الشريفة لأعلنها أمام الملأ، ومعروف لدى المحققين من أهل العلم أنهم أولاد ميمون القداح بن ديصان اليهودي، وقال الشيخ المؤرخ أبو شامة عن مؤسس الدولة العبيديه عبيد الله المهدي: كان زنديقيا خبيثا عدواً للإسلام متظاهر بالتشيع حريصا على إزاله الملة الإسلامية، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة.
وقال عنه الذهبي: عبيد الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، ويضيف قائلا: وفي نسب المهدي أقوال: حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي وقام بعده ابنه القائم.
ويقول الذهبي عن هذا القائم: كان مهيبا شجاعاً قليل الخير فاسد العقيدة، ويقول أيضا: وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه.
وقال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة .
سيرتهم مع المجتمع
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله واصفا حال أهل مصر عندما مات الحاكم بأمر الله العبيدي: فاستبشر المؤمنون والمسلمون بذلك، وذلك لأنه كان جبارًا عنيدًا وشيطانًا مريدًا. ولنذكر شيئًا من صفاته القبيحة وسيرته الملعونة أخزاه الله: كان كثير التلون في أفعاله، وأحكامه، وأقواله، جائرًا، وقد كان يروم أن يدّعي الألوهية كما ادعاها فرعون، فكان قد أمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، واحترامًا لاسمه، فعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجدًا له، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ممن كان لا يصلي الجمعة، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ويسجدون للحاكم، وأمر في وقت لأهل الكتابين بالدخول في دين الإسلام كرهًا، ثم أذن لهم في العودة إلى دينهم، وخرب كنائسهم، ثم عمرها، وخرب القمامة ثم أعادها، وابتنى المدارس وجعل فيها الفقهاء والمشايخ، ثم قتلهم وخرّب مدارسهم، وألزم الناس بإغلاق الأسواق نهارًا وفتحها ليلاً، فامتثلوا ذلك دهرًا طويلاً حتى اجتاز مرة برجل يعمل النجارة في أثناء النهار، فوقف عليه فقال: ألم أنْهكم؟ فقال: يا سيدي لما كان الناس يتعيشون بالنهار كانوا يسهرون بالليل، ولما كانوا يتعيشون بالليل سهروا بالنهار، فهذا من جملة السهر، فتبسم وتركه، وأعاد الناس إلى أمرهم الأول. وكل هذا تغيير للرسوم واختبار لطاعة العامة له ليرقى في ذلك إلى ما هو أشد شراً وأعظم منه، وقد كان يعمل الحسبة بنفسه، فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له، وكان لا يركب إلا حمارًا فمن وجده قد غش في معيشة أمر عبدًا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى، وهذا أمر منكر ملعون لم يسبق إليه. وكان قد منع النساء من الخروج من منازلهن، وقطع شجر الأعناب حتى لا يتخذ الناس منها خمرًا، ومنعهم من طبخ الملوخية وأشياء من الرعونات التي من أحسنها منع النساء من الخروج، وكانت العامة تبغضه كثيرًا ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة له ولأسلافه في صورة قصص، فإذا قرأها ازداد غيظًا وحنقًا عليهم، حتى إن أهل مصر عملوا له صورة امرأة من ورق بخفيها وإزارها وفي يدها قصة فيها من الشتم واللعن والمخالفة شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها فقرأها فرأى ما فيها فأغضبه ذلك جدًا فأمر بقتل المرأة فلما تحققها من ورق ازداد غيظًا إلى غيظه، ثم لما وصل إلى القاهرة أمر السودان أن يذهبوا إلى مصر فيحرقوها وينهبوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمرهم به، فقاتلهم أهل مصر قتالاً شديدًا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم، وهو في كل يوم قبحه الله يخرج فيقف من بعيد وينظر ويبكي ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بهذا؟ ثم اجتمع الناس في الجوامع ورفعوا المصاحف وصاروا إلى الله عز وجل واستغاثوا به فرق لهم الترك والمشارقة، وانحازوا إليهم وقاتلوا معهم عن حريمهم ودورهم، وتفاقم الحال جدًا ثم ركب الحاكم لعنه الله ففصل بين الفريقين، وكف العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد وأنّهم ارتكبوا ذلك من غير علمه وإذنه، وكان ينفذ إليهم السلاح ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرات وفعل معهن الفواحش والمنكرات، حتى أن منهن من قتلت نفسها خوفًا من العار والفضيحة، واشترى الرجال منهم من سبى لهم من النساء والحريم. قال ابن الجوزي: ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنّ له أن يدّعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت، قبحهم الله جميعًا.
فساد عقيدتهم
-ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء العبيديين وأتباعهم من الفرق الباطنية الأخرى: فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ، ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين وصلاح الدين وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم، وفتحوا أيضا أرض مصر ، فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة، وأتفقوا هم والنصارى، فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد، ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.
-يقول الدكتور على محمد الصلابي في كتابه القيم الدولة الفاطمية: اعلم أخي الكريم أن المذهب الباطني من الأسباب التي أضعفت الأمة، وأنهكت قواها. لقد أدخل أهله عقائد فاسدة مبنية على الفلسفة القديمة، والأصول الإلحادية، فخدعوا ضعاف العقول، والذين لا حظّ لهم من المنهج الرباني القويم، وتحالفوا مع النصارى والتتار ضد الإسلام والمسلمين. وعندما قويت شوكتهم وأقاموا دولة البحرين فعلوا ما تقشعر منه الجلود، وتشيب منه الرؤوس من قتل وسفك ونهب واغتصاب.
بل تجرؤوا على حجيج بيت الله الحرام، ففعل أبو طاهر الجنابي بالحجيج أفاعيل قبيحة، فدفن منهم في بئر زمزم الكثير، ودفن كثيرًا منهم في أماكنهم من الحرم, وفي المسجد الحرام.
وعندما أقاموا دولتهم في الشمال الإفريقي أظهروا عقائدهم الفاسدة، وقتلوا العلماء، وأذلوا أهل السنة.
- ويقول الدكتور محمد العبدة: إن أجيال المسلمين الذين يقرؤون تاريخ العبيديين لا يعلمون إلا ما كتب لهم عن التاريخ السياسي لهذه الدولة، ذهب فلان وخلفه فلان، وأنها دولة تحب العلم وتنشره، والمقصود نشر كتب الفلاسفة ولكن لا أحد يذكر -عدا الذين ترجموا للعلماء- بطش هؤلاء الأوغاد الظلمة بالعلماء من أهل السنة.
وهذا كله نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا، بل إن المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق أو بالفكر الباطني، أو بذلت لهم أموال لطمس الحقائق التي لابد من بيانها للأجيال الصاعدة لتعرف عدوها من صديقها، ولتعرف أن الأفكار لا تموت، وإنما تتغير الأشكال والوجوه والمسوح، وأن هؤلاء الملاعين من أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سرًا وإعلانًا، ليلاً ونهارًا للقضاء على العقيدة البيضاء الناصعة التي تلقفتها جموع أهل السنة والجماعة من الحبيب المصطفى وأصحابه الغر الميامين الطاهرين الطيبين رضي الله عنهم أجمعين.
موقفهم من علماء السنة
من جرائم عبيدالله الكثيرة أن خيله دخلت المسجد، فقيل لأصحابها: كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها وأبوالها طاهرة؛ لأنها خيل المهدي، فأنكر عليهم قيم المسجد، فذهبوا به إلى المهدي فقتله. بل إن الطلبة الذين يدرسون التاريخ الإسلامي يذكرون معد بن إسماعيل الملقب بالمعز، يذكرونه وكأنه بطل من أبطال التاريخ، وأنه هو الذي بنى القاهرة وأسس الأزهر، بل ويضيفون القاهرة إليه -قاهرة المعز-، وقد عاهد قائده -جوهر- أهل مصر على ترك الحرية لهم في بقائهم على السنة، ولكن لما دخل الجيش وتمكن من مصر، وانتقل المعز إلى القاهرة لم يعمل بهذا العهد، وجد الفاطميون في تخريب عقائد المصريين، وهذا الطاغية -المعز- هو الذي بطش بالعالم أبي بكر النابلسي عندما أحضر إليه وجرى بينهما هذا الحــوار :
- المعز: أنت الذي تقول: لو معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة -والعبيديين- بواحد.
- الشيخ: لا، بل لرميتكم بتسعة ورميت الروم بواحد.
- ولــم ؟
- لأنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الله.
فضرب هذا العالم بالسياط، ثم سلخ جلده، سلخه يهودي ثم قتله، ولعنة الله على الظالمين.
ومنهم ابن البردون الإمام تلميذ أبي عثمان ابن الحداد، قتله أبو عبيدالله، وقد قال له لما جرد للقتل: أترجع عن مذهبك؟ فقال: أعن الإسلام أرجع، ثم صلب وقد كان بارعاً في العلم - رحمه الله - ومنهم ابن خيرون الإمام أبو جعفر محمد بن خيرون المعافري، أمر عبيد الله المهدي بأن يداس حتى الموت، فقفز عليه الجنود السودان حتى مات، وذلك بسبب جهاده وبغضه لعبيدالله وجنده.
- ومن العلماء الذين شاركوا في الثورة ضد العبيديين أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم المغربي - خرج في ثورة أبي يزيد الخارجي - وكان علماء أهل السنة يقولون: نخرج مع أهل القبلة -الخوارج- ضد الكفرة العبيديين .
قال الذهبي: وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد، لما شهدوه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضاً وخرج كثير من العلماء والعباد مع أبي يزيد الخارجي لقتال القائم بن عبيدالله، وقالوا: نكون مع أهل القبلة ضد من ليس من أهل القبلة.
- وفي حوادث 183هـ ضرب رجل من أهل مصر وطيف به في المدينة؛ لأنهم وجدوا عنده كتاب الموطأ للإمام مالك، ويقول العالم البحاثة محمد بن الحسن الحجوي: وسقط المذهب المالكي في القيروان والقطر التونسي ثم الجزائري سقوطاً كلياً باستيلاء المتبربرين من الأعراب الجفاة الذين صبهم الفاطميون من مصر على أفريقية كالصاعقة سوط عذاب، فخربوا القيروان سنة 944 وجلا علماؤها إلى الأقطار ومات منهم كثير...
- هذا غيض من فيض جرائم العبيديين، أفيعقل بعد هذا أن يقول قائل قرأ التاريخ وعرف أفعالهم الشنيعة أنه كان علينا أن نعود إلى تاديخهم لنخرج من تخلفنا، وخلافاتنا، اللهم إلا إذا أرادنا أن نأخذ منهم فلسفة تأليه الحاكم وتعليق صوره وتماثيله في كل مكان، وذكر أمجاده المزعومة صباح مساء، حتى يعيش الشعب في فلك الزعيم ليتنازل عن حريته وليفيدي الزعيم الأوحد بدمه، كما هو حاصل في بعض الدول الثورية، حتى تتخلف الأمة عن ركب الحضارة وتستسلم لأعدائها فمتى نتقدم إذا كانت الأمة لا تملك حريتها، وتخاف من زوار الليل، فإلى الله المشتكى...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: من ادعى أن الحل يكمن بالعودة إلى الفاطميين فإنه يلبس على عموم المسلمين ويخدعهم
صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيان يؤكد في أن اجتماع الأمة يكون في التمسك بالكتاب والسنة فيما يلي نصه:
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد...فإن الله عز وجل قد أمر باجتماع هذه الامة ونهى عن التنازع قال تعالى: -ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم- ولن يحصل اجتماع الأمة إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ولذا أمر الله بالاعتصام بحبل الله المتين قال تعالى: -واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا-، وأمتنا الإسلامية وهي تواجه ما يحف بها من مخاطر متنوعة في أمس الحاجة إلى التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متوخية في ذلك نهج صحبه الكرام رضي الله عنهم، ولقد وجهنا الله سبحانه وتعالى، الى هذا المنهج القويم في كتابه الكريم حيث قال سبحانه: -وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله-. فاجتماع الأمة ووحدتها وعزها في التزام ذلك الصراط المستقيم الذي سلكه نبينا محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وعدم الحيد عنه وبذلك يحصل رضا رب العالمين والفوز بجنته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: >تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي<.
وحيث إن النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من الواجبات الشرعية، وكان من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كتابة بيان حول ما تناقلته بعض وسائل الاعلام عن بعض المحسوبين على الأمة نوضح فيه حقيقة دعواه التي حاول فيها أن يلبس على عموم المسلمين ويخدع بها من لا يبصر الأمور، فقد ادعى ذلك المتكلم أن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الاسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلا في الماضي وهذا من التلبيس ومن الدعاوى الباطلة وذلك لعدة أمور منها:
- أولا: إن تسمية تلك الدولة بالفاطمية تسمية كاذبة أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين العلماء والمورخون في ذلك الزمان كذب تلك الدعوى وأن مؤسسها أصله مجوسي يدعى سعيد ابن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن ميمون القداح بن ديصان الثنوي الأهوازي وسعيد هذا تسمى بعبيد الله عندما أراد إظهار دعوته ونشرها ولقب نفسه بالمهدي. .
فالنسبة الصحيحة لدولته أن يقال العبيدية كما ذكر ذلك جملة من العلماء المحققين، ويظهر من نسب مؤسسها الذي ذكر آنفا أن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزور وإنما أظهروا ذلك الانتساب لاستمالة قلوب الناس إليهم قال العلامة ابن خلكان في -وفيات الأعيان-: -والجمهور على عدم صحة نسبهم وأنهم كذبة أدعياء لا حظ لهم في النسبة المحمدية أصلا-.
وقال الذهبي في -العبر-: -المهدي عبيدالله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق-.
وقد ذكر غيرهما من المؤرخين أنه في ربيع الآخر عام 402هـ كتب جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين المحدثين وشهدوا جميعا أن الحاكم بمصر وهو منصور الذي يرجع نسبه إلى سعيد مؤسس الدولة العبيدية لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب، وأن الذي أدعوه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أحدا من أهل بيوتات علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلاق القول بأنهم خوارج كذبة وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون للإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكتب سنة اثنتين وأربعمائة قال ابن كثير في -البداية والنهاية-: -بعد أن نقل هذا وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير-.
ثانيا: إظهارهم التشيع لآل البيت .
هذه الدعوى أظهروها حيلة نزعوا اليها استغلالا لعواطف المسلمين لعلمهم بمحبة أهل الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وقد ذكر الغزالي وغيره من العلماء أنهم في الحقيقة باطنيون. انظر -مرآة الجنان- وقال النويري: وحكى الشريف أبوالحسين محمد بن علي المعروف بأبي محسن في كتابه أن عبدالله بن ميمون كان قد سكن بساباط أبي نوح وكان يتستر بالتشيع والعلم فلما ظهر عنه ما كان يضمره ويستره من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة ثار عليه الناس وقد ذكر من الثائرين عليه الشيعة والمعتزلة وغيرهم فهرب إلى البصرة... انتهى باختصار.
- ثالثا: حال تلك الدولة وما كانت عليه.أجمل العلماء حالهم في جملة مشهورة قالها أبوبكر الباقلاني والغزالي وابن تيمية وهي أنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض.
قال الباقلاني عن القداح جد عبيدالله وكان باطنيا خبيثا حريصا على إزالة ملة الإسلام: أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه أباحوا الخمور والفروج وأفسدوا عقائد الخلق انظر -تاريخ الاسلام-
قال أبوالحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيدالله وبنوه بعده: -أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت-.
قال السيوطي في -تاريخ الخلفاء-: -ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية وناهيك بهم إفسادا وكفرا وقتلا للعلماء والصلحاء-.
قال الشاطبي المالكي في -الاعتصام-: -العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية زعمت أن الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة فالنساء بإطلاق حلال لهم كما أن جميع ما في الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضا مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل-.
- رابعا: موقف العلماء من تلك الحقبة .
كان العلماء يظهرون الشناعة على العبيديين وعلى أفعالهم المشينة، ومما يبين لنا موقف العلماء ويجمله ما صنعه السيوطي في تاريخه -تاريخ الخلفاء- حيث قال: -ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيديين، لأن خلافتهم غير صحيحة، وذكر أن جدهم مجوسي وإنما سماهم بالفاطميين جهلة العوام-.
- خامسا: إن مما يتبين لكل أحد بعد الاطلاع على أقوال العلماء والمؤرخين أن هذه الدولة الفاطمية كان لها من الضرر والإضرار بالمسلمين ما يكفي في دفع كل من يرفع لواءها ويدعو بدعوتها؛ لذا نجد أن المسلمين في الماضى فرحوا بزوالها على يد الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى عام 567هـ فلا يجوز بعد هذا كله أن ندعو الناس الى الانتساب الى تلك الدولة العبيدية الضالة، ومثل هذه الدعوة غش وخيانة للإسلام وأهله ونصيحتنا لأئمة المسلمين وعامتهم بالاعتصام بالكتاب والسنة وجمع القلوب عليهما يقول النبي صلى الله عيه وسلم: -إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم- رواه مسلم.وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- اللجنة الدائمة للبحوث منقولاً من جريدة الجزيرة عدد الأثنين 21 ربيع الأول 1428
العلمية والإفتاء.
- الرئيس
عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
- أعضاء اللجنة :
عبدالله بن عبدالرحمن الغديان
صالح بن فوزان الفوزان
أحمد بن على سير المباركي
عبدالله بن محمد المطلق
عبدالله بن محمد الخنين
سعد بن ناصر الشثري