| (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الإثنين يوليو 09, 2012 5:17 am | |
| -[ 238 ]-
س8: هل هناك بحسب علمكم كتاب في الردّ على كتاب (منهاج السنة) لابن تيمية للشيعة، الذي ألفه في الردّ على الحلي، مع أن أهل السنة قد قاموا بالردّ على ابن تيمية في كتابه هذ، منهم الشيخ أبو حامد بن مرزوق في كتابه (براءة الأشعريين)؟
ج: لا نعرف كتاباً مستقلاً في الردّ عليه إلا كتابين هما:
1 ـ منهاج الشريعة. للسيد مهدي بن السيد صالـح القزويني ألفه سنة (1318ه) وقد طبع سنة (1375ه).
2 ـ إكمال المنة في نقض منهاج السنة. للسيد سراج الدين الحسن ابن عيسى اليماني اللكهنوي. ذكره صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة (1).
نعم توجد له ردود في ضمن بعض الكتب، ككتاب (دلائل الصدق)، تأليف الشيخ محمد حسن المظفر (قدس سره)، الذي هو ردّ على كتاب (إبطال الباطل) لابن روزبهان الذي ردّ به على كتاب (نهج الحق) للعلامة (قدس سره).
و (كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب) (2) تأليف الشيخ عبدالحسين الأميني (قدس سره). وقد تقدم ذكرهما في جواب السؤال الأول عند التعرض للمصادر الشيعية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 283 برقم: 1148.
(2) ج3: 148ـ 217.
-[ 239 ]-
والحقيقة أن كتاب (منهاج السنة) لا يستحق الردّ، لتميزه بالشتم والتهريج والكذب، والشذوذ في بعض العقائد، والمكابرة في تصحيح الأحاديث وتكذيبها حسبما يعجبه. حتى أن السبكي ـ الذي نال من العلامة (قدس سره) مؤلف كتاب (منهاج الكرامة) بشتم لا يناسب أدب العلم، وأعجب بردّ ابن تيمية عليه في كتابه (منهاج السنة) ـ يأخذ على ابن تيمية أنه قد خلط حقاً بباطل، وأنه يحاول الحشو في جمع الأدلة من دون تمييز، وأنه شذّ عقائدياً في صفات الله تعالى. كل ذلك في أبيات نظمها السبكي لا يهمنا ذكرها (1).
أما ابن حجر فيقول: "طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء. لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات. لكنه ردّ في رده كثيراً من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانه، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان"!!.
وقال: "وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي (رضي الله عنه)" (2).
هذا وأما العلامة (قدس سره) مؤلف كتاب (منهاج الكرامة) فيقول عنه ابن حجر: "كان ابن المطهر مشتهر الذكر، وحسن الأخلاق. ولما بلغه بعض كتاب ابن تيمية قال: لو كان يفهم ما أقول أجبته" (3).
ويقول الشيخ محمد حسن المظفر (قدس سره) في مقدمة كتابه (دلائل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) طبقات الشافعية الكبرى 6: 159ـ 160 في ترجمة علي بن عبد الكافي السبكي. الوافي بالوفيات 21: 262. نقلاً عن كتاب (ابن تيمية. حياته. عقائده): 216.
(2) لسان الميزان 6: 319 في ترجمة يوسف والد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي.
(3) لسان الميزان 2: 317 في ترجمة الحسين بن يوسف بن المطهر الحلي.
-[ 240 ]-
الصدق) المتقدمة إليه الإشارة: "وتعرضت في بعض المقامات ـ تتميماً للفائدة ـ إلى بعض كلمات ابن تيمية، التي يليق التعرض له، مما ردّ بها على كتاب (منهاج الكرامة)، للإمام المصنف العلامة، وإن لم أصرح باسمه غالب. ولولا سفالة مطالبه، وبذاءة لسان قلمه، وطول عباراته، وظهور نصبه وعداوته لنفس النبي الأمين وأبنائه الطاهرين، لكان هو الأحق بالبحث معه، لأني إلى الآن لم أجد لأحد من علمائنا رداّ عليه. لكني نزهت قلمي عن مجاراته، كما نزّه العلماء أقلامهم وآراءهم عن ردّه. ولما كان عمدة جوابه وجواب غيره في مسألة الإمامة هو المناقشة في سند الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت، ومطاعن أعدائهم، وضعت المقدمة الآتية، لتستغني بها عن جواب هذا على وجه الإجمال" (1).
ولا زلنا نذكر ما حصل لنا قبل ما يقرب من خمسة وعشرين عام، في النجف الأشرف. فقد جمعنا بعض مجالس العزاء على الإمام الحسين السبط الشهيد (صلوات الله عليه)، بمناسبة شهر محرم الحرام، ببعض أهل العلم، فقال لنا: هذا ابن تيمية يورد على نزول أوائل سورة [هل أتى] في حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) بأن سورة [هل أتى] مكية. فما هو الجواب عن ذلك؟. فكان ردّنا عليه: وهل يحسب لحديث ابن تيمية حساب؟! فقال: وهل يصلح هذا أن يكون جواب؟! قلنا له: فلننظر.
ثم أحضرنا المجلد الثالث من كتاب الغدير المشار إليه، وفي الصفحة (169) رأينا ما أثبته من حديث ابن تيمية عن العلامة، وقد قال في جملته: "ذكر أشياء من الكذب تدل على جهل ناقله، مثل قوله: نزل في حقهم [هل أتى]. فإن [هل أتى] مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، وولد الحسن والحسين بعد نزول [هل أتى].
ـــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الصدق 1: 3.
-[ 241 ]-
فقوله: إنها نزلت فيهم من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن وأحوال هذه السادة الأخيار /ج:2 ص:117".
ثم يذكر الشيخ الأميني في جوابه وجوهاً عديدة، أطرفها أن الجمهور على خلاف ما ذكره، بل السورة عندهم مدنية، ويستشهد بكلام جماعة على ذلك. ويعضده بإجماع المصاحف المتداولة بين المسلمين مخطوطها ومطبوعها على أنها مدنية. مع أن بعض من صرح بأنها مكية استثنى أوائلها المتضمن لقضية إطعام المسكين واليتيم والأسير، فجعله مدني.
فالإنسان الذي لا يبالي بدعوى اتفاق العلماء على خلاف المشهور، المعول عليه عملاً بين المسلمين، ثم ينسب مخالفه إلى الجهل والكذب، كيف يحسب لكلامه حساب، ويهتم بحديثه؟! ولاسيما مع ما هو معروف به من بذاءة اللسان، وشكاسة الخلق. ومجرد وجود جماعة معروفة الأهداف تتبناه، وتجعل منه عالماً ومجتهد، أو شيخاً للإسلام، أو نحو ذلك، لا يغير حقيقته، ولا يرفع شأنه، ولا يزيد من قيمته. ولا يضرّ الشيعة ولا العلامة صاحب (منهاج الكرامة) (قدس سره) عداء مثل هذا الشخص وتحامله وشتمه. بل يزيدهم ذلك كله شأناَ ورفعة، كما يزيد الجماعة المتشبثة به والمتبنية له هبوطاً ووهن. فإن الإنسان يعرف بصديقه وعدوه. (وكل جنس لجنسه ألِف). وهو مرآة له تعكس واقعه وحقيقته.
وبالمناسبة يقول ابن أبي الحديد السني المعتزلي، في مقدمة شرحه لنهج البلاغة، في ترجمة الإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه): "وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحي، والتبسم، فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه. قال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنه ذو دعابة شديدة... وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومن له
-[ 242 ]-
أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك" (1).
أما السنة فهم ملزمون بالردّ عليه والتبري مما يقوله، لأنه محسوب عليهم منسوب إليهم، متكثر بهم، مدافع عن دعوتهم، فقد يتوهم الناظر في كلامه أنه يعكس وجهة نظرهم، ويدور في فلكهم، فتصيبهم معرته ويلحقهم عاره. ولا يغسلون ذلك إلا بالردّ عليه، والبراءة منه ومما يقول. هذه وجهة نظرنا في الرجل وأمثاله.
ويأتي في جواب السؤال العاشر إن شاء الله تعالى ما ينفع في المقام.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1: 25ـ 26. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الإثنين يوليو 09, 2012 5:27 am | |
| -[ 243 ]- س9: هل من الممكن على حسب رأيكم التلاقي بين أهل السنة والشيعة؟وخصوصاً أنني أعلم أن أهل السنة ـ من الأشاعرة والماتريديةـ لا يكفرون الشيعة، بل على العكس يذكرون آراءهم العقيدية في كتبهم ويناقشونه. وإن رأوا ضلال بعض المغالين من الشيعة، وكذلك يضللون بعض المغالين من السنة. ج: تعقيباً على كلامك فهنا أمور.. الترحيب بتلاقي الشيعة والسنة عملاً من أجل خدمة الإسلام1 1ـ إن الإسلام عند الشيعة ـ كما سبق في أوائل جواب السؤال الثاني ـ يكون بالشهادتين ـ الشهادة بالتوحيد، والشهادة بنبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ مع الإقرار بفرائض الإسلام الضرورية ـ من الصلاة والزكاة ونحوهما ـ وإعلان دعوته. وبذلك يتفق الشيعة والسنة في أنهم مسلمون يجمعهم هذا الدين العظيم الذي هو أشرف الأديان وخاتمه. والذي يحفظ لكل منهم حرمته في ماله ودمه. كما تجمعهم أهدافه المشتركة التي تهمهم بأجمعهم، من الدعوة له، ورفع كلمته، وردّ كيد الأعداء عنه وعنهم. فليوحدوا كلمتهم من أجل ذلك. مع الرعاية للآداب والأخلاق الرفيعة التي حثّ عليها الإسلام مع غير المسلمين، فضلاً عن المسلمين فيما بينهم. وقد سبق في آخر الجواب عن السؤال الثاني التنبيه على ذلك. وبذلك يتم بينهم التلاقي العملي لصالـح -[ 244 ]- الإسلام والمسلمين بعد التلاقي العقائدي في أصول الإسلام. وليحتفظ كل منهم بعقيدته لنفسه، أو يدعو لها بالتي هي أحسن، وبالطرق العلمية والبرهانية الهادئة والهادفة. مع البعد عن الكذب والبهتان، والشتم والسبّ، والتهريج والتشنيع: أولاً: لأن ذلك لا يثبت حقيقة، ولا ينهض حجة بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه [يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ] (1). وثانياً: لأنه مدعاة للعداء والشحناء، وشق كلمة الأمة وإضعافه، وإشغال بعضها ببعض، ونسيان الأهداف المشتركة. وهو الذي يسعى له أعداء الإسلام، من أجل قضاء مآربهم الخبيثة. بل قد تحمل سورة الاندفاع في ذلك لتحالف بعض الأطراف مع أعداء الإسلام، لضرب الطرف الآخر، والنيل منه. وبالأمس القريب كان المسلمون يتعاونون مع المسيحيين من أجل الوقوف أمام المدّ الإلحادي، وتناسى الطرفان خلافاتهم الدينية، وتضارب مصالحهم المادية، من أجل وحدة الهدف، والوقوف بوجه العدوّ المشترك. فلماذا لا يتعاون المسلمون فيما بينهم الآن من أجل ذلك، مع أنه يجمعهم دين واحد، وأصول أصيلة مشتركة؟! ولماذا كلما زاد عدوهم قوة وشراسة زادت خلافاتهم فيما بينهم حدة وقسوة، وشاعت فيهم لغة الطعن والشتم، والكذب والبهتان، والتشنيع والتهريج؟!. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل الآية: 111.
-[ 245 ]- خطوات الأئمة (عليهم السلام) في توحيد الجهود من أجل خدمة الإسلام: وقد ضرب أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) أروع الأمثلة في ذلك، فهذا الإمام علي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حينما جانب الأولين، لتثبيت حقه الذي يراه لنفسه في الخلافة لما رأى الإسلام، قد تعرّض للخطر اضطر لمجاراة الأولين، والدخول في أمرهم، ودعمهم، حفاظاً على كيان الإسلام العام. قال (عليه أفضل الصلاة والسلام): "فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم، التي هي متاع أيام قلائل، ويزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه" (1). وبقي بعد ذلك يمدّهم بصائب رأيه، وحسن تدبيره، حتى سارت عجلة الإسلام، وخفقت رايته، وعمت دعوته. وغض الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) النظر عن موقف الأمويين من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومن شيعتهم ومواليهم، وقسوتهم عليهم. ولم يبخل بدعمهم بصائب رأيه حينما رأى أن في تسديدهم دعماً للإسلام، وذلك حينما أنتشل الحاكم الأموي من موقفه الحرج أمام الروم في قضية الدراهم والدنانير، فأرشده لضرب الدراهم والدنانير على الطراز الإسلامي (2)، ليسد الطريق على الروم في محاولة ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة: 547 في كتابه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارته. (2) حياة الحيوان للدميري 1: 114 في مادة (أوز). -[ 246 ]- فرض شروطهم. وجاء الأئمة (صلوات الله عليهم) من بعده ليؤكدوا أنه في الوقت الذي يحرم القتال مع سلطان الجور على حكمه، إلا أنه يشرع الجهاد لحفظ بيضة الإسلام حينما يتعرض الإسلام للخطر. ففي الحديث عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): "قال: على المسلم أن يمنع نفسه، ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله. وأما أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنتهم فلا يحل له ذلك" (1). وفي حديث آخر عن الإمام الرضا (صلوات الله عليه): "قال: يرابط ولا يقاتل. وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان،لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)" (2). كما أكدوا (صلوات الله عليهم) على حسن معاشرة الآخرين وجميل مخالطتهم ومراعاة حقوقهم والتحبب لهم، وقد تقدم منا في آخر جواب السؤال الثاني ذكر بعض الأحاديث الواردة عنهم في ذلك.
مواقف الشيعة وعلمائهم في توحيد الجهود وعلى ذلك سار شيعتهم في معاشرتهم ومخالطتهم مع بقية المسلمين، وفي فتاواهم ومواقفهم ضدّ الكفر، من أجل الحفاظ على بيضة الإسلام العظيم في تاريخه الطويل، وحتى العهود القريبة. ومن تلك المواقف ما حصل منهم في أوائل القرن الماضي حينما غزت الجيوش البريطانية العراق في حربها مع العثمانيين الذين وقفوا من ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2) وسائل الشيعة 11: 19ـ 21 باب:6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث:3، 2. -[ 247 ]- الشيعة وعلمائهم أقسى المواقف، ظلماً وعسف، وامتهاناً وتجاهل، حتى أنهم لم يكونوا يعترفون بالفقه الشيعي، فكان طلبة العلوم الدينية من الشيعة لا يشملهم العفو عن الخدمة العسكرية إلا بعد أن يؤدوا الامتحان على طبق الفقه الحنفي الذي هو المذهب الرسمي للعثمانيين. إلا أن علماء الشيعة (قدس الله أرواحهم الزكية) غضوا النظر عن ذلك كله، حينما أصبح الإسلام مهدد، فدعموا العثمانيين، وأفتوا بوجوب الجهاد معهم، وخرجوا بأنفسهم وبمن تبعهم من المجاهدين لجبهات القتال في الشعيبة والكوت، وباشروا القتال بأنفسهم، وقاسوا ما قاسوا من المتاعب والمصائب في مواقف مبدئية، قياماً بالواجب في حفظ بيضة الإسلام، والدفاع عنه. كما دعم علماء الشيعة القضية الفلسطينية في مراحلها المختلفة، من أجل أن القضية إسلامية، والدفاع فيها عن أرض الإسلام وكيانه. وفي أواخر القرن الماضي حين تعرض العراق لخطر المدّ الشيوعي الإلحادي انفتحت المرجعية الشيعية ـ بقيادة مرجع الطائفة الأعلى الاستاذ الجد السيد محسن الحكيم (قدس سره) ـ على السنة في العراق ورحبت بهم، لتوحيد الكلمة من أجل الوقوف في وجه المدّ المذكور. كل ذلك لأن المصلحة الإسلامية العليا فوق الخلافات المذهبية. ولأن اللازم على المسلمين توحيد كلمتهم، وتناسي خلافاتهم، حينما يكون الإسلام مستهدفاً من قِبَل الأعداء. ولتكن هذه المواقف وغيرها عبرة لن، ومحفزة على تلاقي المسلمين العملي من أجل الدفاع عن الإسلام، وسدّ الطريق على أعدائه، الذين يتربصون به الدوائر، ويبغونه الغوائل (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) وقد سبق لنا حديث حول الصيغة الصحيحة لتعامل المسلمين فيما بينهم يحسن -[ 248 ]- .................................................................................... ـــــــــــــــــــــــ إثباته هنا، وقد جاء فيه: "ينبغي لهم.. أولاً: أن يعمقوا الشعور في أنفسهم بوجوب التلاحم بينهم من أجل الحفاظ على الكيان الإسلامي العام وتقويته، فإن هذا في نفسه واجب شرعي في حق الكل، نتيجة انتمائهم للإسلام، وإيمانهم بأنه الدين الإلهي الحق، الذي لا يقبل الله تعالى من العباد غيره، وبأن الله تعالى قد أمر بنصره وبالجهاد من أجله. كما أنه اللازم في المرحلة المعاصرة بلحاظ خطط الأعداء، وإصرارهم على مقاومة الإسلام بإطاره العام، وإبعاده بتشريعاته ومفاهيمه عن واقع الحياة، ومحاولة تجريد أبنائه منه، ومحاربة المسلمين ـ ككل ـ أينما كانوا وكيف كانو، وإضعافهم، وعرقلة مسيرتهم، وشق كلمتهم، وإلقاح الفتنة بينهم، وتجاهل حقوقهم والتغاضي عنه، والتصام عن سماع صوتهم... إلى غير ذلك. أضف إلى ذلك أن الأعداء أنفسهم ـ على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ـ إذا وقفوا أمام الإسلام تناسوا خلافاتهم واتحدوا ضده، فالاستعمار البريطاني خرج من الهند ووقف في كشمير لصالـح الهند الكافرة ضد باكستان المسلمة. وخرج من فلسطين ليتحالف مع العالم على اختلاف ملله لصالـح اليهود ـ الذين لم يكونوا قد برئوا من دم المسيح (عليه السلام) بعد ـ ضد المسلمين. واليوم يصرّ الغرب الكاثوليكي والبروتستانتي على دعم الصرب الأرثوذكسي، ضدّ المسلمين في البوسنة، وأمام أعينهم ما قام به الصرب من الجرائم الوحشية التي تقشعر لهولها الأبدان، ويندى منها جبين الإنسانية... إلى غير ذلك من مواقفهم. كل ذلك عداء منهم للإسلام بكيانه العام، وبغضاً منهم للمسلمين بغض النظر عن مذاهبهم ومواقعهم من الأرض. وكفى بهذا محفزاً للمسلمين على اختلاف مذاهبهم للتلاحم والتكاتف، وأن يذللوا العقبات في سبيل ذلك، متناسين خلافاتهم التي لا يزيدهم التقاطع -[ 249 ]- .................................................................................... ـــــــــــــــــــــــ والتناحر من أجلها إلا ضعفاً ووهن. وثانياً: أن يتعايشوا فيما بينهم، بموضوعية واحترام متبادل، فهم بعد مسلمون، لهم حرمة الدم والمال. وعليهم بعد ذلك مراعاة النقاط التالية.. 1 ـ فهم واقع كل طرف على حقيقته، بأخذ معتقداته وأفكاره من مصادره وكتبه التي يعترف به، لا من مصادر الآخرين وكتبهم، والتعرف على سلوكياته من مخالطته والتعايش معه، ونقد وتمحيص الصورة المشوهة التي رسمت له، نتيجة التراكمات الكثيرة في العصور المتطاولة، بسبب التعصب والتباعد والتشويه المتعمد وغير المتعمد. 2 ـ اعتماد كل طرف في بيان وجهة نظره والاستدلال عليها على الطرق العلمية وبموضوعية كاملة، ومناقشة وجهة نظر الآخرين على هذا الأساس أيض، وتجنب التنابز، والتهاتر، والتهريج، والتشنيع، ونحو ذلك من المواقف الانفعالية التي لا تخدم القضية المطروحة، فضلاً عن الكيان الإسلامي العام، واستمرار الحوار بين الأطراف على هذا الأساس. 3 ـ نشر أفكار كل طرف ـ في العقيدة والفقه والتربية والتاريخ وغيرها ـ في وسائل الإعلام التي يمتلكها كل فريق، ليطلع الكل على ما عند الكل. 4 ـ إعطاء الحرية لكل أحد فيما يختار من معتقدات وأفكار في الإطار الإسلامي العام، من دون أن يفرض عليه أفكار الآخرين، أو يجبر على التنازل عن أفكاره ومعتقداته. نعم لا بأس بالحوار الموضوعي الهادئ حول ما هو الحق الحقيق بالفوز والنجاة، والخروج عن المسؤولية مع الله تعالى. 5 ـ أن يتصدى دعاة التقريب من كل مذهب لمن يخرج عن هذه التعاليم من أبناء مذهبه، وينكر عليهم سوء تصرفهم، حتى يشعروا أنهم في مواجهة داخلية، ويتنبه أهل مذهبهم إلى خطأ سلوكهم، وكذب معلوماتهم، فيكسد سوقهم، ويخيب سعيهم". المرجعية الدينية وقضايا أخرى س:22 ص: 85.
-[ 250 ]- الترحيب بالحوار العلمي من أجل معرفة الحقيقة 2 ـ كما نحبذ نحن التلاقي العلمي بين طوائف المسلمين، والحوار الهادئ الهادف بينه، بعيداً عن العناد والتعصب، واللجاجة والتشنج، ليعرف كل طرف ما عند الآخر، ويناقشه مناقشة موضوعية بالطرق العلمية، من دون أن يفرض مسلماته وموروثاته عليه. ويكون همّ الكل الوصول للحقيقة عن طريق الحوار والنظر في الأدلة، فإن ذلك.. أولاً: هو الذي يقتضيه الاحتياط للدين، واستكمال البصيرة في أمره، الذي هو من أهم الواجبات العقلية والشرعية. وثانياً: يوجب انفتاح كل طرف على الآخر وأنسه به، وارتفاع ما بينهما من وحشة وحواجز، سببها التقاطع والتدابر هذه المدة الطويلة، وما نتج عنهما من توجس وأوهام نسجتها الدعايات المضللة، وأكدها الأعداء والمنتفعون. وثالثاً: يوجب تعرُّف كل طرف على حقيقة عقيدة الآخر وما عنده، نتيجة التعرف على الأدلة التي اعتمده، بعيداً عن الكذب والافتراء، والمبالغة والتشويه والتحوير. ورابعاً: يوجب عذر كل طرف للآخر في عقيدته إذا أدرك منه الاهتمام بالأدلة والحجج، والمتابعة له، والخروج عن عهدتها ومسؤوليته، من دون عناد وتعصب. وخامساً: قد يوصلنا إلى الاتفاق في العقيدة، بسبب تمحيص الأدلة وتدارسها ومناقشتها بهدوء وروية وموضوعية. وإن لم نصل لذلك فليحتفظ كل بعقيدته لنفسه، مع احترام الآخرين.
-[ 251 ]- رفض التلاقي بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة 3 ـ أما الدعوة للتلاقي والتقارب بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة، بتنازل الشيعة عن بعض عقائدهم، والسنة عن بعض عقائدهم، مع تجاهل الأدلة التي اعتمدها كل طرف على ما عنده والإعراض عنه، فهي دعوة غير عملية.. أولاً: لأن ذلك يزيد المسلمين خلاف، إذ ليس من شأن مثل هذه الدعوة أن يستجيب لها الكل. ولو استجاب لها البعض من الطرفين تعرض المسلمون لانقسام زيادة على انقسامهم، حيث سيكون لكل من الشيعة والسنة فرقتان: متزمتة ومتسامحة، ويكون لنا بدل الفرقتين أربع فرق. على أن ذلك سيجعل من التلاقي أو التقارب بين الشيعة والسنة شبحاً مخيفاً مهدداً للعقيدة، التي هي أعزّ ما يملكه المسلم المتدين ـ الذي يرجى الخير منه للإسلام ـ والتي يتشبث بها أشدّ التشبث. كما سيجعل الدعوة لهما مورداً للتوجس، وهدفاً للاتهام، ومثاراً لعلامات الاستفهام، بنحو قد يكون مبرراً لمقاومة الدعوة المذكورة، وسبباً لاستيضاح شرعية عرقلتها عند بعض الناس، وهو مما يعيق عملية التلاقي أو التقارب، أو يقضي عليه. بل قد يحمل كل طرف يرى أن عقيدته مهددة إلى إثباتها والدعوة لها بصورة قد تحمل طابع العنف والتطرف والإصحار، بنحو قد يزيد في شقة الخلاف، وتكون له ردود فعل معاكسة غير محمودة العاقبة، تضرّ بوحدة المسلمين، وتشق كلمتهم، وتزيد في محنتهم. وهذا بخلاف ما سبق من الدعوة للتقارب العملي بين طوائف المسلمين والتعاون بينهم من أجل رفع كلمة الإسلام وخدمة الأهداف -[ 252 ]- المشتركة، مع احتفاظ كل منهم بعقيدته لنفسه أو الدعوة لها بالتي هي أحسن، والدعوة للتلاقي العلمي والحوار من أجل تمحيص الأدلة والوصول للحقيقة. فإنهما دعويان وجيهتان ساميتا الأهداف، مأمونتا العاقبة، لا مبرر لرفضهم. بل من شأن كل مؤمن غيور على الإسلام أن يتقبلهم. ولا يرفضهما إلا المشبوه الأهداف المتهم على الإسلام. ومثل هذا قد يضرّ التعاون معه، ومن الصعب استصلاحه. والأصلح تجاهله وإهماله. قال الله تعالى: [لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ] (1). وسيغني الله عنهم [إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ] (2). وثانياً: لأن الحقائق الدينية يجب الاعتقاد بها شرعاً بعد تمامية أدلته، وقيام الحجة عليه. وحينئذٍ فالأمور التي يعتقدها كل طرف إن لم تقم الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها محرم، سواءً كانت مما يتفق عليه الأطراف أم مما يختلفون فيه، أم مما سكت عنه بعضهم. وإن قامت الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها واجب. وكيف يمكن التنازل عما يجب شرعاً من أجل جمع الكلمة؟! وثالثاً: لأن ذلك ظلم للحقيقة التي يعتقدها كل طرف. بل ليس من المقبول شرعاً ولا وجداناً التنازل عن الحقائق التي يعتقد المسلم ـ أي مسلم كان ـ أن الله سبحانه وتعالى قد فرضها وأتم الحجة عليه، وقد ضحى في سبيلها أحبته وأولياؤه وعباده الصالحون، بخوعاً لأمره، وطلباً لمرضاته، ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 47. (2) سورة لقمان الآية:26. -[ 253 ]- وجهد أعداؤه الظالمون والمفرقون في طمسها وتضييع معالمه، معاندة له، وتحريفاً لتعاليمه، حتى افترقت الأمة بسبب ذلك واختلفت فيه. وليس في التنازل عنها من أجل جمع الكلمة والتقريب بين طوائف الأمة إلا ظلم الحقيقة، والردّ لأمر الله تعالى الذي فرضه، والاستهوان به، وتضييع جهود أوليائه وتضحياتهم من أجل الحفاظ عليه، وتحقيق أهداف أعدائه الظالمين وإنجاح مساعيهم من أجل طمسها وتضييع معالمه. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لتحقيق الحقائق الدينية. وأن يُحكم ألفة المسلمين ويوحد فُرقتهم ويجمع كلمتهم، إنه أرحم الراحمين.
موقف الشيعة من المغالين 4 ـ الشيعة كالسنة يضللون المغالين، بل يكفرونهم. لكن ذلك مختص بما إذا رجع الغلو إلى الإخلال بالتوحيد، أو تجاوز مقام النبوة ـ ولو بدعوى النبوة لمن بعد النبي محمد2ـ أو إنكار الضروري إنكاراً يرجع لردّ ما أنزل الله تعالى، وعدم التسليم به. أما ما لا يرجع لذلك فهو لا يوجب الكفر ولا الضلال، كادعاء بعض الكرامات لأولياء الله تعالى، ورفعة مقامهم عنده. غاية الأمر أنه لابد من إثبات ذلك بأدلة كافية وحجج وافية، ومع عدمها فلابد من التوقف، كما قال الله سبحانه وتعالى: [وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً] (1). وكما قال عزمن قائل: [سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ] (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الإسراء الآية: 36. (2) سورة الزخرف الآية: 19. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الإثنين يوليو 09, 2012 5:34 am | |
| -[ 254 ]- س10: أرجو التكرم منكم بالإيعاز إلى طلبة العلم بالردّ على كتاب تحت عنوان: (حتى لا ننخدع) للمدعو (عبد الله الموصلي) الذي قد ملأه صاحبه بالنقل عن الشيعة وعلمائهم في تكفير أهل السنة، وإباحة أموالهم ودمائهم. فإنني أعلم أنه لا وقت لكم، لانشغالكم. ولهذا اقترحت عليكم ذلك الاقتراح، وإلا فأنتم الأعلم في ذلك. والكتاب هذا طبع في مصر، والقائم على طبعه (دار سلامة للنشر والتوزيع). وخصوصاً أن بعض السلفية قد قاموا بنشره والاعتماد على ما فيه. ج: نود أن نلفت نظركم لأمور.. 1 ـ سبق أن ذكرنا في أوائل الحديث في جواب السؤال الثاني أن الإسلام الذي يعصم الدماء والأموال وتجري به الأحكام عند الشيعة إنما يكون بالشهادتين، والإقرار بفرائض الإسلام العامة، وإعلان دعوته. وقد سبق أن ذلك يجري في حقّ جميع المسلمين من الصحابة وغيرهم. وأن مصادر الشيعة وكتب فتاواهم قد تصافقت على ذلك. وذكرنا بعض كلماتهم. وهي تكذب كتاب (حتى لا ننخدع) وغيره مما أولع بالتهريج على الشيعة واتهامهم.
-[ 255 ]- موقفنا من أمثال كتاب (حتى لا ننخدع) 2 ـ لم نطلع حتى الآن على كتاب (حتى لا ننخدع). ويبدو من حديثك أنه ككثير من الكتب التي تصدر هذه الأيام ضدّ الشيعة والتشيع، التي همها التشهير والتشنيع والكذب والافتراء عليهم، من أجل إثارة العواطف ضدّهم. والتصدي لرد هذه الكتب إن كان من أجل إقناع مؤلفيها ومن يقف وراءهم ليتراجعوا عن مواقفهم إذا ظهرت لهم الحقيقة. فهو غير مجدٍ، لأنهم لا يجهلون الحقيقة، ولا يريدون معرفتها لو جهلوه، لتنحل مشكلتهم ببيانها وبتنبيههم إلى خطئهم. بل لهم أهداف خاصة يحاولون الوصول إليها بتصميم وإصرار، ولا يريدون التخلي عنه. ولنا في ذلك تجارب سابقة تكفينا عبرة، نستفيد منها في التعامل مع هؤلاء وأمثالهم. وإن كان من أجل بقية المسلمين من ذوي النوايا الحسنة، خشية أن ينخدعوا بما تتضمنه هذه الكتب فقد يتعين ذلك يوم لم تكن كتب الشيعة ومصادرهم في متناول غيرهم من المسلمين وغيرهم. أما اليوم فكتب الشيعة ومصادر ثقافتهم في متناول كل أحد، لا يستطيع غيرهم تجاهله، كما لا يستطيع الشيعة إخفاءها وإنكاره. وليس من الإنصاف أن يصدّق عليهم أعداؤهم المشنعون عليهم، من دون رجوع لتلك المصادر، واطلاع عليه. ولاسيما في مثل هذه التهم التي يكذبها التعايش مع الشيعة، فإن الشيعة لا يعيشون في مجتمعات مغلقة خاصة بهم معزولة عن غيرهم، بل ينفتحون على بقية المسلمين، ويتعايشون معهم، ويختلطون بهم في أكثر البلاد أو جميعه. كما يشهدون موسم الحج العظيم الذي يجمع المسلمين من -[ 256 ]- فجاج الأرض المختلفة. ولا نريد أن ندعي أنهم متميزون بالأمانة واحترام دماء المسلمين وأموالهم. لكن على الأقل أنهم غير متميزين عن غيرهم بالخيانة، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم، وانتهاك حرماتهم. خصوصاً المتدينين منهم والملتزمين، الذين يفترض فيهم أن يكونوا في سلوكهم وتعايشهم مع الآخرين مرآة تعكس نظرة الشيعة الدينية لغيرهم. وإلى متى يبقى الشيعة في قفص اتهام يدافعون عن أنفسهم، وكأن المفترض صدق التهم الموجهة لهم ما لم يثبتوا براءتهم منه، مع أن قاعدة الإنصاف المتبعة مع جميع الناس أن المتهم بريء ما لم تثبت عليه الجريمة. وإذا لم تنفع الكتب والمصادر الشيعية ـ التي يتيسر لكل أحد الوصول إليها ومعرفة الحقيقة منها ـ في الدفاع عن التهم الموجهة للشيعة في كتاب (حتى لا ننخدع) وأمثاله، فلا يجدي صدور الردّ الذي تقترحه على الكتاب المذكور، إذ ليس في مقدورنا نشر الردّ المذكور ـ لو تمّ تأليفه وطبعه ـ بصورة أوسع من انتشار الكتب والمصادر الشيعية الموجودة فعل.
الحملة الموجهة ضدّ الشيعة هذه الأيام على أن المشكلة لا تكمن في كتاب واحد أو كتابين، بل في حملة موجهة مدروسة ذات أبعاد مختلفة، وهي مدعومة من قوى هائلة يعرف حجمها بملاحظة توقيته. ففي مصر مثل، قبل ما يقرب من أربعين عام، بلغ التقارب بين المذاهب الإسلامية غايته، حين أصدر شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمود شلتوت فتواه الشهيرة بشرعية التعبد بالمذهب الجعفري. أما الآن فقد أصبحت مصر نفسها أحد مراكز مقاومة التشيع. ولم يكن ذلك لاعتداء جديد أوقعه الشيعة بالمسلمين في هذه الفترة، -[ 257 ]- ولا لاكتشاف جديد لأمر في الشيعة خفي على المسلمين في عصورهم الطويلة، وإنما حصل ذلك نتيجة لتبدل الأوضاع في مصر، ولفاعلية التشيع في الساحة الإسلامية والعالمية. وبمعرفة السبب الحقيقي لهذه الحملة يعرف الدافع له، والمنتفع منه، وحجم القوة التي تقف وراءه. وإذا أردنا أن نعير اهتماماً لمثل هذه التهم، ونشغل أنفسنا بتكذيبه، وبردّ هذه الكتب ونحوها من وسائل الإعلام المعادي، تبددت طاقاتنا المحدودة، وذهبت هدر، وضاعت أوقاتنا دون جدوى، لأن لغة الكذب والشتم لا تنتهي. بل الأولى إهمالهم والإعراض عنهم وتركهم وما اختاروه لأنفسهم وأحبوه من سلوك مشين يكشف عن حقيقتهم، فكل إناء بالذي فيه ينضح. ولا أهمية لذلك فحبل الكذب قصير، وهو ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (1).
ما ينبغي للشيعة إزاء الحملة الموجهة ضدهم وعلى الشيعة بدل ذلك أن يصبرو، ويصابرو، ويرابطو، ويتوجهوا لأنفسهم، ويوثقوا علاقتهم بالله تعالى، ويلجؤوا إليه في أمرهم، ويحسنوا التوكل عليه، والظن به. ثم يثبتوا حقهم وحقيقتهم بأفعالهم وسلوكهم، ويعرفوا الناس بواقعهم المجيد، وظلامتهم في تاريخهم الطويل، ويعيدوا عرض أدلتهم على حقهم، ونشر ثقافتهم الأصيلة، بوجه يناسب العصر الحاضر، ويقيموا بذلك الحجة على الناس. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النور الآية: 39. -[ 258 ]- ولابد للحقيقة أن تنتصر، كما قال تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ)) (1). وقال عز من قائل: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)) (2). بل في عقيدتنا أن هذه الوسائل في مقاومة التشيع تخدمه على الأمد الطويل، وتزيد في وضوح حجته. إذ بعد أن تنكشف الحقائق، ويتضح كذب تلك الافتراءات، تتضح واقعية التشيع وعدم وجود السلبيات فيه، وإفلاس مهاجميه، حتى اضطروا للكذب والبهتان، والتهريج والتشنيع. كما تتضح بذلك سوء نوايا مهاجميه، وخبث مقاصدهم ودوافعهم. وكفى بهذا خدمة للتشيع، ووسام فخر له، وللحقيقة التي لا زالت محاربة مضطهدة. وكفى بالتجارب الماضية عبرةً لن، وشاهداً على ما نقول. فإن التشيع لم يزل محارباً ملاحقاً من يومه الأول، ولم يزل هدفاً للتشنيع والتهريج، والشتم والسب، والكذب والبهتان، وليس موقف الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم من التشيع بأخفّ من موقف السلفيين هذه الأيام ومن يدفعهم منه. لكن التشيع لم يزل ثابت القدمين بحقه وحقيقته، ولا تزيده الزلازل والأعاصير إلا قوة وصلابة، وظهوراً وانتشار. وقد صدق الله جل شأنه حين يقول: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَالَهَا مِن قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الرعد الآية: 17. (2) سورة الروم الآية: 60. -[ 259 ]- الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء] (1). والحمد لله على حسن بلائه وجميل صنعه. وكفى به ولياً ووكيلاً وناصراً وكفيل.
واقع السلفية وأهدافهم 3 ـ أما السلفية الذين يبدو تبنيهم للحملة ضد الشيعة في هذه الأيام، فإنا نعلم أن هذا ليس أول موقف لهم من الشيعة والتشيع بل من الإسلام والمسلمين. فقبل قرنين أو أكثر، حين دبّ الوهن في المسلمين، وضعفت دولهم، وتوجهت أطماع الغرب الكافر لبلادهم، وبدأ يخطط للانقضاض عليها والقضاء على تلك الدول، انبعث السلفيون بمفاهيمهم المنحرفة في تفسير التوحيد والشرك، وما يستتبعها من الـحكم على عامة المسلمين بالكفر، واستحلال دمائهم وأموالهم، وسقوط حرمتهم، وبعنف قاس وعنجهية متطرفة، ليعيثوا في بلاد الإسلام ويضعفوا دوله، خصوصاً الدولة العثمانية التي كانت أهمّ تلك الدول وأقواه، بما تمتلك من قدسية عند كثير من المسلمين، بسبب الخلافة التي كانت عنوان حكمه، فقد لقيت من السلفيين الأمرين. وقد عاثوا فساداً في هجوماتهم المتكررة على حرم الله تعالى، وعلى الحجاج قتلاً ونهب، واستهانة بمقدسات المسلمين، حتى انقطع الحج في بعض السنين. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة إبراهيم الآية:24 ـ 27. -[ 260 ]- كما أولعوا بالتهجم على التشيع والاعتداء على مقدساته. وكم هاجموا مدينة كربلاء المقدسة رمز الشهادة والتضحية في سبيل الدين، ومهراق الدماء الزكية لأهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم أجمعين). وقد أغرقوا في بعض تلك الهجومات في انتهاك الحرمات، حيث قتلوا كثيراً ممن كان في كربلاء، وهدموا قبر سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الشهداء الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ونهبوا ما في الروضة المطهرة من النفائس. وهاجموا أيضاً النجف الأشرف مرقد الإمام علي أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) مرات عديدة، إلا أنهم عجزوا عن اقتحام سوره، بعد أن قاد العلماء حملة الدفاع عنه. واشتد فسادهم في بلاد الإسلام حتى تمّ للغرب ما أرادو، وانتهت الدولة العثمانية وخلافته، واقتسموا ممتلكاته، ووقع الشرق الإسلامي في قبضتهم بعد الحرب العالمية الأولى. ثم تبع ذلك استيلاء السلفيين على الحرمين، واعتدوا على مقدسات المسلمين وقبور الأئمة (عليهم السلام) والصالحين، وسعوا في طمس آثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام). وبعد ذلك كله سكنت فورة السلفيين، وخمد صوتهم مدة طويلة، لعدم الحاجة لهم. حتى إذا بدأت الصحوة الدينية تظهر في المسلمين، وتهددت مصالـح الغرب الكافر في الشرق الإسلامي، بعث السلفيون من جديد ـ بعنفهم، وأبواقهم، ومفاهيمهم المنحرفة، وما يملكونه من قوى مادية هائلة ـ ليشقوا كلمة المسلمين، ويفتتوا وحدتهم، ويزرعوا العداء والشحناء بينهم، ليكون بأسهم بينهم، وينشغلوا بأنفسهم عن عدوهم، وعما يراد بهم. وقد جاؤوا الآن للمسلمين ـ بصورة الناصح الشفيق ـ ليحذروهم من الشيعة ويعرفوهم أنهم يكفرونهم، ويستحلون دماءهم وأموالهم، -[ 261 ]- ليحذرهم المسلمون، ولا ينخدعوا بهم، حباً من السلفيين بالمسلمين، وشفقة عليهم. مغفلين مفاهيم السلفية المنحرفة القاضية بتكفير المسلمين، ونسبة الشرك لهم، وإسقاط حرمتهم، وهدر دمائهم وأموالهم، ومتناسين ما فعلوه بالمسلمين ومقدساتهم مما أشرنا إلى بعضه آنف. وقد صدق المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت. وإنا لله وإنا إليه راجعون. والحمد لله على كل حال، وهو خير الحاكمين. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الإثنين يوليو 09, 2012 5:39 am | |
| -[ 262 ]- (السائل) : وفي النهاية أرجو مسامحتي على الإطالة، وقلة الأدب معكم. وأرجو من الله توفيقكم ـ وأن تخدموا المسلمين ـ لما يحبه ويرضى. وأرجو التكرم بالدعاء لي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 3 / 12 / 1999 م (................) الأردن ـ عمان (سماحة السيد حفظه الله) : ـ تعقيباً على ما ذكرت نرجو أن نكون قد وفقنا في هذا الحديث الطويل لبيان الحقائق التي حام الحوار حوله. كما نرجو أن نوفق جميعاً في سلامة نوايان، وأن يكون همنا الوصول للحقيقة واستيضاحه، وإزالة ما عليها من غبار وضبابية، كونتها الخلافات والتراكمات، التي استغلتها قوى الشرّ، لتضييع الحقيقة.
نصيحة هامة لمن يريد البحث عن الحقيقة ونود في ختام هذا الحديث أن نؤكد على أن الحقائق الدينية لم يفرضها الله تعالى على عباده، ويجعلها معياراً لثوابه وعقابه، إلا بعد أن أقام عليها الدليل الكافي والحجة الواضحة [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (1). وليس ضياعها على من ضاعت عليه من ذوي الإدراك الكامل إلا لتقصير منه في البحث عنه، والوصول إليه، إما استهواناً بها وتسامح ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 42. -[ 263 ]- في أمره، وإما تقليداً للآباء والأجداد، أو تعصباً للأهواء والتراكمات، حيث يثير كل من الأمرين غباراً على الحقيقة، ويحيطها بضبابية تمنع من مصداقية الرؤية، وتفتح أبواب النقاش والجدل غير المنطقيين، بالوجه الذي لا يرضاه الإنسان بطبعه ـ وبما أودعه الله تعالى فيه من قوة مدركة ـ في غير موارد التعصب والتقليد. وكل ذلك لا يجدي مع الله عزوجل، ولا يكون عذراً بين يديه، بعد أن أقام الدليل الكافي والحجة الواضحة على الحقيقة التي فرضها على عباده، وألزمهم به. فلابد للعاقل الرشيد أن يحتاط لنفسه التي هي أحب الأنفس إليه، وأعزها عليه، ويتحفظ عليها من الهلكة الدائمة، والخلود في العذاب، بأن لا ينظر للأدلة في قضايا الدين بمنظار العاطفة والتقليد، بل بمنظار العقل والوجدان الذي أودعه الله تعالى فيه، واحتج به عليه، ويجهد جهده في الوصول للحقيقة التي فرضها الله سبحانه كيف كانت وأنى كانت، تسليماً لأمر الله عزوجل، وبخوعاً لحكمه، ليكون على بصيرة من أمره وعذر عند ربه، ملتجئاً إلى الله جل شأنه في أن يسدده في مسيرته، ويعصمه من الضلال، ويهديه إلى الصراط المستقيم، فإن بيده أسباب التوفيق والخذلان، قال تعالى: [وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] (1). وهو جل شأنه لا يبخل بالتوفيق على من أخلص له والتجأ إليه، وبذل وسعه في سبيل مرضاته. قال عز من قائل: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل الآية: 9. (2) سورة العنكبوت الآية: 69. -[ 264 ]- ونسأل الله سبحانه وتعالى برحمته ولطفه أن يجعلنا وإياكم ممن أجاب دعوته، وجاهد في سبيله، وأن يفيض علينا جميعاً من أسباب التوفيق والتسديد ما نستضيء معه بنوره وهداه، ونسلك به الطريق الواضح الذي شرعه، ونصل به للدين الـحق الذي رضيه. إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. (السائل) : ملاحظة: أرجو التكرم بالإجابة المفصلة والموثقة بالمراجع. وشكر. (سماحة السيد حفظه الله) : حاولنا جهد إمكاننا أن نحقق رغبتك ونلبي طلبتك، وإن كلفنا ذلك وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً، غير ضائع إن شاء الله تعالى. وإن كنا على يقين بأننا لم نستوف الواقع كله، إلا أن الميسور لا يسقط بالمعسور. وشكراً لك على فتح هذا الحوار، الذي نرجو أن يكون مثمراً، بتوفيق الله سبحانه وحسن رعايته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الإثنين يوليو 09, 2012 5:43 am | |
| المصادر والمراجـع المحتـويــــات
-[ 269 ]- المصادر والمراجع 1ـ القرآن الكريم. 2ـ أبجد العلوم: صديق بن حسن القنوجي (ت1307ه)، نشر دار الكتاب العلمية ـ بيروت 1978م تحقيق: عبدالجبار زكار. 3 ـ ابن تيمية. حياته. عقائده: صائب عبد الحميد، الطبعة الثانية 1417ه، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية. 4 ـ الأحاديث المختارة:أبوعبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي (ت643ه)، الطبعة الأولى 1410ه، نشر مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة، تحقيق: عبد المك بن عبد الله بن دهيش. 5 ـ أحوال الرجال: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت259ه)، الطبعة الأولى 1405ه، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: صبحي السامرائي. 6 ـ أخبار الدول وآثار الأول: أبي العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني، طبعة بغداد 1282ه. 7 ـ أسباب نزول الآيات: الواحدي (ت468ه)، طبعة 1388ه، نشر مؤسسة الحلبي وشركاؤه ـ القاهرة. 8 ـ أسباب ورود الحديث: جلال الدين السيوطي (ت911ه)، الطبعة الأولى، نشر دار المكتبة العلمية ـ بيروت 1404ه، تحقيق: يحيى إسماعيل أحمد. 9ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبدالبر النمري (ت463ه)، مطبعة مصطفى محمد 1358ه، بهامش الإصابة. 10ـ أسد الغابة: عز الدين بن الأثير (ت630ه)، المطبعة الإسلامية ـ طهران. -[ 270 ]- 11ـ الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني (ت852ه)، الطبعة الأولى 1412ه، نشر دار الجيل ـ بيروت، تحقيق: علي محمد البيجاوي. 12ـ إظهار الحق: رحمة الله الهندي، طبعة 1315ه، المطبعة العلمية. 13ـ الاعتقادات: الشيخ الصدوق (ت413ه)، تحقيق عصام عبدالسيد. 14ـ أعلام النساء: عمر رضا كحالة، الطبعة الثانية 1959م، مطبعة المكتبة الهاشمية ـ دمشق. 15ـ الإمامة والسياسة: ابن قتيبة (ت272ه)، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر. 16ـ أمالي الشيخ المفيد: الشيخ المفيد (ت413ه)، الطبعة الثالثة ـ النجف الاشرف. 17ـ أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، طبعة 1938، مطبعة فلسطين. 18ـ أوائل المقالات: الشيخ المفيد (ت 413ه)، الطبعة الثانية 1414ه، مطبعة دار المفيد ـ بيروت. 19ـ الإيمان لابن منده: محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده، (ت395ه)، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1406ه، الطبعة الثانية، تحقيق: د.علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. 20ـ بحار الأنوار: المولى محمد باقر المجلسي (ت1111ه)، طهران ـ إيران. 21ـ البداية والنهاية: ابن كثير (ت774ه)، الطبعة الأولى 1932م، مطبعة السعادة ـ مصر. 22ـ بلاغات النساء: الإمام أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور (ت280ه)، طبعة 1972م، دار النهضة الحديثة ـ بيروت. 23ـ البيان والتعريف: إبراهيم بن محمد الحسيني، (ت1120ه)، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت 1401ه، تحقيق: سيف الدين الكاتب. 24ـ تاريخ أبي الفداء (المختصر في أخبار البشر): أبو الفداءإسماعيل بن علي الدويني، طبعة 1325ه، المطبعة الحسينية ـ مصر. -[ 271 ]- 25ـ تاريخ بغداد: أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463ه)، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. 26ـ تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي (ت911ه)، الطبعة الثانية 1959م، مطبعة السعادة ـ بمصر. تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد. 27ـ تاريخ الخميس: حسين بن محمد الديار بكري، طبعة 1283ه، المطبعة الوهبية ـ مصر. 28ـ تاريخ دمشق: ابن عساكر. يراجع القرص الليزري. الإصدار الأول (1998م). 29ـ تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك): محمد بن جرير الطبري (ت310ه)، الطبعة الأولى 1407ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. 30ـ التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري (ت256ه)، نشر دار الفكر، تحقيق: السيد هاشم الندوي. 31ـ تاريخ المدينة المنورة: عمر بن شبه (ت262ه)، طبع قدس ـ قم، نشر دار الفكر، تحقيق: فهيم محمد شلتوت. 32ـ تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب طبعة بيروت، نشر دار صادر. 33ـ التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460ه)، طبعة سنة 1409ه، مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي. 34ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: محمد بن عبدالرحمن المباركفوري (ت1353ه)، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. 35ـ التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف: السيد علي الحسيني الميلاني، الطبعة الأولى 1410ه، مطبعة أمير ـ قم، نشر دار القرآن الكريم ـ قم. 36ـ تذكرة الحفاظ: أبو عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (ت748ه)، طبعة 1374ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: عبدالرحمن بن يحيى. -[ 272 ]- 37ـ تغليق التعليق: أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت852ه)، الطبعة الأولى، نشر المكتب الإسلامي ـ دار عمار ـ بيروت، عمان ـ الأردن (1405ه)، تحقيق: سعيد عبدالرحمن موسى القزقي. 38ـ تفسير أبي السعود: قاضي القضاة محمد بن محمد العمادي (ت951ه)، نشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. 39ـ تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774ه)، طبعة 1401ه، نشر دار الفكر ـ بيروت. 40ـ تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القران): أبو جعفرمحمد بن جرير الطبري (ت310ه)، طبعة 1405ه، نشر دار الفكر ـ بيروت. 41ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي (ت671ه)، الطبعة الثانية 1372ه، نشر دار الشعب ـ القاهرة، بتحقيق: أحمد عبدالعليم البردوني. 42ـ التفسير الكبير: فخر الدين الرازي (ت606ه)، الطبعة الأولى 1357ه، المطبعة البهية المصرية. 43ـ تلخيص الحبير: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852ه)، نشر المدينة المنورة (1384ه)، تحقيق: السيد عبدالله هاشم اليماني المدني. 44ـ التمهيد: الباقلاني، طبعة القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، تحقيق: محمود محمد الخضيري ومحمد عبدالهادي أبو ريدة. 45ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابن عبد البر النمري (ت463ه)، طبعة 1387ه، نشر وزارة عموم الأوقاف والشؤون الدينية ـ المغرب، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري. 46ـ تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني (ت852ه)، الطبعة الأولى، نشر دار الفكر ـ بيروت. 47ـ تهذيب الكمال: أبو الحجاج المزي (ت742ه)، الطبعة الأولى 1400ه، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: بشار عواد معروف. -[ 273 ]- 48ـ التوابين: أبو محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620ه)، طبعة 1403ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: عبدالقادر الأرناؤوط. 49ـ التوحيد: الشيخ الصدوق (ت381ه) طبعة 1387هـ نشر جماعة المدرسين، قم، تحقيق السيد هاشم الحسيني الطهراني. 50ـ الثقات: أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي (ت354ه)، الطبعة الأولى 1395ه، نشر دار الفكر، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد. 51ـ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463ه)، طبعة 1403ه، نشر مكتبة المعارف ـ الرياض، تحقيق: د.محمود الطحان. 52ـ الجامع: معمر بن راشد الأزدي (ت151ه)، الطبعة الثانية 1403ه، المكتب الإسلامي ـ بيروت، تحقيق: حبيب الأعظمي (منشور كملحق بكتاب المصنف للصنعاني). 53ـ جزء أبي طاهر: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت367ه)، الطبعة الأولى 1406ه، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. 54ـ الجواهر الحسن في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي): عبدالرحمن بن محمد الثعالبي، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت. 55ـ الجواهر المضية في طبقات الحنفية (طبقات الحنفية): أبو محمد عبدالقادر بن أبي الوفاء محمد بن أبي الوفاء القرشي (ت775ه)، نشر مير محمد كتب خانه ـ كراتشي. 56ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت430 ه)، الطبعة الرابعة 1405 ه، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت. 57ـ حياة الحيوان: كمال الدين محمد بن موسى الدميري (ت808ه)، طبعة دار التحرير. 58ـ الخصائص الكبرى:جلال الدين السيوطي، طبعة 1319ه، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية ـ حيدر آباد -[ 274 ]- 59ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور:جلال الدين السيوطي، المطبعة الإسلامية ـ طهران. 60ـ دلائل الصدق: الحجة محمد حسن المظفر، طبعة 1395ه، منشورات مكتب بصيرتي ـ قم. 61 ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، نشر دار الكتب العلمية - بيروت. 62ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: أغا بزرك الطهراني، طبعة 1355ه، مطبعة الغري ـ النجف الأشرف. 63 ـ ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: محمود بن عمر الزمخشري، طبع مطبعة العاني 1976م ـ بغداد. تحقيق: د. سليم النعيمي. 64ـ روح المعاني: شهاب الدين الألوسي (ت1270ه)، إدارة الطباعة المنيرية ـ مصر. 65ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة: أبو جعفر أحمد بن عبدالله الطبري (ت694ه)، الطبعة الأولى 1996م، نشردار الغرب الإسلامي ـ بيروت، تحقيق:عيسى عبدالله محمد مانع الحميري. 66ـ زاد المسير في علم التفسير:ابن الجوزي (ت597ه)، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. 67ـ الزهد: هناد بن السري الكوفي (ت243ه)، الطبعة الأولى 1406ه، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت، تحقيق: عبدالحمن عبدالجبار الفريوائي. 68ـ السراج المنير في التفسير: الخطيب الشربيني، طبعة 1299ه، مطبعة بولاق ـ مصر. 69ـ السنة: أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك (ت287ه)، الطبعة الأولى 1400ه، نشر المكتب الإسلامي ـ بيروت، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. 70ـ السنة: عبدالله بن أحمد بن حنبل (ت290ه)، الطبعة الأولى، نشر دار ابن القيم الدمام، تحقيق: د. محمد سعيد سالم القحطاني. 71ـ سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275ه)، نشر دار الفكر، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. -[ 275 ]- 72ـ سنن ابن ماجة: أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني (ت275ه)، نشر دار الفكر ـ بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي. 73ـ سنن الترمذي (الجامع الصحيح): أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت279ه)، نشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون. 74ـ سنن الدارمي: أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي (ت255ه)، الطبعة الأولى 1407ه، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت، تحقيق: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع المعلمي. 75ـ السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458ه)، طبعة 1414ه، نشر مكتبة دار الباز ـ مكة المكرمة، تحقيق: محمد عبدالقادر عط. 76ـ السنن الكبرى: أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303ه)، الطبعة الأولى 1411ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: د.عبدالغفار سليمان البنداري، سيدكسروي حسن. 77ـ السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها: أبو عمرو عثمان بن سعيد المقريء الداني (ت444ه)، الطبعة الأولى 1416ه، نشر العاصمة ـ الرياض، تحقيق: ضياء الله بن محمد إدريس المباركفوري. 78ـ سنن سعيد بن منصور: سعيد بن منصور (ت277ه)، الطبعة الأولى 1414ه، نشر دار العصيمي ـ الرياض، تحقيق: د. سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميد. 79ـ سير أعلام النبلاء: أبو عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (ت748ه)، الطبعة التاسعة 1413ه، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي. 80ـ السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): علي بن برهان الدين الحلبي (ت1044ه)، طبعة 1962م، مطبعة الاستقامة ــ القاهرة. 81ـ السيرة النبوية: عبدالملك بن هشام الحميري (ت213ه)، الطبعة الأولى -[ 276 ]- 1411ه، نشر دار الجيل ـ بيروت، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد. 82ـ شرايع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: المحقق الحلي (ت676ه)، طبعة 1299ه، مطبعة الآداب ـ النجف، تحقيق: عبدالحسين محمد علي. 83ـ شرح سنن ابن ماجة: جلال الدين السيوطي وعبدالغني وفخر الحسن الدهلوي، نشر قديمي كتب خانة ـ كراتشي. 84ـ شرح معاني الآثار: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321ه)، الطبعة الأولى، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، (1399ه)، تحقيق: محمد زهري النجار. 85 ـ شرح المقاصد: مسعود بن عمر بن عبد الله، الشهير بسعد الدين التفتازاني (ت 793 ه)، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأولى 1409هـ /1989م، منشورات الشريف الرضي. 86ـ شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد (ت665ه)، نشر دار إحياء الكتاب العربي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. 87ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: الحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري، الطبعة الأولى 1974م، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت. 88ـ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: أبو حاتم محمد بن حبان التميمي (ت354ه)، الطبعة الثانية نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: شعيب الأرناؤوط. 89ـ صحيح البخاري: أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256ه)، الطبعة الثالثة 1407ه، نشر دار ابن كثير اليمامة ـ بيروت، تحقيق: مصطفى ديب البغ. 90ـ صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261ه)، نشر دار إحياء التراث ـ بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي. 91ـ صفوة الصفوة: أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد (ت597ه)، الطبعة -[ 277 ]- الثانية، نشر دار المعرفة ـ بيروت (1399ه)، تحقيق: محمود فاخوري، د.محمد رواس قلعه جي. 92ـ الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر الهيثمي (ت974ه)، دار الطباعة المحمدية ـ القاهرة، مكتبة القاهرة. 93ـ الضعفاء: أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي (ت322ه)، الطبعة الأولى 1404ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: د.عبدالمعطي أمين قلعجي. 94ـ الضعفاء والمتروكين: أبو الفرج عبدالرحمن بن محمد الجوزي (ت579ه)، الطبعة الأولى 1406ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: عبدالله القاضي. 95ـ طبقات الحنابلة: القاضي أبو الحسين محمد أبو يعلى، طبعة 1952م، مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة، تصحيح: محمد حامد الفقي. 96ـ طبقات الشافعية الكبرى: ابن السبكي (ت 771ه)، الطبعة الأولى، المطبعة الحسينية المصرية الشهيرة. 97ـ طبقات الكبرى: محمد بن سعد البصري (ت230ه)، نشر دار صادر ـ بيروت. 98 ـ العبر في خبر من غبر: محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748ه) الطبعة الثانية مصورة، نشر مطبعة حكومة الكويت ـ الكويت ـ 1948م، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد. 99ـ العدد القوية: العلامة الحلي (ت726) الطبعة الأولى 1408ه، مطبعة سيد الشهداء، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، تحقيق: السيد مهدي رجائي. 100ـ العقد الفريد: ابن عبد ربه، طبعة 1367ه، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة. 101ـ العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل (ت241ه)، الطبعة الأولى 1408ه، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس. -[ 278 ]- 102ـ عون المعبود: أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثانية، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت (1415ه). 103ـ عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق (ت381ه)، طبعة 1970م، منشورات المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف. 104ـ الغدير في الكتاب والسنة والأدب: الشيخ عبد الحسين الأميني، الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربي ـ بيروت. 105 ـ غريب الحديث لابن الجوزي: أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد (ت597ه)، الطبعة الأولى، نشر دار الكتب العلمية- بيروت، 1985م. تحقيق: د. عبدالمعطي أمين قلعجي. 106ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني (ت852ه)، طبعة 1379ه، نشر دار المعرفة ـ بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، محب الدين الخطيب. 107ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير: محمد بن علي الشوكاني (ت1250ه)، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. 108ـ الفتن: نعيم بن حماد المروزي (ت288ه)، الطبعة الأولى 1412ه، نشر مكتبة التوحيد ـ القاهرة، تحقيق: سمير أمين الزهيري. 109ـ الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية: أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت429ه) الطبعة الثانية 1977م، نشر دار الآفاق الجيدة ـ بيروت. 110ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل: ابن حزم الأندلسي الظاهري (ت456ه)، طبعة مكتبة المثنى ـ بغداد ومؤسسة الخانجي ـ مصر، وبهامشه كتاب الملل والنحل. 111ـ فضائل الصحابة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، الطبعة الأولى 1403ه، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس. 112ـ الفوائد (مجلس من فوائد الليث بن سعد): الليث بن سعد المعري، الطبعة الأولى 1407ه، نشر دار عالم الكتب للنشر والتوزيع ـ الرياض، -[ 279 ]- تحقيق: محمد بن رزوق الطرهواني. 113ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير: محمد عبدالرؤوف المناوي (ت1331ه)، طبعة 1415ه، مطبعة دار الكتب العلمية، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. 114. القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. 115ـ الكافي: محمد بن يعقوب الكليني (ت328هـ / 329ه)، نشر مكتبة الصدوق ـ طهران. 116ـ الكامل في التاريخ:أبوالحسن عزالدين المعروف بابن الأثير، طبعة 1965م، دار صادر ـ بيروت. 117ـ الكامل في ضعفاء الرجال: عبدالله بن عدي الجرجاني (ت365ه)، الطبعة الثالثة 1409ه، نشر دار الفكر ـ بيروت، تحقيق: يحيى مختار غزاوي. 118ـ الكبائر للذهبي: محمد بن عثمان الذهبي (ت748ه)، نشر دار الندوة الجديدة ـ بيروت. 119ـ الكشف الحثيث عن من رمي بوضع الحديث: إبراهيم بن محمد الحلبي (ت841ه)، الطبعة الأولى 1407ه، نشر عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، تحقيق: صبحي السامرائي. 120ـ كنـز العمال: المتقي الهندي (ت975ه) مطبعة مؤسسة الرسالة ـ بيروت، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السف. 121ـ لسان العرب: ابن منظور (ت711ه)، الطبعة الأولى، دار صادر ـ بيروت. 122ـ لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني، الطبعة الثالثة 1406ه، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت. 123ـ المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: أبو حاتم محمد ابن حبان التميمي (ت354ه)، الطبعة الأولى 1396ه، نشر دار الوعي -[ 280 ]- حلب، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. 124ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الدين الفضل بن الحسن الطبرسي (ت548ه)، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. 125ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807ه)، طبعة 1407ه، نشر دار الريان للتراث ـ القاهرة، دار الكتاب العربي ـ بيروت. 126ـ المحلى: ابن حزم الظاهري (ت456ه)، نشر دار الآفاق الجديدة ـ بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي. 127ـ المدخل إلى السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458ه)، طبعة 1404ه، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت، تحقيق:د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي. 128ـ المرجعية الدينية وقضايا أخرى: المؤلف، الطبعة الثانية 1419ه، دار الصفوة ـ بيروت. 129ـ المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405ه)، الطبعة الأولى 1411ه، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عط. 130ـ مسند أبي يعلى: أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت307ه)، الطبعة الأولى 1404ه، نشر دار المأمون للتراث ـ دمشق، تحقيق: حسين سليم أسد. 131ـ مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل الشيباني (ت241ه)، نشر مؤسسة قرطبة ـ مصر. 132ـ مسند ابن الجعد: علي بن الجعد الجوهري (ت230ه)، الطبعة الأولى 1410ه، نشر مؤسسة نادرـ بيروت، تحقيق: عامر أحمد حيدر. 133ـ المسند: أبو بكر عبدالله بن الزبير الحميدي (ت219ه)، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت، مكتبة المتنبي ـ القاهرة، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. 134ـ مسند البزار (البحر الزخار): أبو بكر البزار (ت292ه)، الطبعة الأولى 1409ه، نشر مؤسسة علوم القران ـ بيروت، مكتبة العلوم والحكم ـ المدينة. 135ـ مسند الروياني: أبو بكر محمد بن هارون الروياني (ت307ه)، الطبعة الأولى، نشر مؤسسة قرطبة ـ القاهرة (1416ه)، تحقيق: علي أبو يماني. -[ 281 ]- 136ـ مسند الشاشي: أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت335ه)، الطبعة الأولى، نشر مكتبة العلوم والحكم ـ المدينة المنورة، (1410ه)، تحقيق: د.محفوظ الرحمن زين الله. 137ـ مسند الشاميين: سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ه)، الطبعة الأولى 1405ه، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. 138ـ مسند الطيالسي: سليمان بن داود الطيالسي (ت204ه)، نشر دار المعرفة ـ بيروت 139ـ مسند عمر بن الخطاب: أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي (ت262ه)، الطبعة الأولى، نشر مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، تحقيق: كمال يوسف الحوت. 140ـ مسند عبد بن حميد (المنتخب من مسند عبد بن حميد): عبد بن حميد (ت249ه)، الطبعة الأولى 1408ه،نشر مكتبةالسنة ـ القاهرة،تحقيق:صبحي السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي. 141ـ مصنف ابن أبي شيبة: أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت235ه)، الطبعة الأولى 1409ه، نشر مكتبة الرشد ـ الرياض، تحقيق:كمال يوسف الحوت. 142ـ المصنف لعبد الرزاق: أبو بكر عبدالرزاق بن همام الصنعاني (ت211ه)، الطبعة الثانية 1403ه، نشر المكتب الإسلامي ـ بيروت، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. 143ـ المعارف: ابن قتيبة الدينوري (ت276ه)، طبعة 1960م، مطبعة دار الكتب. 144ـ المعتصر من المختصر من مشكل الآثار: أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي، نشر عالم الكتب ـ بيروت، مكتبة المتنبي ـ القاهرة. -[ 282 ]- 145ـ المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ه)، طبعة 1415ه، نشر دار الحرمين ـ القاهرة، تحقيق: طارق بن عوض بن محمد وعبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني. 146ـ المعجم الصغير: سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ه)، الطبعة الأولى 1405ه، نشر المكتب الإسلامي ـ بيروت، دار عمار ـ عمار، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير. 147ـ المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ه)، الطبعة الثانية 1404ه، نشر مكتبة العلوم والحكم ـ الموصل، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي. 148ـ معرفة علوم الحديث: الحاكم النيسابوري (ت405ه)، الطبعة الثانية 1337ه، نشر المكتبة العلمية ـ المدينة المنورة، تحقيق: السيد معظم حسين. 149ـ المغني في الضعفاء: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748ه)، تحقيق: نور الدين عتر. 150ـ مقالات الإسلاميين: علي بن إسماعيل الأشعري (ت324ه)، الطبعة الأولى 1950م، مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. 151ـ الملل والنحل للشهرستاني: أبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني (ت548ه)، في هامش كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل. 152ـ المناقب: الخوارزمي، الطبعة الثانية، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، تحقيق: مالك المحمودي. 153. المنتقى لابن الجارود. عبدالله بن علي بن الجارود أبو محمد النيسابوري (ت307ه). نشر مؤسسة الكتاب الثقافية. بيروت/ الطبعة الأولى. 1408هـ ـ 1988م. تحقيق: عبدالله عمر البارودي. 154ـ معجم ما استعجم. عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي. (ت487ه). نشر عالم الكتب. بيروت. الطبعة الثالثة ـ 14.3ه. تحقيق: مصطفى السق. -[ 283 ]- 155ـ موطأ مالك: مالك بن أنس (ت179ه)، دار إحياء التراث العربي ـ مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي. 156ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ابن قايماز الذهبي (ت748ه)، الطبعة الأولى، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت (1995م)، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود. 157ـ نظم درر السمطين: الزرندي الحنفي (ت750ه)، الطبعة الأولى 1377ه. 158ـ نهج البلاغة: للشريف الرضي (ت404ه)، الطبعة الثانية 1963م، دار الأندلس للطباعة والنشرـ بيروت، تحقيق: عبدالعزيز سيد الأهل. 159ـ نوادر الأصول في أحاديث الرسول: أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن الحكيم الترمذي، الطبعة الأولى، نشر دار الجيل ـ بيروت، تحقيق: د.عبدالرحمن عميرة. 160ـ نيل الأوطار: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت1255ه)، نشر دار الجيل ـ بيروت، (1973ه). 161ـ وسائل الشيعة: الحر العاملي (1104ه)، طبعة1376ه، المطبعة الإسلامية ـ طهران. 162ـ الوقوف على صحيح مسلم من الموقوف: ابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى 1406ه، نشر مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، تحقيق: عبدالله الليثي الأنصاري. 163ـ ينابيع المودة لذوي القربى: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت1294ه)، الطبعة الأولى 1416ه، نشر دار الأسوة، تحقيق: السيد علي جمال أشرف الحسيني. -[ 284 ]- ملاحظـات: تعمدنا الحفاظ على المتن المنقول في المصادر، وإن وجدنا في بعض ذلك أخطاء لغوية أو نحوية، أو اضطراباً في المتن. نظراً لاختلاف الطبعات أدرجنا في أغلب المصادر عناوين الفصول والأبواب بالإضافة إلى ذكر الجزء والصفحة، ليسهل الرجوع إلى المصادر عند اختلاف الطبعات. قد اعتمدنا في بعض المصادر المذكورة آنفاً على برنامج (المكتبة الألفية للسنة النبوية ـ الإصدار الأول) و (المعجم الفقهي ـ الإصدار الثالث) و (جامع التفاسير ـ الإصدار الأول) و (مكتبة التفسير وعلوم القرآن ـ الإصدار1.5) و (تاريخ دمشق لابن عساكر ـ الإصدار الأول 1998). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المحتويات (للجزء الأول) مقدمة الطبعة الثانية مقدمة الطبعة الأولى المقدمة النهي عن المراء والخصومة شرع لا بد من تهيئة الجو المناسب للحوار المثمر السؤال الاول مصادر التراث الشيعي في الحديث مصادر التراث الشيعي في الفقه مصادر التراث الشيعي في السيرة مصادر التراث الشيعي في العقيدة ليس كل ما تضمنته المصادر الشيعية متفقاً عليه بينهم لابد للباحث من الموضوعية والتجرد السؤال الثاني معيار الإسلام والكفر عند الشيعة التوسع في إطلاق الكفر في الكتاب والسنة وكلمات المسلمين التوسع في إطلاق الارتداد والانقلاب على الأعقاب نظرة الصحابة لأنفسهم لا تناسب القدسية ما حدث بين الصحابة بعد عثمان ما حدث بين الصحابة بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعض مواقف الصحابة السلبية التي فيها جنبة عمومية المواقف الفردية غير المناسبة لقدسية عموم الصحابة نظرة التابعين ومن بعدهم للصحابة ومواقفهم منهم موقف الكتاب المجيد من الصحابة عموم موقف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من الصحابة عموماُ التنبيه لمقتضى الطبيعة البشرية في الصحابة موقف الشيعة من الصحابة نتيجة لما تقدم الحب في الله والبغض في الله تعالى أثر الصحبة وأهميته المقارنة بين موقف الشيعة وموقف الجمهور من الصحابة الموقف المناسب من غير الشيعة نحو الشيعة تعاليم الشيعة تقضي بمعاشرة غيرهم بالمعروف السؤال الثالث الإجماع العملي من الشيعة والسنة على عدم تحريف القرآن الذين صرحوا بعدم التحريف من علماء الشيعة الموقف المناسب من القائلين بالتحريف تأكيد عدم التحريف خطورة الحديث في تحريف القرآن الشريف السؤال الرابع لابد من تحديد نظام الحكم عند الشيعة والسنة بعض الأدلة على صحة مذهب الشيعة في المهدي(عليه السلام) الأئمة اثنا عشر من قريش السؤال الخامس شرح قاعدة اللطف وتحديده لا تنتقض قاعدة اللطف على مذهب الإمامية السؤال السادس بعض متون حديث الثقلين دلالة حديث الثقلين على وجوب طاعة العترة وجوب طاعة العترة يستلزم كون الإمامة فيهم السؤال السابع نزول آية التبليغ في مناسبة واقعة الغدير الواقعة حدثت في غدير خم نداء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بالصلاة جامعة خطبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في واقعة الغدير تعميم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أمير المؤمنين علي(عليه السلام)يوم الغدير إنشاد حسان بن ثابت لأبياته في واقعة الغدير صوم يوم الغدير حادثة الحارث بن النعمان الفهري الاحتجاج والمناشدة بحديث الغدير مناشدة أمير المؤمنين علي(عليه السلام)بحديث الغدير دعاء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على من لم يشهد بحديث الغدير أثر المناشدة بحديث الغدير في ظهوره وانتشاره السؤال الثامن السؤال التاسع خطوات الأئمة(عليهم السلام)في توحيد الجهود من أجل خدمة الإسلام مواقف الشيعة وعلمائهم في توحيد الجهود الترحيب بالحوار العلمي من أجل معرفة الحقيقة رفض التلاقي بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة موقف الشيعة من المغالين السؤال العاشر موقفنا من أمثال كتاب(حتى لا ننخدع) الحملة الموجهة ضدّ الشيعة هذه الأيام ما ينبغي للشيعة إزاء الحملة الموجهة ضدهم واقع السلفية وأهدافهم نصيحة هامة لمن يريد البحث عن الحقيقة المصادر والمراجع المحتويات
عدل سابقا من قبل تراب أقدام المهدي في الإثنين يوليو 09, 2012 4:29 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: بداية الجزء الثاني الإثنين يوليو 09, 2012 5:49 am | |
| في رحاب العقيدة حوار مع سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مد ظله)
الجزء الثاني دار الهلال -[ 4 ]-
الطبعة الرابعة 1425 هـ / 2004 م مزيدة ومصححة جميع الحقوق محفوظة -[ 5 ]-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المكرمين. إلى السيد العلامة فضيلة الشيخ محمد سعيد الحكيم. حفظكم الله تعالى وأطال عمركم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.. فقد وصلني بحمد الله تعالى ردكم على الأسئلة التي وجهتها لكم. وهو جواب فيه جهد عظيم مشكور. فلكم الشكر الخاص بتوليكم للإجابة عليه، وعلى وسع صدركم، بأن فتحتم الحوار بين أهل السنة ومعاشر الشيعة. وهو موضوع في غاية الأهمية، وخاصة فيما يتعلق بفهم القضايا الشيعية حسب تصوراتهم الشرعية، مما يؤدي لإزالة الغموض والتفسير الخاطئ لدى بعض أهل السنة، فيتم تحديد موقفهم اتجاه الآراء الشيعية تحديداً منصف، يتسم بالموضوعية. وربما كانت هناك بعض التعليقات على هذه الأجوبة. لكنها ـ كما تعلمون ـ تحتاج إلى جهد كبير جد، إذ لابد من قراءة هذه الأجوبة بدقة وتمعن شديدين، وكذا معرفة رأي علماء أهل السنة في بلدن، وموقفهم من هذا الحوار وهذه الأجوبة، وإعلامكم بذلك بمراسلات أخرى إن شاء الله تعالى. نعم تيسر لنا ـ والحمد لله تعالى ـ بعض الأسئلة الأخرى تحمل نفس الهدف. وها أنا أرسلها إليكم، وأرجو من فضيلتكم الإجابة عليه، -[ 6 ]- من أجل التعرف على وجهة نظركم. وفي الختام أود أن أنبه إلى أمر، وهو: أن كلمة سقطت أثناء التبييض لسؤال الغدير وهو كلمة (بيعة). فالسؤال المطروح والذي يدور عليه الإشكال (واقعة بيعة الغدير)، لا واقعة الغدير نفسه، فإنني على إطلاع واسع حوله. وخاصة معرفتها من مصادر أهل السنة، فأرجو إن شاء الله تعالى في مراسلات أخرى التعليق حول هذا الموضوع. والحمد لله تعالى لم يذهب جهدكم في الإجابة عليها سدى، بل فيه فائدة جليلة، بحسن الإجابة، والترتيب فيه، النادر حصوله لمن أجاب على مثل هذا السؤال. وأخيراً أرجو من فضيلتكم الدعاء لي بظهر الغيب. وأرجو من الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، ولما فيه خير المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. س1 ـ ما موقف الشيعة من هذه القضية القرآنية وهي: أن القرآن الكريم عند تعرضه لحال الأمة المحمدية ودرجتها ومنزلتها عند الله قد قسمها إلى قسمين: قسم محدود بزمن. وهؤلاء أطلق الله عليهم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وعامة ما يرد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من ذكر للصحابة ـ بلفظ الصحابة أو أمثالها ـ يُعنى به السابقون الأول. وهذا القسم قد رضي ربنا عزوجل عنهم، دون أن يشترط فيهم الاتباع بإحسان، بخلاف القسم الثاني، وهو: القسم الثاني الذي اشترط فيهم الاتباع بإحسان. مع العلم بأن -[ 7 ]- كثيراً ممن يطلق عليه لفظ الصحابة مذكور في الشطر الثاني من الآية، حيث قال عز من قائل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) التوبة/100. فإن نقل عن أحد من السابقين الأول ـ مهاجراً كان أم أنصارياً ـ قضية فيها إثم أو معصية، أو خلاف أو شقاق، أيصح لنا نحن المتأخرين أن نطلق ألسنتنا في هذا الصحابي؟! مع أن السنة النبوية اقتضت أن لا نفعل ذلك، وأن لا نقتدي بهذا العمل الظاهر فساده، وأن نَكِل حال هذا الصحابي ومنزلته عند الله تعالى إلى الله عزوجل، لأنه وحده المختص بهم. كما هو الحاصل في قضية حاطب بن أبي بلتعة، حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج على من أنكر على حاطب بقوله: "لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم، فإنني قد غفرت لكم". س2ـ لا ننكر بأن الصحابة (السابقين الأولين) قد تجتاحهم النزعات الشخصية، وقد يتسلط على أحدهم مصلحة م، وقد يغبطون بعضهم بعض، وهذه القضايا يستحيل القول بأن الصحابة منزهون عن هذه النزعات البشرية، ومع ذلك نرى أن الله تعالى قد رضي عنهم مع حصول وصدور ذلك منهم. وليس الترضي مؤقتاً بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو عام مطلق، ولا يستثنى منهم أحداً إلا بنص شرعي خاص. فلماذا لا يؤول علماء الشيعة حال أبي بكر وعمر وعثمان، وتوليهم الخلافة في حياة علي ابن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)، بأن فعلهم ـ أي الخلفاء الثلاثة الأول ـ من قبل هذه النزعات غير المؤاخذ -[ 8 ]- عليها شرع، أوغيرها من الأمور التي ارتضوها فيما بينهم في توليهم للخلافة. مع اعتقاد الشيعة بأن الأحقية لعلي (رض)، س3 ـ لماذا لا نسلك نحن أهل السنة وأنتم معاشر الشيعة في القضايا التي حصلت في صدر الإسلام سيرة الإمام علي وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، وخصوصاً الإمام الحسن (رضي الله عنه). فما أقروه نقرُّ به، وما أنكروه ننكره، فنلتزم: 1 ـ إقرار سيدنا علي خلافة أبي بكر (رض). 2 ـ إقراره تنصيب أبي بكر لعمر (رض). 3 ـ إقراره أمر الشورى، وأن يكون أحد أفرادهم. 4 ـ عدم إقراره معاوية والياً على الشام، لأنه لا يراه أهلاً لذلك، مع أن ذلك يترتب عليه مفسدة في المجتمع المسلم. س4 ـ هل يجوز على الجمهور الأعظم من الصحابة (رض) أن يغفلوا عن النص الشرعي البين ـ إن وجد ـ في بيعة الإمام علي، ويتعاموا عنه؟ والله يقول عنهم: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)) آل عمران/110. س5 ـ الا ترون أن الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر المؤلم من يوم هدم الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا ـ سنة وشيعة ـ يتوجب عليهم تنصيب رجل يقوم بأعباء الأمة وحاجاتها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية السمحة. خصوصاً أن أهل السنة اليوم لا يتمثلهم خليفة. وكذلك أنتم في زمن الغيبة، حيث أن الشيعة من زمن الغيبة لا يـختلفون عن أهل السنة في احتياجهم إلى شخص يقوم بأعباء الأمة، فهل ترون إمكان حصول ذلك و السعي لتحقيقه. س6 ـ ما قولكم فيما ورد من أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر -[ 9 ]- الصديق (رض) بإمامة المسلمين في صلاتهم إبان اشتداد مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أليس فيها إشارة إلى أنه ارتضاه خليفة له من بعده؟ س7 ـ هل يصح اختصاص الأئمة بعلم قضايا حيوية وضرورية في الدين، دون غيرهم؟ مع أن الله تعالى يقول: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين)) المائدة/3. س8 ـ يتفق المسلمون من السنة والشيعة على حجية القرآن وقطعية صدوره، لكن يـختلفون في مصدر السنة وتلقيه، حيث إن أهل السنة لا يأخذون إلا ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من رواية الثقات، والشيعة يأخذون برواية الأئمة وإن تطاول الأمد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعوى العصمة فيهم، والذين يروون عن الأئمة هم رجال غير معصومين، شأنهم شأن رواة أهل السنة. فلماذا لا تكون كتب أهل السنة مرجعاً معتمداً عند الشيعة؟ خصوصاً عند القائلين من الشيعة بجواز الرواية عن الثقة وإن كان مذهبه مخالفاً وخالفت روايته مذهب الشيعة. وهذا غير لازم لأهل السنة ـ أي الاعتماد على كتب الشيعة ـ لأنهم اكتفوا بالرواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعدم قولهم بعصمة الأئمة. س9 ـ خبر الآحاد لا يعمل به في أصول الدين عند الشيعة، وهم لا يرون أن تشخيص الأئمة ثابت بالتواتر، فإن كان تشخيص الإمام يثبت بخبر الآحاد، فلا يجب العمل به من حيث اتباع الإمام المشخص. (................. ) عمان ـ الأردن 7 / 12 / 2000م
عدل سابقا من قبل تراب أقدام المهدي في الإثنين يوليو 09, 2012 4:35 pm عدل 3 مرات | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: المقدمة الإثنين يوليو 09, 2012 6:04 am | |
| -[ 11 ]- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المكرمين. إلى السيد العلامة فضيلة الشيخ محمد سعيد الحكيم. حفظكم الله تعالى وأطال عمركم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.. فقد وصلني بحمد الله تعالى ردكم على الأسئلة التي وجهتها لكم. وهو جواب فيه جهد عظيم مشكور. فلكم الشكر الخاص بتوليكم للإجابة عليه، وعلى وسع صدركم، بأن فتحتم الحوار بين أهل السنة ومعاشر الشيعة. وهو موضوع في غاية الأهمية، وخاصة فيما يتعلق بفهم القضايا الشيعية حسب تصوراتهم الشرعية، مما يؤدي لإزالة الغموض والتفسير الخاطئ لدى بعض أهل السنة، فيتم تحديد موقفهم اتجاه الآراء الشيعية تحديداً منصف، يتسم بالموضوعية. وربما كانت هناك بعض التعليقات على هذه الأجوبة. لكنها ـ كما تعلمون ـ تحتاج إلى جهد كبير جد، إذ لابد من قراءة هذه الأجوبة بدقة وتمعن شديدين، وكذا معرفة رأي علماء أهل السنة في بلدن، وموقفهم من هذا الحوار وهذه الأجوبة، وإعلامكم بذلك بمراسلات أخرى إن شاء الله تعالى. نعم تيسر لنا ـ والحمد لله تعالى ـ بعض الأسئلة الأخرى تحمل نفس الهدف. وها أنا أرسلها إليكم، وأرجو من فضيلتكم الإجابة عليه، من أجل التعرف على وجهة نظركم.(من السائل). -[ 12 ]- (قال سماحة السيد حفظه): بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. إلى الأخ الكريم (............) المحترم (زيد توفيقه).. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ونبتهل إلى الله جل شأنه في أن يوفقك وإخوانك، ويجعلكم من عباد الله المتقين ((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) (1)، وأن يفيض عليكم من رحمته ما يصلـح به أمركم في دينكم ودنياكم، ومنقلبكم ومثواكم، إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين. وبعد.. فقد وصلنا كتابك الكريم، فسرّنا ما تضمنه، حيث ظهر منه أن الحوار المذكور كان نافعاً في كشف الحقيقة، ورفع الغموض فيها لو كان فيها غموض. وإن كنا على قناعة تامة بأنها من الوضوح والجلاء بحيث لا تحتاج إلى أكثر من الاهتمام بها والنظر في مصادره. كما لعله ظهر من حوارنا السابق، ويتضح من حوارنا هذا إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الزمر الآية: 18. -[ 13 ]- لابد من كون الغرض من البحث عن الحقيقة أداء حقه ونحن في الوقت الذي نرحب فيه بالحوار الموضوعي الهادئ، من أجل معرفة الحقيقة، والوصول إليه، نؤكد على أنه لابد من أن يكون الغرض من البحث عن الحقيقة والتعرف عليها هو أداء حقه، بالعمل عليه، والخروج عن عهدته، فإن من عمل بما علم كفي ما لم يعلم (1)، والعلم بلا عمل کالشجر بلا ثمر (2)، كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وآله (عليهم السلام). بل لو خلت المعرفة عن العمل أضرت بصاحبه، لأنها تتم الحجة عليه أو تؤكده، وتزيد في مسؤوليته إزاء الحقيقة التي عرفه، والتي قد فرضها الله تعالى، وكان هو المطالب به، والمحاسب عليه، يوم ((لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْر)) (3). وهو يوم قد يأتي بغتة، من دون سابق إنذار، فلابد من التهيؤ له، والتحفظ من مخاطره، وإحراز العذر مع الله تعالى فيه. ولا نريد بذلك أن ندعو للتسرع في أمر العقائد الدينية، من دون بصيرة وبيّنة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤول)) (4). بل كل ما نريده أن يتحرر الباحث من رواسبه، ويبعد عن اللجاج والتحكم، ويحكّم وجدانه وضميره في أمر الحقيقة التي يبحث عنه، فإذا وصلت واتضحت أدّى حقه، ليخرج عن مسؤوليتها مع الله سبحانه وتعالى. ـــــــــــــــــــــــ (1) التوحيد للشيخ الصدوق: 416. بحار الأنوار 2: 30،281. نور البراهين 2: 447 (2) عيون الحكم والمواعظ: 340. محاسبة النفس: 166. (3) سورة الأنعام الآية: 158. (4) سورة الإسراء الآية: 36. -[ 14 ]- أما متى تتضح وكيف تتضح، فهو أمر موكول للباحث نفسه، وهو الذي يحدده بوجدانه، و ((الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)) (1). والله جل شأنه هو الحاكم العدل بعد ذلك، إما له، وإما عليه. ونسأله سبحانه التوفيق والتسديد لن، ولكم، ولجميع من يهمه معرفة الحق والوصول إليه، والخروج عن تبعته. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة القيامة الآية: 14. -[ 15 ]- (قال السائل) : وفي الختام أود أن أنبه إلى أمر، وهو: أن كلمة سقطت أثناء التبييض لسؤال الغدير وهو كلمة (بيعة). فالسؤال المطروح والذي يدور عليه الإشكال (واقعة بيعة الغدير)، لا واقعة الغدير نفسه، فإنني على إطلاع واسع حوله. وخاصة معرفتها من مصادر أهل السنة، فأرجو إن شاء الله تعالى في مراسلات أخرى التعليق حول هذا الموضوع. والحمد لله تعالى لم يذهب جهدكم في الإجابة عليها سدى، بل فيه فائدة جليلة، بحسن الإجابة، والترتيب فيه، النادر حصوله لمن أجاب على مثل هذا السؤال. وأخيراً أرجو من فضيلتكم الدعاء لي بظهر الغيب. وأرجو من الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، ولما فيه خير المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(أجاب سماحة السيد حفظه الله ) : المراد بالبيعة إن كان هو مسح من شهد خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بأيديهم على يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين (عليه السلام) إقراراً لمضمون الخطبة وإذعاناً به. فهذا ليس من الشهرة بحدّ يدعى معه التواتر، عند الشيعة، فضلاً عن السنة. -[ 16 ]- رواية البيعة بمعنى مسح اليد عن الشيعة والسنة وإنما رواه الشيعة بطرق متعددة، ذكر المجلسي عدداً منها (1). كما أن الطبرسي (قدس سره) ذكر ـ بسنده عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ـ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خطبة طويلة في المناسبة المذكورة، يقول فيها بعد أن نص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية: "معاشر الناس إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عزوجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه، على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه. فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون، مطيعون، راضون، منقادون، لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي، وأمر ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا... معاشر الناس قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول. فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فلن تضروا الله شيئ. اللهم اغفر للمؤمنين، واغضب على الكافرين. والحمد لله رب العالمين". قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) : "فناداه القوم: سمعنا، وأطعنا، على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا وألسنتنا وأيدين. وتداكوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى علي (عليه السلام)، فصافقوا بأيديهم..." (2). وقد حكى المجلسي (قدس سره) هذا الحديث عن الطبرسي، ثم ذكر أن الحديث نفسه قد ذكره في كتاب (كشف اليقين) عن أحمد بن محمد الطبري من علماء المخالفين (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأنوار 37 الباب الثاني والخمسون: 119،133،138. (2) الاحتجاج 1: 82 ـ 84، في احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده.... (3) بحار الأنوار 37: 218 الباب الثاني والخمسون من أبواب النصوص الدالة على الخصوص -[ 17 ]- كما ذكر الشيخ الأميني (قدس سره) عند الكلام في التهنئة عن بعض علماء الجمهور أنه روى ذلك أيضاً (1). إلا أن ذلك كله لا يبلغ حدّ التواتر. ولا نظن أحداً يدعيه. إلا أن يطلع على ما لم نطلع عليه.
البيعة بمعنى الإقرار بالولاية والاستجابة لها حاصلة نعم لا يبعد أن يراد بالبيعة إعلان الاستجابة والإذعان، من قبل من شهد الخطبة، بما تضمنته من فرض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما يشير إليه الحديث السابق. إذ كثيراً ما يراد بالبيعة ذلك. لما هو المعلوم من سيرة المسلمين في جميع العصور من أن بيعة عموم الناس للخليفة الجديد إنما تكون بتسليمهم بخلافته، وانقيادهم له. ولا يمسح على يده إلا القليل من ذوي المكانة، لإعلان إقرارهم. ومن الظاهر حصول هذا الأمر في واقعة الغدير. لأنه الأمر الطبيعي ممن حضر من المسلمين خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وإعلانه ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). ولو ظهر منهم الردّ له والاعتراض عليه لظهر وبان، ونقل تاريخي، كما نقل اعتراض الحارث بن النعمان الفهري الذي ذكرناه في سلسلة أحداث واقعة الغدير وما يتعلق به، في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة. كما أنه المناسب لما تقدم في سلسلة الأحداث من تهنئة الحضور لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية. وقد تقدم أن الشيخ الأميني (قدس سره) أنهى مصادر ذلك من طريق الجمهور إلى ستين. ـــــــــــــــــــــــ على إمامة أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من طرق الخاصة والعامة وبعض الدلائل التي أقيمت عليه. (1) الغدير في الكتاب والسنة والأدب 1: 270 ـ 271. -[ 18 ]- ولا سيما مع ما تضمنته بعض طرقها من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في خيمة، وأمر المسلمين بالدخول عليه وتهنئته (1). إذ من المعلوم رجوع التهنئة بالوجه المذكور للإقرار والتسليم، اللذين تؤديهما البيعة. والحاصل: أن البيعة بمعنى إعلان الاستجابة والإذعان بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ملازمة عادة لخطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في الغدير، وتواتر الخطبة يقضي بتواتر البيعة بالمعنى المذكور.
الاستدلال بحديث الغدير لا يتوقف على البيعة على أن الاستدلال بحديث الغدير لا يتوقف على البيعة، إذ بعد أن فرض الله تعالى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبلَّغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)به، يجب على الناس الإذعان به، والانقياد له، والعمل عليه. وليست البيعة ـ تحققت أو لم تتحقق ـ إلا من توابع ذلك، من دون أن يتوقف عليها وجوب الإذعان والانقياد للولاية، والعمل عليه. ولو فرض عدم تحققه، أو عدم مطالبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)به، فلعله لعدم ظهور الأثر لها إلا بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يحتاج لها قبل ذلك. وإنما يحتاج لها بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنها مظهر للانصياع لما جعله الله تعالى والعمل عليه، من دون أن يتوقف عليها ثبوت ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ووجوب عمل الناس عليها بالانقياد له (عليه السلام) وطاعته، كما ذكرن. وإنما يتجه توقف الولاية والخلافة على البيعة على مذهب الجمهور، الذين يرون عدم ثبوت الخلافة بالنص، وأنها لا تثبت للشخص إلا ببيعة الناس له، حيث يكون دور البيعة مهماً جد، ويحتاج لإثباته. ـــــــــــــــــــــــ (1) الغدير في الكتاب والسنة والأدب 1: 271، وما بعده.
-[ 19 ]- اهتمام الشيعة بالبيعة تأكيد دلالة حديث الغدير على الإمامة والمظنون أن اهتمام بعض الشيعة بالبيعة من أجل تأكيد دلالة الحديث الشريف على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونصبه علماً بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)للمسلمين، ليتولى الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم). ويكون خليفة عليهم وإماماً لهم. هذا الأمر الذي حاول كثير من المخالفين بل عامتهم التشكيك فيه، بعد أن تعذر عليهم - إلا من شذّ - الطعن في سند الحديث، لشهرته واستفاضة طرقه، وزيادتها على حدّ التواتر. فادعوا إجمال لفظ المولى، لتردده بين معاني كثيرة ـ كالمحب، والناصر، وابن العم، وغير ذلك ـ وعدم اختصاصه بمعنى واحد، وهو الأولى بالأمر. ومن أجل ذلك يؤكد بعض الشيعة على البيعة، ليسوقها قرينة على أن المراد بالمولى هو الأولى، لأن ذلك هو المناسب للبيعة، دون بقية المعاني المذكورة. وهو وإن كان أمراً جيد، إلا أن الحديث مع من؟ فإن كان مع المتعصب المعاند الذي يتشبث بالطحالب، فهو غير مجد، إذ ما من حقيقة إلا وقد أثيرت حولها شبهات، يتشبث بها المعاندون. والأولى ترك الحديث معهم، لأنه من المراء، الذي ورد النهي عنه، كما تقدم في مقدمة الأسئلة السابقة، بل يوكل أمرهم إلى الله تعالى، حيث لا ينفعهم العناد معه جل شأنه. وإن كان مع المنصف الذي يريد الوصول للحقيقة ويطلبها كيف كانت، فالأمر أوضح من ذلك. إذ لو تم أن للمولى معاني كثيرة متباينة ـ وأنها لا ترجع جميعها إلى معنى واحد، وهو الأولى ـ فيكفي في حمل المولى على الأولى أمران في متن الحديث نفسه.. -[ 20 ]- بعض القرائن المتممة لدلالة حديث الغدير على الإمامة الأول: أن الحديث كما روي بلفظ: "من كنت مولاه، فعلي مولاه"، روي بلفظ "من كنت وليه فعلي وليه"، أو نحو ذلك. ومن الظاهر أن الخلاف المذكور لا يرجع عرفاً للتكاذب بين الروايتين، ولا للخطأ في إحداهم، بل للنقل بالمعنى من دون تقيد بألفاظ النص. وذلك شاهد بأن المولى بمعنى الولي، وهو المسلط الذي يتولى الأمر. الثاني: أن كثيراً من طرق الحديث ـ تبلغ التواتر، أو تزيد عليه، كما تقدم هناك ـ قد تضمنت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)مقدمة للنص على أمير المؤمنين: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، أو نحو ذلك، ثم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)معقباً من دون فصل: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، حيث تكون المقدمة المذكورة مفسرة لما بعده، وملزمة بحمل المولى على الأولى، دون بقية المعاني المذكورة للمولى، لو أمكن الحمل على بعض تلك المعاني في نفسه. وهناك بعض القرائن الداخلية الأخر، والخارجية الكثيرة، قد أطال الكلام فيها علماؤنا (رضوان الله تعالى عليهم). ولعل من أوسع من كتب في ذلك المرحوم الشيخ الأميني (قدس سره) ـ (1). ونقترح على من يحاول تأويل الحديث على خلاف ذلك أن يحدد المعنى الذي يحاول حمل الحديث عليه، ثم ينظر في متن الحديث من أوله إلى آخره، وفي القرائن المحيطة به، ويحكم وجدانه في قبول ذلك المعنى وعدمه. ثم له بعد ذلك أن يختار ما يراه مناسب. ـــــــــــــــــــــــ (1) الغدير في الكتاب والسنة والأدب 1: 340 ـ 399، مفاد حديث الغدير.
-[ 21 ]- الولاية ترجع للإمامة ووجوب الطاعة أما إذا ثبت أن الحديث قد تضمن الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) على المسلمين، وأنه (عليه السلام) أولى بهم من أنفسهم، فذلك مساوق لإمامته وخلافته ووجوب طاعته عليهم، لعدم صلوح الولاية المذكورة إلا للإمام، وعدم تمامية الإمامة إلا بالولاية ووجوب الطاعة. ولم تثبت إمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)على المسلمين في حياته إلا مما دل ـ من الآيات والأحاديث ـ على وجوب طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وليهم، وأولى بهم من أنفسهم، كما لعله ظاهر. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم. وهو حسبنا ونعم الوكيل. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 1:57 am | |
| -[ 22 ]- س1: ما هو موقف الشيعة من هذه القضية القرآنية وهي: أن القرآن الكريم عند تعرضه لحال الأمة المحمدية ودرجتها ومنزلتها عند الله قد قسمها إلى قسمين: قسم محدود بزمن. وهؤلاء أطلق الله عليهم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وعامة ما يرد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من ذكر للصحابة ـ بلفظ الصحابة أو أمثالها ـ يُعنى به السابقون الأول. وهذا القسم قد رضي ربنا عزوجل عنهم، دون أن يشترط فيهم الاتباع بإحسان، بخلاف القسم الثاني، وهو: القسم الثاني الذي اشترط فيهم الاتباع بإحسان. مع العلم بأن كثيراً ممن يطلق عليه لفظ الصحابة مذكور في الشطر الثاني من الآية، حيث قال عز من قائل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَ -[ 23 ]- أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] التوبة/100. فإن نقل عن أحد من السابقين الأول ـ مهاجراً كان أم أنصارياً ـ قضية فيها إثم أو معصية، أو خلاف أو شقاق، أيصح لنا نحن المتأخرين أن نطلق ألسنتنا في هذا الصحابي؟! مع أن السنة النبوية اقتضت أن لا نفعل ذلك، وأن لا نقتدي بهذا العمل الظاهر فساده، وأن نَكِل حال هذا الصحابي ومنزلته عند الله تعالى إلى الله عزوجل، لأنه وحده المختص بهم. كما هو الحاصل في قضية حاطب ابن أبي بلتعة، حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج على من أنكر على حاطب بقوله: "لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم، فإنني قد غفرت لكم". ج: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور.. الأمر الأول: أنه لم يتعرض القرآن الكريم للسابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان إلا في قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ -[ 24 ]- جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (1). ولا يخفى أن الآية الشريفة قد تضمنت أمرين: أولهما: الإخبار عن رضا الله تعالى عن السابقين الأولين. ثانيهما: وعد الله لهم بالجنة، والحكم لهم بالفوز العظيم.
الإخبار بالرضا لا يدل على استمراره إلى حين موته
أما الإخبار بالرضا فهو لا يدل إلا على أنه تعالى راضٍ عنهم حينما أخبر بذلك، وهو وقت نزول الآية الشريفة، ولا يكشف عن استمرار رضا الله تعالى عنهم إلى حين موتهم، بحيث يلقاهم راضياً عنهم- لوضوح أن رضا المولى عن عبده تابع لطاعة العبد له، ولو بتوبته من ذنبه، وهو يختلف باختلاف حالات العبد، واختلاف أعماله- فالله سبحانه وتعالى قد يرضى عن عبده في يوم، لطاعته له، ثم يغضب عليه بعد ذلك، لمعصيته له، ثم يعود فيرضى عنه إذا تاب وأطاعه، ثم يغضب عليه إذا عصاه... وهكذ- وليس من شأن الرضا البقاء، بحيث لا يزول- ومن ثم لا مجال للاستدلال بالرضا عنهم على نجاتهم.
الاستدلال على نجاة السابقين الأولين بالوعد لهم بالجنة
وأما الوعد لهم بالجنة، والحكم لهم بالفوز العظيم، فقد يستدل به في المقام على المدعى- وهو ما سوف نتحدث عنه- إذا عرفت هذا فلابد.. أولاً: من تحديد المدعى، ثم النظر في أن الآية الشريفة هل تدل عليه أو لا؟. ويمكن توجيه المدعى بوجهين: ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 100.
-[ 25 ]- الكلام في أن السابقين الأولين مقطوع لهم بالسلامة والفوز بالجنة
الوجه الأول: أن السابقين الأولين مقطوع لهم بالسلامة والنجاة في الآخرة، والفوز بالجنة، إما لكونهم معصومين من الذنوب، أو لأنه يختم لهم بالتوبة المقبولة، أو لأن الله تعالى يتفضل عليهم بالعفو والمغفرة، وإن ماتوا على الذنوب والمعاصي. وقد يستدل على ذلك بالآية الكريمة، لأنها قد تضمنت تعقيب الرضا عنهم بإعداد الجنات لهم، وبفوزهم، المناسب للقطع بسلامتهم. لكنه يندفع بأن ذلك لا يختص بالسابقين الأولين، بل كما ورد ذلك فيهم، ورد نظيره في غيرهم.
الوعد بالجنة والفوز لكل مهاجر وأنصاري
قال تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) (1). وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)) (2). ونحوهما غيرهما مما تضمن الوعد لكل مهاجر ولو من غير السابقين. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 195. (2) سورة الحج الآية: 58 ـ 59. -[ 26 ]- بل يظهر منها العموم لكل مهاجر من بلاد الكفر لبلاد الإسلام، ولو بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقال عزوجل: ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) (1) ومقتضاه عموم السلامة والفوز لجميع المهاجرين والأنصار.
الوعد بالفوز لكل مؤمن عمل صالح
كما أنه قد استفاضت الآيات الكريمة في الوعد بالفوز لعامة المؤمنين الذين يعملون الصالحات، كقوله عز من قائل: ((وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) (2). وقوله عزوجل: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (3). وقوله جل شأنه: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ* ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) (4). ونحوها كثير جدًّا.
الوعد بالفوز والجنة لكل مؤمن
بل أطلق في بعضها الوعد بذلك للمؤمنين، من دون تقييد بالعمل الصالـح، كقوله عز اسمه: ((وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 74. (2) سورة البقرة الآية: 25. (3) سورة العنكبوت الآية: 58. (4) سورة الشورى الآية: 22 ـ 23. -[ 27 ]- تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ)) (1).
إطلاق الوعيد بالخسران والعذاب لكل عاصٍ وزائغ
كما أنه ورد مستفيضاً في الكتاب المجيد والسنة الشريفة إطلاق الوعيد بالعذاب والخسران بسبب الزيغ والمعاصي، مثل قوله تعالى: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)) (2). وقوله سبحانه: ((وَمَنْ يُشَاقَّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (3). وقوله عزوجل: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِير)) (4). وقال جل شأنه: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيم)) (5)... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. وكذا الحال في السنة الشريفة.
الجمع بين أدلة الوعد والوعيد باشتراط حسن الخاتمة في الوعد
ومن هنا لابد من الجمع بين الطائفتين: طائفة الوعد، وطائفة الوعيد، وذلك بحمل أدلة الوعد المطلقة على اشتراط حسن الخاتمة، إما بالاستقامة على الحق حتى النهاية، وإما بالتوبة والرجوع للحق بعد الزيغ والخروج عنه. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 72. (2) سورة الأنفال الآية: 13. (3) سورة الحشر الآية: 4. (4) سورة النساء الآية: 114. (5) سورة النساء الآية: 93. -[ 28 ]- وهو المستفاد من الآيات والأحاديث الكثيرة أيضًا، قال تعالى: ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) (1). وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ المَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) (2). وقال عزوجل: ((أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (3)... إلى غير ذلك. وذلك جارٍ في الآية الأولى الواردة في السابقين الأولين، والتي تقدم منك الاستدلال بها حيث يتعين حملها على خصوص من استقام منهم وحفظ العهد ولم يزغ عن أمر الله تعالى.
تحذير الصحابة من الفتنة والانقلاب
ولاسيما مع ما ورد من تحذير الصحابة أنفسهم من الفتنة والانقلاب والوعيد للمنقلبين بالعذاب والخسران،قال عز من قائل: ((مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)) (4). ومن الظاهر أن المراد بذلك غير من عرف بالنفاق قبل نزول الآية ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الشعراء الآية: 88 ـ 89. (2) سورة فصلت الآية: 30. (3) سورة آل عمران الآية:87 ـ 89. (4) سورة آل عمران الآية: 179. -[ 29 ]- الشريفة، كما تقدم التنبيه لذلك في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. وقال جل شأنه، مخاطباً المسلمين في أوائل الهجرة، بمناسبة واقعة بدر، حيث كان أكثرهم أو كلهم من السابقين - بالمعنى الذي تريده -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (1). وقد ورد عن عون بن قتادة قال: "حدثني الزبير بن العوام، قال: لقد حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنة لم نر أنا نخلق له. ثم قرأ: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) فقرأناها زمان، فإذا نحن المعنيون به. قال: فحيث كان هذا فلِمَ خرجتم؟ قال: ويحك، نحن نعلم، ولكن لا نصبر" (2). وقال عز اسمه مخاطباً المسلمين ومعاتباً لهم على فرارهم يوم أحد، وكلهم أو كثير منهم من السابقين الأولين: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)) (3). وقال سبحانه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 24 ـ 25. (2) السنن الواردة في الفتن 1: 204 باب: قول الله عزوجل ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً]، واللفظ له. تفسير ابن كثير 2: 300 في تفسير الآية. (3) سورة آل عمران الآية: 144. -[ 30 ]- تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (1). وقال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)) (2). ومثل ذلك نصوص الحوض الكثيرة، وغير ذلك مما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، ومما لم نذكره. فإنه يتعين لأجل ذلك حمل الآية المتقدمة على التقييد بحسن الخاتمة. كما يجري ذلك في جميع ما قد يساق دليلاً على سلامتهم بوجه قاطع، مما يأتي في كلامك، ومما لم تذكره، ولا يسعنا استقصاؤه، ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.
توجيه إطلاق الوعد بالفوز
وربما كان وجه الإطلاق في الآية المذكورة وغيرها هو أن اشتراط الاستقامة، أو حسن الخاتمة، من الوضوح بحدّ لا يحتاج إلى البيان، بحيث يفهم من الإطلاق من دون حاجة إلى أن ينص عليه، لما هو المعلوم من الشرع والعقل من أن سبب الفوز إذا كان هو الإيمان والعمل الصالـح أو السبق لهم، فلا معنى لثبوت الفوز بعد فقدهم، والخروج عما فرضه الله تعالى، والزيغ عن صراطه المستقيم. الكلام في التابعين
ولولا ذلك لتعين البناء على الإطلاق حتى في التابعين- لظهور أن إحسان السابقين الأولين إنما يكون بالإيمان والعمل الصالـح- فإن أريد ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 105 ـ 107. (2) سورة محمد الآية: 33. -[ 31 ]- بإحسان السابقين الأولين تحقق ذلك منهم ولو في فترة قصيرة كفى في تبعية التابعين لهم في الإحسان حصول ذلك منهم في فترة قصيرة أيضاً حتى لو انقلبوا بعد ذلك. وإن أريد بإحسانهم تحقق ذلك منهم بنحو الاستمرار، وبشرط الاستقامة، وحسن الخاتمة، بحيث يمضون إلى الله تعالى على الحق، لم تتحقق التبعية في التابعين إلا بذلك أيض. ولا وجه لجعل الاستقامة والاستمرار على الطاعة شرطاً في التابعين، دون السابقين الأولين. نعم قد يتجه ذلك لو كان التعبير هكذا: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان واستقاموا على ذلك ومضوا عليه رضي الله عنهم... . أما عبارة الآية الشريفة فلا تنهض إلا بما ذكرنا كما لعله يتضح بقليل من التأمل. ويؤكد ذلك أمور..
في السابقين الأولين من ارتد عن الإسلام
الأول: أن في السابقين الأولين من ارتد عن الإسلام، وهو عبيد الله ابن جحش، فإنه هاجر إلى الحبشة، وتنصَّر هناك ومات (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 4: 21 كتاب معرفة الصحابة: ذكر أم حبيبة بنت أبي سفيان (رضي الله عنه). حاشية ابن القيم 6: 75. عون المعبود 6: 74. تهذيب التهذيب 12: 437 في ترجمة حبيبة بنت عبيد الله بن جحش. تهذيب الكمال 35: 175 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح 3: 1283 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الاستيعاب 3: 877 في ترجمة عبد الله بن جحش، 4: 1809 في ترجمة حبيبة ابنة أبي سفيان، 4: 1844 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الإصابة 7: 651 في ترجمة رملة بنت أبي سفيان. الإكمال لابن ماكولا 7: 125 باب كبير وكثير وكثير وكنيز وكنيز. السيرة النبوية 2: 51 ذكر ورقة ابن نوفل بن أسد. تاريخ دمشق 3: 173 في ترجمة النبي محمد بن عبدالله بن عبد المطلب: باب ذكر بنيه وبناته عليه الصلاة والسلام وأزواجه،: 415 باب إخبار الأحبار بنبوته والرهبان وما يذكر من أمره عن العلماء والكهان. -[ 32 ]- ولا ريب في هلاكه، وقصور إطلاق الآية عنه، ولا منشأ لقصوره إلا التقييد بالاستقامة، كما سبق. وكذا النضير بن الحارث العبدري، أخو النضر الذي قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) صبراً بعد واقعة بدر بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد رووا أن النضير هذا كان من السابقين الأولين وقد هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مرتداً إلى مكة، ثم أسلم يوم الفتح (1)، وكان من المؤلفة قلوبهم وقد دفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يوم حنين مائة ناقة، يتألفه به، وقتل يوم اليرموك (2).
واقع السابقين الأولين لا يناسب القطع لهم جميعاً بالفوز
الثاني: أن ملاحظة واقع السابقين الأولين وما شجر بينهم، ونظرتهم لأنفسهم، ونظرة بقية الصحابة ومن بعدهم لهم، لا تناسب القطع لهم بالسلامة والفوز- وقد تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة ما ينفع في المقام- فإنه وإن كان وارداً في عموم الصحابة، إلا أن كثيراً من الوقائع المتقدمة هناك تخص السابقين الأولين، كما يتضح بالرجوع للجواب المذكور، بنحو يغنينا عن الإعادة والنص على خصوصيات الوقائع. وقد قال أبو عبيدة للأنصار يوم السقيفة حينما حاولوا مبايعة سعد ابن عبادة: "يا معشر الأنصار، إنكم كنتم أول من نصر، فلا تكونوا أول ـــــــــــــــــــــــ (1) الإصابة 6: 430 في ترجمة النضر بن الحارث. أنساب الأشراف 1: 232 في أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين هرباً بأديانهم من مشركي قريش بإذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). تاريخ دمشق 62: 105 في ترجمة نضير بن الحارث. (2) الإصابة 6: 436 في ترجمة النضير بن الحارث. الاستيعاب 4: 1525 في ترجمة النضير بن الحارث. تاريخ دمشق 62: 101 في ترجمة نضير بن الحارث. -[ 33 ]- من غير وبدل" (1). فتراه حذرهم من التغيير، مشيراً إلى أن السبق إلى النصرة لا ينفع مع التغيير، بل لابد من الاستقامة. وذلك كله شاهد بأن الصحابة أنفسهم لم يفهموا من الآية الشريفة المتقدمة القطع للسابقين الأولين بالسلامة والفوز، وهم قد عاشوا ظرف نزوله، واستوعبوا القرائن المحيطة به.
القطع للسابقين الأولين بالسلامة إغراء لهم بالقبيح
الثالث: أن من الظاهر أن الآية الكريمة المتقدمة قد نزلت في حياة أكثر السابقين الأولين، ومن البعيد جداً أن يعلمهم الله تعالى بسلامتهم وفوزهم بوجه قاطع، من دون أن يشترط عليهم الاستقامة، ويستثني حالة النكوص والانقلاب، لأن ذلك قد يغريهم بالقبيح، فإن من أعظم الروادع العقلية عن الانحراف والزيغ - في العقيدة والعمل - التي تقوم بها الحجة من الله تعالى على الناس، هو خوف الهلاك والعقاب في الآخرة، وإذا أمنوا ذلك خفّ الداعي الرادع لهم عن ذلك- وهو لا يناسب حكمة الله تعالى في إقامة الحجة على الناس، واستصلاحهم به-ولا سيما إذا لم يكن الوعد القاطع بسلامتهم تفضلاً ابتدائياً من الله تعالى، ليكون محفزاً على شكره تعالى بطاعته، بل كان نتيجة لعمل يقوم به الشخص الموعود، فإن العمل الحسن، والمراتب الموهومة، سبب للعجب والتفاخر والتبجح، في عامة الناس، إلا من عصم الله تعالى. وما أكثر ما تناحر السابقون الأولون بينهم، لأن كلاً منهم يدعي ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 123 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر، واللفظ له. تاريخ الطبري 2: 243 ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة. الإمامة والسياسة 1: 12 ذكر السقيفة وماجرى فيها من القول. -[ 34 ]- الأولوية لنفسه، بسبب مواقفه السابقة، ومراتبه الموهومة، تناحراً أضرّ بالدعوة وبأتباعه، وإن تاريخ السابقين الأولين والصحابة عموماً مليء بالتفاخر والتبجح والتناحر، نتيجة ذلك، والحال أنه لم يظهر منهم القطع لأنفسهم بالسلامة والفوز في الآخرة، بل صدر عن كثير منهم ما يدل على الجهل بالمصير والخوف منه، كما يظهر بمراجعة ما سبق في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة وغيره، فكيف يا ترى يكون الحال لو علموا سلامة المصير، وتجلى لهم حسن العاقبة بوعد قاطع من الله تعالى؟!. ولذا فمن البعيد جداً أن يقطع الله تعالى لآحاد البشر المتعارف في حياته بالسلامة، فضلاً عن جماعة كبيرة يتوقع منهم التفاخر والتناحر والتسابق على قيادة أمة ناشئة، كما حدث فعلاً كيف؟! ولم يغفل الله سبحانه تذكير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على رفعة مقامه، وبعده عن دواعي الهوى - بوخيم عاقبة الزيغ والانحراف العقيدي والعملي، تأكيداً لداعي الردع في نفسه الشريفة، وتنبيهاً لغيره- فقال عزوجل: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) (1). وقال جل شأنه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِير)) (2). وقال عز من قائل: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ* لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عنْهُ حَاجِزِينَ)) (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الزمر الآية: 65. (2) سورة الإسراء الآية: 74 ـ 75. (3) سورة الحاقة الآية: 44 ـ 47. -[ 35 ]- وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه: "إنه لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت" (1)... إلى غير ذلك.
فضيلة السبق للإيمان وعظم المسؤولية بسببه
نعم لا إشكال في ظهور الآية الشريفة في فضيلة السبق للإيمان والعمل الصالـح إلا أن المؤمن كلما ارتفع شأنه، وعظمت نعم الله تعالى عليه، وتكاثرت الحجج في حقه، كانت مسؤوليته أعظم، ومخاطره أشد وأدهى فإن قام بمقتضى مسؤوليته، واستقام في سيرته وسريرته، ارتفع شأنه، وكان أجره أعظم وإن زاغ وانقلب، هوى إلى الحضيض، وكان عقابه أشد وأنكى، لأن الحجة عليه آكد. ولاسيما وأن السابقين إذا زاغوا وخرجوا عن الطريق قد يكونون أسوة لمن بعدهم، وسبباً في ضلالهم وانحرافهم، فتتضاعف مسؤوليتهم بسبب ذلك، كما تقدم في آخر جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة.
هل يجوز الدخول في أمر السابقين الأولين؟
الوجه الثاني لتوجيه المدعى في السؤال: أن السابقين الأولين وإن لم يقطع لهم بالسلامة، والفوز في الآخرة، إلا أنه مهما صدر منهم من المعاصي والانحراف والشقاق، فلا ينبغي للمتأخرين النيل منهم، وجرحهم والطعن عليهم، لأن حرمة السبق تمنع من ذلك بل يوكل أمرهم لله تعالى، ويكون حسابهم عليه، فإن شاء عذبهم بذنوبهم بعدله، وإن شاء عفا عنهم برحمته وفضله. وبعبارة أخرى: نحن وإن لم نقطع على السابقين الأولين بالنجاة والفوز، لأن الله سبحانه قد يعذبهم بذنوبهم ويؤاخذهم بما كسبو، إلا أنه ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 10: 184. الإرشاد للشيخ المفيد 1: 182. -[ 36 ]- ليس من حقنا - نحن المتأخرين - الدخول في أمرهم، والطعن عليهم، لأن حرمة السبق ترفعهم عنا، ونحن دون مستوى نقدهم والله تعالى وحده يختص بذلك. وهذا ما قد يوحي به ذيل السؤال. لكنه يندفع بأن ذلك يحتاج إلى إثبات، والآية الشريفة لا تدل عليه، إذ لا نظر فيها لموقف الناس من السابقين الأولين، بل قد تضمنت موقف الله سبحانه منهم وهي وإن تضمنت وعده لهم بالفوز، إلا أنه حيث سبق تقييدها بصورة الاستقامة، وحسن الخاتمة، فهي تقصر حقيقة عمن لم يستقم منهم، وزاغ في عقيدته أو سلوكه. ويتعين الرجوع فيه للأدلة العامة، وهي تقتضي حرمة الموالاة، وجواز اللعن والطعن والتجريح، كما يناسبه قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)) (1). وقوله عزوجل: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)) (2). وقوله عز اسمه: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) (3). وقوله جل شأنه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاعِنُونَ)) (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 13. (2) سورة هود الآية: 113. (3) سورة محمد الآية: 22 ـ 23. (4) سورة البقرة الآية: 159. -[ 37 ]- وقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)) (2)... إلى غير ذلك. وذلك هو المناسب لموقف الصحابة والتابعين ومن بعدهم، من السابقين الأولين ومن غيرهم من الصحابة، كما أشرنا إليه قريبًا وأحكامهم تجري علينا مادمنا نشترك معهم في شريعة واحدة ودين واحد، كما هو ظاهر.
عدم تحديد السابقين الأولين بوجه دقيق
بقي شيء، وهو أن عنوان السابقين الأولين غير محدد بصورة دقيقة واضحة، فإن الكثرة الكاثرة من المهاجرين والأنصار متأخرون عمن قبلهم، سابقون لمن بعدهم، ولابد في تحديد منتهى السبق من دليل أخر. بل الجمود على عنوان السابقين الأولين قد يقتضي الاقتصار على أول من دخل في الإسلام واستجاب لدعوته من المهاجرين، وأول من دخله من الأنصار وهم أنفار معدودون، لا يتجاوزون عدد الأصابع وربما يقطع بالسلامة لهم لكن لا من جهة الآية الشريفة، لما سبق، بل بعد النظر لواقع حالهم، إن تيسر ذلك. وحمل السابقين الأولين على ما هو الأعم من ذلك - المناسب لما يريده عامة الناس من هذا العنوان - يحتاج إلى دليل. وإن تم فهو غير محدد بصورة دقيقة، كما سبق. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الرعد الآية: 25. -[ 38 ]- لا ميزة للسابقين الأولين في النقد والتجريح بإجماع المسلمين
على أنا لا نعهد في المسلمين القول بتميز السابقين الأولين - بالمعنى العام - بالقطع لهم بالنجاة والفوز، ولا بأنهم فوق مستوى نقدنا أما الشيعة فظاهرٌ، وأما الجمهور فهم بين مَن ميّز الصحابة - بمعنى من رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وسمع حديثه - عمومًا وبين مَن أخضعهم جميعاً للنقد والتمحيص، كما يظهر مما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة.
الكلام في حَمْل الصحابة على خصوص السابقين الأولين
الأمر الثاني: تقول في سؤالك: "وعامة ما يرد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، من ذكر للصحابة بلفظ الصحابة أو أمثاله، يُعنى به السابقون الأول". ونقول: لم يرد في القرآن المجيد ذكر لصحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بعنوان الصحبة إلا في قوله تعالى: ((إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَ)) (1)، ومن الظاهر أن المراد به مجرد صحبة المكان، أما في بقية ذلك فالخطاب إنما هو للمؤمنين عموم. نعم، قال عز من قائل: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ...)) (2) ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 40. (2) سورة الفتح الآية: 29. -[ 39 ]- وصدر الآية الشريفة يقضي بالعموم لكل من كان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يناسب معنى الصحبة على عمومه كما أنه يعمّ غير السابقين الأولين - بالمعنى الذي يريده عامة الناس منهم - قطعًا فإنّ سورة الفتح نزلت حين كثر المسلمون، لأنها نزلت بعد صلـح الحديبية، الصلـح الذي كاد المسلمون يهلكون بعدم استجابتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيه، كما ورد في أحاديث تقدم بعضها في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة بل ربما كان نزول الآية الشريفة في عمرة القضاء، التي هي بعد عام من الصلـح المذكور، وهو العام الذي دخل الإسلام فيه كثير من ضعاف الإيمان. نعم، الصفات التي تضمنتها الآية الشريفة ملزمة بحملها على خصوص من كان واجداً لتلك الصفات، ولا ريب في أنهم قسم خاص من الصحابة متميز بقوة الدين وبتفاعله به، وبتأثره بسلوك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وسيرته، المعبر عنه في عرف الناس بالخاصة، وربما يحمل عنوان الصحابة الوارد في مقام المدح عليهم- إذ كثيراً ما يطلق العرف صحابة الرئيس على خاصته الذين يعاشرونه، ويتفاعلون معه، ويسيرون على نهجه- ومن الظاهر أنه لا ملزم بالتطابق بينهم وبين السابقين الأولين، بل يمكن أن يكون في السابقين الأولين من هو فاقد لتلك الصفات أو لبعضه، كما يمكن أن يكون في غيرهم من هو واجد له، ولابد في تشخيصهم وتعيينهم من التعرف على واقعهم وسلوكهم، ودراسة سيرتهم الذاتية. هذ، ولكن مع كل تلك الصفات العالية التي تضمنتها الآية الشريفة، لم يقطع الله سبحانه وتعالى لهم بالسلامة، ولم يعدهم بالفوز، إلا بشرط الاستقامة، والثبات على الإيمان والعمل الصالـح -[ 40 ]- قال عز من قائل: ((وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم)) (1) وإذا كان الله جل شأنه قد شرط الاستقامة فيهم، فكيف لا يشترطها في غيرهم؟! أما السنة الشريفة فقد تعرضت لعنوان الصحابة في أحاديث كثيرة، ولا ندري ما هي القرينة على حمل الأحاديث المادحة على السابقين الأولين، والأحاديث الذامة - كأحاديث الحوض المتقدم بعضها في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة - على غيرهم؟ وما هو إلا تخرُّص وتحكُّم مِن دون دليل. ولا سيما وأن بعض المضامين والقرائن تناسب العموم، فقد سبق في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قد خاطبهم بقوله: "لتتبعن سنن من كان من قبلكم، شبر بشبر، وذراع بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم...". ولم ينقل عن أحد دعوى اختصاص الانحراف في الأمم السابقة بمن تأخرت استجابته للدعوة بل ولا بذوي المقام العادي منهم فقد انحرف قارون الذي هو ابن خالة موسى (عليه السلام) - كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) (2) وابن عباس (3) - أو ابن عمه - كما عن محمد ابن إسحاق (4) - والسامري الذي بلغ من شأنه أن ((قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)) (5). ومن البعيد جداً تأخرهما عن الاستجابة لموسى (عليه السلام) والتصديق له، لابتناء دعوة موسى (عليه السلام) على إنقاذ بني إسرائيل. حيث يناسب ذلك ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الفتح الآية: 29. (2)، (3) مجمع البيان 7: 459. (4) تفسير القرطبي 13: 310. تفسير الطبري 20: 105. تفسير ابن كثير 3: 400. (5) سورة طه الآية: 96. -[ 41 ]- مسارعتهما لاعتناقها والاستجابة له. وسبق هناك أيضاً عن موطأ مالك: "وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله: أنه بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي...". وسبق عن نافع عن عبد الله أنه قال: "قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيب، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: ههنا الفتنة ثلاث، من حيث يطلع قرن الشيطان"، وقريب منه أحاديث أخر. كما سبق أمره (صلى الله عليه وآله وسلم)بقتال الناكثين، وفيهم طلحة والزبير وعائشة. وقد أمرت أم سلمة عبد الرحمن بن عوف بالإنفاق في سبيل الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من أصحابي من لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً". لظهور أنها إنما أمرته بالإنفاق حذراً من أن يكون من هؤلاء، مع أنه من السابقين الأولين بالمعنى الذي يريده عامة الناس من هذا العنوان، حيث يشهد ذلك بأن الحديث المذكور يشمل السابقين الأولين... إلى غير ذلك مما تقدم بعضه. ونعود فنؤكد ذلك بمواقف الصحابة من أنفسهم، ومواقف بعضهم من بعض، فإنها لا تناسب التخصيص المذكور، كما يظهر بالرجوع لما سبق هناك.
الكلام في الاستدلال بقصة حاطب
الأمر الثالث: تقول في سؤالك: "مع أن السنة النبوية اقتضت أن لا نفعل ذلك... وأن نَكِل حال هذا الصحابي ومنزلته عند الله تعالى إلى الله عزوجل، لأنه وحده المختص بهم، كما هو الحاصل في قصة حاطب بن أبي -[ 42 ]- بلتعة، حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احتج على من أنكر على حاطب بقوله: لعلّ الله اطلع على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فإنني قد غفرت لكم".
التحفظ على قصة حاطب بن أبي بلتعة ونقول: هذا الحديث وإن رواه الجمهور بطرق متعددة - يأتي بعضها - حتى صار كأنه من المسلمات عندهم ونحن فعلاً لا نريد إنكاره، إلا أننا مع ذلك نتحفظ في أمره، ولا يسعنا الجزم بصدقه، ولا بالمعنى الذي يحاول الجمهور حمله عليه، وهو القطع بالسلامة لأهل بدر.
محاولة إضفاء طابع القدسية على الصحابة في قبال أهل البيت (عليهم السلام)
ومقدمة للحديث في ذلك يحسن منا التنبيه على أمر مهم جداً ينفع في المقام وغيره وهو أن المعلوم للباحث المنصف أن جمهور السنة - برواتهم وعلمائهم في الحديث والفقه، وبسلطانهم المناوئ لأهل البيت (صلوات الله عليهم) من الصدر الأول - يحاول إضفاء طابع القدسية على الصحابة، في قبال قدسية أهل البيت (عليهم السلام) التي فرضها الكتاب المجيد، الذي ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (1)، وأكدتها السنة الشريفة المستفيضة،والتي رواها حتى من لا يلتزم خط أهل البيت (صلوات الله عليهم). وإنما فعلوا ذلك ليجعلوهم في قبال أهل البيت (عليهم السلام)، ويكونوا هم الوجهة التي يتوجه لها المسلمون، لينشغلوا بهم، ويغفلوا عن مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) وكلما تعاقبت العصور، وظهرت دعوة ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة فصلت الآية: 42. -[ 43 ]- الشيعة، وأخذوا يشيدون بمقام أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤكدون عليه قولاً وعمل، زاد تشبث الجمهور بالصحابة وبإضفاء طابع القدسية عليهم، حتى صار ديناً يتدينون به. كل ذلك من أجل أن يتكئوا على الصحابة، وينتسبوا لهم، كما انتسب الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) ويبرروا بذلك إعراضهم عن أهل البيت (عليهم السلام) ولا أقلّ مِن عدم تمييزهم لأهل البيت (عليهم السلام) في التعظيم والتقديس.
موقف الجمهور من إلحاق أهل البيت في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويكفي من الشواهد العملية لذلك أن الجمهور رووا في كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلحاق أهل بيته به (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي حديث كعب بن عجرة: "قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (1)،ونحوه غيره. بل ورد النهي عن الصلاة البتراء (2)، وهي الصلاة على ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 4: 1802 كتاب التفسير: باب إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو...، واللفظ له، 3: 1233 كتاب الأنبياء: باب يزفون النسلان في المشي، 5: 2338 كتاب الدعوات: باب الصلاةعلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). صحيح مسلم 1: 305 كتاب الصلاة: باب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التشهد. السنن الكبرى للنسائي 1: 381،382 كتاب صفة الصلاة: الأمر بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، 6: 17 كتاب عمل اليوم والليلة، كيف المسألة وثواب من سأل له ذلك، ص: 97 كيف الرد. صحيح ابن حبان 3: 193 باب الأدعية: ذكر الأخبار المفسرة لقوله جل وعلا: ((ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما]، 5: 286، باب صفة الصلاة، ذكر وصف الصلاة على المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يتعقب السلام الذي وصفن، ص: 289 ذكر البيان بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما سئل عن الصلاة عليه في الصلاة عند ذكرهم إياه في التشهد، ص: 295 ذكر الأمر بالصلاة على المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر كيفيته. وغيرها من المصادر الكثيرة. (2) جواهر العقدين القسم الثاني 1: 49 في الثاني ذكر أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة عليهم في امتثال م شرعه الله من الصلاة عليهم ووجه الدلالة على إيجاب ذلك في الصلاة. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. الصواعق المحرقة 2: 430 الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي: الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم. ينابيع المودة 1: 37، 2: 434. -[ 44 ]- النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون إلحاق آله به. ومع ذلك نرى جمهور السنة إما أن يفردوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة أو يلحقوا به آله وأصحابه معًا وما ذلك إلا لضيقهم من تمييز آل البيت (صلوات الله عليهم) بالتكريم والتقديس.
حديث الطحطاوي في توجيه موقف الجمهور
ومن الطريف ما ذكره الطحطاوي في توجيه ما عليه الجمهور، حيث قال: "والظاهر أن ذكر الآل والأصحاب مندوب، أما الأصحاب فظاهر، لأنهم سلفنا وقد أمرنا بالترضي عنهم، ونهينا عن لعنهم، وأما الآل فلقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء. قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد، وتمسكون. بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. ذكره الفاسي وغيره" (1). فانظر إليه كيف استدل على استحباب إلحاق الصحابة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر الصلاة، ومشاركتهم للآل في هذه الكرامة، بأنهم سلفنا وقد أمرنا بالترضي عنهم، ونهينا عن لعنهم، مع أن ما ذكره من الوجه - لو تم - إنما يصلح دليلاً على استحباب الترضي عن الصحابة، وحرمة لعنهم، كما هو الحال في كل مؤمن، ولا ينهض دليلاً على المدعى، وهو استحباب إلحاقهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة عليه، كالآل. ولا سيما مع اقتصار الأحاديث الشارحة للصلاة ـــــــــــــــــــــــ (1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. -[ 45 ]- عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) والناهية عن الصلاة البتراء على آله (عليهم السلام)، من دون ذكر للصحابة فيه.
تفسير الطحطاوي للآل في حديث الصلاة البتراء
وأطرف من ذلك أن الطحطاوي ضاق ذرعاً بحديث الصلاة البتراء الذي ذكره، لما فيه من تمييز أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكرامة لا يشركهم فيها غيرهم، فصرف الحديث عنهم (عليهم السلام) إلى الأمة أجمع حتى الفساق منهم. قال بعد الكلام السابق بلا فصل: "والمراد بالآل هنا سائر أمة الإجابة مطلقًا وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : آل محمد كل تقي. حمل على التقوى من الشرك. لأن المقام للدعاء" (1). ولنا أن نسأل الطحطاوي عن أنه إذا كان المراد بالآل ذلك، فلماذا إذاً إلحاق الصحابة بهم؟ ولماذا احتاج للاستدلال على إلحاقهم بما سبق؟ أو ليسوا هم من أمة الإجابة؟ ثم لماذا يصرُّ بعد ذلك هو والجمهور على الصلاة البتراء، ولا يلحقون الآل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة مقتصرين عليهم، كما تضمنه الحديث الذي ذكره؟! أليس ذلك من أجل أن يتجنبوا تمييز أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكرامة تثقل عليهم؟ كل ذلك لأنهم فهموا من الآل خصوص أهل البيت (صلوات الله عليهم)، لا سائر أمة الإجابة، حتى الفساق منهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1: 8. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 2:01 am | |
| -[46]- ونعود فنقول: الحديث عن أسباب تشبث الجمهور بالصحابة وإضفاء طابع القدسية عليهم والدواعي التي أدت إلى ذلك طويل متشعب. لا يسعنا استيعابه في هذه العجالة. وقد أفاض فيه علماء الشيعة وكتابهم، فليرجع إليه من يهمه الوصول للحقيقة.
كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) حول اختلاف الناس في الحديث النبوي
إلا أنه يحسن ذكر شيء من ذلك. فقد سأل سائل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر. فقال (عليه السلام) : "إن في أيدي الناس حقاً وباطلا وصدقاً وكذباوناسخاً ومنسوخا وعاماً وخاصا ومحكماً ومتشابها وحفظاً ووهمًا ولقد كُذِّبَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده، حتى قام خطيبًا فقال: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال، ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله. ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، رأى، وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله. وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك. ثم بقوا بعده (عليه وآله السلام)، فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله..." (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 188 ـ 189، واللفظ له. وقد ذكر المهم من هذا الكلام مع اختلاف يسير سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص من طريق الشعبي ومن طريق كميل بن زياد: 142-143. ينابيع المودة 3: 409 ـ 410. -[ 47 ]- حديث ابن أبي الحديد حول المنافقين ونشاطهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال ابن أبي الحديد تعقيباً على الكلام المذكور: "واعلم أن هذا التقسيم صحيح وقد كان في أيام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منافقون، وبقوا بعده. وليس يمكن أن يقال: إن النفاق مات بموته. والسبب في استتار حالهم بعده أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يزال يذكرهم بما ينزل عليه من القرآن، فإنه مشحون بذكرهم... فلما انقطع الوحي بموته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يبق من ينعى عليهم سقطاتهم، ويوبخهم على أعمالهم، ويأمر بالحذر منهم، ويجاهرهم تارة، ويجاملهم تارة. وصار المتولي للأمر بعده يحمل الناس كلهم على كاهل المجاملة، ويعاملهم بالظاهر. وهو الواجب في حكم الشرع والسياسة الدنيوية... ولسكوت الخلفاء عنهم بعده خمل ذكرهم. فكان قصارى أمر المنافق أن يسر ما في قلبه، ويعامل المسلمين بظاهره (1). ويعاملونه بحسب ـــــــــــــــــــــــ (1) كأن ابن أبي الحديد يجهل أو يتجاهل مثل قول حذيفة المتقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة: "إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانوا يومئذٍ يسِرون، واليوم يجهرون"، وقوله الآخر: "إنما كان النفاق على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان". وكذا قوله: "إنكم اليوم معشر العرب لتأتون أموراً إنها لفي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النفاق على وجهه" / مسند أحمد 5: 391 حديث حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. مجمع الزوائد 10: 64 كتاب المناقب: باب ما جاء في الكوفة. وقوله الآخر: "إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيصير منافقاً وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات..." / مسند أحمد 5: 390 حديث حذيفة اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. المصنف لابن أبي شيبة 7: 460 كتاب الفتن: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنه. تفسير ابن كثير 2: 300. الزهد لابن حنبل: 43. حلية الأولياء 1: 279 في ترجمة حذيفة بن اليمان. كما غفل أو تغافل عن مغزى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم، فإن سؤال السائل عن أحاديث البدع، واختلاف الأخبار، يعرب عن شيوع تلك الأحاديث في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، بحيث تناقلها الناس وظهرت، واختلط الباطل بالحق فلم يتميز، حتى حير السائل ودعاه للسؤال. وجواب أمير المؤمنين (عليه السلام) يناسب تعاون المنافقين مع من سبقه من الحكام على علم منهم بحالهم، وتنسيق منهم معهم، من دون أن يخفوا حالهم عنهم. أما الأحاديث التي انتشرت أيام معاوية، وبجهوده التي يأتي التعرض له، فهي متأخرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم تنتشر في عهده، فلا يحوم السؤال حوله. ويناسب ما ذكرنا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : "أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دونن، كذباً وبغياً علين، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى" / نهج البلاغة 2: 27. وقد عقب ابن أبي الحديد نفسه على ذلك فقال: "قوله (عليه السلام) : أين الذين زعمو.... هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم من الصحابة كانوا ينازعونه الفضل، فمنهم من كان يدعى له أنه أفرض، ومنهم من كان يدعى له أنه أقر، ومنهم من كان يدعى له أنه أعلم بالحلال والحرام. هذا مع تسليم هؤلاء له أنه (عليه السلام) أقضى الأمة، وإن القضاء يحتاج إلى كل هذه الفضائل، وكل واحدة منها لا تحتاج إلى غيره، فهو إذاً أجمع للفقه وأكثرهم احتواء عليه. إلا أنه (عليه السلام) لم يرض بذلك، ولم يصدق الخبر الذي قيل: أفرضكم فلان إلى آخره. فقال: إنه كذب وافتراء، حمل قوم على وضعه الحسد، والبغي، والمنافسة لهذا الحي من بني هاشم أن رفعهم الله على غيرهم، واختصهم دون من سواهم"/ شرح نهج البلاغة 9: 86. -[ 48 ]- ذلك. ثم فتحت عليهم البلاد، وكثرت الغنائم، فاشتغلوا بها عن الحركات التي كانوا يعتمدونها أيام رسول الله، وبعثهم الخلفاء مع الأمراء إلى بلاد فارس والروم، فألهتهم الدنيا عن الأمور التي كانت تنقم منهم في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم من استقام في اعتقاده، وخلصت نيته، لما رأوا الفتوح.... وبالجملة: لما تركوا تركوا وحيث سكت عنهم سكتوا عن الإسلام، وأهله، إلا في دسيسة خفية يعملونه، نحو الكذب الذي أشار -[ 49 ]- إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه خالط الحديث كذب كثير، صدر عن قوم غير صحيحي العقيدة، قصدوا به الإضلال، وتخبيط القلوب والعقائد، وقصد به بعضهم التنويه بذكر قوم كان لهم في التنويه بذكرهم غرض دنيوي. وقد قيل: إنه افتعل أيام معاوية خاصة حديث كثير على هذا الوجه. ولم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث عن هذ، بل ذكروا كثيراً من الأحاديث الموضوعة وبينوا وضعه. وأن رواتها غير موثوق بهم. إلا أن المحدثين إنما يطعنون فيما دون طبقة الصحابة. ولا يتجاسرون في الطعن على أحد من الصحابة، لأن عليه لفظ الصحبة (1). على أنهم قد طعنوا في قوم لهم صحبة، كبسر بن أرطاة وغيره" (2).
كلام للإمام الباقر (عليه السلام) في الأحاديث النبوية الموضوعة
ثم قال ابن أبي الحديد أيضاً: "وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس. إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض، وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد، حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود، حتى قتل. فبويع الحسن ابنه، وعوهد، ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق، ـــــــــــــــــــــــ (1) لكن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كان عن الأحاديث التي وضعها وافتراها المنافقون من الصحابة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلابد من كونها قد فاتت على من عبر عنهم بالراسخين في علم الحديث، فرواها المحدثون على أنها حق لا يقبل الشك، لأن رواتها من الصحابة!! (2) شرح نهج البلاغة 11: 41 ـ 42. -[ 50 ]- حتى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية، وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حق قليل. ثم بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألف، ثم غدروا به، وخرجوا عليه - وبيعته في أعناقهم - وقتلوه. ثم لم نزل - أهل البيت - نستذل، ونستضام، ونقصى، ونمتهن، ونحرم، ونقتل، ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء، وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس. وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام)... وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعاً صدوقاً - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منه، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع" (1).
رواية للمدائني ونفطويه في الأحاديث النبوية الموضوعة
ثم قال ابن أبي الحديد: "وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب "الأحداث"، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم أن انظروا ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 43 ـ 44. -[ 51 ]- من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه.... ثم كتب إلى عماله: ان الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لـحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة له، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله... فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة. وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث، ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوه، ورووه، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووه، ولا تدينوا به. فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، فازداد -[ 52 ]- البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عليه السلام)،وولي عبدالملك بن مروان،فاشتد على الشيعة،وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فاكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي (عليه السلام) وعيبه والطعن فيه، والشنآن له. وقد روى ابن عرفة، المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر. وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم" (1).
كلام الإسكافي:
ويناسب ذلك ما ذكره الإسكافي: قال ابن أبي الحديد أيضاً: " وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى...أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول الله، إذ أقبل العباس وعلي، فقال: ياعائشة إن هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: غير ديني، وروى عبد الرزاق عن ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 44 ـ 46. -[ 53 ]- معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي (عليه السلام)، فسألته عنهما يوما فقال: ما تصنع بهماوبحديثهم؟! الله أعلم بهم. إني لأتهمهما في بني هاشم. قال: فأما الحديث الأول فقد ذكرناه وأما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم ان عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العباس وعلي، فقال: ياعائشة إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلع، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب..." (1). ثم قال بعد كلام طويل "قال أبو جعفر وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله و على رسوله وأحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ان لكل نبي حرم، وان حرمي بالمدينة وما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيه حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيه. فلما بلغ معاوية قولـه أجازه وأكرمه، وولاه إمارة المدينة..." (2). ويشهد بذلك في الجملة تصفح كلمات غيرهم، والنظر لواقع الأحاديث الكثيرة وتصفحها بإمعان وتدبر في القرائن المشاهدة بكذبه وربما يأتي في حديثنا هذا مايناسب ذلك. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 4 ص: 63، 64. (2) شرح نهج البلاغة 4 ص 67. -[ 54 ]- نصيب الصحاح من ذلك
وربما يدعي المدعي أن ذلك لا يعم ما وجد في الصحاح. لكنه ليس كذلك. فقد قال ابن أبي الحديد: "وأما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء. إنما وليي الله وصالـح المؤمنين" (1). نعم يبدو أن بشاعة الحديث، مع ما استحكم في نفوس المتأخرين من الجمهور من عدالة الصحابة، حتى مثل عمرو بن العاص، وتعظيمهم الصحيحين، كل ذلك بمجموعه اضطرهم إلى حذف كلمة (طالب) وجعل موضعها بياضاً أو إثبات (فلان) بدله. ولابن حجر العسقلاني كلام طويل حول ذلك. فليراجع (2). ويأتي في جواب السؤال الثامن إن شاء الله تعالى بقية من الكلام عن تلك الصحاح. ويزيد في تحفظنا على أحاديث الجمهور ما تبنوه من ضوابط في الجرح والتعديل تتناسب مع مواقفهم من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومن مناوئيهم. ويأتي ما ينفع في المقام، خصوصاً في جواب السؤال الثامن إن شاء الله تعالى. وقد أطال أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك، فليرجع الباحث لما ذكروه إن أراد. وإنما ذكرنا ما ذكرنا لنبدي تحفظنا على حديث أهل بدر، من دون ردّ له ولا إنكار. لأن الإنكار لابد له من دليل، كالإثبات، بخلاف التحفظ، ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 4: 64. وذكره أيضاً تعقيباً على كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم 11: 42. (2) فتح الباري 1: 331 في المقدمة. -[ 55 ]- فإنه يكفي فيه ما مُني به الحديث من الظروف والسلبيات، التي تقدم التعرض لبعضه.
متن الحديث الوارد في أهل بدر
وعلى كل حال فالكلام حول هذا الحديث لا يحسن إلا بعد ذكر متنه. وقد روي بصور متقاربة، نثبت منها ما رواه مسلم، بسنده عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: "سمعت علياً (رضي الله عنه) وهو يقول: بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا والزبير والمقداد، فقال: ائتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منه، فانطلقن... فأتينا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا حاطب ما هذ؟ قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله. إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش... وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفر، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : صدق. فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدر، وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم. فأنزل الله عز وجل ((يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ))" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم 4: 1941 كتاب فضائل الصحابة (رضي الله عنهم) : باب من فضائل أهل بدر (رضي الله عنهم)، وقصة حاطب بن أبي بلتعة. -[ 56 ]- التعقيب على الحديث المذكور
وحينئذٍ نقول: 1 ـ الحديث - كما ترى - لا يتضمن ردع عمر عن الطعن على حاطب، وإنكار عمله، الذي هو محل الكلام في المقام، وإنما تضمن ردعه عن رميه لحاطب بالنفاق، ومحاولة قتله، بعد أن قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حاطب عذره، وصدقه في نفي النفاق عن نفسه، كما هو صريح الحديث المتقدم.
القرآن المجيد قد تضمن الإنكار على حاطب
كيف؟! وقد أنكر الله تعالى على حاطب في المناسبة المذكورة، فنزل قوله سبحانه: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ... قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرءاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ... لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (1). فيا ترى هل أعلن الله سبحانه تأنيبه والإنكار عليه بما عمل في كتابه المجيد، الذي يتلى آناء الليل وأطراف النهار، ثم لا يرضى من المسلمين تأنيبه ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 1، 4، 6. -[ 57 ]- والإنكار عليه؟!. اللهم إلا أن يتوب. وهو أمر آخر خارج عن محل الكلام. 2 ـ وإنما أنكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمر محاولة قتله، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أنه لا يستحق القتل، أو لأنه عفا عنه. لا لأن أهل بدر لا يعاقبون على ذنوبهم في الدني. فإن ذلك أمر لا يلتزم به أحد. وقد رووا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحدّ على مسطح بن أثاثة في قضية الإفك (1). كما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن عمر بن الخطاب أقام الحدّ على قدامة بن مظعون. وكلاهما من أهل بدر (2).
الحديث لا يتضمن القطع بالسلامة والنجاة لأهل بدر
3 ـ وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فإني قد غفرت لكم". فهو لا يتضمن القطع لهم بالسلامة، بل رجاءه. ورجاء السلامة لا يمنع من الطعن عليهم بما يستحقون نتيجة ـــــــــــــــــــــــ (1) مسند أبي يعلى 8: 338. السنن الكبرى للبيهقي 8: 250 كتاب المرتد: باب ماجاء في حد قذف المحصنات. سبل السلام 4: 15 كتاب الحدود: باب حدّ القذف. تفسير القرطبي 12: 201ـ202. تفسير ابن كثير 3: 272. فتح الباري 13: 342. تحفة المحتاج 2: 480. تاريخ الطبري 2: 114 حديث الإفك. (2) تفسير القرطبي 6: 297. المستدرك على الصحيحين 3: 426 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي (رضي الله عنه). المعجم الكبير 19: 37 من اسمه قدامة: قدامة بن مظعون الجحمي بدري. فتح الباري 7: 306 سير أعلام النبلاء 1: 161 في ترجمة قدامة بن مظعون. الطبقات الكبرى 3: 401 في ترجمة قدامة بن مظعون. الإصابة 5: 423 في ترجمة قدامة بن مظعون. تهذيب الأسماء 2: 371 في ترجمة قدامة بن مظعون. الاستيعاب 4: 1472 في ترجمة مسطح بن أثاثة. المقتنى في سرد الكنى 1: 340 في ترجمة أبي عباد مسطح بن أثاثة. سير أعلام النبلاء 1: 187 في ترجمة مسطح بن أثاثة. مشاهير علماء الأمصار: 12 في ترجمة مسطح بن أثاثة. الثقات 3: 383 في ترجمة مسطح بن أثاثة. وغيرها من المصادر. -[ 58 ]- أعمالهم. فإن المتجاهر بالفسق - الذي لا إشكال في جواز ذمّه والطعن عليه - لا يقطع عليه بالهلاك، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وهو الغفور الرحيم. 4 ـ أما حمل الحديث على القطع بالسلامة فهو تكلف لا شاهد له. ولا يدعو له إلا تسالم الجمهور من السنة على استقامة الصحابة وسلامتهم، التي هي محل الكلام هن. فلا معنى لأن يستدل عليهما بالحديث المذكور. بل كيف يمكن أن يعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياتهم القطع بسلامتهم؟!
إعلان القطع بسلامة أهل بدر إغراء بالقبيح
أولاً: لما في ذلك من الإغراء بالقبيح، نظير ما تقدم في الحديث عن آية السابقين الأولين. وإذا أردت أن تستوضح ذلك فانظر إلى ما رواه البخاري بسنده عن فلان، قال: "تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء. يعني علي. قال: ما هو، لا أبا لك؟ قال: شيء سمعته يقوله. قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والزبير وأبا مرثد، وكلنا فارس... فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه... قال: صدق، ولا تقولوا له إلا خير. قال: فعاد عمر، فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين. دعني فلأضرب عنقه. قال: أو ليس هو من أهل بدر؟ وما يدريك، لعل الله اطلع عليهم، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد أوجبت لكم الجنة، فاغرورقت عيناه، فقال: الله ورسوله أعلم" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 6: 2542 ـ 2543 كتاب استتابة المرتدين المعاندين وقتالهم: باب ما جاء في المتأولين حديث:6540. -[ 59 ]- فإنا وإن كنا نعتقد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يرق الدماء إلا بحق، بل كان يرى وجوب الدخول في تلك الحروب، كما صرح بذلك كثيراً (1)، لأنهم مفسدون، وبغاة يجب قتالهم بحكم الكتاب المجيد ولعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بذلك. وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (2). إلا أن المحاورة المذكورة تكشف عن أن الناس ترى أن هذا الحديث - وإن كان بلسان الرجاء والاحتمال - يعرض الأمة لإراقة الدماء الكثيرة. ـــــــــــــــــــــــ (1) يحسن هنا أن نثبت ما رواه نصر بن مزاحم وغيره في أحداث واقعة صفين بعد أن اشتدت الحرب وأنهكت الطرفين، قال: "وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن ياعلي ابرز إلي، قال: فخرج إليه علي حتى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين، فقال: ياعلي إن لك قدماً في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك، فقال له علي: وماذاك؟ قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامن. فقال له علي: لقد عرفت إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه) إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لايأمرون بالمعروف ولاينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم"/ وقعة صفين: 474، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 2: 207 ـ 208. الأخبار الطوال: 187 ـ 188. ينابيع المودة 2: 8 ـ 9. وقريب منه في حلية الأولياء 1: 85 في ترجمة علي بن أبي طالب، والاستيعاب 1: 411 في ترجمة حوشب بن طخية الحميري، وتاريخ دمشق 37: 291 في ترجمة عبدالواحد، وأسد الغابة 2: 63 في ترجمة حوشب بن طخية. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). مجمع الزوائد 5: 186 كتاب الخلافة: باب الخلفاء الأربعة، 7: 238 كتاب الفتن: باب فيما كان بينهم في صفين. مسند أبي يعلى 1: 379 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). مسند البزار 2: 215 فيما روى علقمة بن قيس عن علي، 3: 27 فيما روى علي بن ربيعة الأسدي عن علي ابن أبي طالب. مسند الشاشي 2: 342 فيما روى علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود. المعجم الكبير 10: 91 فيما رواه علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود. -[ 60 ]- وإذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) منزهاً عن ذلك - لما سبق، ولعصمته عندنا - فما هو المؤمّن من غيره من ذوي النزعات البشرية المتعارفة، خصوصاً إذا سولت لهم أنفسهم، ومنَّتهم أن ذلك وعد قاطع، لا يقبل الشك.
القطع بسلامة أهل بدر لا يتناسب مع مواقفهم
وثانياً: لأن ذلك لا يتناسب مع موقف بعض أهل بدر في الواقعة وموقف القرآن الكريم منهم، وتعريضه بمواقف بعضهم وتأنيبه عليه، كما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة عند الكلام في موقف الكتاب المجيد من الصحابة. فلاحظ. بل عن الزبير بن بكار أنه قال: "تسمية أصحاب العقبة: معتب ابن قشير بن مليل من بني عمرو بن عوف شهد بدر، وهو الذي قال: يعدنا محمد كنوز كسرى و قيصر، وأحدنا لا يأمن على خلائه. وهو الذي قال: لوكان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا" (1). بل ذكر غير واحد أن ثعلبة بن حاطب من أهل بدر (2)، كما ذكروا أيضاً أنه هو الذي نزل فيه قوله تعالى: ((وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)) (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) المعجم الكبير 3 ص 166 في تسمية أصحاب العقبة، واللفظ له، مجمع الزوائد 1 ص:111 كتاب الإيمان: باب منه في المنافقين. تهذيب الكمال 5 ص: 503 في ترجمة حذيفة بن اليمان. وقريب منه في تفسير القرطبي 14 ص: 133. (2) الثقات لابن حبان 3: 46، أسد الغابة 1: 227، الجرح والتعديل للرازي 2: 461. (3) سورة التوبة 75 ـ 77، أسباب النزول: 170، المعجم الكبير 8: 218، اسد الغابة 1: 227، مجمع الزوائد 7: 31، الدر المنثور 3: 26. -[ 61 ]- وثالثاً: لأن ذلك لا يتناسب مع مواقف الصحابة أنفسهم من أهل بدر، كما يتضح باستعراض التاريخ، وقد تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة المتقدمة ما يشهد به.
لابد من تقييد الحديث بغير الذنوب الموبقة
5 ـ ولو فرض ظهور الحديث بدواً في القطع لهم بالسلامة، فلابد من تقييده بغير الذنوب الموبقة المهلكة، كالارتداد، والنفاق، والرد لحكم الله تعالى، والبدعة في الدين، ونحوه. حيث لا يظن بأحد البناء على أن مثل هذه الذنوب مغفورة لأهل بدر. وإنما يقطع الجمهور لهم بالسلامة إما لدعوى عدم صدور مثل هذه الذنوب منهم، أو لأنه يختم لهم بالتوبة. وكلا الأمرين لا يدل عليه الحديث، وإنما المدعى دلالته على مغفرة ذنوبهم حين وقوعه، بل قبله. وبعد تقييد الحديث بغير الذنوب المهلكة لا يصلـح دليلاً على عدم وقوع مثل هذه الذنوب، ولا على حصول التوبة منه. إلا أن يثبت ذلك من دليل آخر.
القرآن المجيد تضمن تهديد حاطب بما لا يناسب القطع بالسلامة
6 ـ على أن قوله تعالى المتقدم: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (1) دال على أن عمل حاطب المذكور معرض له للهلاك إذا لم يتب منه. لظهوره في أن من يرجو الله واليوم الآخر لابد له من أن يتأسى بإبراهيم (عليه السلام) ومن معه في البراءة من الكفار ومباينتهم، وأن عدم التأسي بهم من شأن من لا يرجو الله واليوم الآخر، الذي لا إشكال في هلاكه. بل في ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 6. -[ 62 ]- قوله تعالى: ((وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) من التهديد ما لا يخفى. كما أن قوله سبحانه: ((لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (1) ظاهر في ردّ اعتذار حاطب ورفضه، والتشديد في الإنكار عليه وتهديده، وهو لا يناسب القطع بالمغفرة له. بل ولا بيان الرجاء لها - الذي تضمنه الحديث - مع صدور الذنب المذكور منه. 7 ـ وحيث كانت الآيات المذكورة قد نزلت بعد كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتقدم، فلابد من حمل الكلام المذكور، إما على جهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهمية الذنب الذي صدر من حاطب-ـ وحاشاه (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك - وأن الله سبحانه رفع بالآيات الشريفة الوهم الذي حصل. وإما على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يكبح جماح عمر واندفاعه، ويكفه عن التدخل في شؤونه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما يسببه له من إحراج، فصدمه بذلك، وهو عالم بشدة جريمة عمل حاطب، وتعرضه به للخطر. فاختر أي الأمرين شئت. أما نحن فنرى في الآيات الكريمة مبرراً منطقياً للتشكيك في متن الحديث، واحتمال التحريف المتعمد أو غير المتعمد فيه، إن تم سند، ودلالة.
الكلام في الأحاديث المشابهة لحديث حاطب
8 ـ ومنه يظهر الحال في الحديث الآخر. وهو ما رواه أبو هريرة، قال: "ثم إن رجلاً من الأنصار عمي، فبعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تعال فاخطط في داري مسجد، أتخذه مصلى. فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واجتمع إليه قومه، وبقي رجل منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أين فلان، فغمزه بعض ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الممتحنة الآية: 3. -[ 63 ]- القوم: إنه، وإنه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أليس قد شهد بدر. قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه كذا وكذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (1). فإن الحديث - مع الغض عن سنده - غير ظاهر في القطع لأهل بدر بالسلامة. كما أنه لا يناسب الآية الشريفة المتقدمة. وربما كان قد صدر قبل نزولها فيجري فيه ما سبق. 9 ـ ومثله الحديث الآخر عن جابر: "ثم إن عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكو حاطب. فقال: يا رسول الله إنه ليدخل حاطب النار. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كذبت، إنه لا يدخله، إنه شهد بدراً والحديبية" (2). حيث لا يمكن البناء على أن فضيلة بدر والحديبية توجب غفران جميع الذنوب حتى المهلكة. فضلاً عن أن يعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقطع بذلك، مع ما فيه من الإغراء بالقبيح. فلابد من حمله على الإنكار على العبد في قطعه على حاطب بدخول النار، مع أنه قد شهد الواقعتين المذكورتين. حيث قد يوجب ذلك غفران الذنب الذي شكى منه العبد، وقطع من أجله بدخول حاطب النار.
تأويل حديث حاطب بما يناسب الحكمة والمنطق
10 ـ وربما تؤول مثل هذه الأحاديث - لو تمت أسانيده ومتونها - تأويلاً يتناسب مع مقتضيات الحكمة، ومع ما يظهر من الكتاب ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح ابن حبان 11: 123 حديث:4798 باب فرض الجهاد: غزوة بدر: ذكر الخبر الدال على أن ذنوب أهل بدر التي عملوها بعد يوم بدر غفرها الله لهم بفضله وطلحة والزبير منهم. (2) صحيح ابن حبان 11: 122 حديث: 4799 باب فرض الجهاد: غزوة بدر: ذكر نفي دخول النار نعوذ بالله منها عمن شهد بدراً والحديبية. -[ 64 ]- العزيز والسنة الشريفة، من التركيز والتأكيد على التذكير والتحذير والتقريع، منعاً من تسويل النفس، والركون لجانب الرجاء، ركوناً يشجع على ارتكاب المحارم، وانتهاك حدود الله تعالى، وينتهي بالآخرة إلى الأمن من مكر الله تعالى، وما يترتب عليه من محاذير. وحاصل هذا التأويل: أن المراد بيان أهمية الجهاد في بدر وعظيم فضيلته، وأنه قد يكون سبباً في غفران ذنوب أهل بدر التي سبقت الواقعة بملاك: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (1)، وأنه يقال لهم: استأنفوا العمل بعد ذلك من خير أو شر، فقد كفيتم ما مضى، وغفر لكم، فاختاروا لأنفسكم فيما بعد ما شئتم. نظير ما ورد في الحج من أنه يقال للحاج: استأنف العمل فقد غفر لك (2). وفي حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (3). والغرض من بيان ذلك التنبيه إلى أن صاحب مثل هذه الفضيلـة حقيق بأن يعفو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مثل هذه الشطحة منه، استصلاحاً له، أو أن يغفر الله تعالى بعض ذنوبه، أو نحو ذلك، من دون إعلان القطع له بالسلامة. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة هود الآية: 114. (2) راجع وسائل الشيعة 8 باب: 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه. (3) صحيح البخاري 2: 553 كتاب الحج باب فضل الحج المبرور، واللفظ له. صحيح مسلم 2: 984 كتاب الح باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. صحيح ابن خزيمة 4: 131 كتاب المناسك: باب فضل الحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق فيه وتكفير الذنوب والخطايا به. صحيح ابن حبان 9: 7 كتاب الح باب فضل الحج والعمرة: ذكر مغفرة الله جل وعلا ما تقدم من ذنوب العبد بالحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق. مسند ابن الجعد: 141 في بقية حديث شعبة عن منصور. وغيرها من المصادر الكثيرة جد. -[ 65 ]- تحوير كثير من الأحاديث عمداً أو جهل
وكثيراً ما تحوّر الأحاديث الشريفة عن معانيها المرادة منه، نتيجة الجهل بالقرائن المحيطة بالكلام، أو التضليل المتعمد. نظير ما تضمنه حديث محمد بن مارد: "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت (يعني: إذا عرفت الإمام) فاعمل ما شئت. فقال: قد قلت ذلك. قال: قلت: وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر؟ فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ما انصفونا أن نكون أخذنا بالعمل، ووضع عنهم. إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنه يقبل منك" (1).
ورود القطع بالسلامة في كثير من الأمور غير واقعة بدر
11 ـ على أنه قد ورد القطع بالسلامة في كثير من العقائد الحقة وأعمال الخير، ففي حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. على رغم أنف أبي ذر" (2). ونحوه كثير (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) وسائل الشيعة 1: 87 باب: 28 من أبواب مقدمة العبادات حديث:2. (2) صحيح البخاري 5: 2193 كتاب اللباس: باب الثياب البيض. (3) صحيح البخاري 1: 417 كتاب الجنائز: باب في الجنائز، 5: 2312 كتاب الاستئذان: باب من أجاب بلبيك وسعديك، ص: 2366 كتاب الرقاق: باب ماقدم من ماله فهو له. صحيح مسلم 1: 94، 95 كتاب الإيمان: باب من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار، 2: 687، 688 كتاب الزكاة: باب الترغيب في الصدقة. سنن الترمذي 5: 27 كتاب الإيمان: باب ماجاء في افتراق هذه الأمة. السنن الكبرى للنسائي 6: 276 كتاب عمل اليوم والليلة: باب مايقول عند الموت. مسند أحمد 5: 166 حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه). مسند أبي عوانة 1: 28 كتاب الإيمان: بيان الأعمال والفرائض التي إذا أداها بالقول والعمل دخل الجنة والدليل على أنه لاينفعه الإقرار حتى يستيقن قلبه ويريد به وجه الله بما يحرم به على النار. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 66 ]- وفي حديث عمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ما منكم من أحد يتوض، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" (1). وفي حديث عبادة بن الصامت: "أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: خمس صلوات افترضهن الله. من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له. ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" (2). ونحوه غيره (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) السنن الكبرى للبيهقي 1: 78 كتاب الطهارة: جماع أبواب سنة الوضوء وفرضه: باب مايقول بعد الفراغ من الوضوء، واللفظ له. صحيح البخاري 3: 1267 كتاب الأنبياء: باب قوله:[يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة...]. صحيح مسلم 1: 209 كتاب الطهارة: باب الذكر المستحب عقب الوضوء. صحيح ابن خزيمة 1: 110 كتاب الوضوء: جماع أبواب فضول التطهير والاستحباب من غير إيجاب: باب فضل التهليل والشهادة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة والعبودية وأن لا يطرى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم.... وغيرها من المصادر الكثيرة. (2) السنن الكبرى للبيهقي 3: 366 جماع أبواب تارك الصلاة: باب ما يستدل به على أن المراد بهذا الكفر كفر يباح به دمه لا كفر يخرج به عن الإيمان بالله ورسوله إذا لم يجحد وجوب الصلاة. (3) سنن أبي داود 1: 115 كتاب الصلاة: باب في المحافظة على وقت الصلوات. مسند أحمد 5: 317 حديث عبادة بن الصامت (رضي الله عنه). الأحاديث المختارة 8: 320 من اسمه عبد الرحمن: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي. المعجم الأوسط 9: 126 باب الهاء: ذكر من اسمه هاشم. الترغيب والترهيب 1: 148، 155،157. تعظيم قدر الصلاة 2: 953. وغيرها من المصادر. -[ 67 ]- وفي حديث أبي هريرة: "أن أعرابياً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبدالله لا تشرك به شيئ، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا..." (1). وعنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهم. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (2). وعن أم سلمة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "قال: من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة" (3). ولا يمكن البناء على ظاهره، لأنها لا تناسب أدلة بقية الواجبات ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 2: 506 كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، واللفظ له. صحيح مسلم 1: 44 كتاب الإيمان: باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة. مسند أحمد 2: 342 مسند أبي هريرة. جامع العلوم والحكم: 207. الإيمان لابن مندة 1: 269 ذكر بيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. الترغيب والترهيب 1: 302. (2) صحيح البخاري 2: 629 أبواب العمرة: باب وجوب العمرة وفضله، واللفظ له. صحيح مسلم 2: 983 كتاب الح باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. صحيح ابن خزيمة 4: 131 كتاب المناسك: باب الأمر بالمتابعة بين الحج والعمرة والبيان أن الفعل قد يضاف إلى الفعل لا أن الفعل يفعل فعلا كما ادعى بعض أهل الجهل. السنن الكبرى للبيهقي 5: 261 كتاب الح باب فضل الحج والعمرة. سنن ابن ماجة 2: 964 باب فضل الحج والعمرة. موطأ مالك 1: 346 كتاب الح باب جامع ما جاء في العمرة. مسند أحمد 3: 447 حديث عامر بن ربيعة. وغيرها من المصادر الكثيرة. (3) سنن الدارقطني 2: 283 كتاب الحج، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي 5: 30 كتاب الح باب فضل من أهل من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. سنن أبي داود 2: 143 أول كتاب المناسك: باب في المواقيت. المعجم الأوسط 6: 319. الترغيب والترهيب 2: 121. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 68 ]- والمحرمات، وأدلة الوعيد من الكتاب المجيد والسنة الشريفة. فلابد من تأويله، ولا سيما بالإضافة إلى الاستقامة وحسن الخاتمة، حيث لا ريب في كونهما شرطاً في النجاة والفوز بالنعيم الخالد. وما يجري فيها يجري في أحاديث أهل بدر المتقدمة. كما لا يخفى.
الأحاديث المذكورة تخص أهل بدر دون بقية السابقين الأولين
12 ـ وفي الختام: الحديث المذكور مختص بأهل بدر، لخصوصية في واقعة بدر، لا لأنهم من السابقين الأولين، فكيف يساق دليلاً على تحديد الموقف من جميع السابقين الأولين بالمعنى الذي يريده عامة الناس؟! ولاسيما مع ما سبق من عدم تحديدهم بنحو دقيق، لا يقبل الزيادة والنقصان. ونأمل أن يكون حديثنا هذا وافياً بالجواب عن سؤالك. ومن الله سبحانه وتعالى نستمد التوفيق والتسديد. وهو الهادي إلى سواء السبيل. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 2:15 am | |
| -[ 69 ]- س2 لا ننكر بأن الصحابة (السابقين الأولين) قد تجتاحهم النزعات الشخصية، وقد يتسلط على أحدهم مصلحة ما وقد يغبطون بعضهم بعضا وهذه القضايا يستحيل القول بأن الصحابة منزهون عن هذه النزعات البشرية، ومع ذلك نرى أن الله تعالى قد رضي عنهم مع حصول وصدور ذلك منهم. وليس الترضي مؤقتاً بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو عام مطلق، ولا يستثنى منهم أحداً إلا بنص شرعي خاص. فلماذا لا يؤول علماء الشيعة حال أبي بكر وعمر وعثمان، وتوليهم الخلافة في حياة علي ابن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)، بأن فعلهم - أي الخلفاء الثلاثة الأول - من قبل هذه النزعات غير المؤاخذ عليها شرعا أوغيرها من الأمور التي ارتضوها فيما بينهم في توليهم للخلافة. مع اعتقاد الشيعة بأن الأحقية لعلي (رض)،
ج: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور.. الأمر الأول:أن الله سبحانه وتعالى إنما ترضى عن الصحابة -[ 70 ]- بخصوصهم في موضعين:
أولهما: في آية السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان. وقد تقدم الكلام فيه، فلا نعيد.
الكلام في آية بيعة الرضوان
ثانيهما: في قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيباً* وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيم)) (1). وقد ظهر مما سبق من الحديث عن الآية الأولى أن إخبار الله تعالى برضاه عمن بايع بيعة الشجرة لا يدل على بقاء رضاه عنهم حتى النهاية مهما قاموا به بعد ذلك من أعمال. ويؤكد ذلك في المقام أمران:
الآية الكريمة لم تتضمن إطلاق الرضا بل بيان سببه
الأول: أن الآية الكريمة لم تتضمن إطلاق الرضا عنهم، بل تضمنت بيان منشأ الرضا وسببه، وهو بيعتهم تحت الشجرة، وأنه تعالى قد رضي عنهم بسبب استجابتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما طلب البيعة منهم. ومن الظاهر أن ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه، وكيف يفهم مع ذلك التأبيد في الرضا ؟!
تضمن بعض الآيات اشتراط السلامة بالوفاء بالبيعة الثاني: أن الله سبحانه قد صرح في نفس السورة بأن البيعة المذكورة التي هي سبب الرضا لا تكفي في النجاة إلا مع الوفاء، فقال عز من قائل: ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الفتح الآية: 18 ـ 19. -[ 71 ]- [إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم)) (1). وهذا صريح في دوران رضا الله تعالى عنهم، وثوابه لهم، وغضبه عليهم، وعقابه إياهم، مدار طاعتهم له جل شأنه ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعصيتهم لهم، وأنهم إن وفوا فازوا وإن زاغوا ونكثوا خسروا وأضروا أنفسهم. وهو عين ما تقوله الشيعة في الصحابة. بل الذي ذكره أهل الحديث والمؤرخون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بايعهم على أن يقاتلوا المشركين، ولا يفروا (2). والظاهر أن المراد أن لا يفروا في جميع حروبهم، لا في خصوص غزوة الحديبية، ولذا اشترط الله تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدمة، مع أن غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب، وسورة الفتح نزلت بعد صلـح الحديبية. كما يناسبه أيضاً تذكير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم بهذه البيعة في واقعة حنين، ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الفتح الآية: 10. (2) صحيح مسلم 3: 1483، 1485 كتاب الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة. صحيح ابن حبان 10: 415 حديث: 4551 باب بيعة الأئمة وما يستحب لهم: ذكر البيان بأن البيعة إنما يجب أن تقع على الإمام من الناس من الأحرار منهم دون العبيد، 11: 231 حديث:4875 باب المواعدة والمهادنة:ذكر وصف العددالذي كان مع المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) عام الحديبية. مسند أبي عوانة 4: 427، 430 باب الأخبار الموجبة طاعة الأمير الذي يؤمره الإمام وأن من أطاعه فقد أطاع الإمام: بيان صفة بيعة الإمام والسنة فيها وإباحته التعرب بعد الهجرة وبعد الفتح وبيان السنة في حفظ الهجرة والبيعة. سنن الترمذي 4: 149 كتاب السير عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : باب ما جاء في بيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). السنن الكبرى للبيهقي 8: 146 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب كيفية البيعة. مسند أحمد 3: 355 في مسند جابر. تفسير الطبري 26: 86. تفسير ابن كثير 4: 187. التمهيد لابن عبد البر 12: 149. السيرة النبوية لابن هشام 4: 283 في (بيعة الرضوان). وغيرها من المصادر. -[ 72 ]- حيث صاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس: "يا أهل سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة..." (1). وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر، وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة، رافعاً لرضا الله سبحانه عنهم.
الترضي لا يـختص بمن شهد بيعة الرضوان
بقي شيء. وهو أنه لو فرض ظهور إطلاق الترضي من الله تعالى في بقاء رضاه جل شأنه عنهم واستمراره - كما ذكرت - وغضّ النظر عما ذكرنا فمن الظاهر أن الله جل شأنه كما ترضى عن الصحابة ترضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عموماً في قوله عزوجل: ((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) (2). وفي قوله جل شأنه: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تحتها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)) (3). بل من الظاهر أن الترضي في الآيتين عن المؤمنين يراد به حصول رضاه عنهم في الآخرة عند وفودهم عليه ولقائهم إياه. ـــــــــــــــــــــــ (1) مصنف ابن أبي شيبة 7: 417 غزوة حنين وما جاء فيه. (2) سورة المجادلة الآية: 22. (3) سورة البينة الآية: 7 ـ 8. -[ 73 ]- فيا ترى ألا يلتزم الجمهور بتقييد الرضا عنهم بالاستقامة؟ وإذا كان الرضا عنهم مقيداً بالاستقامة فلماذا لا يقيد بها في المقام؟!
بعض المؤيدات لاشتراط بقاء الرضا بالاستقامة
ويؤكد ما ذكرنا أمور.. 1 ـ ما تقدم في جواب السؤال الأول من أن ملاحظة واقع الصحابة وما شجر بينهم يقضي بعدم قطعهم على من شهد بيعة الرضوان بالسلامة والفوز. 2 ـ ما تقدم هناك أيضاً من أن ذلك يستلزم الإغراء بالقبيح. 3 ـ أن الآية لا تختص بالسابقين الأولين، فقد نزلت فيمن شهد بيعة الرضوان بعد أن كثر المسلمون، وفيهم مثل المغيرة ابن شعبة، وأبي العادية قاتل عمار بن ياسر (1)، وعبدالله بن أبيّ رأس المنافقين (2). الأمر الثاني: تقول في سؤالك: "لا ننكر بأن الصحابة (السابقين الأولين) قد تجتاحهم النزعات الشخصية، وقد يتسلط على أحدهم مصلحة ما وقد يغبطون بعضهم بعضا فلماذا لا يؤول علماء الشيعة حال أبي بكر وعمر وعثمان، وتوليهم الخلافة في حياة علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)، بأن فعلهم - أي الخلفاء الثلاثة الأول - من قبل هذه النزعات، غير المؤاخذ عليها شرع...". الفرق بين الغبطة والحسد ونقول: الغبطة هي تمني الإنسان مثل ما يجده عند غيره من الخير، من دون أن يتمنى زوال تلك النعمة عن صاحبه، فإن تمنى زوالها عنه فهو ـــــــــــــــــــــــ (1) الفصل في الملل والنحل 4: 125 الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة. منهاج السنة النبوية 6: 205. (2) امتاع الأسماع: 605. المغازي للواقدي 2: 610. -[ 74 ]- حاسد له. قال في لسان العرب عند الكلام في مادة (غبط) بعد أن أطال في الحديث عن معنى الغبطة: "قال الأزهري: وفرق الله بين الغبط والحسد بما أنزله في كتابه لمن تدبره واعتبره، فقال عز من قائل: ((وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ)) (1). وفي هذه الآية بيان أنه لا يجوز للرجل أن يتمنى، إذا رأى على أخيه المسلم نعمة أنعم الله بها عليه، أن تزوى عنه ويؤتاه. وجائز أن يتمنى مثله، بلا تمن لزيها عنه. فالغبط أن يرى المغبوط في حال حسنه، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه. وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له. أما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له مال المحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه". وبذلك يظهر أن تمني نعمة الغير مع الرغبة في زوالها عنه ليس غبطة، بل حسد.
الحسد من أعظم المحرمات
ومن الظاهر أن الحسد من أعظم المحرمات. وقد استفاضت بحرمته أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام). كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قد خاطب أصحابه بأن الحسد قد دبّ فيهم. ففي حديث علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم لأصحابه: ألا إنه قد ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النساء الآية: 32. -[ 75 ]- دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم، وهو الحسد. ليس بحالق الشعر، لكنه حالق الدين. وينجي فيه أن يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن" (1). وفي حديث الزبير بن العوام أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثم دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء. والبغضاء هي الحالقة. حالقة الدين، لا حالقة الشعر. والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابو. أفلا أنبؤكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (2). وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثم إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب" (3). وفي حديث أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : "قال: أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد" (4)... إلى غير ذلك. ـــــــــــــــــــــــ (1) وسائل الشيعة 11: 294 باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث:15. (2) مسند أحمد 1: 164 مسند الزبير بن العوام (رضي الله عنه)، واللفظ له. سنن الترمذي 4: 663، 664 كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : في باب لم يعنونه. مجمع الزوائد 8: 30 كتاب الأدب: باب ما جاء في السلام وإفشائه. السنن الكبرى للبيهقي 10: 232 كتاب الشهادات: جماع أبواب من تجوز شهادته ومن لا تجوز من الأحرار البالغين العاقلين المسلمين: باب شهادة أهل العصبية. مسند البزار 6: 192 فيما رواه يعيش بن الوليد مولى ابن الزبير عنه. مسند الشاشي 1: 114. مسند الطيالسي ج1:: 27 في أحاديث الزبير بن العوام. وغيرها من المصادر الكثيرة. (3) سنن أبي داود 4: 276 كتاب الأدب: باب في الحسد. سنن ابن ماجة 2: 1408 كتاب الزهد: باب الحسد. مصنف ابن أبي شيبة 5: 330 كتاب الأدب: ما جاء في الحسد. مسند أبي يعلى 6: 330 فيما رواه أبو الزناد عن أنس. مسند عبد بن حميد: 418. مسند الشهاب 2: 136 الباب السابع: إن الحسد ليأكل الحسنات. جامع العلوم والحكم: 327. شعب الإيمان 5: 266 الثالث والأربعون من شعب الإيمان وهو باب في الحث على ترك الغل والحسد. تفسير القرطبي 5: 251. مصباح الزجاجة 4: 238 كتاب الزهد: باب الحسد. وغيرها من المصادر الكثيرة. (4) وسائل الشيعة 11: 294 باب:49 من أبواب جهاد النفس حديث:1. -[ 76 ]- فإذا أضيف لذلك استلاب النعمة من الغير، وأخذ حقه، وعدم الاقتصار على الكلام ونحوه - مما لا يعفى عن الحسد معه - حصل إثمان: إثم الحسد، وإثم التعدي والغصب. وكلما كان الأمر المغصوب أهم، كان الإثم أعظم، كما هو ظاهر. فكيف ترى أن هذه النزعات غير مؤاخذ عليها شرعًا مع أنك فرضت أنها قد تسببت بالآخرة إلى استلاب هذا المنصب الإلهي الرفيع من صاحبه الشرعي،حسب اعتقاد الشيعة؟! بقي شيء. وهو أنك تقول في آخر سؤالك هذا: "أو غير ذلك من الأمور التي ارتضوها فيما بينهم في توليهم للخلافة". وكأنك تريد أن تقول: إن صاحب الحق إذا رضي بأخذ حقه ساغ للغير أخذه، ونفذ فعله. والكلام حول ذلك يأتي في جواب السؤال الثالث، إن شاء الله تعالى.
الفرق بين نظرة الشيعة لأئمتهم ونظرة الجمهور لأئمتهم
الأمر الثالث: يظهر مما سبق من حديثك الفارق الشاسع بين نظرة الجمهور إلى أئمتهم، ونظرة الشيعة إلى أئمتهم من أهل البيت (عليهم السلام). فها أنت ترى أن حب الذات والنزعات الشخصية قد دفعت أئمة الجمهور إلى الصراع على السلطة، والتسابق عليه، وأخذها تعدياً على صاحب الحق، وخلافاً للنص - كما تقول الشيعة - أو من دون ذلك، حسبما يدعيه جمهور السنة. أما الشيعة فهم يرون أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وإن كانوا أصحاب الحق بالنص، إلا أنهم لا يريدون حقهم حباً للسلطة ورغبة في الحكم، بل من أجل إقامة الحق وتشييد الدين وإشاعة العدل، كما يشهد بذلك كثير من -[ 77 ]- كلماتهم (صلوات الله عليهم). ففي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) : "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك" (1). وقال (عليه السلام) في آخر خطبته الشقشقية: "أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربه، ولسقيت آخرها بكأس أوله، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز" (2). وفي كلام له (عليه السلام) مع عمه العباس في التعقيب على تعيين عمر جماعة الشورى، قال (عليه السلام) : "والله ما بي رغبة في السلطان، ولا حب الدني. ولكن لإظهار العدل، والقيام بالكتاب والسنة" (3). ولما سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذي قار ابن عباس عن قيمة نعله التي كان يخصفها بيده، فقال: "لا قيمة لها"، قال (عليه السلام) : "ألا والله لهي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً" (4). وفي وصية الإمام الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد ابن الحنفية حينما خرج إلى مكة: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطر، ولا مفسد، ولا ظالم، وإنما خرجت ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 8: 263. (2) شرح نهج البلاغة ج1: 202. وذكرت العبارة الأخيرة في النهاية في مادة عفط، ولسان العرب في مادة عفط. (3) شرح نهج البلاغة 9: 51. (4) نهج البلاغة 1: 80. -[ 78 ]- لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب. فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق. ومن ردّ عليّ هذا أصبر، حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين" (1)... إلى غير ذلك من كلماتهم (عليهم السلام). ويأتي بعضها إن شاء الله تعالى. ويا ترى أي النظرتين أنسب بمنصب الإمامة على المسلمين، مع ما عليه المنصب المذكور من الرفعة والقداسة، حيث يكون الإمام أميناً على دين الإسلام العظيم، بتشريعاته وعزته وكيانه، وعلى المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وحيث يجب على المسلمين أن يخلصوا في النصيحة للإمام، ويطيعوه وينصروه؟! وما عليك بعد ذلك إلا أن تحكم عقلك وضميرك، وتختار لنفسك ما يحلو لك. وكفى بالله تعالى شاهدا ووليا وحاكما ـــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأنوار 44: 329. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 4:56 am | |
| -[79]- س3 لماذا لا نسلك نحن أهل السنة وأنتم معاشر الشيعة في القضايا التي حصلت في صدر الإسلام سيرة الإمام علي وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، وخصوصاً الإمام الحسن (رضي الله عنه). فما أقروه نقرُّ به، وما أنكروه ننكره، فنلتزم: 1 ـ إقرار سيدنا علي خلافة أبي بكر (رض). 2 ـ إقراره تنصيب أبي بكر لعمر (رض). 3 ـ إقراره أمر الشورى، وأن يكون أحد أفرادهم. 4 ـ عدم إقراره معاوية والياً على الشام، لأنه لا يراه أهلاً لذلك، مع أن ذلك يترتب عليه مفسدة في المجتمع المسلم.
ج: يحق لنا أن نسألك، فنقول: ماذا تريد من الإقرار؟
الكلام في الجَرْي على الأمر الواقع
1 ـ فإن أردت منه الجري على الأمر الواقع، والتعاون معه، وعضده، لحفظ ما يمكن حفظه من مصلحة الإسلام، وعدم الخلاف عليه، وعدم شق الكلمة، للعجز عن التغيير، أو للعلم بأن في محاولة التغيير والإصرار على المواقف الصلبة محذوراً يفوق محذور الانحراف الذي حصل، فهذا قد صدر من الأئمة (صلوات الله عليهم)، كما تقول، -[ 80 ]- لكنه لا يدل على شرعية خلافة المستولين، لوضوح أن سكوت صاحب الحق عن استرجاع حقه من أجل ذلك لا يبطل حقه، ولا يجعل الحق للغاصب، بحيث يخرجه عن كونه ظالما ولا يخفف جريمة غصبه وظلمه وإنما هو يرفع من شأن المظلوم، لصبره واحتسابه، ومراعاته مقتضى الحكمة والصالـح العام. ولذا حصل ذلك من الإمام الحسن (صلوات الله عليه) مع معاوية أخيرا بعد أن حاول حربه، امتداداً لموقف أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) منه. كما حصل من الإمام زين العابدين والأئمة من ولده (صلوات الله عليهم) مع خلفاء الجور في عهودهم: يزيد ومن بعده. وهو الذي جرى عليه شيعتهم بعد ذلك، تبعاً لهم (عليهم السلام). ولا يختص الأمر بالثلاثة الأولين، كما قد يبدو من السؤال. وليس ذلك لتناقض مواقفهم (عليهم السلام)، بل لاختلاف ظروفهم، كما هو ظاهر.
الكلام في إمضاء الأمر الواقع وإضفاء الشرعية عليه
2 ـ وإن أردت من الإقرار الرضا بما حصل، وإضفاء الشرعية على حكم الأولين، بحيث يخرجون عن كونهم غاصبين معتدين، كما لو تنازل المالك وصاحب الحق عن ملكه وحقه لغيره، بحيث له تملكه منه وتمتعه به، فيرد ذلك أمران:
تعيين الخلافة بأمر من الله تعالى وليس للإمام التنازل عنه
الأول: أن حقهم (صلوات الله عليهم) في الخلافة - حسبما تقتضيه أدلة الشيعة - إنما كان بتعيين من الله تعالى، ونص منه جل شأنه، وليس لهم (عليهم السلام) بعد ذلك جعله في غير موضعه، وإضفاء الشرعية عليه. بل لا يحق ذلك حتى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فإنه ردّ على الله تعالى، وتلاعب بفرائضه -[ 81 ]- وقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرض نفسه على قبائل العرب، قبل الهجرة، لينصروه، كان فيمن عرض نفسه عليهم بنو عامر، فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن تابعناك، فأظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء" (1). وفي حديث عبادة: "بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على السمع والطاعة... وأن لا ننازع الأمر أهله، ونقوم بالحق حيث كان، ولا نخاف في الله لومة لائم" (2) لظهوره في أن للأمر والخلافة أهلاً يحرم منازعتهم. وفي حديث عمرو بن الأشعث: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟! لا والله، ولكن عهد من الله ـــــــــــــــــــــــ (1) الثقات 1: 89 ـ 90 ذكر عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على القبائل، واللفظ له. تاريخ الطبري 1: 556 ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل (عليه السلام) إليه بوحيه. السيرة النبوية لابن هشام 2: 272 عرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على بني عامر. البداية والنهاية 3: 139 فصل في عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه الكريمة على أحياء العرب. السيرة الحلبية 2: 3. الكامل في التاريخ 1: 609 ذكر وفاة أبي طالب وخديجة وعرض رسول الله نفسه على العرب. الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء: 304. (2) مسند أحمد 3: 441 حديث عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه (رضي الله عنهم)، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي 8: 145 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب كيفية البيعة. السنن الكبرى للنسائي 4 كتاب البيعة: 421 البيعة على السمع والطاعة،: 422 البيعة على القول بالعدل، و 5: 211،212 كتاب السير: البيعة. مسند ابن الجعد: 261 شعبة عن سيار بن أبي سيار أبي الحكم العنزي. سير أعلام النبلاء 2: 7 في ترجمة عبادة بن الصامت. تذكرة الحفاظ 3: 1131 في ترجمة ابن عبد البر. تاريخ دمشق 26: 196 في ترجمة عبادة بن الصامت. صحيح ابن حبان 10: 413 باب بيعة الأئمة وما يستحب لهم: ذكر البيان بأن النصح لكل مسلم في البيعة التي وصفناها كان ذلك مع الإقرار بالسمع والطاعة. مسند أبي عوانة 4: 407 بيان حظر منازعة الإمام أمره وأمر أمرائه ووجوب طاعتهم. -[ 82 ]- ورسوله لرجل فرجل، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه" (1). وفي حديث محمد بن الفضيل عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : "في قول الله عزوجل: ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهله)) قال: هم الأئمة. يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده، ولا يخص بها غيره،ولا يزويها عنه" (2). وفي حديث يزيد بن سليط عن الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) المتضمن لنصه على إمامة ولده أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من بعده، قال: "أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان، وأشركت معه بَنِيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده. ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني، لـحبي إياه، ورأفتي عليه. ولكن ذلك إلى الله عزوجل، يجعله حيث يشاء..." (3). والأحاديث في ذلك عنهم (صلوات الله عليهم) كثيرة جداً (4).
انحصار الأهلية للمنصب بمَن عينه الله تعالى له
ولاسيما وأن الله سبحانه لم يجعلها فيمَن جعلها فيه إلا لانحصار الأهلية به، وعدم صلاحية غيره له. ويكفينا في التعرف على الآثار والفوائد المهمة التي تترتب لو ولي الخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي يدعي الشيعة النص عليه.. ـــــــــــــــــــــــ (1) الكافي 1: 278 باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام) حديث:2. (2) الكافي 1: 276 ـ 277 باب أن الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله تعالى ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهله)) فيهم (عليهم السلام) نزلت حديث:3. (3) الكافي 1: 314 باب: الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) حديث:14. (4) راجع الكافي 1: 276 ـ 281، وغيره. -[ 83 ]- 1 ـ حديث الكتاب الذي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه أن يكتبه لأمته، ليعصمها من الضلال. وقد تقدم الحديث عنه في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. فإن الشواهد قاضية بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يثبت فيه خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بنحو يسد فيه الطريق على من يخالفه- ويأتي عن عمر الاعتراف بذلك- وأي شيء أهم من العصمة من الضلال؟ 2 ـ كلام الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) حول ما خسره المسلمون بعدولهم بالخلافة عنه (عليه السلام)، حيث قالت في خطبتها الصغرى: "وما الذي نقموا من أبي حسن، نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله. وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله1 لأعتلقه، ولسار إليهم سيراً سجح، لا تكلم حشاشته، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً يطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا قد تحير (كذا وردت في المصدر) بهم الرأي. غير متحل بطائل إلا بغمز الناهل، وردعه سورة الساغب. ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض. وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث. إلى أي لجأ استندو؟ وبأي عروة تمسكو؟ لبئس المولى ولبئس العشير، ولبئس للظالمين بدل. استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل. فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ((أَلا إِنَّهُم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)). ويحهم ((أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)). -[ 84 ]- أما لعمر الله لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع العقب دماً عبيطا وذعاقاً ممقر. هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا واطمئنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا..." (1). ولها (عليه السلام) كلام آخر في خطبتها الكبرى يأتي التعرض له إن شاء الله تعالى. 3 ـ حديث أبي عمر الجوني، قال: "قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر: كرداذ وناكرداذ ـ أي عملتم وما عملتم ـ لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" (2). 4 ـ وفي حديث حبيب بن أبي ثابت، قال: "قال سلمان يومئذٍ: أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم. لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان، ولأكلتموها رغداً" (3). وهو المناسب لما يأتي في جواب السؤال الرابع من الحديث عما يسمى بحروب الردة. 5 ـ ومثله في ذلك حديث أبي لهيعة: "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما مات وأبو ذر غائب، وقدم، وقد ولي أبو بكر. فقال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة. لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان" (4). وفي كلام آخر لأبي ذر في أيام عثمان: "أيها الناس من عرفني فقد ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 16: 233 ـ 234، واللفظ له. بلاغات النساء لابن طيفور: 20 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن الدمشقي 1: 165 ـ 169. (2) أنساب الأشراف 2: 274 أمر السقيفة. (3) شرح نهج البلاغة 2: 49، واللفظ له، و 6: 43. (4) شرح نهج البلاغة 6: 13. -[ 85 ]- عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري. أنا جندب بن جنادة الربذي [إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ]. محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية، أضاء زيته، وبورك زيدها (زنده.ظ). ومحمد وارث علم آدم، وما فضل به النبيون وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم، من كتاب الله وسنة نبيه. فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ))" (1). 6 ـ وفي حديث عمر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن حديثه مع أصحاب الشورى: "أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 171 في أيام عثمان بن عفان. (2) شرح نهج البلاغة 1: 186، واللفظ له. ويوجد هذا المعنى بألفاظ مختلفة في شرح نهج البلاغة 6: 326، المستدرك على الصحيحين 3: 101 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين عمربن الخطاب (رضي الله عنه) : مقتل عمر (رضي الله عنه) على الاختصار، والإمامة والسياسة 1: 26 في تولية عمربن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم، والطبقات الكبرى 3: 342 في ترجمة عمر: ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، وتاريخ اليعقوبي 2: 158 في أيام عمربن الخطاب، والمصنف لعبدالرزاق 5: 446 ـ 447 في بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، والأدب المفرد للبخاري: 204 باب من أحب كتمان السر وأن يجالس كل قوم فيعرف أخلاقهم، وأنساب الأشراف 3: 14 في بيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و 6: 120 في أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه)، والعقد الفريد 4: 255 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان، والفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 في ذكر ابتداء مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وتاريخ المدينة لابن شبة 3: 882، وغيرها من المصادر. -[ 86 ]- وأي مغنم للإسلام والمسلمين أعظم من ذلك؟!... إلى غير ذلك مما ورد على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) وبقية المسلمين. حيث يكشف ذلك عن كفاءة المنصوص عليه للمنصب، بنحو لا يمكن قيام غيره مقامه، ليمكن إضفاء الشرعية على حكمه، واعتزال المنصوص عليه له، لو كان له الحق في الاعتزال.
امتناع عثمان من اعتزال الخلافة مع عدم النص عليه
ومن الطريف أن عثمان قد امتنع من اعتزال الحكم حينما نقم عليه الناس، وطلبوا منه اعتزال أمرهم، محتجاً بأنه لا يخلع قميصاً كساه الله تعالى إياه (1)، مع أنه إنما ولي الحكم ببيعة الناس له، لابالنص، ومع ذلك يدعي المدعي أن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) حتى لو كانوا منصوصاً عليهم لأهليتهم عند الله تعالى دون غيرهم، فإنهم قد اعتزلوا الحكم، وتركوه لغيرهم، ورضوا بحكمه وأقروه!! ويؤكد ذلك في المقام.. ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 2: 675 في أحداث سنة خمس وثلاثين: ذكر الخبر عن قتله (أي عثمان) وكيف قتل. الكامل في التاريخ 3: 67 في أحداث سنة خمس وثلاثين: ذكر مقتل عثمان. المنتظم 5: 55 في أحداث سنة خمس وثلاثين: خروج أهل مصر ومن وافقهم على عثمان (رضي الله عنه). تاريخ دمشق 39: 438 في ترجمة عثمان بن عفان. -[ 87 ]- إمضاء ما حصل مستلزم لضياع معالم الحق على الناس
أولاً: أن استيلاء الأولين لم يكن مبنياً على أخذ الحق من صاحبه مع الاعتراف بكونه صاحب الحق، بل على عدم الاعتراف لصاحب الحق بحقه، تجاهلاً للنص عليه، ولدعوى أن الخلافة لقريش عامة، أو لمن عدا بني هاشم منهم، لأنه لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد، أو لغير ذلك. وعلى ذلك فإمضاء ما حصل، وإقرار خلافة المستولين، مستلزم لتحريف حكم الله تعالى، وضياع معالم الحق على الناس. كيف؟! وقد ضاع ذلك على الجمهور، فاعتقدوا عدم النص، بسبب استيلاء المستولين، وأغفلوا أو تغافلوا عن النص، مع وجوده، ووجود طائفة كبيرة تعتقد به، وتعلن عنه، وتؤكد عليه، تقوم بسببها الحجة على الناس، فكيف يكون الحال لو أقر الأئمة (صلوات الله عليهم) ما حصل، وأعلنوا شرعيته، وسكتوا هم وشيعتهم عن الإنكار عليه؟! وقد ذكر المجلسي (قدس سره) عن كتاب الاستدراك، قال: "ذكر عيسى بن مهران في كتاب الوفاة (1) بإسناده عن الحسن بن الحسين العرني، قال: حدثنا مصبح العجلي، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر. قال: لما ثقل أبي أرسلني إلى علي (عليه السلام) فدعوته، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن إني كنت ممن شغب عليك، وأنا كنت أولهم، وأنا صاحبك، فأحب أن تجعلني ـــــــــــــــــــــــ (1) قال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسيP في كتاب الفهرست: "عيسى بن مهران المعروف بالمستعطف. يكنى أبا موسى. له كتاب الوفاة تصنيفه. أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن همام عن أحمد بن محمد بن موسى النوفلي عنه. وذكر له ابن النديم من الكتب كتاب مقتل عثمان..."/ الفهرست باب عيسى: 142. وقال النجاشي: "عيسى بن مهران المستعطف يكنى أبا موسى. له عدة كتب. منها كتاب مقتل عثمان... وكتاب الوفاة، وكتاب الكشف..." / الرجال باب عيسى: 297. -[ 88 ]- في حِلّ. فقال: نعم، على أن تدخل عليك رجلين، فتشهدهما على ذلك. قال: فحول وجهه إلى الحائط، فمكث طويلا ثم قال: يا أبا الحسن ما تقول؟ قال: هو ما أقول لك. قال: فحول وجهه.. فمكث طويلا ثم قام فخرج. قال: قلت: يا أبة قد أنصفك، ما عليك لو أشهدت له رجلين؟ قال: يا بني، إنما أراد أن لا يستغفر لي رجلان من بعدي" (1). وهذه الرواية وإن كنا لا نتعهد بصحتها إلا أنه قد يناسبها ما ذكره المؤرخون لقصة الشورى، من أن عمر قد ثلب جماعة الشورى (2) بما يناسب إبعادهم عن الخلافة، ولم يطعن في أمير المؤمنين إلا بأنه ذو دعابة (3)، مع تصريحه بأنه لو وليهم لـحملهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء، كما ـــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأنوار 30: 142 باب ما أظهر أبو بكر وعمر من الندامة على غصب الخلافة عند الموت حديث:10، واللفظ له، و 8: 206 الطبعة الحجرية كمبني. (2) الاستيعاب 3: 1119 في ترجمة علي بن أبي طالب. الإمامة والسياسة 1: 26 تولية عمر ابن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم. كتاب الآثار: 217. أنساب الأشراف 6: 121 أمر عثمان بن عفان: أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه). تاريخ المدينة لابن شبة 3 مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأمر الشورى: 880، 881، 882، 883. شرح نهج البلاغة 6: 326. كنز العمال 5: 740 حديث:14266،: 742 حديث:14267.الفائق في غريب الحديث 3: 168. غريب الحديث لابن سلام 3: 331، في مادة قنب. الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 ذكر ابتداء مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). (3) الاستيعاب 3: 1119 في ترجمة علي بن أبي طالب. العقد الفريد 4: 262 فرش كتاب العسجدة الثانية: في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان. أنساب الأشراف 6: 121 أمر عثمان بن عفان: أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه). تاريخ المدينة لابن شبة 3: 880 مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأمر الشورى. شرح نهج البلاغة 6: 326 ـ327. كنز العمال 5: 740 حديث:14266،: 742 حديث:14267.الفائق في غريب الحديث 3: 168. غريب الحديث لابن سلام 3: 331، في مادة قنب. الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 324 ذكر ابتداء مقتل عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه). -[ 89 ]- سبق، وهو مناسب لتقريبه من الخلافة وترشيحه له. بل قال الطبري: "فخرجوا ثم راحو، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر، فأولي رجلاً أمركم، هو أحرى أن يحملكم على الحق - وأشار إلى علي - ورهقتني غشية، فرأيت رجلاً يدخل جنة، قد غرسها فجعل يقطف كل غضة يانعة، فيضمه إليه، ويصيره تحته، فعلمت أن الله غالب أمره ومتوف عمر. فما أريد أن أتحملها حياً وميتا عليكم هؤلاء الرهط...". ثم ذكر تدبير عمر في أمر الشورى بما هو معروف مشهور (1). حيث يبدو بوضوح تدافع كلامه، لأنه بالآخرة قد تحملها بتدبيره في الشورى بما يؤدي إلى تعيين عثمان. فلا يبعد أن يكون عزمه أولاً على استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كان أملاً في أن يجعل ذلك جزاء منه لتحليل أمير المؤمنين (عليه السلام) له مما فعل معه، فلما أيس من ذلك - كما تضمنته الرواية المتقدمة - قلب له ظهر المجن، فقرنه بجماعة من هوان الدنيا على الله تعالى أن يقرن (عليه السلام) بهم، ثم دبر الأمر ضده، وسد الطريق عليه بتعيين عثمان، ومن ورائه عشيرته التي لا تتورع عن شيء في سبيل الاستيلاء على مواقع القوى، والحيلولة دون وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته للحكم بعد ذلك. وقد فعل عمر ذلك إما حباً منه لعثمان، وإما إعراضاً منه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، لضغنه عليه قديما أو لأنه لم يُحِلَّه، وإما لأنه خشي أن تنكشف الحقيقة، وتظهر ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) بوصولهم للحكم، وسماع الناس لصوتهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 2: 580 وما بعدها قصة الشورى. وسقطت كلمة (ورهقتني) من تاريخ الطبري في برنامج الألفية، فألحقناها اعتماداً على الطبعة الموجودة في برنامج المعجم الفقهي. -[ 90 ]- وعلى كل حال سواءً صدقت هذه الرواية أم لم تصدق، فما تضمنته من اهتمام أمير المؤمنين (عليه السلام) برفع الالتباس في أمر الخلافة، وظهور حكم الله تعالى فيها للناس، أمر لاريب فيه. وهو من أقوى الموانع من إقراره (عليه السلام) خلافة الأولين، وإضفاء الشرعية عليه، لو كان من حقه ذلك.
مبدئية الإسلام لا تناسب تبعية الشرعية الإلهية للقهر والقوة
وثانياً: أن مبدئية الإسلام، وشرف رسالته، ومثالية تعاليمه، لا تناسب تبعية الشرعية الإلهية للقوة، وقهر أصحاب الحق في استلاب حقهم، خصوصاً في مثل حق الخلافة، الذي يحظى بمقام رفيع، وقدسية عالية، في التشريع الإسلامي. ولاسيما إذا كانت دوافع القهر والاستيلاء على الحق المذكور نزعات مصلحية، كالحسد ونحوه مما تقدم التعرض له في السؤال الثاني. نعم، قد تضمنت تعاليم الديانتين: اليهودية والنصرانية المعاصرتين، تبعية القدسية الإلهية والمناصب الدينية للقهر والقوة، والكذب والتحايل، في قصص خرافية حسبت على الدينين الإلهيين، نتيجة التحريف والتضليل الذي لحقهم. ولاريب في نزاهة الدينين المذكورين في حقيقتهما عن ذلك، فكيف بدين الإسلام العظيم الذي هو خاتم الأديان، والقمة في الكمال التشريعي والمثالية والمبدئية؟! والحاصل: أنه بعد فرض ثبوت الحق لأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، نتيجة النص الإلهي - كما تقول الشيعة - لا مجال لإقرارهم (عليهم السلام) ما حصل من الأولين في أمر الخلافة، وإضفاء الشرعية عليه، لمنافاة ذلك للنص الإلهي، ولما يستلزمه من تضييع الحقيقة والتلبيس عليه، ولمجافاته لمبدئية التشريع المقدس ومثاليته.
-[ 91 ]- يحق للخليفة أن يستنيب غيره في إدارة الأمة
نعم يحق للخليفة الشرعي أن يستنيب غيره عنه في إدارة الأمور في بلادٍ خاصة، أو في حالات خاصة، على أن يكون ذلك الغير نائباً عنه، تحت أمره ونظره، مع كونه هو الخليفة، لا على أن يكون ذلك الغير هو الخليفة بدلاً عنه، بالتنازل من الخلافة، أو هبته، أو بيعه، أو نحو ذلك. ومن المعلوم أن ذلك لم يحصل مع الأولين ولا مع غيرهم، وإنما استولوا على الحكم على أنهم هم الخلفاء الحاكمون، وعلى أن الأئمة من أهل البيت رعية محكومون.
الشيعة على بصيرة تامة من عدم تنازل الأئمة (عليهم السلام) عن حقهم
الثاني: أن الشيعة على بصيرة تامة من أن الأئمة (صلوات الله عليهم) لم يتنازلوا عن حقهم، بل لم يزالوا في عهودهم يشكون من غصب حقهم، ويؤكدون ظلامتهم، ويتنمرون ممن ظلمهم، ويبرؤون منه، ويوالون على ذلك، ويرونه من تتمة الدين الذي يجب التمسك به، وتتوقف النجاة عليه. وأحاديث الشيعة التي رووها في ذلك عن أئمتهم أكثر من أن تحصى، تتجاوز حدّ الاستفاضة والتواتر بمراتب، حتى بلغ الحال أن صار ذلك من ضرورات مذهبهم، لا يختلفون فيه، ولا يحيدون عنه.
دعوى كذب الشيعة في نسبة ذلك لأئمتهم (عليهم السلام)
وربما يدعي المدعي خطأ الشيعة في ذلك، أو كذبهم فيه، افتراء على أئمتهم (عليهم السلام) وبهتاناً عليهم، خصوصاً من يحاول تشويه صورة الشيعة، وبهتهم بالموبقات العظام، وكأنهم أناس لا يعرفون من الحق والدين شيئا وإنما بني دينهم - عقيدة، وسلوكاً - على الافتراء، والضلال، والبدع، والخرافات. -[ 92 ]- رد الدعوى المذكورة، وذكر الشواهد على صدق الشيعة
لكن ذلك - في الحقيقة - ناشئ عن قوة حجة الشيعة، وأخذهم بأكظام خصومهم وسدّهم الطرق عليهم، حيث يضطر الخصم حينئذٍ للمكابرة والبهتان، من أجل التنفير عن الشيعة، لئلا تسمع دعواهم، وينظر في حججهم. ولو أنصف الباحث وتجرد عن التراكمات والمسلمات، ولاحظ الشواهد والملابسات، لم يشك في صدق الشيعة في نسبتهم ذلك لأئمتهم (عليهم السلام) بعد اختصاصهم بأئمتهم (صلوات الله عليهم) وموالاتهم لهم، وتفاعلهم معهم، وأخذهم عنهم...
لا داعي لافتراء الشيعة ذلك مع أنه جر عليهم البلاء
أولاً: لأنه لو لم يكن ذلك صادراً عن الأئمة (عليهم السلام) فليس هناك ما يدعو شيعتهم لأن يفتروه على أئمتهم (عليهم السلام)، ويتبنوه ويتدينوا به. ولاسيما وأنه قد كلفهم شططًا وعرضهم لضروب البلاء والمحن والمآسي والفجائع. والخطأ في العقائد والتعاليم المأخوذة عن الغير - كالأنبياء (عليهم السلام) وذوي المقالات - وإن كان شايعًا إلا أنه ينشأ من البعد عن أصحاب الدعوة والمبشرين به، وتحوير النقلة والمفسرين له، ولا مجال لذلك في الشيعة مع أئمتهم (عليهم السلام) في هذا الأمر لأن هذه العقيدة عرفت عن الشيعة من عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) - كما يأتي - وتجلت بوضوح بعد قتل الحسين (عليه السلام)، حين أعرض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن المطالبة بالسلطة - لليأس منها في القريب المنظور - واتجهوا لتثقيف شيعتهم بثقافتهم، وبثّ علومهم ومعارفهم المختلفة فيهم، حيث قام للشيعة الإمامية كيان ظاهر، وتجلت معالم عقيدتهم، وهم يعاشرون الأئمة (عليهم السلام) -[ 93 ]- ويختصُّون بهم واحداً بعد واحد إلى مائتي عام، يضاف إليها ما يقرب من سبعين عاماً عصر الغيبة الصغرى، التي كان الاتصال فيها بالإمام (عجل الله فرجه) ميسوراً بواسطة سفرائه الأربعة (رضي الله عنهم)، إذ يمتنع عادة مع كل ذلك خفاء رأي الأئمة (عليهم السلام) عن شيعتهم، واختلافهم معهم.
لو كان الشيعة مفترين لوجب على الأئمة (عليهم السلام) مباينتهم
وثانياً: لأن ذلك لو لم يكن من مذهب الأئمة (عليهم السلام)، وكان مفتعلاً عليهم، لوجب على الأئمة (عليهم السلام) الإنكار على الشيعة، فإن أصروا على فريتهم وخلافهم رفضوهم وطردوهم، وباينوهم ولم يخالطوهم، كما رفض أمير المؤمنين (عليه السلام) مَن غلا فيه، ورفض الإمام الصادق (عليه السلام) أبا الخطاب وجماعته، ورفض مَن بعده من الأئمة (عليهم السلام) مَن شذّ عن طريقتهم، وخرج عن تعاليمهم،مع أن ذلك لم يحصل، بل كان لهم (صلوات الله عليهم) كيانهم القائم بشيعتهم، كفرقة ملتحمة بهم، متميزة بموالاتهم، تتجه وجهتهم، وتفرح لفرحهم، وتحزن لحزنهم، وتتحرى مناسباتهم ومايتعلق بهم، وتعمل على فقههم وأحاديثهم وتعاليمهم، وتحفظها عنهم في كتبها ومؤلفاته، وتحدث بها في مجالسها وأماليه، وتتبناها وتعتز به، وتشيد بشأنه. وإذا كان رأي أئمة المذاهب يعرف من طريق أصحابهم المختصين بهم، فلم لا يعرف مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من طريق شيعتهم؟! مع أن اختصاص شيعتهم بهم (عليهم السلام)، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم، أطول مدة بكثير، وأظهر، من اختصاص أولئك برؤسائهم، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم.(إذن،مذهب الأئمة يعرف من طريق شيعتهم). -[ 94 ]- حفظ الشيعة لتراث أئمتهم (عليهم السلام) يشهد باختصاصهم بهم
وإذا كابر المكابر مع كل ذلك، فأنكر اختصاص الشيعة بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتفاعلهم معهم، وكذب أحاديثهم عنهم، فماذا يقول عن الكمّ الهائل من الأدعية (1)، والزيارات (2) - على اختلاف مضامينها ومناسباتها الكثيرة - والحكم، والمواعظ، والخطب، ونحوها مما يفيض بالعلم الإلهي؟. تلك الكنوز التي اختص بها الشيعة، وتميزوا بها عن غيرهم. وقد امتازت بلسانها الرفيع، وبيانها الفريد، ومضامينها الشريفة العالية. فإن المنصف يرى أن الأئمة (عليهم السلام) لم يمكنوهم منه، ويخصوهم به، إلا لاستجابتهم لهم (عليهم السلام) ورضاهم (عليهم السلام) عنهم، وانسجامهم معهم. ولماذا لم يتلقفها جمهور السنة ويتناقلوها ويرعوها ويحفظوه؟ (3)، مع أنهم قد أخذوا من أصناف الناس على اختلاف ميولهم ونزعاتهم، ومن ـــــــــــــــــــــــ (1) كأدعية كميل، والصباح، والعشرات، المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودعاء الحسين يوم عرفة، وأدعية الصحيفة السجادية، ودعاء الافتتاح، ودعاء أبي حمزة الثمالي الذي يقرأ في شهر رمضان، وبقية أدعية شهر رمضان في لياليه وأسحاره ونهاره، وأدعية شهري رجب وشعبان، وأدعية ليالي الجمع، وغيرها مما لا يحصى كثرة، ذات المضامين العالية في تمجيد الله تعالى وتقديسه والثناء عليه، والبخوع له والتضاؤل أمامه، والتذلل بين يديه، والرهبة منه، والرجاء له، والرغبة إليه، واستعطافه واسترحامه، والابتهال إليه والطلب منه، وغير ذلك مما لا يحصى من فنون الدعوات. (2)كزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بزيارة (أمين الله)، وبقية زياراته في مختلف المناسبات، وزيارة وارث، وليلة النصف من شعبان للحسين (عليه السلام)، وبقية زياراته (عليه السلام) في مختلف المناسبات، والزيارة الجامعة الكبيرة لجميع الأئمة (عليهم السلام)، وبقية زيارات المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ذات المضامين العالية الجليلة. (3)يقول المرجع الديني المعاصر السيد شهاب الدين المرعشيP في استدراكه على مقدمة الصحيفة السجادية المطبوعة في حدود سنة 1361 هـ: "وإني في سنة 1353هـ بعثت نسخة من الصحيفة الشريفة إلى العلامة المعاصر الشيخ جوهري طنطاوي صاحب التفسير المعروف، مفتي الإسكندرية، ليطالعه، فكتب إلي من القاهرة وصول الصحيفة، وشكر لي هذه الهدية السنية، وأطرى في مدحها والثناء عليه، إلى أن قال: ومن الشقاء أنا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد، من مواريث النبوة وأهل البيت. وإني كلما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق إلى آخر ما قال. ثم سأل عني (كذا في المصدر): هل شرحها أحد من علماء الإسلام؟ فكتبت إليه أسامي من شرحه ممن كنت أعلم به. وقدمت لسماحته رياض السالكين للسيد علي خان. وكتب في جواب وصوله: إني مصمم ومشمر الذيل على أن أكتب شرحاً على هذه الصحيفة العزيزة. انتهى". فإذا كان الشيخ جوهري طنطاوي، مع موسوعيته، وكثرة اطلاعه، لم يطلع على الصحيفة السجادية مع اشتهارها وشيوع انتشارها بين الشيعة ـ على اختلاف مذاهبهم ـ فكيف بغيره ممن هو أقل منه اطلاع، وأضيق أفق؟! وكيف يكون الحال مع غير الصحيفة السجادية مما هو دونها ظهوراً وانتشار؟! -[ 95 ]- مختلف فنونهم ومعارفهم وثقافاتهم. وإذا كان القرآن المجيد شاهداً على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في رسالته عن الله تعالى، فإن تلك الكنوز الثمينة التي رواها الشيعة عن أهل البيت (عليهم السلام) شاهدة بميراث أهل البيت (عليهم السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معارفه، وتفاعلهم بتعاليمه. إذ لا ريب في عدم افتراء الشيعة لذلك كله من عند أنفسهم، فإنه يتعذر عادة صدور مثله من مجموعة يبتني كيانها على الكذب والبهتان، ليس لها مرشد يجمعها على حق. بل يمتنع عادة صدوره من غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين ورثو -[ 96 ]- علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذوا عنه، وهم (صلوات الله عليهم) - كما قالوا - أمراء الكلام (1)، وعندهم الحكمة، وفصل الخطاب (2). كما أن تلك الكنوز الثمينة شاهدة لشيعتهم - الذين يحملونها عنهم، ويمتازون بمعرفته، ويعتزون بها من بين جمهور المسلمين - بصدق انتسابهم لأهل البيت (عليهم السلام)، واختصاصهم بهم، وتفاعلهم معهم، وحملهم علومهم ومعارفهم، وكونهم مورداً لعناية أهل البيت (صلوات الله عليهم) ورعايتهم، ولفيوضاتهم القدسية المباركة الشريفة.
تأثر الشيعة بأخلاق الأئمة (عليهم السلام)
ومن الطريف ما ذكره ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة عند ترجمة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه). حيث قال: "وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحي، والتبسم، فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه. قال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنه ذو دعابة شديدة... وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب، لقوله لما عزم على استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك، إلا أن عمر اقتصر عليه، وعمرو زاد فيها وسمجه. قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد. وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه... وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 266. (2) بحار الأنوار 97: 209، 28: 53. (3) شرح نهج البلاغة 1: 25 ـ 26 القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر لمع يسيرة من فضائله. -[ 97 ]- فإذا كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد استطاعوا تكييف الشيعة خلقياً بما يناسب أخلاقهم العالية وسجاياهم الكريمة، في لين الجانب، وسجاحة الخلق، فهم أحرى بأن يعرفوهم مذهبهم في الإمامة والخلافة، ويأمروهم بمتابعتهم فيه. وإذا كان الشيعة قد تأثروا بهم نفسياً وتفاعلوا معهم خلقيا فهم أحرى بأن يتابعوهم في أمر الإمامة والخلافة، ولا يخرجوا عن مذهبهم فيها فإن هذه المسألة علمية محضة، والتعرف عليها أهون بكثير من التفاعل في الأخلاق والسجايا ولاسيما مع أن اضطهاد الشيعة على مرّ العصور، وشدة محنتهم، وقسوة الجمهور معهم، من شأنها أن تجعلهم حاقدين معقدين، وتحملهم على الشراسة، ووعورة الجانب، وسوء الخلق، لولا تأثرهم بأئمتهم (عليهم السلام) وتفاعلهم معهم.
مجانبة الجمهور لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)
على أن ملاحظة الواقع القائم بين الأئمة (صلوات الله عليهم) والجمهور تشهد بانعزالهم (عليهم السلام) عن مجتمع الجمهور العقائدي والثقافي، وعن كيانهم، ومجانبة ذلك المجتمع لهم - بعامته وخاصته، من رواته وفقهائه وسائر علمائه - خصوصاً الأئمة المتأخرين (عليهم السلام)، الذين قويت في عصورهم عقيدة الشيعة الإمامية، وظهرت معالمها بجلاء، وقام فيها للشيعة كيان ظاهر متميز. والجمهور وإن كانوا يحاولون إنكار ذلك، لما لأهل البيت (عليهم السلام) من قدسية مفروضة عليهم، إلا أنه أمر لا يقبل الإنكار، بعد كونهم في الأصول بين الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة وغيره، وفي الفروع بين -[ 98 ]- المذاهب الأربعة، بل أكثر من ذلك فيما سبق، من دون أن يعرجوا على أهل البيت (صلوات الله عليهم) أو ينتسبوا إليهم. وقد تميز أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكثير من الأقوال والآراء في الفقه والأصول عرفت عنهم، وعزف عنها الجمهور، ولم يتمسك بها غير شيعتهم.
موقف الجمهور من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ومن أعدائهم
كما أن الجمهور بوجهتهم العامة يوالون من حارب أهل البيت (عليهم السلام) أو نال منهم ويحترمونهم، ويحتجون برواياتهم ويتجاهلون ما صدر منهم، أو يحاولون الدفاع عنه وتوجيهه والاعتذار له، مع أنهم يقفون من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لمجانبتهم الأولين أشد المواقف وأقساه. كل ذلك لأنهم لا يتفاعلون مع أهل البيت (عليهم السلام) تفاعلهم مع الأولين، ولا يوالونهم ويتبنونهم كما يوالون الأولين ويتبنونهم. بل قد يبدو من خاصة الجمهور وعامتهم بعض المواقف القاسية من أهل البيت (عليهم السلام) في فلتات واندفاعات تكشف عما كمن في صدورهم من دون أن يستطيعوا كتمانه والسيطرة عليه.
بعض مواقف علماء الجمهور من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
1 ـ فهذا الإمام أبو جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الباقر (1)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه: "يبقر العلم بقراً" (2)، وذلك لتبحره في ـــــــــــــــــــــــ (1) عيون الأخبار 1: 212، باب من أخبار الدولة والمنصور والطالبيين. شرح نهج البلاغة 3: 286، 7: 122. (2) عيون الأخبار 1: 212، باب من أخبار الدولة والمنصور والطالبيين. أخبار الدول والآثار: 111. تاج العروس للزبيدي 3: 55. الفصول المهمة: 197. وغيرها من المصادر. -[ 99 ]- العلم (1) وتوسعه، ولأنه بقر العلم وعرف أصله، واستنبط فرعه (2). قال ابن حجر الهيثمي: "سمي بذلك من بقر الأرض، أي شقه، وأثار مخبئاتها ومكامنه، فكذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثَمَّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه وشاهر عَلَمه" (3). ومع كل ذلك يقول عنه الذهبي: "ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهد، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن. ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه، ولا في الفقه درجة أبي الزناد وربيعة، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب" (4). فانظر إلى هوان الدنيا وامتهانها حيث انتهى الأمر إلى أن يفضل هؤلاء على الإمام الباقر (عليه السلام). وله أسوة بجدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: "متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟!" (5). 2 ـ وهذا البخاري لم يحتج بالإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه)، ولم يرو عنه في صحيحه (6)، مع أنه روى عن ـــــــــــــــــــــــ (1) القاموس الحيط 1: 450. (2) غريب الحديث لابن الجوزي 1: 81 باب الباء مع القاف. لسان العرب 4: 74 باب (بقر). وغيرهما من المصادر. (3) الصواعق المحرقة 2: 585. (4) سير أعلام النبلاء 4: 402 في ترجمة أبي جعفر الباقر. (5) نهج البلاغة 1: 35. (6) تذكرة الحفاظ 1: 167 في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق. من تكلم فيه: 60. سير أعلام النبلاء 6: 269 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لايوجب ردهم: 75. ميزان الاعتدال 2: 144 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. المغني في الضعفاء: 134. تهذيب التهذيب 2: 90 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. وغيره. -[ 100 ]- مثل مروان بن الحكم (1)، وعمران بن حطان الخارجي (2). وقال: "وقال لي عبد الله بن أبي الأسود عن يحيى بن سعيد: كان جعفر إذا أخذت منه العفو لم يكن به بأس، وإذا حملته حمل على نفسه" (3). 3 ـ وعن يحيى بن سعيد أنه قال: "أملى عليّ جعفر بن محمد الحديث الطويل (يعني: في الحج) ثم قال: وفي نفسي منه شيء. مجالد أحب إليّ منه" (4). 4 ـ وقال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي في ترجمة الإمام الصادق (عليه السلام) : "يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه، لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة. وإنما مرض القول فيه من مرض من أئمتنا لما رأوا في حديثه من رواية أولاده" (5). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 1: 265 كتاب صفة الصلاة: باب القراءة في المغرب، 2: 567 كتاب الح باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، 2: 810 كتاب الوكالة: باب إذا وهب شيئاً لوكيل أو شفيع قوم جاز لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لوفد هوازن حين سألوه المغانم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصيبي لكم، 3: 1042 كتاب الجهاد والسير: باب قول الله تعالى[لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر... إلى قوله غفوراً رحيماً]، 3: 1362 كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب الزبيربن العوام (رضي الله عنه)، 4: 1532 كتاب المغازي: باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى[لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة]، 4: 1677 كتاب التفسير: باب لايستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله، 5: 2039 كتاب الطلاق: باب قول الله تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)). (2) صحيح البخاري 5: 2194 كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه، 5: 2220 باب نقض الصور. (3) التاريخ الكبير 2: 198 في ترجمة جعفر بن محمد بن علي. (4) سير أعلام النبلاء 6: 256 في ترجمة جعفر بن محمدالصادق، واللفظ له. الكامل في ضعفاء الرجال 2: 131، 132 ـ133 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب التهذيب 2: 88 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب الكمال 5: 76 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. (5) الثقات 6: 131 ـ 132 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق، واللفظ له. وتجده في نصب الراية 2: 413، وتهذيب التهذيب 2: 88 مع اختلاف يسير. -[ 101 ]- مع أن أولاده (عليهم السلام) من سادات المسلمين، وفيهم من هم من أئمة أهل البيت (عليهم السلام). 5 ـ ويقول مصعب بن عبدالله الزبيري: "كان مالك بن أنس لا يروي عن جعفر بن محمد حتى يضمه إلى آخر من أولئك الرفعاء، ثم يجعله بعده" (1). 6 ـ وسئل أحمد بن حنبل عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: "قد روى عنه يحيى، ولينه" (2). 7 ـ وقال ابن عبد البر: "وكان ثقة مأموناً عاقلاً حكيماً ورعاً فاضل. وإليه تنسب الجعفرية. وتدعيه من الشيعة الإمامية. وتكذب عليه الشيعة كثير. ولم يكن هناك في الحفظ. ذكر ابن عيينة أنه كان في حفظه شيء" (3). 8 ـ وقال ابن حجر عن الإمام الصادق (عليه السلام) : "قال ابن سعد: كان كثير الحديث. ولا يحتج به ويستضعف. سئل مرة: سمعت هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم. وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه" (4). 9 ـ وقال أبو حاتم في ترجمة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : "يجب أن يعتبر حديثه إذا روى عنه غير أولاده وشيعته، وأبي الصلت خاصة" (5). مع أن الإمام الرضا (عليه السلام) ليس له ولد غير الإمام أبي جعفر محمد الجواد (صلوات الله عليه). وقال: "يروي عن أبيه العجائب. روى عنه أبو ـــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب الكمال 5: 76 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. الكامل في ضعفاء الرجال 2: 131 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. (2) العلل ومعرفة الرجال: 52. بحرم الدم: 97. (3) التمهيد لابن عبد البر 2: 66 في ترجمة جعفر بن محمد بن علي. (4) تهذيب التهذيب 2: 88 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. (5) الثقات 8: 456 في ترجمة علي بن موسى الرض. -[ 102 ]- الصلت وغيره. كأنه كان يهم يخطئ" (1). 10 ـ وقال ابن طاهر عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "يأتي عن آبائه بعجائب" (2). 11 ـ وقال النباتي بعد أن استنكر أحاديث نسبها للإمام الرضا (عليه السلام) : "وحق لمن يروي مثل هذا أن يترك ويحذر" (3). 12 ـ وقال ابن خلدون كلمته النابية القاسية: "وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به. وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم. وهي كلها أصول واهية. وشذّ بمثل ذلك الخوارج. ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح،فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشيء منها إلا في مواطنهم. فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة..." (4). وهو وإن أغرق في النيل من أهل البيت (عليهم السلام) والتعدي عليهم- بل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جعلهم مرجعاً لأمته، يعصمهم من الضلال والهلكة- إلا أنه صدق في توضيح موقف الجمهور من أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ومجانبتهم لهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) المجروحين 2: 106 في ترجمة علي بن موسى الرض، واللفظ له. تهذيب التهذيب 7: 339 في ترجمة علي بن موسى الرض. سير أعلام النبلاء 9: 389 في ترجمة علي الرض. (2) المغني في الضعفاء 2: 456، واللفظ له. ميزان الاعتدال 5: 192 في ترجمة علي ابن موسى الرض. (3) تهذيب التهذيب 7: 339 في ترجمة علي بن موسى الرض. (4) مقدمة ابن خلدون 1: 446 الفصل السابع في علم الفقه وما يتبعه من فرائض. -[ 103 ]- كما أنه صار بذلك شاهد صدق للشيعة فيما ينسبونه لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، ويأتمون بهم فيه، بينما يحاول الجمهور أن يكذبوا الشيعة في نسبة ذلك لهم (عليهم السلام). وليت شعري إذا كان هؤلاء الأئمة (صلوات الله عليهم) كما يذكر هؤلاء الرجال في العلم، وضعف الحديث، والشذوذ وغير ذلك، فمن هم إذاً الذين جعلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أماناً لأمته من الضلال والهلكة؟! (1). هذا سؤال لا ينبغي للعاقل الرشيد أن يهمله، بل عليه أن يجد ويجتهد في التعرف على جوابه، ليصل إلى نتيجة مقنعة، تصلـح عذراً بين يدي الله تعالى يوم يعرض عليه، ويقف بين يديه ((يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ )) (2).
بعض مواقف عامة الجمهور من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
أما عامة الجمهور فقد تبعوا علماءهم في هذا الموقف، وربما اندفعوا - تلقائياً أو بدَفْع مِن بعض علمائهم - اندفاعات طريفة، وأغرقوا في إظهار مجانبتهم لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، في مواقف وفعاليات نذكر منها ما يلي.. 1 ـ قال ابن الأثير في حوادث سنة 363هـ: "وكان أبو تغلب قد قارب بغداد، فثار العيارون به، وأهل الشر بالجانب الغربي، ووقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة. وحمل أهل سوق ـــــــــــــــــــــــ (1) كما تضمنه حديث الثقلين وحديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من تخلف عنها غرق، وغيرهما من الأحاديث الكثيرة التي يأتي التعرض لبعضها في المواضع المناسبة من حوارنا هذ. (2) سورة الدخان الآية:41. -[ 104 ]- الطعام - وهم من أهل السنة - امرأة على جمل، وسموها عائشة، وسمى بعضهم نفسه طلحة، وبعضهم الزبير، وقاتلوا الفرقة الأخرى، وجعلوا يقولون: نقاتل أصحاب علي بن أبي طالب. وأمثال هذا من الشر" (1). وقال ابن كثير: "فيها في عاشوراء عملت البدعة الشنعاء على عادة الروافض، ووقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أهل السنة والرافضة. وكلا الفريقين قليل عقل أو عديمه، بعيد عن السداد. وذلك أن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة، وسموها عائشة، وتسمى بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي. فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير" (2). 2 ـ ويبدو أن الجمهور من السنة حين عجزوا عن منع الشيعة عن إقامة المآتم على سيد الشهداء الإمام الحسين (صلوات الله عليه وسلامه) وزيارته حاولوا مناقضتهم بإقامة شعائر ومآتم يثبتون بها هويتهم. ولم يخطر في بالهم أن يقولوا للشيعة: ن | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 5:30 am | |
| -[ 107 ]- اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بهداية الأمة وتثقيفها أما الأئمة (صلوات الله عليهم) فهم ورثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحملة علومه. ويرون وظيفتهم هداية الأمة من بعده، وتثقيفها الثقافة الصحيحة الرشيدة، فكان من اهتماماتهم بث علومهم ومعارفهم في المسلمين. وقد اشتهر عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه كان يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني" (1). وقال كميل بن زياد في حديثه المشهور: "أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاه، فاحفظ عني ما ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 2: 383 كتاب التفسير: تفسير سورة إبراهيم. السنن الواردة في الفتن 4: 838 باب من الأشراط والدلائل والعلامات، 6: 1196 باب من قال إن صافي بن صياد هو الدجال. ومثله في تفسير الطبري 13: 221، والمستدرك على الصحيحين 2: 506 كتاب التفسير: تفسير سورة الذاريات، ومعتصر المختصر 2: 302 في مناقب علي، ولكن بدل (تفقدوني) (لاتسألوني). وورد بألفاظ أخرى مختلفة في كل من الأحاديث المختارة 2: 61 فيما رواه خالد بن عرعرة عن علي (عليه السلام)، ومجمع الزوائد 4: 269 كتاب النكاح: باب فيما يحرم من النساء وغير ذلك، والمصنف لابن أبي شيبة 3: 530 كتاب النكاح: ما جاء في إتيان النساء في أدبارهن وما جاء فيه من الكراهة، و 5: 312 كتاب الأدب: من كان يستحب أن يسأل ويقول سلوني، و 7: 528 كتاب الفتن: ما ذكر في عثمان، ومسند الشاشي 2: 96، ومسند البزار 2: 304، ومسند أبي يعلى 1: 311 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وأمالي المحاملي: 192، والفتن لنعيم بن حماد 1: 40، وفتح الباري 11: 291، وتحفة الأحوذي 7: 27، وفيض القدير 4: 357، وحلية الأولياء 4: 366 في ترجمة أبي صالـح الحنفي، وتهذيب التهذيب 7: 297 في ترجمة علي بن أبي طالب، وتهذيب الكمال 20: 487 في ترجمة علي بن أبي طالب، والطبقات الكبرى 2: 338 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، والإصابة 4: 568 في ترجمة علي بن أبي طالب، وتهذيب الأسماء: 317، وتالي تلخيص المتشابه 1: 62، وأخبار مكة 3: 228 ذكر أوائل الأشياء التي حدثت بمكة في قديم الدهر إلى يومنا هذ. -[ 108 ]- أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق...". ثم أطال (عليه السلام) في بيان فضيلة العلم وفرضه، ثم قال: "ها إن ههنا لعلماً جماً - وأشار إلى صدره - لو أصبت له حملة..." (1). وفي حديث عمير بن إسحاق قال: "دخلت أنا ورجل على الحسن ابن علي نعوده، فقال: يا فلان سلني، قال: لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك، قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لا تسألني..." (2). وعن عمرو بن أبي المقدام أنه قال: "كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: سلوني سلوني" (3). وعن صالـح بن أبي الأسود: "سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي" (4). وقد ورد عنهم (صلوات الله عليهم) الكثير من ذلك. ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 4: 36، واللفظ له. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 57. كنز العمال 10: 263 حديث: 29391. تاريخ بغداد 6: 376 في ترجمة إسحاق بن محمد ابن أحمد بن أبان. تاريخ دمشق 50: 252 في ترجمة كميل بن زياد. تهذيب الكمال 24: 220 في ترجمة كميل بن زياد. تذكرة الحفاظ 1: 11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. حلية الأولياء 1: 80 في ترجمة علي بن أبي طالب. التدوين في أخبار قزوين 3: 209. صفوة الصفوة 1: 329 ـ330. (2) حلية الأولياء 2: 38، صفوة الصفوة 1: 761، سير أعلام النبلاء 3: 273، تاريخ دمشق 13: 282. (3) سير أعلام النبلاء 6: 257 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. الكامل في ضعفاء الرجال 2: 132 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب الكمال 5: 79 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. (4) تذكرة الحفاظ 1: 166 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. سير أعلام النبلاء 6: 257 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب الكمال 5: 79 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. -[ 109 ]- اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بشيعتهم بعد أن أعرض الجمهور عنهم
وقد رأى الأئمة (صلوات الله عليهم) انحراف جمهور الناس عنهم، وعدم قبولهم منهم، ولقد عزّ عليهم ذلك، حتى روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: "ما ندري كيف نصنع بالناس إن حدثناهم بما سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضحكوا وإن سكتنا لم يَسَعْنَا..." (1). وعن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه قال: "بلية الناس علينا عظيمة، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا" (2). وروي نحوه عن ولده الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ـ (3). فاضطروا إلى مداراة الجمهور ومجاراتهم بالتقية والكتمان، وتوجهوا لشيعتهم، واختصوا بهم، واستراحوا إليهم، وأفضوا إليهم بسرهم، وثقفوهم بثقافتهم، وأفاضوا عليهم من علومهم، في العقيدة، والفقه، والأخلاق، والسلوك، وسائر المعارف الإلهية التي اختصوا بها وراثةً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال الشهرستاني ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ: "وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا وورع كامل عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم..." (4). وبذلك فاز شيعتهم بأفضل نصيب، وأعظم مغنم، وأصفى مورد ـــــــــــــــــــــــ (1) الكافي 3: 234 باب: إن الميت يمثل له ماله وولده وعمله قبل موته حديث:4. (2) الإرشاد 2: 167 ـ 168. إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 508. الخرائج والجرائح 2: 893. مناقب آل أبي طالب 3: 336. كشف الغمة 2: 339 ـ340. بحار الأنوار 26: 253، 46: 288. (3) الأمالي للصدوق: 707. خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 21: 142. بحار الأنوار 23: 99. (4) الملل والنحل 1: 272. -[ 110 ]- ومشرب. وتميزوا بذلك وشرفوا به، واستغنوا عمن عدا الأئمة (عليهم السلام)، بل زهدوا فيهم، وأعرضوا عنهم.
فرض مقام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع الإسلامي
نعم، اقتضت عناية الله تعالى - تأكيداً للحجة - فرض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع الإسلامي، بعلمهم، وجهادهم، وتقواهم، وحكمتهم، وجميل سيرتهم، وبما ورد فيهم - كتاباً وسنة - من تعظيم وتبجيل، وبجهود شيعتهم، وتضحياتهم وإصرارهم. بل ارتفعوا بذلك عن مرتبة التكريم والتعديل، إلى مقام التعظيم والتقديس. وحين أدرك بعض أعلام الجمهور ذلك، ورأوا فيه نقطة ضعف عليهم، وعلى عقائدهم، حاولوا إنكار ما تسالمت عليه الشيعة في تحديد موقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أمر الخلافة والإمامة، وما يتعلق بذلك، وادعوا عدم خروج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عما عليه الجمهور، ورضاهم بخلافة الأولين، تشبثاً ببعض الأحاديث النادرة، والتصرفات الصادرة عنهم (عليهم السلام)، التي هي قاصرة دلالة، أو مكذوبة عليهم (عليهم السلام)، أو ضعيفة سندًا أو صادرة لتقية أو نحوه، من دون أن تصلـح لمعارضة ما سبق، مما يجعل اعتقاد الأئمة (صلوات الله عليهم) باختصاص الإمامة والخلافة بهم، واغتصابها منهم، وتظلمهم (عليهم السلام) من ذلك، وإنكارهم على من قام به، حقيقة قائمة واضحة جلية، لا يعترضها شك، ولا يعتريها ريب. وإلا فما من حقيقة مهما اتضحت إلا وتوجد بعض الشبهات أمامها يثيرها من يحاول التعتيم على تلك الحقيقة، أو المكابرة فيه. خصوصاً مثل هذه الحقيقة التي صعبت على ذوي العدد والعدة، وضادت السلطان الغالب، ووقفت منه موقف المنكر الفاضح. -[ 111 ]- لكن ذلك لا ينهض دليلاً على كذبها ولا حجة على إنكارها ولا سبباً للتشكيك فيها يمنع الركون إليها والإذعان بها بعد وضوحها وجلائها للمتدبر المنصف. ويؤكد ذلك أمران:
التصريحات الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) وخواصهم في أمر الخلافة
الأول: جملة وافرة من التصريحات الصادرة عنهم (عليهم السلام) وعن خواصهم ممن اتفقت الكلمة على وثاقتهم وجلالتهم. وقد تضمنت الشكوى مما حصل في أمر الخلافة، والتظلم منه، والإنكار على من قام به، بنحو لا يناسب الرضا بما وقع، والإمضاء له، بحيث يضفي الشرعية عليه، ويخرج القائمين به عن حدّ التجاوز والعدوان. وتلك التصريحات مثبتة في كتب غير الشيعة، أو من المشهورات التي لا ريب في صدورها أو صدور بعضها إجمالا ولا مجال لإنكار الجمهور لها جملة وتفصيلا..
تصريحات أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الخلافة
فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أكثر من الشكوى من أخذ حقه، والتظلم من ذلك، وممن قام به..
1 ـ فخطبته المعروفة بالشقشقية مليئة بذلك في حق كل من استولى على الحكم دونه. يقول فيها: "أما والله لقد تقمصها فلان، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل، ولايرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح -[ 112 ]- فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده... لشد ما تشطرا ضرعيه، فصيرها في حوزة خشناء، يغلظ كلامها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منه... فمني الناس - لعمر الله - بخبط، وشماس، وتلون، واعتراض. فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة، زعم أني أحدهم. فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر...فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن. إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته..." (1). ويأتي عند الكلام في موقف ابن عباس في أمر الخلافة بعض الكلام في توثيق هذه الخطبة.
2 ـ وقال (عليه السلام) في كلام له في أمر طلحة والزبير: "فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي، مستأثراً علي، منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يوم الناس هذا" (2).
3 ـ وقال (عليه السلام) في التعقيب على ما حدث في السقيفة: "فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمرّ من طعم العلقم" (3).
4 ـ وقال (عليه السلام) : "إن الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2) نهج البلاغة 1: 30 ـ 35، 42. (3) نهج البلاغة 1: 67، واللفظ له. تقوية الإيمان لمحمد بن عقيل: 68. -[ 113 ]- هاشم لا تصلـح على سواهم، ولا تصلـح الولاة من غيرهم" (1).
5 ـ وقال (عليه السلام) : "حتى إذا قبض الله رسوله رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنوه في غير موضعه. معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون، من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين" (2).
6 ـ وقد سأله بعض أصحابه: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال (عليه السلام) : "فإنها كانت إثرة، شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين. والحكم لله، والمَعْوَد إليه القيامة" (3).
7 ـ وقال (عليه السلام) في كتاب له إلى أخيه عقيل: "فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلي. فجزت قريشاً عني الجوازي، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي" (4).
8 ـ وقال (عليه السلام) في كتاب له إلى معاوية: "وكتاب الله يجمع لنا ما شذَّ عنا وهو قوله سبحانه: ((وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)) (5)، وقوله تعالى: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 27. (2) نهج البلاغة 2: 36 ـ 37. (3) نهج البلاغة 2: 63 ـ 64. (4) نهج البلاغة 3: 61، واللفظ له. الإمامة والسياسة 1: 51 في خروج علي من المدينة. (5) سورة الأنفال الآية: 75. -[ 114 ]- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)) (1)... ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم... وقلت: إني أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمرالله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه، وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكره..." (2).
9 ـ وقوله (عليه السلام) : "أيها الناس إنكم قد أبيتم إلا أن أقولها ورب السماء والأرض إن من عهد النبي الأمي إليَّ: إن الأمة ستغدر بك بعدي" (3). قال ابن أبي الحديد: "وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه" (4).
10 ـ وقوله (عليه السلام) : "لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم". قال ابن أبي الحديد: "ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي (عليه السلام) : وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار، ويدك في يدي ابنيك الحسن والحسين، يوم بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحداً من أهل بدر ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 68. (2) نهج البلاغة 3: 30. (3) شرح نهج البلاغة 4: 107. وروي بهذا اللفظ أو بما يقرب منه في المستدرك على الصحيحين 3: 150، 153 في ذكر إسلام أمير المؤمنين علي. ومسند الحارث 2: 905. تذكرة الحفاظ 3: 995 في ترجمة الدارقطني. وتاريخ دمشق 42: 447، 448 في ترجمة علي بن أبي طالب. والبداية والنهاية 6: 218 في إخباره بمقتل علي بن أبي طالب، 7: 326 في ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.... وتاريخ بغداد 11: 216 في ترجمة عمر بن الوليد بن أبان الكرابيسي. (4) شرح نهج البلاغة 4: 107. -[ 115 ]- والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول الله، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة، لعمري لو كنت محقاً لأجابوك، ولكنك ادعيت باطلا وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك. ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك: لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم. فما يوم المسلمين منك بواحد، ولا بغيك على الخلفاء بطريف، ولا مستبدع" (1). وتجد كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه بمعناها في وقعة صفين (2).
11 ـ وقال (عليه السلام) : "كنت في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كجزء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ينظر إليّ الناس كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء. ثم غض الدهر مني فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: واذفراه..." (3).
12 ـ وقال (عليه السلام) في أول إمارته: "فإنه لما قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قلنا: نحن أهله، وورثته، وعترته، وأولياؤه، دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الإمرة [الإمارة] لغيرنا وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشيت [خشنت.ظ] الصدور، وجزعت النفوس. وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه" (4).
13 ـ وقال (عليه السلام) لما أراد المسير إلى البصرة: "إن الله لما قبض نبيه ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 2: 47. (2) وقعة صفين: 163. (3) شرح نهج البلاغة 20: 326. (4) شرح نهج البلاغة 1: 307. -[ 116 ]- استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة. فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف... فما بال طلحة والزبير، وليسا من هذا الأمر بسبيل... يرتضعان أمّاً قد فطمت، ويحييان بدعة قد أميتت..." (1).
14 ـ وقال (عليه السلام) : "بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف. ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان!! إذاً أسمع وأطيع. وإن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلنا فيه شرع سواء. وأيم الله لو أشاء أن أتكلم، ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا معاهد منهم ولا المشرك أن يرد خصلة منه، لفعلت..." (2).
15 ـ وقال (عليه السلام) : "قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك، وإلا فألصق كلكلك بالأرض. فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلي، وأغضيت على القذى جفني، وألصقت بالأرض كلكلي" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 1: 308. (2) تاريخ دمشق 42: 434 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له. كنز العمال 5: 724 حديث:14243. ميزان الاعتدال 2: 178 في ترجمة الحارث بن محمد. لسان الميزان 2: 156 في ترجمة الحارث بن محمد.الضعفاء للعقيلي 1: 211 في ترجمة الحارث بن محمد. (3) شرح نهج البلاغة 20: 326. -[ 117 ]- 16 ـ وروي أنه لامته الصديقة فاطمة (عليه السلام) على قعوده، وأطالت تعنيفه، وهو ساكت، حتى أذن المؤذن، فلما بلغ قوله: أشهد أن محمداً رسول الله. قال لها: "أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟" قالت: لا قال: "فهو ما أقول لك" (1).
17 ـ وقال (عليه السلام) : "كل حقد حقدته قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أظهرته فيَّ، وستظهره في ولدي من بعدي. مالي ولقريش، إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين؟!" (2).
18 ـ وقال (عليه السلام) : "لقد أخافتني قريش صغيرا وأنصبتني كبيرا حتى قبض الله رسوله، فكانت الطامة الكبرى، والله المستعان على ما تصفون" (3).
19 ـ وقال (عليه السلام) : "اللهم إني استعديك على قريش، فإنهم اضمروا لرسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) ضروباً من الشر والغدر، فعجزوا عنه، وحلت بينهم وبينه، فكانت الوجبة بي، والدائرة عليّ. اللهم احفظ حسناً وحسينا ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد" (4).
20 ـ وقال له قائل: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمره؟ قال: "لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت. إن العرب كرهت أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 20: 326. (2) شرح نهج البلاغة 20: 328. ينابيع المودة 1: 407. (3) شرح نهج البلاغة 4: 108. (4) شرح نهج البلاغة 20: 298. -[ 118 ]- حتى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته. ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلما إلى العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحدا ولارتدت في حافرته، وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمج، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرب، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا. ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاته، وحسن تدبير الأمراء القائمين به. فتأكد عند الناس نباهة قوم، وخمول آخرين. فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيه، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف. وما عسى أن يكون الولد لو كان!. إن رسول الله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت؟! وكذلك لم يكن يقرب ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة. اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 20: 298 ـ 299. -[ 119 ]- 21 ـ وقال (عليه السلام) في أول خطبة خطبها في خلافته: "استتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت [لكم] أمور [ملتم فيها عليَّ ميلة] لم تكونوا عندي فيها محمودين ولا مصيبين. أما إني لو أشاء لقلت. عفا الله عما سلف. سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه. ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيراً له..." (1). وقال ابن أبي الحديد: "هذه الخطبة من جلائل خطبه (عليه السلام) ومن مشهوراته. قد رواها الناس كلهم... وقد ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين على وجهه. ورواها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى". وذكر قسماً كبيراً من هذه الخطبة ابن قتيبة في عيون الأخبار (2)، وابن عبد ربه في العقد الفريد (3)، والمتقي الهندي في كنز العمال (4)، وابن الدمشقي في مناقب الإمام علي (5). قال ابن أبي الحديد بعد ذلك: "قال شيخنا أبو عثمان (رحمه الله تعالى): وقال أبو عبيدة: وزاد فيها في رواية جعفر بن محمد (عليهم السلام) عن آبائه (عليهم السلام): ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغار، وأعلم الناس كبار. ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا ومعنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 1: 275 ـ 276. (2) المجلد الثاني 5: 236 كتاب العلم والبيان: الخطب: خطبة الإمام علي بعد مقتل عثمان (رضي الله عنه). (3) 4: 68 فرش كتاب الخطب: خطب أمير المؤمنين. (4) 5: 749 ـ 750 حديث:14282. (5) 1: 323 ـ 324. -[ 120 ]- ومنا يختم لا بكم" (1)
22 ـ وقال (عليه السلام) في خطبة له في صفين: " نحن أهل بيت الرحمة، وقولنا الصدق، ومن فعالنا القصد، ومنا خاتم النبيين، وفينا قادة الإسلام، ومنا قراء الكتاب" (2). فانظر إليه (صلوات الله عليه) كيف يؤكد على حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في قيادة الإسلام، مع حراجة موقفه، لأنه أمام معاوية الذي يتبنى نظرية شرعية خلافة الأولين، ويشنع على أمير المؤمنين (عليه السلام) بمخالفته في ذلك.
23 ـ وقال (عليه السلام) في كتاب له إلى معاوية جواباً عن كتاب كتبه إليه: "وذكرت حسدي الخلفاء، وإبطائي عنهم، وبغيي عليهم. فأما البغي فمعاذ الله أن يكون. وأما الإبطاء عنهم والكراهية لأمرهم فلست اعتذر إلى الناس من ذلك... وقد كان أتاني أبوك حين ولى الناس أبا بكر، فقال: أنت أحق بمقام محمد... حتى كنت أنا الذي أبيت، لقرب عهد الناس بالكفر، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام..." (3).
24 ـ وقال (عليه السلام) لولده: "وايم الله يا بني ما زلت مبغياً عليّ منذ هلك جدك" (4).
25 ـ وقال لأبي عبيدة: "يا أبا عبيدة طال عليك العهد فنسيت؟! أم ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة ج1 ص276. (2) وقعة صفين: 224 (3) شرح نهج البلاغة 15: 77 ـ 78 واللفظ له. المناقب للخوارزمي: 250 ـ 254. العقد الفريد 4: 309 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: خلافة علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) : أخبار علي ومعاوية. أنساب الأشراف 3: 69 أمر صفين. (4) الإمامة والسياسة 1: 45 بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وكيف كانت. -[ 121 ]- نافست فأنسيت؟! لقد سمعتها ووعيتها فهلا رعيتها ! " (1).
26 ـ وقال عن سالم مولى أبي حذيفة: "ويلي على العبد اللئيم عبد بني ربيعة نزع به عرق الشرك العبشمي إلى مساءتي، وتذكر دم الوليد وعتبة وشيبة. أولى له. والله ليريَنّي في موقف يسؤه، ثم لا يجد هناك فلاناً وفلاناً" (2).
27 ـ وقال (عليه السلام) : "أول من جرأ الناس علينا سعد بن عبادة. فتح باباً ولجه غيره، وأضرم ناراً كان لهبها عليه، وضوؤها لأعداءه" (3).
28 ـ وفي حديث لعمر بن الخطاب مع ابن عباس، يقول عنه ابن عباس: "قال: كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبدالله بن جعفر. قلت: خلفته يلعب مع أترابه. قال: لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت. قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان، وهو يقرأ القرآن. قال: يا عبد الله، عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم. قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نص عليه؟ قلت: نعم. وأزيدك: سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره ذرو من قول لا ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 20: 307. (2) شرح نهج البلاغة 20: 296. وسالم هذا هو مولى أبي حذيفة بن عتبة. وقد قتل عتبة هو وابنه الوليد وأخوه شيبة مبارزة يوم بدر. وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلامه هذا إلى أن موقف سالم العدائي من أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كان ثأراً لمواليه الذين قتلوا يوم بدر. (3) شرح نهج البلاغة 20: 307 ـ 308. -[ 122 ]- يثبت حجة، ولا يقطع عذر. ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام. لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني علمت ما في نفسه، فأمسك. وأبى الله إلا إمضاء ما حتم" (1).
29 ـ وقال (عليه السلام) : "وقال قائلهم: إنك يا ابن أبي طالب، على الأمر لحريص. قلت لهم: أنتم أحرص. أما أنا إذا طلبت ميراث ابن أبي وحقه! وأنتم إذا دخلتم بيني وبينه وتضربون وجهي دونه، اللهم إني استعين بك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي، واجتمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به منهم، فسلبونيه، ثم قالوا: اصبر كمداً وعش متأسفاً فنظرت فإذا ليس معي رفاق ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم على الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرعت رفيق (كذ) على الشج، وصبرت من كظم الغيض على أمر من العلقم طعم، وآلم للقلب من حز الحديد..." (2).
تواتر الأخبار بشكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) مما حصل
قال ابن أبي الحديد تعقيباً على كلامه هذا: "واعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه (عليه السلام) بنحو من هذا القول نحو قوله: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا. وقوله: اللهم اخز قريش، فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري... وقوله وقد سمع صارخاً ينادي: أنا مظلوم. فقال: هلم فلنصرخ معا فإني ما زلت مظلوم... وقوله: أصغيا ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 12: 20 ـ 21. (2) الإمامة والسياسة 1: 126 ـ127 ما كتب علي لأهل العراق، وقريب منه في نهج البلاغة 2: 84ـ85. -[ 123 ]- بإنائنا وحملا الناس على رقابنا... وقوله: ما زلت مستأثراً عليّ، مدفوعاً عما استحقه واستوجبه" (1). وذكر في مطاوي ذلك جملة مما تقدم ذكره، ولم نذكره استغناء بذكره فيما سبق. وروى ابن أبي الحديد أيضاً عن كتاب السقيفة للجوهري، وكتاب مقتل عثمان والشورى للشعبي، وغيره، كثيراً من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الدال على أنه يرى أن الحق له ولأهل بيته، وأنهم مظلومون مقهورون، لم يسكتوا إلا خوفاً على أنفسهم أو على الإسلام، مع التبرم من ذلك، والتأفف ممن قام به (2)... إلى غير ذلك مما تضمنته كتب الحديث والتاريخ.
تعقيب ابن أبي الحديد على شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال ابن أبي الحديد في تعقيب الكلام السابق: "وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية والأحقية. وهو الحق والصواب، فإن حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار. ولكن الإمامية والزيدية حملوا هذه الأقوال على ظواهرها وارتكبوا بها مركباً صعبا، ولعمري إن هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظن ما يقوله القوم، ولكن تصفح الأحوال يبطل ذلك الظن، ويدرأ ذلك الوهم" (3). وما أدري كيف صار تصفح الأحوال مبطلاً لذلك، لا مؤكداً له، ومشيداً بنيانه، ومحكماً برهانه؟! ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 9: 306 ـ 307. (2) شرح نهج البلاغة 1: 185 ـ 194، 2: 21 ـ60، 6: 5 ـ 52، 9: 49 ـ 58، وغيره. (3) شرح نهج البلاغة 9: 307.
-[ 124 ]- كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يناسب الرضا بما حصل
وعلى كل حال فالكلام هنا ليس في إثبات النص، بل له مقام آخر، وإنما تدعي أنت أنه على تقدير ثبوت النص - كما تقول الشيعة - فقد حصل من الأئمة (صلوات الله عليهم) الإقرار لما حصل، والرضا به، ولا ريب في أن هذا الكلام ونحوه لا يناسب الإقرار المدعى، بل يشهد بخلافه. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الثلاثاء يوليو 10, 2012 5:47 am | |
| موقف الصديقة الزهراء (عليه السلام) في أمر الخلافة وقد خطبت الصديقة الزهراء (صلوات الله عليه) خطبتها الطويلة منكرة على أخذ فدك منها ومهدت لذلك باستنكار ما حدث في الخلافة. فقالت في جملة ما قالت: "حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخاً بكم، فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، فاستنهضكم فوجدكم خفافا وأجمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم، وأوردتموها غير شربكم. هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل. بدار [إنما] زعمتم خوف الفتنة ((أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)) (1). فهيهات منكم، وأنى بكم، وأنى تؤفكون. وهذا كتاب الله بين أظهركم، وزواجره بينة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة. أرغبة عنه تدبرون؟ أم بغيره تحكمون؟ ((بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)) (2) ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 49. (2) سورة الكهف الآية: 50. -[ 125 ]- الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) (1)...". ثم عرجت على أخذ فدك وأطالت في ذلك، وشددت في استنكاره حتى انتهت من خطبتها (عليه السلام) ـ (2). وقد روي أنها التفتت إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شاكية، وانشدت أبيات هند بنت أثاثة: قد كان بعدك أنباء وهينمـة *** لو كنت شاهدها لم تكثرالخطب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم *** لما قضيت وحالت دونك الكتب تجهمتنا رجال و استخف بن *** إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب (3) أما خطبتها الصغيرة فقد جاءت كلها لاستنكار ما حصل في أمر الخلافة، والاحتجاج للحق المغتصب، فحينما عادتها النساء في مرضها قلن لها: كيف أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالت: "والله أصبحت عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم. فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، ((لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ))، لا جرم قد قلدتهم ربقتها وشنّت عليهم غارتها ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 85. (2) بلاغات النساء لابن طيفور: 13 ـ 14 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 16: 251. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن الدمشقي 1: 159. (3) شرح نهج البلاغة 16: 212، واللفظ له، وغريب الحديث لابن سلام 4: 116، وتاج العروس، ولسان العرب، كلهم في مادة هنبثة، وشرح نهج البلاغة 2: 50، 6: 43، وغريب الحديث لابن قتيبة 1: 267 قد كان بعـدك أنباء و هنبثـة لـو كنت شاهـدها لـم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها فـاختل قـومك فاشهدهم و لا تغب وكذلك في البدء والتاريخ 5: 68-69 بدل فاشهدهم (فارجع ثم). -[ 126 ]- فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين. ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين ألا ((ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)). وما الذي نقموا من أبي حسن؟!..." (1). إلى آخر ما سبق عند التعرض للفوائد والآثار المهمة التي تترتب على تولي أمير المؤمنين (عليه السلام) للخلافة. قال ابن أبي الحديد، بعد ذكر كثير من الأحداث في أمر فدك، ومنها الخطبتان المذكورتان: "واعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم، وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه، وهو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث. وأما ما يرويه رجال الشيعة والأخباريون منهم في كتبهم... فشيء لا يرويه أصحاب الحديث، ولا ينقلونه..." (2). وما أدري أن الأخباريين من الشيعة لِمَ لا يكونون من أصحاب الحديث؟! وهل أصحاب الحديث غير رواة الأخبار؟! وهل يشترط في أصحاب الحديث أن لا يكونوا شيعة؟!
موقف الإمام الحسن (عليه السلام) في أمر الخلافة وهذا الإمام أبي محمد الحسن السبط (صلوات الله عليه) - على ما عرف عنه من صبر وحلم ومسالمة - لم يغفل التنبيه على حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الخلافة وأبدى استنكاره لما حدث مرار..
1 ـ فقد اشتهر عنه (عليه السلام) أنه قال لأبي بكر وهو على المنبر: "انزل عن ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 16: 233، واللفظ له. بلاغات النساء لابن طيفور: 19 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 165 ـ 166. (2) شرح نهج البلاغة 16: 234 ـ 235. -[ 127 ]- منبر أبي" (1).
2 ـ وقال (عليه السلام) في كتاب له إلى معاوية حينما بويع (عليه السلام) بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) : "أما بعد فإن الله بعث محمداً رحمة للعالمين... فلما عرفت لها العرب. فهيهات ما أنصفتنا قريش..." (2). وقد رأى معاوية أن ذلك نقطة ضعف ينكرها على الإمام الحسن (عليه السلام)، فقال في جواب كتابه المتقدم: "أما بعد فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله. وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده، فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر وأبي عبيدة الأمين، وصلحاء المهاجرين، فكرهت لك ذلك..." (3).
3 ـ وقال (عليه السلام) في كتاب آخر له إلى معاوية أيضاً: "أما بعد فإن الله جل جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين... فلما توفي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقه، فرأت العرب أن القول ما قالت قريش، وأن الحجة في ذلك لهم على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت لهم، وسلمت إليهم. ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج، فلما صرنا - أهل بيت محمد وأولياءه - إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالإجماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت ـــــــــــــــــــــــ (1) الرياض النضرة 2: 148 الباب الأول في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) : ذكر تواضعه. تاريخ دمشق 30: 307 في ترجمة أبي بكر تحت عنوان عبد الله ويقال عتيق ابن قحافة. المنتظم 4: 70 ذكر خلافة أبي بكر الصديق وأحواله: ذكر طرف من خطب أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في خلافته. كنز العمال ج5 ص616 حديث: 14084. (2)، (3) شرح نهج البلاغة 16: 24، 25. -[ 128 ]- منهم لنا فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا من منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله..." (1). ولم يترك معاوية ذلك حتى قال في جواب هذا الكتاب: "وذكرت وفاة النبي وتنازع المسلمين الأمر بعده، وتغلبهم على أبيك، فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وأبي عبيدة الأمين وحواري رسول الله وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك، إنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ولا المسيء ولا اللئيم. وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل..." (2).
4 ـ وقال ابن الأثير عن الإمام الحسن (عليه السلام) : "ولما عزم على تسليم الأمر إلى معاوية خطب الناس، فقال: أيها الناس، إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهير. وكرر ذلك حتى ما بقي في المجلس إلا من بكى حتى سمع نشيجه" (3). فانظر إليه (عليه السلام) كيف أكد أن الإمرة على الناس حق لأهل البيت (عليهم السلام)، بنحو أثار عواطفهم حتى بكوا لظلامتهم. ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2) شرح نهج البلاغة 16: 33 ـ 34، 35. (3) الكامل في التاريخ 3: 273 أحداث سنة إحدى وأربعين: ذكر تسليم الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية، واللفظ له. وذكرت مع اختلاف في تاريخ الطبري 3: 169 في أحداث سنة إحدى وأربعين.
-[ 129 ]- موقف الإمام الحسين (عليه السلام) في أمر الخلافة أما الإمام أبو عبد الله الحسين السبط (صلوات الله عليه)، فقد جرى على سنن أهل بيته في التذكير بحقهم..
1 ـ فقد أنكر على عمر وهو على المنبر فقال: "انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك"، فقال له عمر: إن أبي لم يكن له منبر (1). بل في حديث عبد الله بن كعب: "إن حسين بن علي (عليه السلام) قام إلى عمر (رضي الله عنه)، وهو على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس يوم الجمعة. فقال: انزل عن منبر جدي. فقال عمر (رضي الله عنه): تأخر يا ابن أخي. قال: وأخذ حسين برداء عمر (رضي الله عنه)، فلم يزل يجبذه، ويقول: انزل عن منبر جدي، وتردد عليه حتى قطع خطبته، ونزل عن المنبر، وأقام الصلاة... وحسين (رضي الله عنه) يومئذِ دون المحتلم" (2).
2 ـ وقد تقدم منه (عليه السلام) في جواب السؤال الثاني قوله في وصيته لأخيه محمد ابن الحنفية: "وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ـــــــــــــــــــــــ (1) سير أعلام النبلاء 3: 285 في ترجمة الحسين الشهيد، واللفظ له. الإصابة 2: 77 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. معرفة الثقات 1: 301 في ترجمة حسين بن علي ابن أبي طالب. تهذيب التهذيب 2: 300 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تهذيب الكمال 6: 404 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تاريخ واسط 1: 203 في ترجمة أبي الحسين سعدبن وهب ابن سنان السلمي. تاريخ الخلفاء: 143 في ترجمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : فصل في نبذ من أخباره وقضاياه. تاريخ بغداد 1: 141 في ترجمة الحسين بن علي. بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2584، 2585 في ترجمة الحسين بن علي بن عبد مناف أبي طالب. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 1: 295 في ترجمة الحسين بن علي. علل الدارقطني 2: 125. تاريخ دمشق 14: 175، 176 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. كنز العمال ج13 ص654 حديث:37662. تاريخ المدينة المنورة 3: 799. (2) تاريخ المدينة المنورة 3: 798. -[ 130 ]- أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب". منبهاً بذلك إلى أن السيرة الرشيدة التي ينبغي أن تتبع هي سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) دون سيرة غيرهما ممن تسنم السلطة. وربما يكون بذلك قد أضعف موقفه ماديا حيث يخسر تأييد من يوالي الأولين، ويفقد تعاطفهم معه، وهم في وقت نهضته (عليه السلام) كثيرون، ويتعرض لتهريج الأمويين، الذين يعدون ذلك نقطة ضعف على أهل البيت (عليهم السلام)، نظير ما تقدم من معاوية في كتابيه للإمام الحسن (صلوات الله عليه)، وما تقدم ويأتي منه فيما كتبه لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام). ولكن الإمام الحسين (عليه السلام) رأى أن التأكيد على مبادئ أهل البيت (عليهم السلام)، ومذهبهم في الحكم والسلطة، أهم من القوة المادية، وتكثير المؤيدين له والمتعاطفين معه.
3ـ وكذلك فعل (صلوات الله عليه) حينما كتب من مكة المكرمة إلى جماعة من رؤساء البصرة كتاباً واحداً يقول فيه: "أما بعد فإن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به (صلى الله عليه وآله وسلم). وكنا أهله، وأولياءه، وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه..." (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3: 280 في ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، واللفظ له. البداية والنهاية 8: 157 ـ 158 في قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله. -[ 131 ]- وكلامه (عليه السلام) هذا - كما ترى - صريح في التأكيد على حقهم (عليهم السلام) في الخلافة، وفي أن رضاهم (عليهم السلام) بما حصل إنما كان كراهة للفرقة وطلباً للعافية، لا لأنهم تنازلوا عن حقهم لغيرهم، ورضوا بتوليه له، وأمضوا حكمه،لأنهم يرونه أهلاً له. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 6:56 am | |
| موقف الإمام زين العابدين (عليه السلام) في أمر الخلافة وقد جرى الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) على سنن آبائه (صلوات الله عليهم) في التأكيد على حقهم (عليهم السلام)، وشَجْب مَن استأثر عليهم به في مواضع من أدعيته الشريفة: 1 ـ فقد قال (عليه السلام) في الدعاء الثامن والأربعين من أدعية الصحيفة الكاملة ليوم الأضحى ويوم الجمعة: "اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك، في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم به، قد ابْتَزُّوه... حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مُبْتَزّين، يرون حكمك مبدلاً وكتابك منبوذًا وفرائضك محرفة عن جهات أشراعك، وسنن نبيك متروكة. اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين، ومن رضي بفعالهم وأشياعهم وأتباعهم". وهو صريح في التظلم مما حصل من استلاب الحق واغتصاب المنصب، وما أدى إليه من تحريف في مسيرة الدين وأحكامه، من دون أن يستثني أحدًا بل ذيله كالصريح في التعميم. 2 ـ وقال (عليه السلام) في الدعاء السادس والعشرين من أدعية الصحيفة المذكورة يدعو به لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم: "اللهم صل على محمد وآله، وتولني في جيراني وموالي العارفين بحقنا والمنابذين لأعدائنا بأفضل -[ 132 ]- ولايتك، ووفقهم لإقامة سنتك...". 3 ـ وقال (عليه السلام) في الدعاء السابع والأربعين من أدعية الصحيفة المذكورة ليوم عرفة: "اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذرت معصيته، وأمرت بامتثال أوامره، والانتهاء عند نهيه، وأن لا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين، وبهاء العالمين... اللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم، المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم، المتمسكين بولايتهم، المؤتمين بإمامتهم، المسلمين لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين أيامهم، المادين إليهم أعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات...". وهاتان الفقرتان وإن لم يتضمنا التظلم من غصب المنصب، إلا أنهما قد تضمنتا الدعاء لأوليائهم (عليهم السلام) بجهات الخير في الدنيا والآخرة، مع وصف هؤلاء الأولياء بصفات تنطبق على الشيعة الإمامية، بنحو لا يشك معه الناظر في هذين الدعائين في إقراره (عليه السلام) لهم في عقائدهم، بما فيها عقيدتهم بعدم شرعية خلافة الأولين. كما أن في قوله (عليه السلام) في الفقرة الثانية منها: "وافترضت طاعته... وأن لا يتقدمه متقدم ولا يتأخر عنه متأخر" تعريض واضح بمن تقدم عليهم (عليهم السلام) في الخلافة. 4ـ وله (عليه السلام) كلام آخر يأتي ذكره في جواب السؤال الثامن عند التعرض لمرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة. 5 ـ ودخل عليه شاعر أهل البيت (صلوات الله عليهم) الكميت -[ 133 ]- بن زيد الأسدي (رضوان الله عليه) الشيعي العقيدة المعلن عنها بشعره، فأنشده قصيدته التي أولها: من لقب متيم مستهام * * * غير ما صبوة ولا أحلام وفيها يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ويؤكد على وصيته، ويقول في رثائه معرضاً بالأولين: قتلوا يوم ذلك إذ قتلوه * * * حَكَماً لا كَغَابِر الحكّام فلما أتى على آخرها قال (عليه السلام) : "ثوابك نعجز عنه. ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك. اللهم اغفر للكميت. اللهم اغفر للكميت"، ثم قسط على نفسه وعلى أهله اربعمائة الف درهم. قال له: خذ يا أبا المستهمل. فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إن احببت ان تحسن إلي فادفع إلي بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرك به، فقام (عليه السلام) فنزع ثيابه ودفعها إليه كله. ثم قال (عليه السلام) : "اللهم ان الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحق، فأحيه سعيداً وأمته شهيدًا وأره الجزاء عاجلاً وأجزل له جزيل المثوبة آجلاً فإنا قد عجزنا عن مكافأته". قال الكميت: ما زلت أعرف بركة دعائه (1)
موقف الإمام الباقر (عليه السلام) في أمر الخلافة وكذلك حال الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) 1ـ فقد تقدم في جواب السؤال الأول عند التعرض لحديث أهل بدر، وموقف الجمهور من الصحابة، ولافتعال الأحاديث، كلام ـــــــــــــــــــــــ (1) خزانة الادب ولب لباب لسان العرب 1: 70. -[ 134 ]- له (عليه السلام)، ذكره ابن أبي الحديد يتضمن التأكيد على حق أهل البيت (عليهم السلام) في الخلافة،والشكوى مما حصل. فلاحظه. 2ـ ودخل عليه الكميت بن زيد أيضًا فأنشده قصيدته اللامية، التي يرثي فيها الحسين (صلوات الله عليه) فلما انتهى الى قوله: يصيب به الرَّامون عن قوس غيرهم *** فيـا آخــراً أسـدى له الغَيّ أوّلُ رفع الإمام (عليه السلام) يديه إلى السماء فقال: "اللهم اغفر للكميت" (1). ومِن الظاهر أن هذا البيت من القصيدة يتضمن التعريض بالأولين، وأنهم أسّسوا ظلم أهل البيت (صلوات الله عليهم) وجَرَّؤُوا مَن بعدهم عليهم. وفي سماعه (عليه السلام) منه ودعائه له إقرار لذلك.
موقف الإمام الصادق (عليه السلام) في أمر الخلافة وحدث مثل ذلك للإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) 1 ـ ففي حديث محمد بن سهل صاحب الكميت قال: "دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقال له: جعلت فداك ألا أنشدك؟ قال: إنها أيام عظام. قال: إنها فيكم. قال: هات. وبعث أبو عبد الله (عليه السلام) إلى بعض أهله فقرب، فأنشده، فكثر البكاء حين أتى على هذا البيت: يصيب به الرَّامون عن قوس غيرهم فيـا آخــراً أسـدى له الغَيّ أول ـــــــــــــــــــــــ (1)الأغاني 17: 32 ذكر الكميت ونسبه وخبره: الكميت والفرزدق. -[ 135 ]- فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يديه، فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وأخر، وما أسر وما أعلن، وأعطه حتى يرضى" (1). 2 ـ وفي حديث فضيل الرسان قال: "أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد: لأم عمرو باللوى مربع دارسـة أعلامها بلقع فسمعت النحيب من داره. فسألني لمن هي؟ فأخبرته أنها للسيد، فقال: رحمه الله. فقلت: إني رأيته يشرب النبيذ في الرستاق. فقال: أتعني الخمر؟ قلت: نعم. قال: وما خطر ذنب عند الله أن يغفره لمحب علي" (2). ومن المعلوم شدة موقف السيد الحميري من الأولين في شعره، خصوصاً في هذه القصيدة.
موقف الإمام الكاظم (عليه السلام) في أمر الخلافة ويتجلى موقف الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم (صلوات الله عليه) فيما روي عنه في أمر فدك. قال الزمخشري: "كان الرشيد يقول لموسى الكاظم بن جعفر: يا أبا الحسن حدّ فدك حتى أردها عليك، فيأبى، حتى ألح عليه، فقال: لا آخذها إلا بحدوده. قال: وما حدوده؟ قال: يا أمير المؤمنين إن حددتها لم ترده. قال: بحق جدك إلا فعلت. قال: أما الحد الأول فعَدَن، فتغير وجه الرشيد، وقال: هيه. قال والحد الثاني سمرقند. فاربد وجهه. قال: والحد الثالث افريقية. فاسود وجهه، وقال: هيه قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وارمينية. ـــــــــــــــــــــــ (1) الأغاني 17: 26 ذكر الكميت ونسبه وخبره: الكميت ويزيد بن عبد الملك. (2)الأغاني 7: 261 ـ 262 أخبار السيد الحميري: مع السفاح وجعفر بن محمد. -[ 136 ]- قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحول في مجلسي. قال موسى: قد أعلمتك أني إن حددتها لم ترده. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد..." (1) فإنَّ رَبْطَه (عليه السلام) فدك بالخلافة يشير إلى أنّ اعتداء الأولين على أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أمر فدك فَرْعُ اعتدائهم عليهم في أمر الخلافة، وأنها ظلامة جَرَّت ظلامات وتلاحمت منها.
موقف الإمام الرضا وبقية الأئمة (عليهم السلام) في أمر الخلافة أما موقف الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) فيتضح من موقفه مع الشاعر دعبل بن علي الخزاعي حينما دخل عليه وأنشده قصيدته التائية المشهورة، والتي تتضمن التأكيد على حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الخلافة، واستنكار تقدُّم مَن تقدَّمَ عليهم، حيث استحسن (عليه السلام) ذلك مِن دعبل وشكره، ووصله بمال كثير وبعض ملابسه تبركاً به (2). وما ورد عن الائمة المتقدم ذكرهم وعن جميع الأئمة صلوات الله عليهم من الكلمات والمواقف الصريحة في استنكار ما حصل من الأولين في أمر الخلافة، وإن كان كثيراً جداً وقد رواه شيعتهم عنهم - كما سبق - إلا إنا نحاول هنا أن نقتصر على ما رواه الجمهور عنهم (عليهم السلام) أو روي بوجه مشهور لا يسهل تجاهله. وإنْ كان الأمر أظهر مِن ذلك، ولا سيما في حق الأئمة المتأخرين، حيث كثر الشيعة في عهودهم، وأخذوا يجهرورن بعقيدتهم، وقويت ـــــــــــــــــــــــ (1) ربيع الأبرار 1: 315 ـ 316، تذكرة الخواص: 350. (2) الأغاني 20 أخبار دعبل بن علي ونسبه: 132 تشيع دعبل: 162 دعبل وعلي بن موسى الرض. -[ 137 ]- دعوتهم، وظهر تَبَنِّي الأئمة (صلوات الله عليهم) لهم وارتباطهم بهم وتلاحمهم معهم، وظهر اعتزالهم (عليهم السلام) للجمهور، ومباينة الجمهور لهم. ومن أجل ذلك سبق - عند التعرض لموقف علماء الجمهور من أهل البيت (عليهم السلام) - مِن ابن حبان عن الإمامين الصادق والرضا (صلوات الله عليهم) أنه يقبل حديثهما إذا روى عنهما غيرُ أولادهم، و(سَبَقَ) مِن ابن طاهر عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه يأتي عن آبائه بعجائب، ونحو ذلك مما يظهر منه إعراضهم عنهم (صلوات الله عليهم) وعما يروون. ولذا لا يشك المطلع على تاريخ تلك الفترة في أن الضغط على الأئمة صلوات الله عليهم من قبل السلطة إنما كان تنكيلاً بالشيعة، ورد فعل لظهور دعوتهم وقوته، حذراً من تفاقم أمرهم. ولعل فترة سجن الإمام الكاظم (صلوات الله عليه) كانت من أشد فترات الضغط على الشعية. كما أن فترة بيعة المأمون للإمام الرضا (صلوات الله عليه) بولاية العهد تعتبر من فترات الانفراج عن الشيعة. كل ذلك لظهور إقرار الأئمة (صلوات الله عليهم) للشيعة في دعواهم بأبعادها العقائدية المرفوضة عند جمهور السنة، حتى صاروا (صلوات الله عليهم) هم الواجهة للشيعة أمام السلطة والجمهور.
موقف محمد ابن الحنفية في أمر الخلافة ولما خطب عبد الله بن الزبير، فنال مِن أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغ ذلك محمد ابن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته. وقال: "يا معشر العرب، شاهت الوجوه. أينتقص علي وأنتم حضور؟! إن علياً يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنؤه وأبغضوه، وأضمروا -[ 138 ]- له الشنف والحسد، وابن عمه (صلى الله عليه وآله وسلم) حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره، وأحب له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها وشفت أضغانها فمنهم من ابتزه حقه، ومنهم من أئتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل..." (1). فانظر له كيف طعن بمَن تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأظهر تنمره منهم، وسخطه عليهم، بنحو لا يناسب إقرار ما حصل والرضا به، بحيث يكسبه الشرعية الرافعة للمسؤولية.
موقف عبدالله بن الحسن وبقية الطالبيين من الخلافة قال الجوهري:"حدثني المؤمل بن جعفر، قال: محمد بن ميمون عن داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسن ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال:سئل جدي عبد الله بن الحسن عن هذه المسألة، فقال: كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل، فماتت وهي غضبى على إنسان، فنحن غضاب لغضبها واذا رضيت رضينا" (2). وربما يكون هذا هو الموقف الغالب في الطالبيين. يقول ابن طيفور: "ذكرت لأبي الحسن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كلام فاطمة عليها السلام عند منع أبي بكر إياها فدك، وقلت له: إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع، وأنه من كلام أبي العيناء... فقال لي: رأيت مشايخ ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 4: 62، واللفظ له. مروج الذهب 3: 90 ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والمختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الزبير ولمع من أخبارهم وسيرهم وبعض ماكان في أيامهم: بين عبد الله بن عباس (رضي الله عنهم) وعبد الله بن الزبير (رضي الله عنهم). (2)شرح نهج البلاغة 16: 232. -[ 139 ]- آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، ويعلمونه أبناءهم، وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة عن هذه الحكاية. ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، وقد حدث به الحسن ابن علوان عن عطية العوفي انه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه" (1). ومِن الظاهر أنّ خطبة الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) كما تضمنت الاحتجاج لمنعها فدك تضمنت استنكار اخذ الخلافة، فاهتمام الطالبيين بحفظها ظاهر في اقرارهم لمضمونها واعتزازهم به.
موقف العباس بن عبد المطلب في أمر الخلافة ولما عرض أبو بكر على العباس بن عبد المطلب أن يجعل له ولمن بعده من عقبه نصيباً في الخلافة، ليقطعوهم بذلك عن نصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، رد العباس عليه، فقال في جملة ما قال: "فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت. وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم... فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين، وما أبعد قولك: إنهم طعنو، من قولك: إنهم مالوا إليك. وأما ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض ـــــــــــــــــــــــ (1) بلاغات النساء: 12في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويبدو أن في المطبوع سقط، لأن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) استشهد سنة 120هـ وابن طيفور ولد سنة 204هـ ولسان الحديث لا يناسب زيد الشهيد، كما يظهر للمتأمل. ومن هنا فالظاهر أن الصحيح ما في الطبعة الحجرية من كتاب الشافي للسيد المرتضى: 231 عن ابن طيفور، وهو أحمد بن أبي طاهر. قال في الشافي:"واخبرنا أبو عبد الله المرزباني، قال: حدثني علبي بن هارون، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن طاهر عن أبيه، قال: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي كلام فاطمة عند منع أبي بكر إياها فدك..." وذكر الحديث. وزيد هذا هو زيد الأصغر وهو معاصر لأبن طيفور. -[ 140 ]- لك ببعضه دون بعض... وأما قولك إن رسول الله منا ومنكم، فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانه..." (1). | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 7:08 am | |
| موقف الفضل بن العباس في أمر الخلافة ومن احتجاج الفضل بن العباس على قريش في أمر الخلافة أن قال: "يامعشر قريش - وخصوصاً يا بني تيم - إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة، ونحن أهلها دونكم، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله، لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا حسداً منهم لنا وحقداً علينا وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه" (2).
موقف عبد الله بن عباس في أمر الخلافة أما عبد الله بن عباس فقد كثر منه الحديث في ذلك، خصوصاً مع عمر بن الخطاب: 1 ـ فقد روى الطبري عن ابن عباس عن عمر، أنه قال: "يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟ فكرهت أن أجيبه. فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني. فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت، ووفقت... فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريش اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزوجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 1: 221، واللفظ له. الإمامة والسياسة 1: 18 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). تاريخ اليعقوبي 2: 125 ـ 126 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. (2) شرح نهج البلاغة 6: 21. -[ 141 ]- وأما قولك: إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عزوجل وصف قوماً بالكراهية، فقال: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ]... فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسداً وظلمًا. فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين (ظلماً) فقد تبين للجاهل والحليم. وأما قولك (حسدًا) فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون..." (1). 2 ـ وروى ابن أبي الحديد عن عبدالله بن عمر، حديث عمر مع ابن عباس بنحو من ذلك باختلاف يسير، وزاد: "فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس. أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول. فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين! لا تنسب هاشماً إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه. وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ]. وأما قولك: (حقدًا) فكيف لا يحقد مَن غُصِب شيئًا ويراه في يد غيره؟! فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام... بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منك حسداً وظلمًا قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسدًا فقد حسد إبليس آدم، فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك: ظلمًا فأمير ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3: 289 من ندب عمر ورثاه (رضي الله عنه) : ذكر بعض ما رثي به، نشر مؤسسة الأعلمي بيروت، وهناك حذف في تاريخ الطبري في الطبعة الموجودة في برنامج الألفية الإصدار 1،5. -[ 142 ]- المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو..." (1). 3 ـ وفي حديث آخر لابن عباس مع عمر، نقله ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب، قال: "دخلت على عمر يوما فقال: يا ابن العباس، لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة، حتى نحلته رياءً، قلت: من هو؟ فقال: هذا ابن عمك- يعني عليًّا - قلت: وما يقصد بالرياء يا أمير المؤمنين؟ قال: يرشح نفسه بين الناس للخلافة. قلت: وما يصنع بالترشيح؟ قد رشحه لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصرفت عنه. قال: إنه كان شاباً حدثًا فاستصغرت العرب سنه، وقد كمل الآن. ألم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين. قلت: يا أمير المؤمنين أما أهل الحجى والنهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروماً مجدود..." (2). ولابن عباس أحاديث أخر مع عمر يأتي ذكرها عند التعرض لرأي عمر في الخلافة. 4 ـ وفي حديث له مع معاوية: "فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعهد منه إلينا... ولا يعاب أحد على ترك حقه، وإنما المعاب مَن يطلب ما ليس له..." (3). 5 ـ وفي جوابه ليزيد عن كتابه الذي أرسله إليه شاكراً امتناعه من بيعة ابن الزبير: "ولكنكم معاشر قريش كاثرتمونا فاستأثرتم علينا سلطاننا ودفعتمونا عن حقنا فبعداً على من اجترأ على ظلمنا واستقوى السفهاء ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 12: 54. (2) شرح نهج البلاغة 12: 80. (3) عيون الأخبار 1: 6. -[ 143 ]- علينا وتولى الأمر دوننا كما بعدت ثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ومكذبوا المرسلين " (1). 6 ـ وفي حديث العتبي عن أبيه أنه قال: "لما سار الحسين إلى الكوفة اجتمع ابن عباس وابن الزبير بمكة، فضرب ابن عباس على جيب ابن الزبير، وتمثل: يا لك من قنبرة بمعمر *** خلا لك الجو فبيضي و اصفري ونقري ما شئت أن تنقري خلا لك والله يا ابن الزبير الحجاز، وذهب الحسين. فقال ابن الزبير: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر مِن سائر الناس. فقال: إنما يرى مَن كان في شك، وأمّا نحن فعلى يقين" (2). 7 ـ وقد روي عنه أنه قال في التعقيب على الخطبة الشقشقية: "فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغ منه حيث أراد" (3). مع ما هو المعلوم من أن الخطبة الشقشقية قد بلغت الغاية في التشكي من الأولين. [b]بعض كلمات النقاد في الخطبة الشقشقية وبالمناسبة يقول ابن أبي الحديد: "فحدثني شيخي أبو الخير مصدق ابن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة، فلما انتهيت إلى ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 220، أنساب الأشراف 4: القسم 2: 19، تذكرة الخواص: 286، 287. (2) سير أعلام النبلاء 3: 354 في ترجمة عبد الله بن عباس الحبر. شرح نهج البلاغة 20: 134. (3) نهج البلاغة 1: 37. -[ 144 ]- هذا الموضع قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة، لتتأسف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد؟! والله ما رجع عن الأولين، ولا عن الآخرين، ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره، إلا رسول الله. قال مصدق: وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل، قال: فقلت له: أتقول إنها منحولة؟ فقال: لا والله. وإني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدق. قال: فقلت له: إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي (رحمه الله تعالى). فقال: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفَس، وهذا الأسلوب. قد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر. ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنِّفَت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة. ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَن هو مِن العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. قلت: وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي، إمام البغداديين من المعتزلة. وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية. وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب (الإنصاف). وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي (رحمه الله تعالى). ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي (رحمه الله تعالى) موجوداً" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 1: 205 ـ 206.[/b] | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 7:27 am | |
| -[ 145 ]- موقف خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من الخلافة وأما خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من أعيان الصحابة فقد صدر منهم كلام كثير في أن الخلافة حق له (عليه السلام)، في يوم السقيفة، وبعد ذلك. وسبق شيء من ذلك في أوائل الجواب عن هذا السؤال، كما يأتي التعرض لبعض ذلك في جواب السؤال الرابع. والمهم منها هنا ما يناسب عدم إمضاء ما حصل، وعدم الرضا به. وهو كلام كثير..
موقف أبي ذر في أمر الخلافة (منه): ما رواه الحافظ ابن مردويه في المناقب (على ما في مناقب عبد الله الشافعي ص:87 ـ مخطوط) بسنده يرفعه إلى داود بن أبي عوف قال حدثني معاوية بن أبي ثعلبة الليثي، قال: "ألا أحدثك بحديث لم تختلف؟ قلت: بلى. قال: مرض أبو ذر، فأوصى إلى علي (عليه السلام). فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر لكان أجمل لوصيتك من علي. فقال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقًّا وإنه والله أمير المؤمنين، وإنه الربيع الذي يسكن إليه، ولو فارقكم لقد أنكرتم الناس، وأنكرتم الأرض. قال: قلت: ياأبا ذر إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله أحبهم إليك. قال: أجل. قلنا: فأيهم أحب إليك؟ قال: هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه، يعني: علي ابن أبي طالب" (1).
موقف حذيفة في أمر الخلافة (ومنه): ما عن أبي شريح قال: "أتى حذيفة بالمدائن ونحن عنده أن الحسن وعماراً قدما الكوفة يستنفران الناس إلى علي، فقال حذيفة: إن ـــــــــــــــــــــــ (1) ملحقات إحقاق الحق 8: 679 الباب المتمم للعشرين: الثالث ما رواه أبو ذر. -[ 146 ]- الحسن وعماراً قدما يستنفرانكم، فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب" (1).
مواقف بعض الصحابة في أمر الخلافة بمناسبة الشورى (ومنه): ما ذكره ابن أبي الحديد عند الحديث عن الشورى عن الشعبي في كتاب الشورى ومقتل عثمان. قال: "وقد رواه أيضاً أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب السقيفة". قال ابن أبي الحديد في جملة ما ذكره من حوادث ما بعد بيعة عثمان: "قال عوانة: فحدثني يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن مسلمة أن علي بن أبي طالب لما انصرف إلى رحله قال لبني أبيه: يا بني عبد المطلب إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدًا ووالله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف. قال: وعبدالله ابن عمر بن الخطاب داخل إليهم، قد سمع الكلام كله، فدخل وقال: يا أبا الحسن أتريد أن تضرب بعضهم ببعض؟! فقال: اسكت ويحك. فوالله لولا أبوك وما ركب مني قديماً وحديثاً ما نازعني ابن عفان، ولا ابن عوف. فقام عبد الله فخرج.... قال الشعبي: وخرج المقداد من الغد، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فأخذ بيده، وقال: إن كنتَ أردت بما صنعت وجه الله، فأثابك الله ثواب الدنيا والآخرة، وإن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك. فقال عبد الرحمن: اسمع رحمك الله، اسمع. قال: لا أسمع والله. وجذب يده من يده، ومضى حتى دخل على علي (عليه السلام). فقال: قم، فقاتل حتى نقاتل معك. قال علي: فبمَن أقاتل رحمك الله؟!. وأقبل عمار بن ياسر ينادي: ـــــــــــــــــــــــ (1) أنساب الأشراف 2: 366 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). -[ 147 ]- يا ناعي الإسلام قم فانعه قد مات عرف و بدا نكر أما والله لو أن لي أعواناً لقاتلتهم. والله لو قاتلهم واحد لأكونن له ثاني. فقال علي: يا أبا اليقظان، والله لا أجد عليهم أعوانًا ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون. وبقي (عليه السلام) في داره، وعنده نفر من أهل بيته، وليس يدخل إليه أحد، مخافة عثمان" (1). وقال: "قال عوانة: قال إسماعيل: قال الشعبي: فحدثني عبدالرحمن ابن جندب عن أبيه جندب بن عبدالله الأزدي. قال: كنت جالساً بالمدينة حيث بويع عثمان، فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو، فسمعته يقول: والله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت. وكان عبدالرحمن بن عوف جالسًا فقال: وما أنت وذاك يا مقداد؟! قال المقداد: إني والله أحبهم لحب رسول الله. وإني لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله، ثم انتزاعهم سلطانه من أهله. قال عبد الرحمن: أما والله لقد أجهدت نفسي لكم. قال المقداد: أما والله لقد تركت رجلاً مِن الذين يأمرون بالحق، وبه يعدلون. أما والله لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد. فقال عبد الرحمن: ثكلتك أمك، لا يسمعن هذا الكلام الناس، فإني أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة. قال المقداد: إن من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة، ولكن من أقحم الناس في الباطل، وآثر الهوى على الحق، فذلك صاحب الفتنة والفرقة. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 9: 54، 55. -[ 148 ]- قال: فتربد وجه عبد الرحمن... ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف. قال جندب بن عبد الله فاتبعته. وقلت له: يا عبد الله أنا من أعوانك. فقال: رحمك الله، إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان، ولا الثلاثة. قال: فدخلت من فوري ذلك على علي (عليه السلام)، فلما جلست إليه قلت: يا أبا الحسن. والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك. فقال: صبر جميل. والله المستعان. فقلت: والله إنك لصبور! قال: فإن لم أصبر فماذا أصنع؟ فقلت: إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفاً وعبدالرحمن بن عوف، فقالا: كذا وكذا ثم قام المقداد فاتبعته فقلت له كذا فقال لي: كذا فقال علي (عليه السلام) : لقد صدق المقداد، فما أصنع؟ فقلت: تقوم في الناس، فتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنك أولى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتسألهم النصر على هؤلاء المظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين، فإن دانوا لك فذاك، وإلا قاتلتهم، وكنت أولى بالعذر، قتلت أو بقيت، وكنت أعلى عند الله حجة. فقال: أترجو يا جندب أن يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت: أرجو ذلك. قال: لكني لا أرجو ذلك. لا والله، ولا من المائة واحد. وسأخبرك إن الناس إنما ينظرون إلى قريش، فيقولون: هم قوم محمد وقبيله. وأما قريش بينها فتقول: إن آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلاً ويرون أنهم أولياء هذا الأمر دون قريش، ودون غيرهم من الناس. وهم إن ولوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا ومتى كان في غيرهم -[ 149 ]- تداولته قريش بينها لا والله، لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا فقلت: جعلت فداك يا ابن عم رسول الله، لقد صدعت قلبي بهذا القول. أفلا أرجع إلى المصر، فأوذن الناس بمقالتك، وأدعو الناس إليك؟ فقال: يا جندب، ليس هذا زمان ذاك. قال: فانصرفت إلى العراق، فكنت أذكر فضل علي على الناس، فلا أعدم رجلاً يقول لي ما أكره. وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك، فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك، فيقوم عني ويدعني. وزاد أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري: حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة أيام ولينا فبعث إلي فحبسني، حتى كُلّم فيّ، فخلى سبيلي. وروى الجوهري: قال: نادى عمار بن ياسر ذلك اليوم: يا معشر المسلمين إنا قد كنا وما كنا نستطيع الكلام، قلة وذلة، فأعزنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله رب العالمين. يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم، تحولونه ههنا مرة، وههنا مرة؟! ما أنا آمن أن ينزعه الله منكم، ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله. فقال له هاشم بن الوليد بن المغيرة: يا ابن سمية: لقد عدوت طورك، وما عرفت قدرك. ما أنت وما رأت قريش لأنفسها؟! إنك لست في شيء من أمرها وإمارتها فتنح عنها وتكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار، وانتهروه. فقال: الحمد لله رب العالمين. ما زال أعوان الحق أذلاء. ثم قام فانصرف" (1). وإنما أثبتناه بطوله لأنه يوضح الخطوط العامة للحوادث التي حصلت في الصدر الأول. ويمكن للباحث أن يجد نظيره وشواهده في ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 9: 56 ـ 58. -[ 150 ]- كثير من كتب الحديث والتاريخ. ويأتي ما يناسب ذلك في جواب السؤال الرابع عند الكلام في موقف الصحابة من النص.
تصريحات لبعض أعلام الجمهور تناسب ما سبق
بل صدر من بعض أعلام الجمهور ممن هو على خلاف أهل البيت (صلوات الله عليهم) ما يناسب ذلك من الاعتراف بحق أهل البيت (عليهم السلام)، أو بتبَرّمهم (عليهم السلام) من أخذ الحق منهم، أو نحو ذلك.. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 7:51 am | |
| كلمات لعمر بن الخطاب 1 ـ فقد روى ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة للجوهري والموفقيات للزبير بن بكار حديثاً عن ابن عباس: "قال: إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال: يا ابن عباس: ما أظن صاحبك إلا مظلومًا فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته. فانتزع يده من يدي، ثم مرّ يهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته. فقال لي: يا ابن عباس: ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه. فقلت في نفسي: هذه شرّ من الأولى. فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر" (1). فانظر لعمر لم يقل لابن عباس: إنه قد رضي بالآخرة بما حصل وأقره، فلا ظلامة الآن حتى ترجع. (فلم يقل عمر لابن عباس إنّ الإمام عليًّا رضي بما حصل وليس هناك ظلامة الآن، بل بدأ يُبَرِّر موقفه مع قريش). 2 ـ وروى ابن عباس أيضاً في حديث له مع عمر عندما خرج إلى ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 45، 12: 46 باختلاف يسير. -[ 151 ]- الشام قال: "فقال لي: يا ابن عباس أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي، فلم يفعل، ولم أزل أراه واجدًا، فيم تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين: إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك، إنه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له. فقال: يا ابن عباس، وأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر له، فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟!..." (1). وفي رواية أخرى أنه قال: "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددتُه عنه خوفاً من الفتنة، وانتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله ما في نفسي، وأمسك. وأبى الله إلا إمضاء ما حتم" (2). 3 ـ وفي حديث له ثالث معه أيضاً: "قال: فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتى إذا خلفنا البقيع. قال: يا ابن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله، إلا أنا خفناه على اثنتين. قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بداً معه من مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة سنه، وحبه بني عبدالمطلب" (3). 4 ـ وقد تقدم له مع ابن عباس حديث رابع يجري هذا المجرى. 5 ـ وفي حديث خامس له، يقول عنه ابن عباس: "كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب، فقال: أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر" (4). ـــــــــــــــــــــــ (1)، (2)، (3) شرح نهج البلاغة 12: 78، 79، 2: 57. (4)محاضرات الأدباء 2: 478. -[ 152 ]- 6 ـ وقال المغيرة بن شعبة: "إني لعند عمر بن الخطاب ليس عنده أحد غيري، إذ أتاه آت فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزعمون أن الذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له، وأنه كان بغير مشورة ولا مؤامرة. وقالوا: تعالوا نتعاهد أن لا نعود إلى مثله. قال عمر: وأين هم؟ قال: في دار طلحة. فخرج نحوهم وخرجت معه، وما أعلمه يبصرني من شدة الغضب. فلما رأوه كرهوه، وظنوا الذي جاء له. فوقف عليهم، وقال: أنتم القائلون ما قلتم؟. والله لن تتحابوا حتى يتحاب الأربعة: الإنسان والشيطان، يغويه وهو يلعنه، النار والماء، يطفئها وهي تحرقه. ولم يأن لكم بعد، وقد آن ميعادكم ميعاد المسيخ متى هو خارج. قال: فتفرقوا فسلك كل واحد منهم طريق، قال المغيرة: ثم قال لي: أدرك ابن أبي طالب، فاحبسه علي. قلت: لا يفعل أمير المؤمنين، وهو مغد. قال: أدركه، وإلا قلت لك: يا ابن الدباغة. قال: فأدركته فقلت له: قف مكانك لإمامك، واحلم، فإنه سلطان، وسيندم وتندم. قال: فأقبل عمر، فقال: والله ما خرج هذا الأمر إلا من تحت يدك. قال علي: اتق أن لا تكون الذي نطيعك فنفتنك. قال: وتحب أن تكون هو؟ قال: لا، ولكننا نذكِّرك الذي نسيتَ. فالتفت إليّ عمر، فقال: انصرف، فقد سمعت منا عند الغضب ما كفاك. فتنحيت قريبا وما وقفت إلا خشية أن يكون بينهما شيء، فأكون قريبا فتكلما كلاماً غير غضبانين، ولا راضيين. ثم رأيتهما يضحكان، وتفرقا وجاءني عمر، فمشيت معه، وقلت: يغفر الله لك، أغضبت؟ قال: فأشار إلى علي، وقال: أما والله لولا دعابة فيه ما شككت في ولايته، وإن -[ 153 ]- نزلت على رغم أنف قريش" (1).
كلام لعثمان بن عفان 7 ـ وفي حديث طويل لعثمان مع ابن عباس ذكره ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار بسنده. وفيه: "إني أنشدك يابن عباس الإسلام والرحم، فقد والله غلبت وابتليت بكم، والله لوددت أن هذا الأمر كان صار إليكم دوني، فحملتموه عني، وكنت أحد أعوانكم عليه، إذاً والله لوجدتموني لكم خيراً مما وجدتكم لي. ولقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه، واختزلوه دونكم، فوالله ما أدري أدفعوه عنكم، أم دفعوكم عنه. قال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين... فأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسدٍ قد والله عرفتَه، وبغيٍ قد والله علمتَه. فالله بيننا وبين قومنا..." (2).
كتاب معاوية لمحمد بن أبي بكر 8 ـ كما روى نصر بن مزاحم لمحمد بن أبي بكر كتاباً لمعاوية ينكر فيه خلافه على أمير المؤمنين ومنازعته له. وذكر جواب معاوية لمحمد بكتاب يتضمن الاعتراف بتعدي الأولين على أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول فيه: "من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر... أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه، وما أصفى به نبيه، مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف. ذكرت حق ابن أبي طالب، وقديم ـــــــــــــــــــــــ (1) العقد الفريد 4: 261 ـ 262 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان. (2) شرح نهج البلاغة 9: 9. -[ 154 ]- سوابقه وقرابته من نبي الله (صلى الله عليه)... وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا (صلى الله عليه) نرى حق ابن أبي طالب لازماً لنا وفضله مبرزاً علينا فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، قبضه إليه. فكان أبوك وفاروقه أول مَن ابْتَزّه وخالفه. على ذلك اتفقا واتسقا ثم دعواه إلى أنفسهم، فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم. فبايع وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما ثم قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان، يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما أبوك مهد مهاده، وبنى ملكه وشاده. فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يك جوراً فأبوك أسسه، ونحن شركاؤه، وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب، وأسلمنا له. ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك ما بدا لك، أو دع..." (1). وقال الطبري: "وذكر هشام عن أبي مخنف قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني أن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي. فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لِمَا فيه ممّا لا يَحْتَمِل سماعها العامة" (2). وذكر ابن الأثير قريباً من ذلك (3). وهما كما ترى لم يكذبا المكاتبات المذكورة، وإنما تركاها لعدم احتمال العامة سماعها، وكأنّ المهم إرضاء العامة، لا تسجيل الوقائع وبيان الحقائق!! ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 118 ـ 121. وتوجد في مصادر أخرى مثل: شرح نهج البلاغة 3: 188، وأنساب الأشراف 3: 165 ـ 167 في أمر مصر في خلافة علي ومقتل محمد بن أبي بكر ومحمد ابن أبي حذيفة (رضي الله عنهم). ومروج الذهب 3: 20 ـ 22 في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ذكر لمع من أخباره وسيره ونوادر من بعض أفعاله بين معاوية ومحمد بن أبي بكر. (2) تاريخ الطبري 3: 68 في ولاية محمد بن أبي بكر مصر. (3) الكامل في التاريخ 3: 157 في ذكر ولاية قيس بن سعد بمصر.
-[ 155 ]- كلمات أخر لمعاوية 9 ـ وروى نصر أيضاً كتاباً لمعاوية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيه: "أما بعد فإن الله اصطفى محمداً بعلمه، وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه، واجتبى له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، فكانوا في منالهم [منازلهم.ظ] عنده على قدر فضائلهم في الإسلام. فكان أفضلهم في إسلامه، وأنصحهم لله ولرسوله، الخليفة من بعده، وخليفة خليفته، والثالث الخليفة المظلوم عثمان. فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وفي قولك الهجر، وفي تنفسك الصعداء، وفي إبطائك عن الخلفاء، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره..." (1). وقد تقدم في ضمن تصريحات أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الخلافة كتاب من معاوية له (عليه السلام) يندد بتبرمه (عليه السلام) من بيعة أبي بكر، ومحاولة نقضه، وينكر ذلك عليه. 10 ـ وروي أن الإمام الحسن (صلوات الله عليه) كان عند معاوية وجرى بينهما كلام فيه شيء من المنافرة، ثم وصل معاوية الإمام الحسن (عليه السلام) بثلاثمائة ألف، فلما خرج قال يزيد لمعاوية: "تالله ما رأيت رجلاً استقبلك بما استقبلك به، ثم أمرت له بثلاثمائة ألف! قال: يا بني إن الحق حقهم، فمن أتاك منهم فاحْثِ له" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 86 ـ 87، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 15: 74. أنساب الأشراف 3: 66ـ67 أمر صفين. المناقب للخوارزمي: 251. العقد الفريد 4: 307 ـ 308 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أخبار علي ومعاوية. صبح الأعشى 1: 273ـ274 المقالة الأولى: الباب الأول: الفصل الثاني: الطرف الأول: النوع التاسع مما يحتاج إليه الكاتب من حفظ جانب جيد من مكاتبات الصدر الأول ومحاوراتهم ومراجعاتهم وما ادعاه كل منهم لنفسه أو لقومه...: المقصد الثاني في ذكر شيء من مكاتبات الصدر الأول يكون مدخلاً إلى معرفة.... (2) شرح نهج البلاغة 16: 12.
-[ 156 ]- كلام لعمرو بن العاص 11 ـ وفي كلام لعمرو بن العاص في مجلس معاوية بن أبي سفيان مع الإمام الحسن (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال فيه: "إنه شتم أبا بكر وكره خلافته، وامتنع من بيعته، ثم بايعه مكره..." (1). كلام لعبد الله بن الزبير 12 ـ وفي كلام لعبد الله بن الزبير بمحضر ابن عباس معرضاً به: "إن أناساً يزعمون أن بيعة أبي بكر كانت غلطاً وفلتة ومغالبة. ألا إن شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا ويزعمون أنه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم... فقال ابن عباس: على رسلك أيها القائل في أبي بكر وعمر والخلافة. أما والله ما نالا ولا نال أحد منهما شيئا إلا وصاحبنا خير ممن نال. وما أنكرنا تقدم من تقدم لعيب عبناه عليه، ولو تقدم صاحبنا لكان أهلاً وفوق الأهل" (2). وأحاديث الجمهور في ذلك كثيرة يجدها الباحث متفرقة في مطاوي الأحاديث والأحداث، وكلها تحوم حول عدم رضا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبقية أهل البيت بما حصل في أمر الخلافة.
حديث لعلي بن الفارقي وبالمناسبة يقول ابن أبي الحديد: "وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم. قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك، وهي عنده صادقة؟ ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 287. (2) شرح نهج البلاغة 20: 132. -[ 157 ]- فتبسم، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدًا وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه. ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة [المواقفة.ظ] بشيء، لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعى كائناً ما كان، من غير حاجة إلى بينة وشهود. وهذا كلام صحيح، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل" (1). وهو كما ترى ظاهر في مفروغية المتحدث عن أن أهل البيت (عليهم السلام) لم يعرضوا عن حقهم في الخلافة، وأنهم لو استطاعوا استرجاعه لاسترجعوه.
الأحداث المناسبة لعدم إقرار الأئمة (عليهم السلام) ما حصل في أمر الخلافة الأمر الثاني: مما يؤكد عدم إقرار الأئمة (صلوات الله عليهم) استيلاء الأولين على الخلافة ما ذكره المؤرخون وأهل الحديث من مواقف أهل البيت (عليهم السلام) وخاصتهم، ومواقف خصومهم، المناسبة لاستنكارهم (عليهم السلام) ما حصل، وانكماشهم منه، ثم استسلامهم، وسكوتهم عنه، نتيجة الضغوط التي تعرضوا لها أو للمحاذير المهمة التي منعتهم من التمسك بالمواقف الصلبة ضد الحاكمين، واضطرتهم لمجاراتهم والسير معهم.. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 8:05 am | |
| أحداث السقيفة 1 ـ فقد بات مِن المشهورات الواضحات اعتزالُ أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أهل بيته وأصحابه في داره، وامتناعهم من بيعة أبي بكر بعد أن دعوا إليها ومحاولة الطرف الآخر الضغط عليهم، وإخراجهم بالعنف والقوة ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 16: 284. -[ 158 ]- للبيعة، في تفاصيل يضيق المقام عن استيعابها (1). قال ابن أبي الحديد: "قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبدالله في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة. كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب، ليحرق عليهم الدار" (2). وقد تقدم في كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجواب أمير ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 126 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. الإمامة والسياسة 1: 15 في تخلف سعد بن عبادة (رضي الله عنه) عن البيعة،: 16 في إباية علي (كرم الله وجهه) بيعة أبي بكر (رضي الله عنه). شرح نهج البلاغة 6: 45. (2) شرح نهج البلاغة 20: 147. والموجود في مروج الذهب، طبعة بولاق، في مصر عام 1283 هـ 2: 79، والطبعة الأولى من المطبعة الأزهرية المصرية عام 1303 هـ الذي بهامشه تاريخ روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر للعلامة ابن شحنة 2: 72، والطبعة التي بهامش الكامل 6: 160ـ161: "وحدث النوفلي في كتابه في الأخبار، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم، وحصره إياهم في الشعب، وجمعه الحطب لتحريقهم، ويقول: إنما أراد بذلك إرهابهم، ليدخلوا في طاعته. كما أرهب بنو هاشم، وجمع لهم الحطب، لإحراقهم، إذ هم أبوا البيعة فيما سلف. وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان". بينما الموجود في الطبعة الثانية من مطبعة دار السعادة بمصر عام 1367 هـ/ 1948 م تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، 3: 86، والطبعة الأولى من مطبعة دار الفكر ببيروت عام 1421هـ / 2000م تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، 3: 87: "وحدث النوفلي في كتابه في الأخبار، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم، وحصره إياهم في الشعب، وجمعه لهم الحطب لتحريقهم، ويقول: إنما أراد بذلك إرهابهم، ليدخلوا في طاعته. إذ هم أبوا البيعة فيما سلف. وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان". -[ 159 ]- المؤمنين (عليه السلام) له التعرض إلى أنه (عليه السلام) كان يقاد لبيعة أبي بكر كما يقاد الجمل المخشوش (1). وقال (عليه السلام) وهو يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبره: "يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني" (2). وقد قال أبو بكر عند موته: "وليتني لم أُفَتِّش بيتَ فاطمة بنت رسول الله وأُدْخِلَه الرِّجالَ، ولو كان أُغْلِقَ على حرْبٍ" (3).
أحداث ما بعد السقيفة 2 ـ واجتمع جماعة إلى أمير المؤمنين يسألونه القتال من أجل حقه، فطلب إليهم أن يغدوا على ذلك محلقين، فلم يغدُ عليه إلا ثلاثة نفر (4)، ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 3: 30. وقول معاوية: (تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى تبايع) ورد في المناقب للخوارزمي: 251، وكذلك ورد باختلاف يسير في كل من شرح نهج البلاغة 15: 74، والعقد الفريد 4: 308 في فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أخبار علي ومعاوية، وأنساب الأشراف 3: 66 ـ 67 في أمر صفين، ووقعة صفين: 87، وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن الدمشقي 1: 357، وصبح الأعشى 1: 228 المقصد الثاني. (2) الإمامة والسياسة 1: 17 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). شرح نهج البلاغة 11: 111. (3) تاريخ اليعقوبي 2: 137 في أيام أبي بكر، واللفظ له. مجمع الزوائد 5: 203 كتاب الخلافة: باب كراهة الولاية ولمن تستحب. الأحاديث المختارة 1: 89 فيما رواه عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) عن أبي بكر (رضي الله عنه). المعجم الكبير 1: 62 فيما أسند أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ميزان الاعتدال 5: 135 في ترجمة علوان بن داود البجلي. تاريخ دمشق 30: 418 في ترجمة عبدالله ويقال عتيق بن عثمان... أبو بكر. لسان الميزان 4: 189 في ترجمة علوان بن داود البجلي. الضعفاء للعقيلي 3: 420 في ترجمة علوان بن داود البجلي. تاريخ الطبري 2: 353 في أحداث سنة:13هـ في ترجمة أبي بكر: بعد ذكر أسماء قضاته وكتابه وعماله على الصدقات. (4) تاريخ اليعقوبي 2: 126 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. -[ 160 ]- أو أربعة (1). 3 ـ وذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري في كتاب السقيفة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) حمل الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) على حمار، وطاف بها بيوت الأنصار يسألهم هو وفاطمة (صلوات الله عليهم) النصرة له من أجل استرجاع حقه، فاعتذروا بأن بيعتهم سبقت لأبي بكر، فلم يقبلا عذرهم (2).
رد فعل الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) من أحداث السقيفة 4 ـ ومن المعلوم أن الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) قد غضبت على الشيخين مِن أجل ما حصل، وما تبعه مِن أخذ فدك وغيره. وقد أرادا الدخول عليها واسترضاءها فأَبَتْ، حتى طلبا من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يدخلهما عليها فلما أدخلهما عليها أعرضت عنهما فلمّا ألحّا قالت: "أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما اسخطتماني وما أرضيتماني. ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 14. (2) شرح نهج البلاغة 6: 13. الإمامة والسياسة 1: 16 في إباية علي (كرم الله وجهه) بيعة أبي بكر (رضي الله عنه). -[ 161 ]- فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة. ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها..." (1). 5 ـ وأوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يدفنها ليلاً لئلا يحضر الصلاة عليها مَن أغضبها وتمّ لها ذلك، فدُفِنت ليلاً ولم يحضر دفنها إلا نفر معدودون. وخفي قبرها ولم يظهر حتى يومنا هذا (2)، كل ذلك لتثبيت غضبها عليهم، وعلى مَن سار في فلكهم، أو غضّ النظر عن ذلك ولم يغيّر.
امتناع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر 6 ـ وامتنع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر مدة طالت أو قصرت (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 17 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، واللفظ له. أعلام النساء 4: 124 فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). (2) غضب الزهراء عليهم، ووصيتها بأن تدفن ليل، وعدم صلاتهم عليه، تجده في كل من صحيح البخاري 4: 1549، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، و 6 ص2474 كتاب الفرائض: باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نورث ما تركنا صدقة، وصحيح مسلم 3: 1380 كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وصحيح ابن حبان 11: 153 باب الغنائم: ذكر السبب الذي من أجله كان (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس خمسه وخمس الغنائم جميع، ومسند أبي عوانة ج4 ص251 مبدأ كتاب الجهاد: باب الأخبار الدالة على الإباحة أن يعمل في أموال من لم يوجف عليه خيلاً ولا ركاب من المشركين مثل ما عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنها لا تورث، والمصنف لعبدالرزاق 5: 472 في خصومة علي والعباس، والطبقات الكبرى 2: 315 في ذكر ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما ترك، والإمامة والسياسة 1: 17 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وطرح التثريب 1: 150 في ترجمة فاطمة، والإصابة 8: 59 في ترجمة فاطمة، وغيرها من المصادر الكثيرة. (3)صحيح البخاري ج4:: 1549 كتاب المغازي: باب غزوة خيبر. صحيح مسلم 3: 1380 كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نورث ما تركنا فهو صدقة. صحيح ابن حبان 11: 153 باب الغنائم: ذكر السبب الذي من أجله كان (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس خمسه وخمس الغنائم جميع. مسند أبي عوانة 4: 251 مبدأ كتاب الجهاد: باب الأخبار الدالة على الإباحة أن يعمل في أموال من لم يوجف عليه خيلاً ولا ركاب من المشركين مثل ما عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنها لا تورث. المصنف لعبد الرزاق 5: 472 ـ473 في خصومة علي والعباس. الإمامة والسياسة 1: 17، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 162 ]- ثم لم يدخل في أمرهم ويسايرهم إلا خوفاً على الإسلام، كما قال (عليه السلام) في كتابه إلى أهل مصر: "فأمسكتُ يدي حتى رأيتُ راجعةَ الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيتُ إنْ لم أنصر الإسلامَ وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم مِن فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب. فنهضتُ في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، وأطمأن الدين وتنهنه" (1). | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 8:38 am | |
| موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) ومَن معه من أحداث الشورى 7 ـ وقد شكى (عليه السلام) في الشورى مما حصل في تفاصيل كثيرة تقدم بعضها ومِن المعلوم أنّ أمْرَ الشورى كان مبنياً على الإرغام، وعلى أنّ مَن يأبى ما تنتهي إليه يُقتَل، بوصية عمر لأبي طلحة الأنصاري. وذكر الطبري أنه لما بايع عبدالرحمن بن عوف عثمان قال أمير المؤمنين (عليه السلام) له: "حبوته حبو دهر. ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون. والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك. والله كل يوم هو في شأن. فقال عبدالرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 3: 119. (2) تاريخ الطبري 2: 583 في قصة الشورى، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 12: 264. تاريخ المدينة لابن شبة 3: 930. العقد الفريد 4: 259 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، أمر الشورى في خلافة عثمان. -[ 163 ]- وقد قال (عليه السلام) لعبدالرحمن بعد أن اختلف مع عثمان، وخاب مما كان يأمل منه: "ياابن عوف، كيف رأيت صنيعك مع عثمان؟ رب واثق خجل. ومن لم يتوخ بعمله وجه الله عاد مادحه من الناس له ذاماً" (1). وقال ابن أبي الحديد: "قال الشعبي: واجتمع أهل الشورى على أن تكون كلمتهم واحدة على مَن لم يبايع. فقاموا إلى علي، فقالوا: قم فبايع عثمان. قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نجاهدك. قال: فمشى إلى عثمان، حتى بايعه، وهو يقول: صدق الله ورسوله" (2). وذكر أيضاً عن الجوهري والشعبي في كتبهما المتقدمة ما جرى من عبد الرحمن بن عوف، قال: "فقال: ابسط يدك يا عثمان، فبسط يده، فبايعه، وقام القوم فخرجوا وقد بايعوا إلا علي بن أبي طالب، فإنه لم يبايع. قال: فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل. وخرج عليّ، وهو كاسف البال مظلم، وهو يقول: يا ابن عوف، ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا مِن دفعنا عن حقنا والاستئثار علينا وإنها لسنة علينا وطريقة تركتموها" (3). وقد تقدم بعض مواقف وتصريحات بعض خواصه (عليه السلام) حول الشورى... إلى غير ذلك مما طفحت به كتب الحديث والتاريخ. ويتيسر للباحث المنصف الاطلاع عليه. ويأتي بعض منه في جواب السؤال الرابع إن شاء الله تعالى. ومِن الظاهر أن الشيعة لا تقول في الأولين أكثر مما قاله أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَنْ توَجّهَ وجهتَه مِن أهل بيته وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلماتهم المتقدمة ونحوه، ولا تقف منهم أشدَّ مِن مواقفهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 2: 316. (2)، (3) شرح نهج البلاغة 9: 55، 53. -[ 164 ]- وإذا أمكن للمجادل إنكار بعض ما تقدم، أو التشكيك فيه - لنقله بأخبار الآحاد، أو لعدم وضوح حال سنده، أو محاولة التكلف في مناقشة دليليته - فلا يظن بأحد إنكار جميع ما تقدم وتكذيبه، أو التشكيك فيه وتجاهله، أو منع دلالته.
أثر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاصريه في ظهور عقيدة التشيع والظاهر أنّ ما سبق- ويأتي في جواب السؤال الرابع- مِن أمير المؤمنين (عليه السلام) ومَن عاصره - مِن أهل بيته وصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - مِن الأقوال والمواقف مِن أجل بيان حقيقة الأمر في الخلافة، وتأكيدهم على ذلك، قد نبّه كثيراً من المسلمين - ممّن تهمّهم الحقيقة - إلى حقيقة التشيع وعقيدته، وأخذوا يبحثون عن أدلتها - مِن الكتاب المجيد والسنة الشريفة - والاستزادة منها حتى تبلورت هذه الحقيقة في عصره (عليه السلام)، وتبناها جماعة عن بصيرة، وتصميم يصل حدّ الجهاد والتضحية، بعد أن كاد التحجير على السنة النبوية - الذي أشرنا إليه في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة - يقضي عليه، فقام للشيعة كيان ظاهر في عصره (صلوات الله عليه)، وأخذ يقوى تدريجًا حتى انتهى إلى ما انتهى إليه اليوم. ويحسن بنا أن نشير إلى بعض شواهد ذلك.. 1 ـ يقول ابن قتيبة عند عرض أحداث واقعة الجمل: "فلما قدم علي طيء أقبل شيخ من طيء قد هرم من الكبر، فرفع له من حاجبيه، فنظر إلى علي فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال: نعم. قال: مرحباً بك وأهل... لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك، لقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأيامك الصالحة. ولئن كان ما يقال فيك من الخير حقاً إن في أمرك وأمر قريش لعجب، إذ أخرجوك -[ 165 ]- وقدموا غيرك. سر فو الله لا يتخلف عنك من طيء إلا عبد أو دعي إلا بإذنك" (1). فانظر لهذا الشيخ كيف انتبه بسبب ما بلغه مما ورد في حق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعجب من قريش كيف قدمت غيره عليه إن صدق ذلك. 2 ـ ويذكر ابن أبي الحديد حديث وفاة أبي ذر (رضي الله عنه)، وأنه قد حضره نفر مروا عليه عند موته، وأن في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الذي يحضره عصابة من المؤمنين، ثم قال: "روى أبو عمر ابن عبد البر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب: كان النفر الذي حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة، منهم حجر بن الأدبر، ومالك بن الحارث الأشتر. قلت: حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية. وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وأما الأشتر فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة. قرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث، وأنا حاضر، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال استاذي عمر بن عبد الله الدباس - وكنت أحضر معه سماع الحديث -: لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والأشتر يعتقدانه في عثمان ومَن تقَدَّمَه. فأشار الشيخ إليه بالسكوت. فسكت" (2). 3 ـ وفي حديث لشريح بن هاني مع عمرو بن العاص حينما أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) بنصيحة له، قال شريح: "فأبلغته ذلك، فتمعر وجه عمرو، وقال: متى كنت أقبل مشورة علي، أو أنيب إلى أمره، وأعتد برأيه؟! ـــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 52 استنفار عدي بن حاتم قومه لنصرة علي (رضي الله عنه). (2) شرح نهج البلاغة 15: 100 ـ 101. -[ 166 ]- فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم (صلى الله عليه) مشورته..." (1). فإنَّ نَعْتَه لأمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك لا يناسب إلا ما عليه شيعته من تقديمه على مَن سبقه. 4 ـ وقد روى المؤرخون مِن أنّ زياداً عامل معاوية على الكوفة كتب إليه في تجريم حجر بن عدي وأصحابه: "وزعم أن هذا الأمر لا يصلـح إلا في آل أبي طالب" (2). 5 ـ ولما بعث عبد الله بن الزبير ابن مطيع والياً على الكوفة كان فيما قال: "ولأتبعن سيرة عمر وعثمان". فقال له السائب بن مالك: "وأما سيرة عمر فأقل السيرتين ضرراً علينا لكن عليك بسيرة علي بن أبي طالب، فإنا لا نرضى بما دونها" (3). 6 ـ ويقول بعض التوابين: "وجاء حصين بن نمير، وقد عبأ لنا ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 543. (2) تاريخ الطبري 3: 226 في ذكر سبب مقتل حجر بن عدي من أحداث سنة 51 ه، واللفظ له. الكامل في التاريخ 3: 333 في ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما في أحداث سنة 51 ه. مقتل الشهيد عثمان 1: 225 في ذكر مقتل عمرو بن الحمق الخزاعي، ولكن بدل آل أبي طالب: آل علي بن أبي طالب. (3) أنساب الأشراف 6: 383 أمر المختار بن أبي عبيد الثقفي وقصصه، واللفظ له. تاريخ الطبري 3: 435 في أحداث سنة ست وستين: ذكر الخبر عن الكائن الذي كان فيها من الأمور الجليلة. الكامل في التاريخ 4: 28 أحداث سنة ست وستين: ذكر وثوب المختار بالكوفة. جمهرة خطب العرب 2: 76 ـ77 خطبة عبد الله بن مطيع العدوي حين قدم الكوفة: رد السائب بن مالك الأشعري عليه. البداية والنهاية 8: 264 في أحداث سنة ست وستين. الفتوح لابن أعثم المجلد الثالث: 249 ابتداء خروج المختار بن أبي عبيد وما كان منه، لكن بُتِر قسم من كلام ابن مطيع مع تغيير في كلام السائب بن مالك. -[ 167 ]- جنده... فلما دنوا دعونا إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان، وإلى الدخول في طاعته، ودعوناهم إلى أن يدفعوا إلينا عبيد الله بن زياد فنقتله ببعض من قتل من إخواننا وأن يخلعوا عبد الملك بن مروان، وإلى أن يخرج من ببلادنا من آل ابن الزبير، ثم نرد هذا الأمر إلى أهل بيت نبينا الذين آتانا الله من قبلهم بالنعمة والكرامة. فأبى القوم، وأبينا" (1). 7 ـ ولذا كان الأمويون وعمالهم يمتحنون مَن يتهمونه بالتشيع بسؤالهم عن موقفهم مِن الأولين، ويؤاخذونهم بأنهم يبرؤون منهم. وذلك شاهد بشيوع هذه العقيدة في العصور الأولى. 8 ـ وهذا أبو حمزة الشاري الخارجي لما دخل المدينة المنورة بأصحابه، في أواخر العهد الأموي، قال في خطبة له: "وأما إخواننا من الشيعة - وليسوا بإخواننا في الدين، لكني سمعت الله يقول: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا] - فإنها فرقة تظاهرت بكتاب الله، وآثرت الفرقة على الله، لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن، ولا عقل بالغ في الفقه، ولا تفتيش عن حقيقة الثواب، وقد قلدوا أمورهم أهواءهم، وجعلوا دينهم العصبية لحزب لزموه، وأطاعوه في جميع ما يقوله غياً كان أو رشدا ضلالة كان أو هدى، ينتظرون الدول في رجعة الموت، ويؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدعون علم الغيب لمخلوقين لا يعلم واحدهم ما في بيته، بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه، أو يحوي جسمه، ينقمون المعاصي على أهلها ويعملون بها ولا يعلمون المخرج منها جفاة في دينهم، قليلة ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3: 416 أحداث سنة خمس وستين: فمن ذلك ما كان من أمر التوابين للطلب بدم الحسين بن علي إلى عبيدالله بن زياد، واللفظ له. وقريب منه في أنساب الأشراف 6: 371 في أمر التوابين وخبرهم بعين الوردة، والفتوح لابن أعثم المجلد الثالث: 245 ثم رجعنا إلى أخبار سليمان بن صرد وأصحابه، والكامل في التاريخ 4: 7 في أحداث سنة خمس وستين: ذكر مسير التوابين وقتلهم. -[ 168 ]- عقولهم، قد قلدوا أهل بيت من العرب دينهم، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة، وينجيهم من عقاب الأعمال السيئة، قاتلهم الله أنى يؤفكون!..." (1). وهو شاهد بشيوع هذه العقيدة وإن حاول في طرحه لها التهريج عليها وتبشيعها كما هو المنتظر من أمثاله. 9 - ولولا ذلك لما استطاع العباسيون أن يقيموا أساس دعوتهم على البراءة من الأولين وعدم شرعية حكمهم، واختصاص الحق بأهل البيت (صلوات الله عليهم) كما تقدم بعض شواهد ذلك في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. وإن عدلوا بعد ذلك، وتخلوا عن التشيع، وتنكروا له، وجَدُّوا في مقاومته، حين بدأ العلويون ثوراتهم مطالبين بالخلافة، على أساس أنهم الأولى بها بعد أن كانت حقاً لأهل البيت (عليهم السلام). فإن بناء دعوتهم على التشيع في أول الأمر لا يمكن عادة إلا إذا كان للتشيع قاعدة شعبية قوية تتقبل الدعوة المذكورة، وتتفاعل معه.وما ذلك إلا بفضل جهود أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن توجه وجهته من الصحابة، وتأكيدهم على اغتصاب الخلافة منه - كما ذكرنا ويتضح في جواب السؤال الرابع - بنحو لا يتناسب مع إمضائه (عليه السلام) لما حصل، وإقراره له، بحيث يضفي عليه شرعية معذِّرة.
إدراك جماعة من السنة حقيقة موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) والظاهر أن كثيراً من جمهور السنة ومن خاصتهم يدركون ذلك في باطن أمرهم، وإن كان مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ورفعة شأنه تمنعانهم من الإقرار به وإعلانه - دفعاً لمعرته على السلف - إلا في فلتات أو ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 5: 119. -[ 169 ]- اندفاعات، لا يملكون فيها السيطرة على أنفسهم، وضبط أعصابهم. وقد تقدم التعرض لبعضها عند الكلام في اختصاص الشيعة بأئمتهم، ولزوم تصديقهم عليهم.
حديث إسماعيل الحنبلي عن موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من الأولين ومن الطريف في ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد في تعقيب كلامه السابق حول شكوى أمير المؤمنين في أمر الخلافة. قال: "وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قَطُفْتا بالجانب الغربي من بغداد، وأحد الشهود المعدلين به، قال: كنت حاضراً الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المنى. وكان الفخر إسماعيل بن علي هذا مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، ويشتغل بشيء من علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رأيته أنًا وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفى سنة عشر وستمائة. قال ابن عالية: ونحن عنده نتحدث إذ دخل شخص من الحنابلة، قد كان له دين على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير، والحنبلي المذكور بالكوفة. وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) من الخلائق جموع عظيمة، تتجاوز حدّ الإحصاء. قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص: ما فعلت؟ ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك يجاوبه. حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة، وسبّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة، من غير مراقبة ولا خيفة!. -[ 170 ]- فقال إسماعيل: أي ذنب لهم؟!. والله ما جرأهم على ذلك، ولا فتح لهم هذا الباب، إلا صاحب ذلك القبر. فقال ذلك الشخص: ومن صاحب القبر؟ قال: علي بن أبي طالب. قال: يا سيدي، هو الذي سن لهم ذلك، وعلمهم إياه، وطرّقهم إليه؟ قال: نعم والله. قال: يا سيدي، فإن كان محقاً فما لنا أن نتولى فلاناً وفلان؟! وإن كان مبطلاً فما لنا نتولاه؟!. ينبغي أن نبرأ إما منه، أو منهم. قال ابن عالية: فقام إسماعيل مسرعًا فلبس نعليه، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة. ودخل دار حرمه، وقمنا نحن، وانصرفنا" (1). وبذلك ظهر أن الشيعة لم يخرجوا بذلك عن رأي أئمتهم (صلوات الله عليهم)، بل تابعوهم فيه، كما تابعوا الأدلة التي وردت في الكتاب المجيد والسنة الشريفة التي تفيض بمرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة وإمامتهم عليه، والتي يأتي التعرض لبعضها في حوارنا هذا إن شاء الله تعالى.
دعوى إقرار الأئمة (عليهم السلام) الرضا بما حصل هي التي تحتاج للدليل. بقي شيء له أهميته. وهو أنه بعد كون الخلافة حقاً لأمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام) - كما تقول الشيعة، وهو المفروض في السؤال - فدعوى تنازل الأئمة (عليهم السلام) عن حقهم وإقرارهم لما حصل مخالفة للأصل. ومن أجل ذلك فهي التي تحتاج إلى دليل قاطع رافع للعذر. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 9: 307 ـ 308. -[ 171 ]- وحينئذٍ يحق لنا أن نسأل من يدعي إقرار أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لذلك: هل اطلع على دليل معتمد، يتعين لأجله رفع اليد عما سبق، ورده، أو الإعراض عنه، عملاً بأقوى الحجتين؟ وإذا كان قد أطلع على ذلك فنحن على استعداد للنظر فيه. وعلى كل حال فمما سبق يظهر أن موقف الشيعة من الأولين لا يبتني على التعصب والعناد، ولا على النصب لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبغضهم،بل على ما عرفت مِن الأدلة، التي إنْ أصابوا فيها فهم الفائزون، وإنْ فُرِضَ جَدَلاً أنهم أخطأوا فيها - لوجود أدلة أقوى منها جهلوها - فهم معذورون إن شاء الله تعالى. خصوصاً على مباني الجمهور من فتح باب الاجتهاد في مثل هذه الأمور على مصراعيه،حتى لمثل معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 9:34 am | |
| -[ 172 ]- س4: هل يجوز على الجمهور الأعظم من الصحابة (رض) أن يغفلوا عن النص الشرعي البين - إن وجدـ في بيعة الإمام علي- ويتعاموا عنه؟ والله يقول عنهم: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)) آل عمران/110.
ج: الجواب عن ذلك من وجوه..
إهمال الصحابة للنص أهون مِن إهمال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الأمة الوجه الأول: أنه إذا بني الأمر على الاستبعاد، فالبناءُ على إغفال الصحابة للنص أهون بكثير مِن البناء على إهمال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الأمة، وتركها مِن دون أن ينص على خليفة يرعاها ومِن دون أن يحدد بوضوح أمر الخلافة، بوجه شامل، في عصور الإسلام المتعاقبة، مع ما عليه الخلافة مِن الأهمية الكبرى في الدين، وفي نظم أمر الإسلام والمسلمين، ومع كونها معترك المصالـح والمطامع القبلية والفردية، ومختلف الآراء والاجتهادات التي لا ضابط لها ولا حدود. وهل ذلك إلا تفريط بالإسلام العظيم، ينزه عنه الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكريم، ونقص في الدين الذي أكمله لنا رب العالمين.خصوصاً وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ترك الدعوة الإسلامية في أول نشوئها وهي في محيط قبلي بدائي لا ألفة له قبل ذلك بالدولة والسلطان، ولم يعرف نظام حكم فيها يجري عليه بطبعه، فكيف يتركها (صلى الله عليه وآله وسلم)، من -[ 173 ]- دون نظام واضح قاطع، نهْبَةً للمطامع، وميداناً للتسابق والتناحر؟! ولا سيما مع ما تظافر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن الإخبار بالفتن، حتى قال فيما رواه حذيفة: "لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال" (1). كما استفاض عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الإخبار بولاية ولاة السوء على الأمة وظلمهم واستئثارهم وانتهاكهم الحرمات. فإنّ ذلك لا يتناسب مع إهماله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الولاية مِن دون أن يحدد ضوابطها الشرعية، لتعرف الأمة الحق من الباطل، والعدل من الجور. وأطرف من ذلك أن يكتفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان نظام الحكم بقوله المشهور: "الأئمة من قريش" (2)، من دون تحديد دقيق. ومن هي قريش؟ أليس أكثرها قد دخل في الإسلام أخيرًا حينما غلبوا على أمرهم، ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح ابن حبان 15: 218 باب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار عن العلامة التي بها يعرف نجاة المرء من فتنة الدجال، واللفظ له. مجمع الزوائد 7: 335 كتاب الفتن: باب فيما قبل الدجال ومن نجا منه نج. مسند أحمد 5: 389 حديث حذيفة ابن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). موارد الظمآن: 468. مسند البزار 7: 232، 233 فيما رواه طارق ابن شهاب عن حذيفة. كنز العمال 14: 322 حديث: 38812. (2) السنن الكبرى للبيهقي 3: 121 باب من قال يؤمهم ذو نسب إذا استووا في القراءة والفقه، 8: 143،144 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب الأئمة من قريش. السنن الكبرى للنسائي 3: 467 كتاب القضاء: الأئمة من قريش. الأحاديث المختارة 4: 403 فيما رواه بكير بن وهب الجزري عن أنس، 6: 143 فيما رواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن أنس. المستدرك على الصحيحين 4: 85 كتاب معرفة الصحابة: ذكر فضائل القبائل. المصنف لابن أبي شيبة 6: 402،403 كتاب الفضائل: ما ذكر في فضل قريش. مسند أحمد 3: 129، 183 في مسند أنس بن مالك (رضي الله عنه)، 4: 421 في أول مسند البصريين: حديث أبي برزة الأسلمي (رضي الله عنه). المعجم الأوسط 4: 26. المعجم الصغير 1: 260. مسند الطيالسي 1: 125، 284. مسند أبي يعلى 6: 321 فيما رواه سعد بن إبراهيم عن أنس، 7: 94 فيما رواه سهل أبو الأسود عن أنس. المعجم الكبير 1: 252 ومما أسند أنس بن مالك (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 174 ]- بعد صراع طويل مرير، وبعد أن أريق كثير من الدماء، وتهددت كثير من المصالـح، مما أثار كثيراً من الأحقاد والأضغان. ثم أليست قريش مجمع التناقضات، فيها القمة في الدين والعفة والشرف: أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيها ما دون ذلك، درجة بعد درجة، في تسافل نحو الحضيض في الطغيان والجريمة والخسة، كبني أمية الشجرة الملعونة في القرآن (1)، وآل أبي العاص الذين اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دغلاً (2)، فأي ضابط هذا وأي تحديد؟! ولاسيما وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر بمرارة عن حال هؤلاء وما تلقى الأمة منهم، وقال أيضاً: "هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش" (3)، ـــــــــــــــــــــــ (1) تفسير القرطبي 10: 286. الدر المنثور 5: 310. فتح القدير 3: 239،240. روح المعاني 15: 107. لسان الميزان 1: 189 في ترجمة أحمد بن الطيب السرخسي. تاريخ الطبري 5: 621 في أحداث سنة أربع وثمانين ومائتين. وفي تفسير الطبري 15: 112، وتفسير ابن كثير 3: 50 ولكن بدل بني أمية، بني فلان. (2) المستدرك على الصحيحين 4: 527 كتاب الفتن والملاحم. مجمع الزوائد 5: 241 كتاب الخلافة: باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة. المعجم الأوسط 8: 6. المعجم الصغير 2: 271. وتجده مع اختلاف يسير في كل من مسند أبي يعلى 11: 402، والمعجم الكبير 12: 236 فيما رواه ابن موهب عن ابن عباس، و 19: 382 فيما رواه عمير بن الحارث السكوني عن معاوية، والفتن لنعيم بن حماد 1: 130 باب آخر من ملك بني أمية. (3)المستدرك على الصحيحين 4: 526، واللفظ له،: 572 كتاب الفتن والملاحم. صحيح البخاري 3: 1319 كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، 6: 2589 كتاب الفتن: باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء. مسند أحمد 2: 520 مسند أبي هريرة. مسند إسحاق بن راهويه 1: 358، 359 زيادات الكوفيين والبصريين وغيرهم عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). المعجم الصغير 1: 334. مسند الطيالسي: 327 فيما رواه مالك بن ظالم عن أبي هريرة (رضي الله عنه). فتح الباري 11: 478. السنن الواردة في الفتن 2: 471،472 باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هلاك أمتي على أيدي أغيلمة سفهاء من قريش. الفتن لنعيم بن حماد 1: 130 باب آخر من ملك بني أمية،: 407 ما يكون بعد المهدي. الفردوس بمأثور الخطاب 4: 346. التاريخ الكبير 3: 499 في ترجمة سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي القرشي، 7: 309 في ترجمة مالك بن ظالم. الثقات 5: 388 في ترجمة مالك بن ظالم. تهذيب التهذيب 10: 16 في ترجمة مالك بن ظالم. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 175 ]- ونحو ذلك مما لا يتناسب وإطلاق أمر الإمامة في قريش من دون تحديد صارم يقطع أمل هؤلاء وأمثالهم في الحكم والسلطان، ويمنع من شرعية ولايتهم. وإذا روي عن عمر بن الخطاب أنه قال عن بيعة أبي بكر إنها فلتة وقى الله شرها (1)، فما هو المؤمِّن مِن فلتات لا نهاية لها ولا وقاية مِن شرها؟! والأطرف من ذلك أن ينتبه المسلمون لذلك، ويغفله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيطلبوا من عمر أن يستخلف على الأمة (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 6: 2503، 2505 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة: باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت. صحيح ابن حبان 2: 148 باب حق الوالدين: ذكر الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر،: 155،157 ذكر الزجر عن الرغبة عن الآباء إذ رغبة المرء عن أبيه ضرب من الكفر. مجمع الزوائد 6: 5 كتاب الجهاد: باب تدوين العطاء. السنن الكبرى للنسائي 4: 272،273 كتاب الرجم: تثبيت الرجم. المصنف لابن أبي شيبة 6: 453 كتاب السير: ما قالوا في الفروض وتدوين الدواوين، 7: 431 ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة. المصنف لعبدالرزاق 5: 441،445 كتاب المغازي: بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) في سقيفة بني ساعدة. مسند البزار 1: 302 ومما روى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر،: 410 ما رواه زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر أيض. مسند أحمد 1: 55 في مسندعمر بن الخطاب (رضي الله عنه). مسند الشهاب 1: 237. جامع العلوم والحكم: 386. التمهيد لابن عبد البر 22: 154. الثقات لابن حبان 2: 153،156 كتاب الخلفاء: استخلاف أبي بكر بن أبي قحافة الصديق (رضي الله عنه). الفصل للوصل المدرج 1: 490،493. الرياض النضرة 2: 202 الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها من الصحابة: ذكر بيعة السقيفة وما جرى فيه. تاريخ الطبري 2: 235 حديث السقيفة. السيرة النبوية 6: 78، 79 في أمر سقيفة بني ساعدة. وغيرها من المصادر. (2)السنن الكبرى للبيهقي 8: 148 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب الاستخلاف. مسند أبي عوانة 4: 374 مبتدأ كتاب الأمراء: ذكر الخبر المبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلف والدليل على أن المستخلف خليفة يكون عليه مثل وزره فيما يأتي إلى رعيته مما لا يجوز. مسند أبي يعلى 1: 182 في مسند عمر بن الخطاب. وغيرها من المصادر. -[ 176 ]- بل يزيد بعضهم، فيؤكد ذلك شارحاً خطورة الإهمال بالنحو الذي ذكرناه في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). يقول عبدالله بن عمر عن أبيه في حديث له: "فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس، وأنا أخبره. قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك. زعموا أنك غير مستخلف. وإنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم، ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد. قال فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إلي فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه. وإني لئن لا أستخلف فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف..." (1). وعن عائشة أنها قالت لعبد الله بن عمر بعد أن طعن: "يا بني أبلغ عمر عني سلامي، وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملاً فإني أخشى عليهم الفتنة فأتى عبد الله وأعلمه" (2).
نتائج الإهمال المزعوم ثم ماذا كانت المحصلة من هذا الإهمال المزعوم؟! وإلى أين انتهى أمر الخلافة نظرياً بين فقهاء الجمهور، حيث لا يقف خلافهم في شروطها وقيودها عند حدود. وعملياً بين الطامعين والانتهازيين، حتى تسنم ذروة الحكم من هو في ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم 3: 1455 كتاب الإمارة: باب الاستخلاف وتركه، واللفظ له. مسند أحمد 1: 47 في مسند عمر بن الخطاب. مسند أبي عوانة 4: 375 مبتدأ كتاب الأمراء: ذكر الخبر المبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلف والدليل على أن المستخلف خليفة يكون عليه مثل وزره فيما يأتي إلى رعيته مما لا يجوز. السنن الكبرى للبيهقي 8: 148 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب الاستخلاف. المصنف لعبدالرزاق 5: 448 كتاب المغازي: قول عمر في أهل الشورى. حلية الأولياء 1: 44 في ترجمة عمر بن الخطاب. وغيرها من المصادر. (2) الإمامة والسياسة 1: 28. -[ 177 ]- حضيض الجريمة والظلم والطغيان، ومن لا تلتقي بذمهم الشفتان. وجرى بسبب ذلك أنهار الدماء في الحروب والفتن التي وقعت في صدر الإسلام، وأريقت أزكاها - كدماء أمير المؤمنين والحسين والصفوة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومن دونهم طبقة بعد طبقة - مع عظم أهمية الدماء في الإسلام. كما انتهك بسببه من الحرمات ما لا يحصى عددًا ولا يقف عند حد، كحرمة الكعبة المعظمة والحرمين الشريفين فما دونه. كل ذلك في مدة قصيرة، والصحابة الذين عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متوافرون. وهم قد رأوا سلطانه وحكمه وعدله، وسمعوا تعاليمه وإرشاداته، وتوقعاته بالفتن المقبلة. ثم التهاون بالدين والتسافل في المُثُل، وضعف الكيان الإسلامي على مرّ العصور وتعاقب الدهور، حتى انتهى الأمر إلى ما هو عليه اليوم من الوهن والهوان، والتفكك والامتهان، بنحو لا يحتاج إلى شرح وبيان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أمد رفعة الإسلام وتكامله وبالمناسبة قال ابن أبي الحديد: "وروى أبو جعفر الطبري في تاريخه، قال: كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروجَ في البلدان إلا بإذن وأَجَل. فشَكَوْه، فبَلَغَه. فقام فخطب فقال: ألا إني قد سننتُ الإسلامَ سنَّ البعير، يبدأ فيكون جذعًا ثم ثنيا ثم يكون رباعيا ثم سديسا ثم بازلا ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان؟ ألا وإن الإسلام قد صار بازلاً وإن قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم. ألا إن في قريش مَن يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة، أما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة، آخذ بحلاقيم قريش -[ 178 ]- وحجزها أن يتهافتوا في النار" (1). فانظر إليه كيف يقيِّم وضْعَ الإسلام ويراه قد صار بازلاً ينتظر به النقصان. ومِن القريب أن يكون قد قال ذلك حدود سنة عشرين من الهجرة النبوية التي هي مبدأ نشاط الإسلام. فلو سلمنا له تكامل الإسلام في ذلك الوقت، وغضضنا النظر عن السلبيات التي مُنِي بها في تلك المدة القصيرة، فهل مِن الإنصاف أن يكون أمد تكامله عشرين سنة. ثم ينتظر بعدها نقصانه، وهو دين الله العظيم الذي ختم به الأديان، والذي يفترض فيه البقاء إلى يوم القيامة، لتهتدي به البشرية، وتنهل من معينه، وتنعم بخيراته. وهل من المعقول أن يكون الله عزوجل حينما رضي هذا الدين للبشرية في عصورها الطويلة، وأكمل تشريعاته القويمة، قد شرعه بنحو يكون تكامله عشرين سنة، ثم يبدأ بالنقصان والنزول؟! أليس من أهم محن الإسلام أمر الخلافة والسلطان؟ كما أشار إليه عمر في خطبته المتقدمة، ويشهد به واقع الإسلام الذي حصل ؟
فشلُ نظريةِ عدمِ النَّصِّ دليلٌ على وجوده والإنصاف أنه لو لم يكن مِن دليل على وجود النص إلا فشل نظرية عدم النص عمليًّا وما جرَّت على الإسلام والمسلمين من مآس وويلات، لكفى حجة من الله تعالى على المسلمين، لا يقف أمامها استبعاد تجاهل عموم الصحابة للنص، وخروجهم عليه، مهما أحيطوا به من هالةالتعظيم والتقديس ((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 11: 12. و هو الموجود في تاريخ الطبري 2: 679 في ذكر بعض من سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه) مع تغيير بسيط، إلا أنه قد حذفت منه: "إن في قريش من يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة". ويوجد في تاريخ دمشق 39: 302 في ترجمة عثمان بن عفان، والفتنة ووقعة الجمل: 75، وكنز العمال 14: 75 حديث: 37977. (2) سورة الأنعام الآية: 149. -[ 179 ]- الوجه الثاني: أن من الغريب جداً أن تستكثر على عموم الصحابة إغفال النص الشرعي وتجاهله.. مخالفة الصحابة للنص في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أولاً: بعد حادثة صلـح الحديبية،حيث تظافرت الأحاديث بأن جمهور الصحابة الذين كانوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها قد ثارت ثائرتهم ضد الصلـح الذي أقره (صلى الله عليه وآله وسلم) مع قريش. وحينما أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنحر والحلق، وكرر ذلك، لم يستجيبوا له. وكذا في حجة الوداع حينما أمرهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإحلال من الإحرام وجعلها عمرة، وبذلك شرعت عمرة التمتع وحجه. حيث لم يستجيبوا له، وأنكروا عليه. فراجع تفصيل الحادثتين في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، وفي بقية كتب الحديث والتاريخ، تجدهم قد خالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتصاموا عن أمره، مع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان بين أظهرهم، يحاول حملهم على تنفيذ حكمه، والعمل بقوله، حتى غضب من ذلك. ولم يكن لهم من مصالـح شخصية في ردهم عليه، إلا رأي رأوه. كما خالفه كثير منهم، ولم يرعوا حرمته وكرامته (صلى الله عليه وآله وسلم)، في كثير من الموارد، تقدم هناك التعرض لبعضه. خصوصاً تقاعسهم عن تنفيذ بعث أسامة الذي شدد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه، ومنعهم له (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الكتاب الذي يعصم أمته في جميع العصور من الضلال في رزية الخميس المشهورة، وقد تقدمت الإشارة إليهما هناك. فكيف يستبعد بعد ذلك تجاهلهم للنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلو الجو لهم؟! وهم بين منتفع بذلك أعظم المنافع -[ 180 ]- الدنيوية، وطالب للعافية لا يهون عليه التضحية في سبيل تنفيذ النص.
أحاديث الحوض والفتن المنذرة بخطورة الموقف وثانياً: بَعْدَ مثل نصوص الحوض المتظافرة والتي أشرنا في جواب السؤال المذكور إلى قسم منها ولاسيما مع ما في بعضها من أنه لا يبقى منهم إلا مثل همل النعم، إشارة إلى قلة الناجين منهم. وبعد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الكثيرة المحذرة من الفتن التي سوف يتعرضون لها والمؤشرة على شدة المحنة وخطورة الموقف. وقد ذكرنا كثيراً منها هناك.
ما حدث في الأمم السابقة ولاسيما بعد مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) - المتقدم هناك-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!". مع وضوح حال ما حصل في الأمم السابقة في مخالفتها لأنبيائها (عليهم السلام). خصوصاً اليهود، الذين تضمن الكتاب الكريم زيغهم مرتين. أشار إلى الأولى في قوله تعالى: ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) (1). والثانية هي اتخاذهم العجل الذي تعرضت له آيات كثيرة، وتضمنته توراتهم المتداولة. كما تضمن الكتاب المجيد في سورة الإسراء أنهم سوف يفسدون في الأرض مرتين، ويعلُنَّ علواً كبيرا وأن عواقبهما تكون عليهم وخيمة. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأعراف الآية: 138.
-[ 181 ]- قد خولفت النصوص وإن لم تكن دليلاً على الإمامة وثالثاً: لأن ما ورد في حق أمير المؤمنين، والصديقة فاطمة الزهراء، وأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) عمومًا قد خولف على كل حال، سواءً كان نَصًّا في خلافة أمير المؤمنين أم لم يكن، كحديث الثقلين القاضي بوجوب التمسك بأهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذي تقدم الحديث عنه في جواب السؤال السادس من الأسئلة السابقة. ومثله حديث: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم" (2)... إلى ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 2: 373 كتاب التفسير: تفسير سورة هود، واللفظ له، 3: 163 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). مجمع الزوائد 9: 168 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم). مسند البزار 9: 343 فيما روى سعيد بن المسيب عن أبي ذر. المعجم الأوسط 4: 10، 5: 355، 6: 85. المعجم الصغير 1: 240، 2: 84. المعجم الكبير 3: 45، 46 في بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنهم)، 12 :34 فيما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس. مسند الشهاب 2: 273، 274 الباب الحادي عشر: الجزء العاشر. فيض القدير 2: 519. حلية الأولياء 4: 306 في ترجمة سعيد بن جبير. تاريخ بغداد 7: 336 في ترجمة الحسن ابن أبي طيبة القاضي المصري، 12: 91 في ترجمة علي بن محمد بن شداد. فضائل الصحابة لعبدالله بن أحمد بن حنبل 2: 785. وغيره. (2) سنن ابن ماجة 1: 52 في فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، واللفظ له. صحيح ابن حبان 15: 434 كتاب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم أجمعين): ذكر البيان بأن محبة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) مقرونة بمحبة فاطمة والحسن والحسين وكذلك بغضه ببغضهم. سنن الترمذي 5: 699 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : باب فضل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). المستدرك على الصحيحين 3: 161 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). المصنف لابن أبي شيبة 6: 378 كتاب الفضائل: ما جاء في الحسن والحسين. مجمع الزوائد 9: 169 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم). المعجم الأوسط 3: 179، 5: 182، 7: 197. معجم الشيوخ: 133 فيما رواه محمد بن عمار بن محمد بن عاصم بن مطيع العجلي أبو جعفر،: 380 فيما رواه أبو بكر الغزال. المعجم الصغير 2: 53. المعجم الكبير 3: 40 في بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنهم)، 5: 184 فيما روى زيد بن أرقم. أمالي المحاملي: 447. سير أعلام النبلاء 2: 122، 125 في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، 3: 258 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، 10: 432 في ترجمة أبي غسان النهدي مالك بن إسماعيل بن درهم. تهذيب الكمال 13: 112 في ترجمة صبيح مولى أم سلمة. تاريخ بغداد 7: 137 في ترجمة تليد بن سليمان المحاربي. وغيرها من المصادر. -[ 182 ]- غير ذلك مما ورد في حق أهل البيت (عليهم السلام) عمومًا. وكذا حديث الغدير القاضي بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما سبق. وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "علي مع القرآن والقرآن مع علي" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "علي مع الحق والحق مع علي" (2). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "رحم الله علياً اللَّهم أدر الحق معه حيث دار" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) مجمع الزوائد 9: 134 كتاب المناقب: باب الحق مع علي (رضي الله عنه). المستدرك على الصحيحين 3: 134 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). المعجم الصغير 2: 28. فيض القدير 4: 356. المعجم الأوسط 5: 135. الفردوس بمأثور الخطاب 3: 230. تاريخ الخلفاء: 173 في ترجمة علي بن أبي طالب: فصل في الأحاديث الواردة في فضله. إجمال الإصابة: 55. الجامع الصغير 2: 177 حديث:5594. كنز العمال 11: 603 حديث:32912 في فضائل علي (رضي الله عنه). ينابيع المودة 1: 124، 2: 96، 396، 403. النصائح الكافية: 215. المناقب للموفق الخوارزمي: 177. وغيرها من المصادر. (2) مجمع الزوائد 7: 235 كتاب الفتن: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهم. تاريخ بغداد 14: 320 في ترجمة يوسف بن محمد بن علي أبي يعقوب المؤدب. تاريخ دمشق 20: 361 في ترجمة سعد بن مالك بن أبي الوقاص، 42: 449 في ترجمة علي بن أبي طالب. الإمامة والسياسة 1: 68 التحام الحرب. ينابيع المودة 1: 173. وغيرها من المصادر. وقريب منه في مسند أبي يعلى 2: 318 من مسند أبي سعيد الخدري. (3) سنن الترمذي 5: 633 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). المعجم الأوسط 6: 95. مسند البزار 3: 52 ومما روى أبو حيان التيمي واسمه يحيى بن سعيدبن حيان عن أبيه عن علي. فيض القدير 2: 236، 4: 19. تذكرة الحفاظ 3: 844 في ترجمة ابن الأنباري. سير أعلام النبلاء 15: 279 في ترجمة ابن الأنباري. المستدرك على الصحيحين 3: 134 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). الكامل في ضعفاء الرجال 6: 445 في ترجمة مختار بن نافع. الضعفاء للعقيلي 4: 210 في ترجمة مختار ابن نافع التمار. المجروحين 3: 10 في ترجمة مختار بن نافع التيمي. تهذيب الكمال 10: 402 في ترجمة سعيد بن حيان التيمي. العلل المتناهية 1: 255. الرياض النضرة 1: 243 الباب الرابع فيما جاء مختصاً بالأربعة الخلفاء: ذكر وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل واحد منهم وثنائه عليه ودعائه له والحث على محبته ولعن مبغضه. مسند أبي يعلى 1: 418 مسند علي بن أبي طالب ولكن بدل (حيث دار) (كيف دار). وغيرها من المصادر. -[ 183 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو علي" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سنن الترمذي 5: 636 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : في باب لم يعنونه بعد باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له. سنن ابن ماجة 1: 44 في فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). السنن الكبرى للنسائي 5: 45 فضائل أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم). مسند أحمد 4: 165 في حديث حبشي بن جنادة (رضي الله عنه). الآحاد والمثاني 3: 183 في حديث حبشي بن جنادة السلولي (رضي الله عنه). المعجم الكبير 4: 16 فيما رواه حبشي بن جنادة السلولي. السنة لابن أبي عاصم 2: 566، 598. تذكرة الحفاظ 2: 455 في ترجمة سويد بن سعيد الحافظ. كشف الخفاء 1: 236. تهذيب الأسماء 1: 318. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 599. سير أعلام النبلاء 8: 212 في ترجمة شريك بن عبد الله. تاريخ دمشق 42: 345 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر. (2) صحيح البخاري 4: 1602 كتاب المغازي: باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، واللفظ له، 3: 1359 كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب علي بن أبي طالب. صحيح مسلم 4: 1870، 1871 كتاب فضائل الصحابة (رضي الله عنهم) : باب فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). صحيح ابن حبان 15: 15 باب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر نفي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) كون النبوة بعده إلى قيام الساعة. المستدرك على الصحيحين 2: 367 كتاب التفسير: تفسير سورة التوبة، 3: 117 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)،: 143 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). الأحاديث المختارة 3: 207 فيمارواه عبدالرحمن بن سابط عن سعد (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 184 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أوحي إليّ في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي أنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين" (1). وقد وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه أمير المؤمنين في عدة مواضع (2). بل في حديث بريدة قال: "أمرنا رسول الله أن نسلم على علي بأمير المؤمنين ونحن سبعة. وأنا أصغر القوم يومئذ" (3). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "علي وليكم بعدي" (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) المعجم الصغير 2: 192، واللفظ له. مجمع الزوائد 9: 121 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب جامع في مناقبه (رضي الله عنه). المستدرك على الصحيحين 3: 148 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". أسد الغابة 1: 69 في ترجمة أسد بن زرارة الأنصاري، 3: 116 في ترجمة عبد الله بن أسعد بن زرارة الأنصاري. تاريخ دمشق 42: 302،303 في ترجمة علي بن أبي طالب. معجم الصحابة 1: 70 في ترجمة أبجر بن غالب المزني، 2: 112 في ترجمة عبد الله بن زرارة بن عدس. موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 183، 184،185،186 في الوهم الثالث والستون. الفردوس بمأثور الخطاب 5: 315 فصل في علي بن أبي طالب. حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب. تاريخ بغداد 11: 112 في ترجمة عبد الجبار بن أحمد بن عبيد الله السمسار، 13: 122 في ترجمة المفضل بن سلم. كشف الخفاء 2: 456. كنز العمال 11: 619،620. ينابيع المودة 2: 162. ميزان الاعتدال 7: 207 في ترجمة يحيى بن العلاء البجلي. الكامل في ضعفاء الرجال 7: 199 في ترجمة يحيى بن العلاء الرازي. وغيرها من المصادر. (2) تاريخ دمشق 42: 303،386 في ترجمة علي بن أبي طالب. المناقب للخوارزمي: 85. موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 185. الفردوس بمأثور الخطاب 5: 364. حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب. لسان الميزان 1: 107 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون. ميزان الاعتدال 1: 191 في ترجمة إبراهيم بن محمد ابن ميمون. وغيرها من المصادر. (3) تاريخ دمشق 42: 303 في ترجمة علي بن أبي طالب. (4) مجمع الزوائد 9: 128 كتاب المناقب: باب منه جامع فيمن يحبه ويبغضه. السنن الكبرى للنسائي 5: 133 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي وليكم بعدي. المعجم الأوسط 6: 163. مسند أحمد 5: 356 في حديث بريدة الأسلمي (رضي الله عنه). الفردوس بمأثور الخطاب 5: 392. فتح الباري 8: 67. تحفة الأحوذي 10: 146،147. فيض القدير 4: 357. الإصابة 6: 623 في ترجمة وهب بن حمزة. الرياض النضرة 2: 187. تاريخ دمشق 42: 189 في ترجمة علي بن أبي طالب. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 688.البداية والنهاية 7: 344،346أحداث سنةأربعين من الهجرة:تزويجه فاطمةالزهراء (رضي الله عنه). -[ 185 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني" (2). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 133 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"،: 158 ذكر البيان الواضح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بقي من خواص أوليائه جماعة وهجرهم.... مجمع الزوائد 9: 135 كتاب المناقب: باب الحق مع علي (رضي الله عنه). مسند البزار 9: 455 فيما رواه معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر. معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي 3: 800. المعجم الكبير 12: 423 فيما رواه مجاهد عن ابن عمر. فضائل الصحابة 2: 570. فيض القدير 4: 357. ميزان الاعتدال 3: 30 في ترجمة داود بن أبي عوف،: 75 في ترجمة رزين بن عقبة. تاريخ دمشق 42: 307 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر. (2) المستدرك على الصحيحين 3 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) : 131، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"،: 139. معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي 1: 485. الكامل في ضعفاء الرجال 4: 349 في ترجمة عبادة بن زياد. تاريخ دمشق 42: 307 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر. (3) المستدرك على الصحيحين 3: 132 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". تاريخ دمشق 42: 387 في ترجمة علي بن أبي طالب. الفردوس بمأثور الخطاب 5: 332،: 364. حلية الأولياء 1: 64 في ترجمة علي بن أبي طالب. ميزان الاعتدال 3: 449 في ترجمة ضرار بن صرد. الكشف الحثيث 1: 138. المجروحين لابن حبان 1: 380 في ترجمة ضرار بن صرد. وغيرها من المصادر. -[ 186 ]- وقوله صلى الله عليه وآله: "ومن آذى علياً فقد آذاني" (1). كما خولف قوله صلى الله عليه وآله: "فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبه، ويؤذيني ما آذاها" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح ابن حبان 15: 365 كتاب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم أجمعين): ذكر البيان بأن أذى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مقرون بأذى المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم). المستدرك على الصحيحين 3: 131 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه). الأحاديث المختارة 3: 267،268 فيما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (رضي الله عنهم). موارد الظمآن: 543. مجمع الزوائد 9: 129 كتاب المناقب: باب منه جامع فيمن يحبه ويبغضه. المصنف لابن أبي شيبة 6: 371 فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). مسند الشاشي 1: 134. مسند البزار 3: 366 فيما رواه قنان بن عبد الله النهمي عن مصعب عن أبيه. مسند أحمد 3: 483 في حديث عبد الله بن أرقم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). مسند الروياني 2: 451. مسند الحارث 2: 904. مسند أبي يعلى 2: 109. البيان والتعريف 2: 203. التاريخ الكبير 6: 306 في ترجمة عمرو ابن شاس الأسلمي (رضي الله عنه). الجرح والتعديل 6: 237 في ترجمة عمرو بن شاس الأسلمي. مشاهير علماء الأمصار: 35 في ترجمة عمرو بن شماس الأسلمي. الثقات 3: 273 في ترجمة عمرو بن شاس الأسلمي. التدوين في أخبار قزوين 3: 390. معجم الصحابة 2: 201 في ترجمة عمرو بن شاس بن أبي بلي. الاستيعاب 3: 1101 في ترجمة علي بن أبي طالب،: 1183 في ترجمة عمرو بن شأس بن عبيد. الإصابة 4: 646 في ترجمة عمرو بن شأس الأسدي. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 579،633. تاريخ الخلفاء: 173 في ترجمة علي بن أبي طالب: فصل في الأحاديث الواردة في فضله. أنساب الأشراف 2: 379وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وغيرها من المصادر. (2) تفسير ابن كثير 3: 257، واللفظ له. صحيح البخاري 5: 2004 كتاب النكاح: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. صحيح ابن حبان 15: 406 كتاب إخباره0 عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم أجمعين): ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينكح علي على فاطمة ابنته. مسند أبي عوانة 3: 70 باب ذكر الخبر المبيح لوالد المرأة أن يمتنع من الإذن لزوج الابنة أن يتزوج بامرأة أخرى ويقوم بمنعه عن التزويج عليها أو طلاقها والدليل على أن له أن يشكو زوج ابنته إلى إخوانه وأصحابه. سنن الترمذي 5: 698 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : باب فضل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). السنن الكبرى للبيهقي 7: 307 كتاب القسم والنشوز: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، 10: 288 كتاب العتق: باب من يعتق بالملك. سنن أبي داود 2: 226 كتاب النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء. سنن ابن ماجة 1: 643 كتاب النكاح: باب الغيرة. معتصر المختصر 1: 307 كتاب النكاح: في كراهة التزوج على فاطمة. المعجم الكبير 22: 404 في مناقب فاطمة (رضي الله عنه). الفردوس بمأثور الخطاب 1: 232. حلية الأولياء 2: 40 في ترجمة الحسين بن علي، 7: 325. سير أعلام النبلاء 2: 119 في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، 5: 90 في ترجمة ابن أبي مليكة. تهذيب التهذيب 12: 468 في ترجمة فاطمة الزهراء. تهذيب الكمال 22: 599 في ترجمة عيسى بن حماد بن مسلم، 35: 250 في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). معجم الصحابة 3: 110 في ترجمة المسور بن مخرمة. صفوة الصفوة 2: 13 في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). معجم المحدثين: 9. غوامض الأسماء المبهمة 1: 340 في ترجمة العوراء أو جويرية بنت أبي جهل. المغني 10: 186 مسألة قال ولا تجوز شهادة الوالدين وإن علوا للولد وإن سفل ولا شهادة الولد وإن سفل لهما وإن علو. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 756. فضائل الصحابة للنسائي: 78. وغيرها من المصادر. -[ 187 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها: "إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك" (1)، على اختلاف ألفاظ ذلك وتقارب معانيه، مع تواتره إجمالاً... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، ولا مجال لإنكاره بعد تواتره تفصيلاً أو إجمالاً، بل زاد ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 167 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). مجمع الزوائد 9: 203 كتاب المناقب: باب مناقب فاطمة (رضي الله عنه) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).الآحاد والمثاني 5: 363 أول ذكر النساء من هذا الكتاب وأوله ذكر فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). المعجم الكبير 1: 108 فيما أسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، 22: 401 في مناقب فاطمة (رضي الله عنه). ميزان الاعتدال 2: 289 في ترجمة الحسين بن زياد بن علي بن الحسين بن علي العلوي، 4: 185 في ترجمة عبدالله بن محمد ابن سالم القزاز. الكامل في ضعفاء الرجال 2: 351 في ترجمة الحسين بن زيدبن علي. التدوين في أخبار قزوين 3: 11. الإصابة 8: 57 في ترجمة فاطمة الزهراء. تاريخ دمشق 3: 156 في باب ذكر بنيه وبناته (عليه الصلاة والسلام) وأزواجه. الذرية الطاهرة: 120. -[ 188 ]- على التواتر بمراتب. وتلك الأحاديث - سواء كانت، أو كان بعضها نصّاً في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أم لم تكن –(فإنها) قد خولفت يوم السقيفة وما تبعه مِن أحداث، بالهجوم على بيت أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة فاطمة (عليه السلام)، وانتهاك حرمتهم، وإيذائهم، وإغضابهم. وبمحاولة إرغام أمير المؤمنين (عليه السلام) على البيعة، وجعله تابعاً مطيعًا، بدلاً من الرجوع إليه في ذلك الخلاف، وتحكيمه في الحق والباطل منه، وطاعته فيما يقول. وكذا بخذلانه وتركه بدلاً من التمسك به وبأهل بيته (عليهم السلام)، وركوب سفينتهم. وبالولاية والتأمر عليه بدلاً من الخضوع لولايته وإمرته، فأصبح فيهم مستضعفًا كما استضعف هارون (عليه السلام) في بني إسرائيل. وكذا خولف يوم الشورى، حيث حُكِّمَ عبدالرحمن بن عوف في أمر أمير المؤمنين (عليه السلام)، بدلاً مِن تحكيمه (عليه السلام) في الأمر، وأُمِرَ أبو طلحة الأنصاري بقتله (عليه السلام) إنْ أَصَرّ على الخلاف، وأرغم (عليه السلام) بالآخرة على بيعة عثمان، وصار مولى عليه مأموراً بدلاً من أن يكون هو الولي والأمير... إلى غير ذلك. بل لا يشك الناظر في سيرة الأولين في كثرة مخالفتهم للنصوص، وخروجهم عنها في تفاصيل يطول شرحها وقد تكفلت بها كتب كثيرة، لا يهمنا فعلاً استقصاؤها. فإذا أمكن مِن الصحابة مخالفة تلك النصوص الشريفة والتغافل عنها إذا لم تكن نصّاً في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمامته، أمكن منهم مخالفة النص على إمامته وخلافته (عليه السلام) من هذه الأحاديث، أو غيرها
-[ 189 ]- مخالفة الأنصار للنص على أنّ الأئمة من قريش بل لا ريب في أن الأنصار - وهم ذوو السبق للإسلام والنصرة له، والعدد الكبير فيه - قد خالفوا في محاولتهم بيعة سعد بن عبادة نصَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)المشهور بأن الأئمة من قريش (1). نعم قد أنكر جماعة من قريش عليهم مخالفة النص المذكور، حتى قال عمرو بن العاص: "كادوا والله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه، ويُخرِجوا منه مَن أدخلوا فيه. والله لئن كانوا سمعوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الأئمة من قريش. ثم ادعوها لقد هلكوا وأهلكوا وإن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين" (2). لكن إنكارهم عليهم ذلك إنما كان لأنه يضر بمصالحهم، ويفشل مخططهم. ولذا لم يبال عمر بالخروج عنه، ولا أنكر عليه غيره، حينما قال بعد أن طعن وأشرف على الموت: "ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفتُه..." (3)، وكذا قوله: "لو أدركتُ معاذ بن جبل فاستخلفتُه فلقيت ربي فسألني..." (4)، مع وضوح أن سالماً ومعاذاً المذكورين ليسا من قريش. ـــــــــــــــــــــــ (1) تقدمت مصادره في بداية جواب هذا السؤال في: 173. (2) شرح نهج البلاغة 6: 29. (3) تاريخ الطبري 2: 580 قصة الشورى، واللفظ له. العقد الفريد 4: 255 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أمر الشورى في خلافة عثمان ابن عفان. تاريخ دمشق 58: 404، 405 في ترجمة معاذ بن جبل. مقدمة ابن خلدون: 194 الفصل السادس والعشرون في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه. حلية الأولياء 1: 177 في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة. صفوة الصفوة 1: 388. كشف الخفاء 2: 428. وغيرها من المصادر. (4) تاريخ دمشق 58: 404، واللفظ له.: 403 في ترجمة معاذ بن جبل. مسند أحمد 1: 18 في مسند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). فتح الباري 13: 119. تحفة الأحوذي 6: 399. فيض القدير 3: 190. صفوة الصفوة 1: 367. وغيرها من المصادر. -[ 190 ]- ومِن هنا لا يُستبعَد مِن الكل الإقدام على مخالفة النص حين تخدم مخالفتُه مصالحَهم، ولا تضر بها، وإنما تضر بأهل البيت (عليهم السلام) الذين هم المستضعفون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يأتي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم). والحاصل: أنه بعد أن ثبت مخالفتهم للنصوص الكثيرة وتجاهلهم لها وإن لم تكن دالة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمامته، فلا مجال لاستبعاد تجاهلهم للنص على إمامته وخلافته، إذا كان موجودًا كما تقول الشيعة.
تنبؤ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمخالفتهم النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بل قد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التنبؤ بموقف أصحابه من النص على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتوقع عدم جريهم عليه، وتفرقهم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو نصبه علماً لهم، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم بنفسياتهم، وما تنطوي عليه ضمائرهم، وما تؤول إليه أمورهم. فحينما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة حاولت أن تحمل أم سلمة على الخروج معها، فأبت أم سلمة، وحاولت أن تثنيها عن عزمها، وذكَّرتها بأمور في حق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان فيما قالت: "وأذكرك أيضًا، كنت أنا وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر له، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل، فأخذها يومئذ يخصفها، وقعد في ظل سمرة. وجاء أبوك ومعه عمر، فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا مَن يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزع. فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه. ولو فعلتُ لتفرقتم عنه، كما تفرَّقَت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران. فسكت، ثم خرج. فلما خرجنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قلتِ له - وكنْتِ أجْرَأَ عليه منا -: مَن -[ 191 ]- كنتَ يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النعل. فنظرنا، فلم نر أحداً إلا عليًّا، فقلتِ: يا رسول الله، ما أرى إلا عليًّا. فقال: هو ذاك. فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك" (1). وعلى ذلك لا يتَّجه استبعاد وجود النص مِن أجل استبعاد إغفال عموم الصحابة له، بل يتعين النظر في دعوى النص ودليلها بموضوعية كاملة، وتجرُّد عن التراكمات، ثم تحكيم الوجدان في أنَّ ما تذكره الشيعة من النصوص على إمامة أمير المؤمنين وأولاده (صلوات الله عليهم أجمعين) لو كان وارداً في حق غيرهم ممّن يحاول الجمهور تصحيح خلافته، فهل يجعله الجمهور دليلاً على خلافة ذلك الغير، أو لا؟ والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.
الذين أقدموا على مخالفة النص جماعة قليلة الوجه الثالث: أن النص إذا كان موجوداً -كما تقول الشيعة - فالذي تَعَمَّدَ مخالفتَه والتغافل عنه، جماعةٌ قليلة قادت الانقلابَ على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأصرَّت على مقاومته، وصرف الخلافة عنه. أما الباقون فهم لم يقدموا على مخالفة النص، ولا على مخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنما تعاملوا مع ما حصل كحقيقة قائمة، إما لعدم الاهتمام بالنص والحق، أو طلباً للعافية، أو لليأس من انتصار المنصوص عليه وإرجاع الحق إلى نصابه، أو لاستبعاده، أو لغير ذلك.
طبيعة المجتمعات البشرية في مواجهة الانقلابات وهذا هو المعلوم بالوجدان من طبيعة المجتمعات البشرية في مواجهة الانقلابات والتغيرات المرتجلة، والتعامل معها. فإنَّ الذي يتعمد التغيير وانتهاك الشرعية والقانون، ويخطط له وينفذه، هم فئة قليلة، وهي المنتفعة ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 218. -[ 192 ]- بذلك، ثم تعتمد على الهمج الرعاع والانتفاعيين في تثبيت مخططها. وبعد أن تفاجئ مجتمعاتها بذلك، فالذي ينكر عليها ويتصدى لمخططاتها المتضررون بمخالفة الشرعية، ويعضدهم ذوو المبادئ الذين يهمهم تطبيق التشريع، وسيادة القانون، ويستعدون للتضحية في سبيلهم، وهم في أغلب الأحوال قليلون. أما الباقون فهم بين متفرج لا تهمه الشرعية، ومنكر في نفسه لانتهاكه، إلا أنه يصعب عليه التضحية من أجل التغيير وإرجاع الحق إلى نصابه، جبناً وهلعًا، أو مستعد للتضحية، إلا أنه يتقاعس، ليأسه عن إمكانية التغيير والحفاظ على الشرعية، حسب موازنته بين القوى المتصارعة.
دعوى اتفاق أهل المدينة على بيعة أبي بكر وقد يحاول البعض دعوى اتفاق أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم على بيعة أبي بكر، وتشييد أمره، عدا أمير المؤمنين (عليه السلام) وجماعة قليلة جدًّا، بنحو يوحي بأن النص لو كان موجوداً فالكثرة الكاثرة من أهل المدينة قد تعمدت مخالفته والخروج عليه. وربما اعتقد كثير من الناس بذلك، تفاعلاً مع الصورة الإعلامية الضخمة، من دون نظرة استقلالية فاحصة.
شواهد بطلان الدعوى المذكورة لكنها دعوى مخالفة للواقع، لا تناسب ما حصل من أحداث وملابسات. فقد تظافرت الأحاديث بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة (1). وأهون ما قيل في معنى فلتة أنها كانت مباغتة مِن دون مشورة، كما يشهد به ما ذكره المؤرخون في كيفية حصولها. حيث يظهر منه أن الذين أقدموا عليها، ـــــــــــــــــــــــ (1) تقدمت مصادره في أوائل الجواب عن هذا السؤال في: 175. -[ 193 ]- وعلى مخالفة النص - لو كان - جماعة قليلة، فاجأوا بها الناس، وجعلوهم أمام الأمر الواقع، مستغلين الفرصة نتيجة ذهول الناس لهول الحدث، وشعورهم بالفراغ لفقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم انشغال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبني هاشم بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويقول اليعقوبي بعد أن شرح ظروف البيعة، وكيفية حصولها: "وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم، وقال: يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمو | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 9:52 am | |
| شواهد بطلان الدعوى المذكورة لكنها دعوى مخالفة للواقع، لا تناسب ما حصل من أحداث وملابسات.فقد تظافرت الأحاديث بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة (1). وأهون ما قيل في معنى فلتة أنها كانت مباغتة مِن دون مشورة، كما يشهد به ما ذكره المؤرخون في كيفية حصولها. حيث يظهر منه أن الذين أقدموا عليها، ـــــــــــــــــــــــ (1) تقدمت مصادره في أوائل الجواب عن هذا السؤال في: 175. -[ 193 ]- وعلى مخالفة النص - لو كان - جماعة قليلة، فاجأوا بها الناسَ، وجعلوهم أمام الأمر الواقع، مستغلِّين الفرصة نتيجة ذهول الناس لهول الحدث، وشعورهم بالفراغ لفقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم انشغال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبني هاشم بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويقول اليعقوبي بعد أن شرح ظروف البيعة، وكيفية حصولها: "وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم، وقال: يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. وقال العباس: فعلوها ورب الكعبة. وكان المهاجرون والأنصار لا يشكُّون في علي... وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب. ومنهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص [كذا في طبعة النجف]، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب" (1). وممّن تخلف عن بيعته فروة بن عمر الأنصاري، وكان ممن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقاد فرسين في سبيل الله تعالى، وكان يتصدق من نخله بألف وسق كل عام، وكان سيداً في قومه، وشاعرا. وهو من أصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وشهد معه وقعة الجمل (2). وقال ابن أبي الحديد: "وروى الزبير بن بكار، قال: روى محمد بن إسحاق أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة. وقال: وكان عامة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكُّون أن علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 124 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. (2) شرح نهج البلاغة 6: 28 ـ 29. (3) شرح نهج البلاغة 6: 21. -[ 194 ]- الكلام حول محاولة الأنصار بيعة سعد بن عبادة بل من القريب جداً أن لا تكون محاولة الأنصار المبادرة بالاستيلاء على الخلافة والسلطة، وبيعة سعد بن عبادة، مبنية على مضادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتجاهل النص عليه، أو تعمد مخالفته، بل لتخوفهم من مسارعة قريش وأتباعهم بالاستيلاء على الحكم، مضادة للنص، وبغضاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) - الذي جاهدهم في سبيل الله تعالى، ونكل بهم، والذي يعتبر حكمه امتداداً لحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وترهم، وقوض بنيانهم - وضيقاً من شدته في ذات الله تعالى، ومحافظته على تطبيق أحكامه عزوجل بحدوده، من دون هوادة، ولا محاباة، ولا رخصة.
نشاط المنافقين والطلقاء فقد ظهرت بوادر ذلك في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث نشط المنافقون والطلقاء، ومَنْ تحالف معهم، حتى حاولوا اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قضية العقبة المشهورة، والتي تقدم الحديث عنها في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. كما ردّوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجاهلوا أوامره في كثير من الموارد: (منها) تخلُّفهم عن جيش أسامة مع إصراره (صلى الله عليه وآله وسلم) على تنفيذه. (ومنها) منعهم له من كتابة الكتاب الذي يعصم أمته من الضلال. وقد تقدمت الإشارة لهما في جواب السؤال المذكور. (ومنها) تخلفهم عنه حين نزل في غدير خم، حتى أنبهم على ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أيها الناس إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني، حتى خيل إليّ أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ دمشق 42: 227 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له. العمدة لابن بطريق: 107. مسند الشاميين للطبراني 3: 223 فيما رواه قبيصة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، في الطبعة الموجودة في المعجم الفقهي. -[ 195 ]- ولما بلغ (صلى الله عليه وآله وسلم) عند رجوعه من مكة المكرمة جعلوا يستأذنونه، ويأذن لهم. ثم قال: "ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر؟!" (1). (ومنها) مجاهرتهم لأهل بيته بالبغض والشنآن، حتى دخل العباس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "يا رسول الله، إنا لنخرج فنرى قريشاً تحدث، فإذا رأونا سكتو، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح ابن حبان 1: 444 باب فرض الإيمان: ذكر كتبة الله جل وعلا الجنة وإيجابها لمن آمن به ثم سدد بعد ذلك، واللفظ له. مسند أحمد 4: 16 في حديث رفاعة بن عرابة الجهني (رضي الله تعالى عنه). مجمع الزوائد 1: 20 كتاب الإيمان: باب فيمن شهد أن لا إله إلا الله، 10: 408 كتاب أهل الجنة: باب فيمن يدخل الجنة بغير حساب. مسند الطيالسي: 182 فيما رواه رفاعة بن عرابة الجهني (رضي الله عنه). الآحاد والمثاني 5: 24 رفاعة الجهني (رضي الله عنه). المعجم الكبير 5: 49، 50، 51 رفاعةبن عرابة الجهني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). شعب الإيمان 1 ص364 التاسع من شعب الإيمان وهو باب في أن دار المؤمنين ومأواهم الجنة ودار الكافرين ومآبهم النار: فصل في عذاب القبر وكل معذب في الآخرة من كافر ومؤمن.... حلية الأولياء 6: 286 في ترجمة هشام الدستوائي. تهذيب الكمال 9: 208 في ترجمة رفاعة بن عرابة الجهني. موضح أوهام الجمع والتفريق 2: 520 في ترجمة هلال بن علي العامري. موارد الظمآن 1: 32 كتاب الإيمان: باب فيمن شهد أن لا إله إلا الله. (2) مسند أحمد 4: 165 في حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب (رضي الله عنه)، واللفظ له. تفسير ابن كثير 4: 114. مجمع الزوائد 1: 88 كتاب الإيمان: باب فيمن حبهم إيمان، 9: 170 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم). مسند البزار 6: 131 مسند المطلب بن ربيعة. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 918. معجم الصحابة 2: 194 في ترجمة عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. المعجم الأوسط 5: 52، 7: 373. المعجم الصغير 1: 399. سير أعلام النبلاء 2: 88 في ترجمة العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، 12: 156 في ترجمة الرفاعي محمد بن يزيد بن محمد بن كثير. تهذيب الكمال 33: 340 في ترجمة أبي سبرة النخعي. تاريخ بغداد 3: 376 في ترجمة محمد بن يزيد بن محمد بن كثير. وغيرها من المصادر. -[ 196 ]- وفي رواية أخرى: "يا رسول الله إن قريشاً إذا لقى بعضها بعضاً لقوها ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1). وقد تقدم ما يناسب ذلك في أوائل جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. ويبدو ان الأمر انتهى بالآخرة إلى يأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه من إصلاح الأوضاع وتدارك الأمر، ففي رواية محب الدين الطبري، قال العباس: "إني أعلم ما بقاء رسول الله فينا إلا قليل. قال: فأتاه فقال: يا رسول الله لو اتخذت مكاناً تكلم الناس منه، قال: بل أصبر عليهم ينازعونني ردائي، ويطؤون عنقي، ويصيبني غبارهم، حتى يكون الله هو الذي يريحني منهم" (2)... إلى غير ذلك مما يكشف عن إصرارهم على تجاهل أمره، ومجاهرته بالخلاف، ومجاهرة أهل بيته (عليهم السلام) بالعداء، وتصميمهم على صرف الأمر عنهم. وأكد ذلك للأنصار أمران: ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 376 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام العباس (رضي الله عنه) واختلاف الروايات في وقت إسلامه، واللفظ له، 4: 85 كتاب معرفة الصحابة: ذكر فضائل القبائل. السنن الكبرى للنسائي 5: 51 كتاب المناقب: فضائل علي (رضي الله عنه). سنن الترمذي 5: 652 كتاب كتاب المناقب: باب مناقب العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه). المصنف لابن أبي شيبة 6: 382 كتاب الفضائل: ما ذكر في العباس (رضي الله عنه) عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). مسند البزار 4: 140 ومما روى عبد الله بن الحارث عن العباس. المعجم الكبير 20: 284، 285 فيما رواه مطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. تعظيم قدر الصلاة 1: 453، 455 في حلاوة الإيمان. تهذيب الكمال 14: 228 في ترجمة عباس ابن عبدالمطلب. فضائل الصحابة للنسائي: 22. وغيرها من المصادر. (2) ذخائر العقبى: 204
-[ 197 ]- إنذار الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفتن المقبلة الأول: إنذار الله تعالى والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفتن المقبلة، وإخبارهما بوقوعه، وبشدته، كما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، ومنه قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرً)) (1). حيث روي أنها نزلت لما رأى رسول الله8رجالاً ينزون على منبره نزو القردة (2).
إنذار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يجري على الدين وأهل بيته وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش" (3). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليه. فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة" (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الإسراء الآية: 60. (2) تفسير القرطبي 10: 282،283. تفسير الطبري 15: 112 ـ 113. تفسير ابن كثير 3: 50. تاريخ الطبري 5: 622 في أحداث سنة أربع وثمانين ومائتين. شرح نهج البلاغة 9: 220. وقد ذكرت الرؤية من دون ذكر نزول الآية في كل من مجمع الزوائد 5: 243 ـ 244 كتاب الخلافة: باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة، ومسند أبي يعلى 11: 348 في تابع مسند أبي هريرة، والعلل المتناهية 2: 701 كتاب النوم: ذكر منامات روي عن رسول الله أنه رآها: منام آخر، والمستدرك على الصحيحين 4: 527 كتاب الفتن والملاحم، وكنز العمال 11: 358 حديث: 31737، وغيرها من المصادر. ورواه مختصراً في سير أعلام النبلاء 2: 108 في ترجمة الحكم بن أبي العاص. (3) تقدمت مصادره في بداية الجواب عن هذا السؤال في ص 174. (4) صحيح ابن حبان 15: 111 باب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار بأن أول ما يظهر من نقض عرى الإسلام من جهة الأمراء فساد الحكم والحكام، واللفظ له. مجمع الزوائد 7: 281 كتاب الفتن: باب نقض عرى الإسلام. مسند أحمد 5: 251 حديث أبي أمامة الباهلي الصدي بن عجلان بن عمرو بن وهب الباهلي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). موارد الظمآن 1: 87 كتاب الصلاة: باب فيمن حافظ على الصلاة ومن تركه. المعجم الكبير 8: 98 فيما رواه سليمان بن حبيب المحاربي قاضي عمر بن عبد العزيز عن أبي أمامة صدي بن عجلان. شعب الإيمان 4: 326 الخامس والثلاثون من شعب الإيمان وهو باب في الأمانات وما يجب من أدائها إلى أهله، 6: 69 فصل في فضل الجماعة والألفة وكراهية الاختلاف والفرقة وما جاء في إكرام السلطان وتوقيره. مسند الشاميين 2: 411 ما انتهى إلينا من مسند سليمان بن حبيب المحاربي: سليمان عن أبي أمامة الباهلي. السنة لعبدالله بن أحمد 1: 356. الترغيب والترهيب 1: 216 كتاب الصلاة: الترهيب من ترك الصلاة تعمداً وإخراجها عن وقتها تهاون. تعظيم قدر الصلاة 1: 415 الأحاديث التي تدل على أن الأعمال داخلة في الإيمان. الفردوس بمأثور الخطاب 3: 445. فيض القدير 5: 263،399. وغيرها من المصادر. -[ 198 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جملة حديث له: "ألا إن رحا الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار. ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : "إن الأمة ستغدر بك من بعدي" (2). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) له - وقد بكى، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما يبكيك؟-: "ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) مجمع الزوائد 5: 238 كتاب الخلافة: باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة، واللفظ له. مسند الشاميين 1: 379. المعجم الصغير 2: 42. المعجم الكبير 20: 90 فيما رواه يزيد بن مرثد عن معاذ بن جبل. فيض القدير 3: 534. حلية الأولياء 5: 165. (2) تقدمت مصادره في جواب السؤال الثالث ص: 114. (3) مجمع الزوائد 9: 118 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب بشارته بالجنة، واللفظ له. مسند البزار 2: 293 ومما روى أبو عثمان النهدي عن علي. مسند أبي يعلى 1: 426 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). المعجم الكبير 11: 73 فيما رواه مجاهد عن ابن عباس. تاريخ بغداد 12: 398 في ترجمة الفيض بن وثيق بن يوسف. ميزان الاعتدال 5: 431 في ترجمة الفضل بن عميرة القيسي، 7: 315 في ترجمة يونس بن خباب الأسيدي. الكامل في ضعفاء الرجال 7: 173 في ترجمة يونس بن خباب. تهذيب الكمال 23: 239 في ترجمة الفضل ابن عميرة القيسي. العلل المتناهية 1: 243، 244. تاريخ دمشق 42: 322، 323، 324 في ترجمة علي بن أبي طالب. -[ 199 ]- وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني هاشم: "أنتم المستضعفون بعدي" (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً" (2). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يجيء يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة، فيقول المصحف: يا رب! حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب! خربوني وعطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يا رب! طردونا وقتلونا وشردونا، وأجثوا بركبتي للخصومة، فيقول الله: ذلك إليَّ وأنا أولى بذلك" (3). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصار: "ستلقون بعدي أثرة" (4)... إلى غير ذلك. ـــــــــــــــــــــــ (1) مجمع الزوائد 9: 34 كتاب علامات النبوة: باب لم يعنونه بعد باب في وداعه (صلى الله عليه وآله وسلم). مسند أحمد 6: 339 في حديث أم الفضل بن عباس. المعجم الكبير 25: 23 ما اسندت أم الفضل: ما روى عبدالله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث. الفردوس بمأثور الخطاب 1: 394. (2) الفتن 1: 131، المستدرك على الصحيحين 4: 487، كنز العمال 11: 169، وبألسنة متقاربة في المصنف لابن أبي شيبة 8: 697، المعجم الكبير 10: 85، المعجم الأوسط 6: 29، وغيرها من المصادر الكثيرة. (3) الفردوس بمأثور الخطاب 5: 499، كنز العمال 11: 193. (4) صحيح البخاري 3: 1381 كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصار: اصبروا حتى تلقوني...، 4: 1574 كتاب المغازي: باب غزوة الطائف. صحيح مسلم 2: 738 كتاب الزكاة: باب إعطاء من المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه. صحيح ابن حبان 16: 264 باب فضل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) : ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر ثم وجود الأثرة بعده،: 265 ذكر البيان بأن قول أنس أراد أن يكتب أن يقطع البحرين للأنصار،: 268 ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصار بالعفة والصبر. الأحاديث المختارة 4: 272 من اسمه أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأشهلي. مسند أبي عوانة 4: 415 بيان وجوب الصبر على الأثرة وحبس الإمام وترك التعرض له وحظر حبس ما يجب له وأن حبس ما يجب عليه ظلم. مجمع الزوائد 10: 31،33 كتاب المناقب: فضل الأنصار. السنن الكبرى للبيهقي 6: 339 كتاب قسم الفيء والغنيمة: جماع أبواب تفريق القسم: باب ما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من المهاجرين وما يستدل به على أنه إنما كان يعطيهم من الخمس دون أربعة أخماس الغنيمة. مسند أحمد 3: 111، 167، 171 في مسند أنس بن مالك، 4: 42 حديث عبد الله ابن زيد بن عاصم المازني (رضي الله عنه) ، 4: 292 حديث البراء بن عازب، 4: 352 حديث أسيد بن حضير (رضي الله عنه). مسند الروياني 2: 183. المعجم الكبير 1: 208 مما اسند أسيد بن حضير (رضي الله عنه). السنن الواردة في الفتن 1: 203 باب قول الله عز وجل: ((واتقوا فتنة لاتصبين الذين ظلموا منكم خاصة]. أسباب ورود الحديث: 226. البيان والتعريف 1: 254. سير أعلام النبلاء 2: 453 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري. فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 808. وغيرها من المصادر. -[ 200 ]- تحاشي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) الاصطدام بالمنافقين الثاني: ما ظهر لهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) من تحاشيهما الاصطدام بالمنافقين والطلقاء والصرامة معهم، والتنكيل بهم، حذراً من الفتنة والانشقاق، والتقولات والتهريج غير المسؤول، بنحو يشوه صورة الإسلام المبدئية، وقدسية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)، ويضر بالدعوة - عاجلاً أو آجلاً - ضرراً لا يتدارك. كما يناسبه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما طلب منه بعض أصحابه أن يقتل من تآمر على إلقائه من العقبة: "لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم..." (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما طلب منه قتل عبد الله بن أبي: "لايتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) تفسير ابن كثير 2: 373، واللفظ له. سبل الهدى والرشاد 5: 467 ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك. الدر المنثور 4: 244. روح المعاني 10: 139. (2) صحيح البخاري 4: 1861 كتاب التفسير: باب تفسير سورة الصف: باب قوله سواء عليهم استغفرت لهم أن لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين، 4: 1863 باب قوله يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون. صحيح مسلم 4: 1898 كتاب البر والصلة والآداب: باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوم. وغيرهما من المصادر الكثيرة. -[ 201 ]- وكثير من مواقفه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) المبنية على المرونة، وغض النظر، والتي يأتي بعض الشواهد عليه. كل ذلك أشعر الأنصار بمحاولة قريش وأتباعهم انتهاز الفرصة، واستلاب الحكم من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحاولوا المبادرة بأخذ الحكم، ليسدوا الطريق على قريش، ويفشلوا مخططهم، لأنهم يتوقعون أن موازين الخلافة لو انفرطت، فسوف يتحكم فيها المنافقون والطلقاء، وينتقمون من الأنصار ويجزونهم شر الجزاء عما فعلوه بهم في نصرتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وهو الأمر الذي حصل فعل. ولو علم الأنصار أن الأمر يسلم لأمير المؤمنين (عليه السلام) فمن القريب جداً رضاهم به، وإحجامهم عن مغالبته واستلابه منه، وعن تجاهل النص الوارد فيه. ويشير إلى ذلك بعض ما ذكره أهل الحديث والمؤرخون عند عرض أحداث السقيفة.
أحاديث الأنصار ومواقفهم فقد ذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري في كتاب السقيفة أن أبا بكر لما خاطب الأنصار في السقيفة، واحتج عليهم لأولوية المهاجرين من قريش بالحكم منهم، وحذرهم من حسدهم لهم، أجابه الأنصار فقالوا: "والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، ولا أحد أحب إلينا، ولا أرضى عندنا منكم. ولكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم..." (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 7 ـ 8. -[ 202 ]- وفي رواية أخرى: "فقام حباب بن المنذر - وكان بدرياً - فقال: منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط. ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم. قال: فقال عمر: إذا كان ذاك قمتَ إن استطعتَ" (1). وفي رواية ثالثة: "فقال الحباب ما نحسدك ولا أصحابك، ولكنا نخشى أن يكون الأمر في أيدي قوم قتلناهم، فحقدوا علينا" (2). وفي حديث حباب الآخر مع الأنصار: "أتسكنوني وقد فعلتم ما فعلتم؟! أما والله وكأني بأبنائكم وقد وقفوا على أبوابهم يسألون الناس الماء فلا يسقون. قال: فقال أبو بكر (رضي الله عنه): ومتى تخاف ذلك يا خباب (كذا في المصدر)؟ فقال: إني لست أخاف منك، ولكن أخاف من يأتي من بعدك. قال: فقال أبو بكر (رضي الله عنه): فإذا كان ذلك، ورأيت ما لا تحب، فالأمر في ذلك الوقت إليك. فقال الخباب (كذا في المصدر): هيهات يا أبا بكر من أين يكون ذلك إذا مضيت أنا وأنت، وجاءنا قوم من بعد يسومون أبناءنا سوء العذاب والله المستعان؟!" (3). تنويه الأنصار وغيرهم بأمير المؤمنين (عليه السلام) وقال اليعقوبي بعد التعرض لبيعة أبي عبيدة وعمر لأبي بكر في السقيفة: "وقام عبدالرحمن بن عوف، فتكلم فقال: يا معشر الأنصار إنكم ـــــــــــــــــــــــ (1) أنساب الأشراف 2: 260 أمر السقيفة، واللفظ له. الطبقات الكبرى 3: 182 ذكر بيعة أبي بكر. تاريخ دمشق 30: 275 في ترجمة أبي بكر تحت عنوان عبدالله ويقال عتيق بن قحافة. شرح نهج البلاغة 2: 53. كنز العمال 5: 606 حديث:14072. (2) أنساب الأشراف 2: 263 أمر السقيفة. (3) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 10 ـ 11 ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار. -[ 203 ]- وإن كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي. وقام المنذر بن أرقم، فقال: ما ندفع فضل من ذكرت. وإن فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد. يعني: علي بن أبي طالب" (1). وقد ذكر ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار أنه قال: "فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفّاً إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم. فاجتمع قوم من الأنصار، وقوم من المهاجرين، فتعاتبوا فيما بينهم. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا معشر الأنصار، إنكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة، ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر، ولا عمر، ولا علي، ولا أبي عبيدة. فقال زيد بن أرقم: إنا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن، وإن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة... وإنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد: علي بن أبي طالب" (2). وذكر ابن أعثم المحاورة بين عبد الرحمن وزيد بن أرقم، وفي آخرها: "يا ابن عوف لولا أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبحزنهم عليه، فجلسوا في منازلهم، ما طمع فيها مَن طمع. فانصرف ولا تهيج على أصحابك ما لا تقوم له" (3). وقال الطبري وابن الأثير بعد أن ذكرا اجتماع السقيفة، وترادّ أبي بكر وعمر وأبي عبيدة للبيعة بينهم: "فبايعه عمر، وبايعه الناس. فقالت الأنصار، أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا علياً" (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 123 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. (2) شرح نهج البلاغة 6: 19 ـ 20. (3) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 12 ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار. (4) تاريخ الطبري 2: 233 ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفى فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته. الكامل في التاريخ 2: 220 حديث السقيفة وخلافة أبي بكر (رضي الله عنه) وأرضاه، نشر عام 1348هـ عنيت بنشره إدارة الطباعة المنيرية وصحح أصوله الاستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار المدرس بقسم التخصص في الأزهر. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 1:27 pm | |
| -[ 204 ]- انحياز جماعة مِن أعيان الصحابة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري بسنده عن جرير بن المغيرة: "أن سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً (عليه السلام) بعد النبي" (1). كما ذكر المؤرخون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اعتزل في داره مع جماعة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى هاجمهم جماعة أبي بكر (2). وذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري في رواية أنه كان في البيت ناس كثير (3). وذكروا ان خالد بن سعيد بن العاص لم يكن في المدينة يوم السقيفة، ولما رجع وطلب منه بيعة أبي بكر امتنع وقال: لا أبايع إلا علياً (4).
ندم الأنصار على بيعتهم لأبي بكر بل مِن المعلوم أنّ الأنصار قد غُلِبوا على أمرهم في بيعة أبي بكر، ومع ذلك فقد ذكروا أن أمير المومنين (عليه السلام) لما أُخْرِج مِن داره ليبايع وامتنع من ذلك وحاولوا حَمْلَه على ذلك، قال: "الله الله يا معشر المهاجرين، لا تُخْرِجوا ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 2: 49، 6: 43. (2) الرياض النضرة 2: 205 ـ 206 ذكر بيعة السقيفة وما جرى فيه،: 213 ـ 215 ذكر بيعة العامة. تاريخ اليعقوبي 2: 126 خبر سقيفة بني ساعدة. الإمامة والسياسة 1: 16 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). العقد الفريد 4: 242 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر. وغيرها من المصادر. (3) شرح نهج البلاغة 6: 48. (4) تاريخ اليعقوبي 2: 105، شرح نهج البلاغة 2: 59. -[ 205 ]- سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين، لنحن أحق الناس به. لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الامر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحق بعداً ". فقال بشير بن سعد الانصاري: ـ الذي كان أول المبادرين لبيعة أبي بكر والانتقاض على سعد بن عبادة حسداً له ـ "لو كان هذا الكلام سمعته الانصار منك يا علي قبل بيعتها لابي بكر، ما اختلف عليك اثنان" (1). ويبدو أن عامة الناس أخذوا يراجعون حساباتهم، ويظهر عليهم الندم لإسراعهم في بيعة أبي بكر، حتى ضاق أبو بكر من ذلك، يقول أبو سعيد الخدري: "لما بويع أبو بكر رأى مِن الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس ما يمنعكم؟! ألست أحقكم بهذا الأمر؟!..." (2). وذكر ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار أنه لما بويع أبو بكر، واستقر أمره، ندم قوم كثير مِن الأنصار على بيعته، وتلاوموا، وذكروا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهتفوا باسمه. وإنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون الذين مع أبي بكر وكثير من مسلمة الفتح وأمثالهم ممن وترهم الأنصار والإسلام. وكثر بمناسبة ذلك الكلام والخطب، ونظمت الأشعار (3). وذكر عن الجوهري عن أبي سعيد الخدري قال: "سمعت البراء بن عازب يقول: لم أزل لبني هاشم محبًّا فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تخوَّفت ـــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 29. (2) تاريخ دمشق 30: 37، تاريخ الخلفاء: 70، 71. (3) شرح نهج البلاغة 6: 23، وما بعده. وذكر ذلك باختصار اليعقوبي في تاريخه 2: 125. -[ 206 ]- أنْ تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول...". ثم ذكر بيعة أبي بكر... إلى أن قال: "فخرجت إلى الفضاء فضاء بني بياضة، وأجد نفراً يتناجون، فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني، وما أعرفهم، فدعوني إليهم، فأتيتهم، فأجد المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، وحذيفة، وأبا الهيثم بن التيهان. وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما أخبرتكم به. والله ما كذبت، ولا كذبت... ثم قال: ائتوا أبي بن كعب، فقد علم كما علمت. قال: فانطلقنا إلى أُبَي، فضربنا عليه بابه، حتى صار خلف الباب، فقال: من أنتم؟ فكلمه المقداد. فقال: ما حاجتكم؟ فقال له: افتح عليك بابك، فإن الأمر أعظم من أن يجري من وراء حجاب. قال: ما أنا بفاتح بابي. وقد عرفت ما جئتم له. كأنكم أردتم النظر في هذا العقد. فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: فالقول ما قال. وبالله ما أفتح عني بابي حتى تجري على ما هي جارية. ولما يكون بعدها شر منه. وإلى الله المشتكى..." (1).
محاولة إضْعَاف أمير المؤمنين (عليه السلام) واسْتِمَالَة العباس ولأجل ذلك ونحوه - مِن طَعْن الصحابة في بيعة أبي بكر، ومحاولتهم نقضَها - أراد أبو بكر أنْ يُضْعِف مركزَ أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يجعل للعباس وعقبه في الأمر نصيبًا، لينقطعوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ويخذلوه، وكان فيما قال للعباس: "وما أنْفَكُّ يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأً، فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع. فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه فقد جئناك ونحن نريد ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 2: 51 ـ 52. -[ 207 ]- أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبًا، ولمن بعدك مِن عقبك...". وتحدث عمر بعده فصدقه، وكان فيما قال: "إنا لم نأتكم حاجة إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم" (1). وأجابه العباس بما سبق بعضه في جواب السؤال الثالث.
الذين أنكروا على أبي بكر وهو على المنبر في رواية الشيعة وقد روت الشيعة أنه قد أنكر اثنا عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار على أبي بكر يوم الجمعة، وهو على المنبر، وهم خالد بن سعيد ابن العاص، والمقداد بن الأسود، وأبي بن كعب، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبريدة الأسلمي، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيهان. وأنهم ذكّروه حقَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة، ونَصَّ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه، ووعظوه، وذكروا لكل منهم كلاماً طويلاً معه، لا يسعنا استقصاؤه (2).
خطبة الزهراء (عليه السلام) واستنهاضها الأنصار خاصة كما ذكر المؤرخون خطبة الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام أبي بكر، مطالبة له بفدك، وتَعَرُّضَها للخلافة، وإنكارَها ما حصل، ثم عدولها إلى مجلس الأنصار، وإنكارها عليهم تخاذلَهم عن نصرة أهل البيت (عليهم السلام)، وحثهم على أداء واجبهم، في كلام ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 1: 220، واللفظ له، الامامة والسياسة 1: كيف كانت بيعة أمير المؤمنين، تاريخ اليعقوبي 2: 152 خبر سقيفة بني ساعدة.. (2) بحار الأنوار 28: 189، وما بعده. وقريب منه مع شيء من الاختلاف والاضطراب في كتاب الخصال للصدوق أبواب الاثنى عشر: الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب: اثنا عشر: 429 ـ 434. -[ 208 ]- شديد اللهجة. وقالت (عليه السلام) في آخر خطبتها - بعد استعظام ما حصل من المخالفة لله تعالى، وفداحة الخطب، وتشديد المسؤولية -: "ألا وَقَدْ قُلْتُ الذي قُلْتُه عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخُذْلانِ الَّذِي خامَر صدوركُمْ، واسْتَشْعَرَتْه قُلُوبُكُمْ، وَلكِن قلتُه فَيْضَة النَّفْسِ، وَنَفْثَة الْغَيْظِ، وَبثة الصّدرِ، وَمعذرة الْحُجَّةِ. فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها مدبِرَةَ الظَّهْرِ، نَاكِبَةَ الْحق، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بَشَنارِ الأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ [الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَة] فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ [وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ منقلب يَنْقَلِبُونَ]. وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، فاعملوا إنا عاملون[وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ]" (1).
تأثير الخطبة في الناس ومعالجة أبي بكر للموقف ويبدو أن خطبتها قد أحدثت ضجة بين المسلمين، وخصوصاً الأنصار، وبدت بوادر التحرك منهم. فقد ذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري في كتاب السقيفة، قال: "وحدثني محمد بن زكريا قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول، قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالته، فصعد المنبر، وقال: أيها الناس: ما هذه الرعة إلى كل قالة؟! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ألا مَن سمع فليقل، ومَن شهد فليتكلم. إنما هو ثعالة شهيده ذنبه. مرب لكل فتنة. هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت. يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال، أحب أهلها إليها البغي. ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ـــــــــــــــــــــــ (1) تقدمت مصادر الخطبة في جواب السؤال الثالث: 125. -[ 209 ]- ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم. وأحق من لزم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنتم. فقد جاءكم فآويتم، ونصرتم. ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحق ذلك من. ثم نزل. فانصرفت فاطمة (عليه السلام) إلى منزلها" (1). والملفت للنظر أن أبا بكر قد تعمد المرونة في معالجة أحداث السقيفة وما تبعه، وترك الشدة لغيره من جماعته. أما هذه الخطبة فهي تطفح بالشتم المقذع، والتهديد، والشدة. ولا يتضح لنا تفسير ذلك إلا بقوة نشاط المعارضة، في محاولتها إرجاعَ الخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، بنحوٍ لوّح بخطورة الموقف، فحاول أن يتدارك الأمر قبل أن ينفجر ذلك عن صراع يخشى منه، ولا يعلم نتائجه.
توقف الناس عن الجهاد ما دام أمير المؤمنين (عليه السلام) مبايناً للقوم ومن أقوى الشواهد على إيمان جمهور الصحابة بالنص، وبحق أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة، وبعدم شرعية خلافة أبي بكر، ما ذكره المدائني عن عبدالله بن جعفر عن أبي عون، قال: "لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي، فقال: يا ابن عم، إنه لا يخرج أحد إليَّ. فقال: [إلى قتال. صح] هذا العدو وأنت لم تبايع، فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر، فقام أبو بكر إليه، فاعتنق، وبكى كل واحد إلى صاحبه، فبايعه. فسرّ المسلمون، وجد الناس في القتال، وقطعت البعوث" (2). وهو المناسب لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى أهل مصر: "فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 214 ـ 215. (2) أنساب الأشراف 2: 270 أمر السقيفة. -[ 210 ]- راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم..." (1). هذا موقف مَن بالمدينة المنورة.
موقف قبائل العرب خارج المدينة، وحقيقة حروب الردة أما موقف القبائل التي دخلت الإسلام في بقية البلاد، والتي حوربت مِن قبَل أبي بكر، فهو وإنْ فُسِّر بالارتداد، أو منع الزكاة- الذي قد يحاول البعض إلحاقه بالارتداد، لكونه إنكاراً لضروري من ضروريات الإسلام-إلا أنه يبدو مِن بعض فلتات المؤرخين أنّ الأمر فيهم، أو في بعضهم، لا يصل إلى ذلك، بل إلى أنّ حكم أبي بكر لم يَرُقْ لكثير مِن الناس، إما لأنه لم يعهد له من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو لاستهانة الناس به وبقبيلته،وأن ذلك قد حمل الناس على رفض حكم أبي بكر مِن دون خروج عن الإسلام، أو مع الخروج عن الإسلام، لسقوط هيبته وهيبة المسلمين بسبب حكم أبي بكر، بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانشقاق الصحابة على أنفسهم، ثم إقصاء بني هاشم رهط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يملكون مقاماً رفيعاً في نفوس العرب، وهيبة زاد فيهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام أضعافاً مضاعفة،وخصوصاً أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الضاربة، وسيفه الصارم في جهاده الطويل، والذي يعتبر امتداداً طبيعياً لوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم)، في قوة شخصيته، وصلابته وهيمنته، وفي علمه وعمله، وفي مبادئه ومثاليته، بنحو يناسب انصياع العرب له بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يناسبه ما تقدم - في أوائل الجواب عن السؤال الثالث من هذه الأسئلة ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 3: 119. -[ 211 ]- عن سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) مِن أنَّ المسلمين لو جعلوها في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اختلف عليهم اثنان. وإن كان الظاهر أن قطعهما بذلك مستمد من إعلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به-ولنستعرض بعض الشواهد على ذلك:
إنكار بعض العرب بيعة أبي بكر وإقصاء أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال قائلهم في جملة أبيات له: أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فـيـا لعبـاد الله ما لأبي بـكر أيـورثها بكراً إذا مات بعده *** وتلك لعمر الله قاصمة الظهر (1) وقالت طيء لعدي بن حاتم: "لا نبايع أبا الفصيل أبداً" (2). وكانت فزارة وأسد تقول: "لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبداً" (3). ويقول أحمد بن أعثم الكوفي في حديث عن ناقة أخذت للزكاة بغير حق، ووقع الشجار فيها بين الوالي الذي أخذها - وهو زياد بن لبيد - وأصحابها: "ثم أقبل حارثة بن سراقة إلى إبل الصدقة، فأخرج الناقة بعينها. ثم قال لصاحبها: خذ ناقتك إليك، فإن كلمك أحد فاحطم أنفه بالسيف، نحن إنما أطعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان حيًّا ولو قام رجل من ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 2: 255 بقية الخبر عن أمر الكذاب العنسي، واللفظ له. البداية والنهاية 6: 313 فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة. معجم البلدان 2: 271 عند الكلام عن حضرموت. المحلى 11: 193 في مسألة:2199. تاريخ دمشق 25: 160 في ترجمة طليحة بن خويلد بن نوفل. الأغاني 2: 149 خبر الحطيئة ونسبه. تاريخ المدينة 2: 247 ـ 248، وفيه: أن قائلها الخفشيش، وأنه أخذ أسيراً وقتل صبر. (2) تاريخ الطبري 2: 260 ذكر بقية الخبر عن غطفان حين انضمت إلى طليحة وما آل إليه أمر طليحة، واللفظ له. تاريخ دمشق 25: 164 في ترجمة طليحة بن خويلد. (3) تاريخ الطبري 2: 261 ذكر بقية الخبر عن غطفان حين انضمت إلى طليحة وما آل إليه أمر طليحة. الثقات 2: 166. -[ 212 ]- أهل بيته لأطعناه، وأما ابن أبي قحافة فلا والله ماله في رقابنا طاعة ولا بيعة. ثم أنشد أبياتاً من جملتها: أطعنا رسول الله إذ كان بيننا *** فـيـا عجباً ممن يطيع أبا بكر فلما سمع زياد بن لبيد هذه الأبيات... كتب إلى حارثة بن سراقة هذه الأبيات من جملتها: نقاتلهم في الله والله غالب *** على أمره حتى تطيعوا أبا بكر قال: فلما وردت هذه الأبيات من زياد بن لبيد غضبت أحياء كندة لذلك غضباً شديدًا فأتت الأشعث بن قيس. فقال: خبروني عنكم يا معشر كندة إذ كنتم بايعتم على منع الزكاة وحرب أبي بكر فهلا قتلتم زياد ابن لبيد... فقال له رجل من بني عمه: صدقت والله يا أشعث، ما كان الرأي إلا قتل زياد بن لبيد، وارتجاع ما دفع إليه من إبل الصدقة. والله ما نحن إلا كعبيد لقريش، مرة يوجهون إلينا أمية، فيأخذون من أموالنا ما يريدون، ومرة يولون علينا مثل زياد ابن لبيد، فيأخذ من أموالنا ويهددنا بالقتل. والله لا طمعت قريش في أموالنا أبدا. ثم أنشأ يقول أبياتاً من جملتها: إذا نحن أعطينا المصدق سؤله *** فنـحن له فيما يريــد عبيد ثم تكلم الأشعث بن قيس فقال: يا معشر كندة إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة، والزموا بلادكم، وحوطوا حريمكم، وامنعوا زكاة أموالكم، فإني أعلم أن العرب لا تقر بطاعة بني تميم [تيم.ظ] بن مرة، وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيره، فإنها لنا أجود، ونحن لها أجرى وأصلح من غيرنا... قال: ثم إن زياد بن لبيد... سار فإلى [إلى.ظ] حي من أحياء كندة، يقال لهم بنو ذهل بن معاوية، فخبرهم بما كان... -[ 213 ]- ودعاهم إلى السمع والطاعة، فأقبل إليه رجل من سادات بني تميم، يقال له الحارث بن معاوية، فقال لزياد: إنك لتدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد. فقال له زياد بن لبيد: يا هذا صدقت، فإنه لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد، ولكنا اخترناه لهذا الأمر.
احتجاج بعض العرب لحق أهل البيت (عليهم السلام) في الخلافة فقال له الحارث: أخبرني لِمَ نحيتم عنها أهل بيته، وهم أحق الناس به، لأن الله عزوجل يقول: ((وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ))؟. فقال له زياد بن لبيد: إن المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك. فقال له الحارث بن معاوية: لا والله ما أزلتموها عن أهلها إلا حسداً منكم لهم. وما يستقر في قلبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج من الدنيا ولم ينصب للناس عَلَماً يتبعونه، فارحل عنا أيها الرجل، فإنك تدعو إلى غير رضا. ثم أنشأ الحارث بن معاوية يقول: كان الرسول هو المطاع فقد مضى *** صـلى عليه الله لم يستخلف؟! قال: فوثب عرفجة بن عبد الله الذهلي، فقال: صدق والله الحارث ابن معاوية. أخرجوا هذا الرجل عنكم، فما صاحبه بأهل للخلافة، ولا يستحقها بوجه من الوجوه. وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الأمة من نبيها محمد... ثم وثبوا إلى زياد بن لبيد فأخرجوه من ديارهم، وهموا بقتله. قال: فجعل زياد لا يأتي قبيلة من قبائل كندة، فيدعوهم إلى الطاعة إلا ردوا عليه ما يكره. فلما رأى ذلك سار إلى المدينة إلى أبي بكر (رضي الله عنه) فخبره بما كان من القوم، وأعلمه أن قبائل كندة قد أزمعت على الارتداد والعصيان... قال: واتصل الخبر بقبائل كندة فكأنهم ندموا على ما كان منهم. -[ 214 ]- ثم وثب رجل من أبناء ملوكهم يقال له أبضعة بن مالك، فقال: يا معشر كندة إنا أضرمنا على أنفسنا ناراً لا أظن أنها تطفأ أو تحرق منا بشراً كثيرا والرأي عندي أن نتدارك ما فعلنا... ونكتب إلى أبي بكر الصديق، فنخبره بطاعتنا وأن نؤدي إليه زكاتنا طائعين غير مكرهين، وأنا قد رضينا به خليفة وإماماً". ثم ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث، وقال: "فلما وصل الكتاب إلى الأشعث، وقرأه أقبل على الرسول، فقال: إن صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له، ولا يلزم صاحبه الكفر بقتله قومي وبني عمي. فقال له الرسول: نعم يا أشعث يلزمك الكفر، لأن الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر بمخالفتك لجماعة المسلمين" (1).
المتحصل من مجموع ما سبق وهذه الأخبار - كما ترى - تقضي بخلاف الناس على أبي بكر في داخل المدينة، وفي خارجها، وأن بعض تلك الحروب لم تكن حروب ردة، بل حروب عصيان على أبي بكر، وأن جماعات من الناس في المدينة وخارجها ترى أولوية بني هاشم بالأمر، إلا أنها غلبت على أمرها، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو ولي الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتقدم عليه غيره، لتجنب المسلمون كثيراً من الخلاف والشقاق، ولبقيت هيبة الإسلام والمسلمين، ولم تقع تلك الحروب التي أريقت فيها كثير من الدماء، وانتهكت كثير من الحرمات. وهي مؤكِّدة لما ذكرناه آنفاً من أن الذين أغفلوا النص - لو كان موجوداً كما تقول الشيعة - أفرادٌ معدودون من المهاجرين والأنصار، كما سبق. ـــــــــــــــــــــــ (1) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 49 ـ 57 في ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ومحاربة المسلمين إياهم، وفي ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث بن قيس ومن معه من قبائل كندة. -[ 215 ]- موقف حديثي الإسلام من بيعة أبي بكر نعم أيَّدَهم الجمهورُ الأعظم مِن الموتورين - مِن قريش ونحوهم - ممّن دَخَلَ الإسلامَ رغبةً أو رهبةً، عندما قوي وظهر، كالطلقاء، والمنافقين، ونحوهم، مثل المغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص،وخالد ابن الوليد،وسهيل بن عمرو،وعكرمةبن أبي جهل، والحارث بن هشام، وغيرهم. كما يشهد بذلك مواقفهم المذكورة في تأييد البيعة، وفي الهجوم على دار أمير المؤمنين والصديقة الزهراء (صلوات الله عليهم)، وفي نيلهم من الأنصار وطعنهم عليهم، وفي المشاركة في الحروب التي سميت بحروب الردة، والتي هي أو بعضها في الحقيقة حروب تثبيت السلطة، كما تقدم.
الوجود البارز لحديثي الإسلام في كيان السلطة وكان لهؤلاء بالآخرة الوجود البارز في قيادات الجيوش وولايات الأمصار، وتُرِكَ كثير مِن أعلام المهاجرين، والأنصار، إمّا إباءً منهم للمشاركة في تلك السلطة، والعمل تحت إمرتها، أو إعراضاً من السلطة عنهم، خوفاً منهم، أو مقتاً لهم.وقد روي عن عمر أنه قال: "نستعين بقوة المنافق، وإثمُه عليه" (1). وأنه قيل له: "إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، ومعاوية، وفلانا، وفلاناً من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، وتركت أن تستعمل علياً والعباس، والزبير وطلحة". فقال: "أما علي فأنْبَه مِن ذلك، وأما هؤلاء النفر من قريش فإني ـــــــــــــــــــــــ (1) المصنف لابن أبي شيبة 6: 200 كتاب الأمراء: ما ذكر من حديث الأمراء والدخول عليهم، واللفظ له. كنز العمال 4: 614 حديث: 11775. السنن الكبرى للبيهقي 9: 36 كتاب السير: باب من ليس للإمام أن يغزو به بحال. وقريب منه في كنز العمال 5: 771 حديث: 14338. -[ 216 ]- أخاف أن ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد" (1). وعن قيس بن حازم: "جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يستأذنه في الغزو. فقال عمر: اجلس في بيتك، فقد غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: فردد ذلك عليه. فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في بيتك. فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2). ولا وجه لتخوُّفه مِن إكثارهم الفساد إلا شعوره بعدم انسجامهم مع السلطة، أو تخوفه من ذلك. ولذا أصر على أبي بكر حتى عزل خالد ابن سعيد بن العاص عن قيادة الجيوش التي أرسلها لفتح الشام، أو قيادة بعضها لأنه اضطغن عليه تأخره عن بيعة أبي بكر، واستنهاضه بني هاشم أو بني عبد مناف للمطالبة بالخلافة، فلم يدع أبا بكر حتى عزله، وولى مكانه يزيد بن أبي سفيان (3). بل صرح بذلك في خلافته، حيث سبق في الوجه الأول للجواب عن هذا السؤال قوله في خطبة له في تبرير منعه المهاجرين عن الخروج ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 9: 29 ـ 30. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 129 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له. عون المعبود 11: 246ـ247. (3) الطبقات الكبرى 4: 97 ـ 98 في ترجمة خالد بن سعيد بن العاص. المستدرك على الصحيحين 3: 279 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب خالد بن سعيد بن العاص ابن أمية بن عبد شمس ابن عبدمناف (رضي الله عنه)، وقال بعد ذكر الحديث: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". تاريخ اليعقوبي 2: 133 في أيام أبي بكر. تاريخ الطبري 2: 331 في أحداث سنة ثلاث عشرة. تاريخ دمشق 16: 78 في ترجمة خالد بن سعيد بن العاص. شرح نهج البلاغة 2: 58 ـ 59. -[ 217 ]- من المدينة: "ألا إن في قريش مَن يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة، أما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار". بينما رضي بولاية أبي عبيدة بن الجراح، بل ولاه فعلاً، مع أنه من المهاجرين الأولين، ومن قريش أيضًا، ولم يخش منه، لانسجامه معه، وتوجهه وجهته. كما لا وجه لأمْنِه مِن المنافقين والطلقاء ونحوهم لولا دعمهم لخطِّه وانسجامهم معه، وإلا فإنهم أخطر على البلاد والعباد لو أرادوا الفتنة والشقاق، كما حصل من معاوية حينما واتته الظروف، ولا أقل من أن يتعاونوا مع ذوي السوابق في الإسلام ممن يعارض الحكم القائم، وينوهوا بهم، ويدعوا الناس إليهم. بل حتى لو لم يريدوا الفتنة، فإنَّ إناطة أمور المسلمين بهم مع وجود مَن هو أفضل منهم في دينه ومعارفه خيانة للمسلمين. وفي حديث ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "مَن استعمل عاملاً من المسلمين، وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين" (1). ـــــــــــــــــــــــ (1) السنن الكبرى للبيهقي 10: 118 كتاب آداب القاضي: باب لايولي الوالي امرأة ولا فاسقاً ولا جاهلاً أمر القضاء، واللفظ له. المستدرك على الصحيحين 4: 104 كتاب الأحكام. السنة لابن أبي عاصم 2: 627. مجمع الزوائد 5: 211 كتاب الخلافة: باب حق الرعية والنصح له. المعجم الكبير 11: 114 فيما رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس. الترغيب والترهيب 3: 125. الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 165 كتاب أدب القضاء. نصب الراية 4: 62 كتاب أدب القاضي. سبل السلام 4: 190. تاريخ بغداد 6: 76 في ترجمة إبراهيم بن زياد القرشي. الكامل في ضعفاء الرجال 2: 352 في ترجمة الحسين بن قيس أبي علي الرحبي. الضعفاء للعقيلي 1: 247 في ترجمة حسين ابن قيس الرحبي. تهذيب التهذيب 2: 313 في ترجمة الحسين بن قيس الرحبي. -[ 218 ]- بل قد نسب هذا الكلام لعمر نفسه (1). كما روي عن عمر أيضاً أنه قال: "من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله"(2) بل قد أدى ذلك بالآخرة إلى صدور كثير من المخالفات الدينية وانتهاك الحرمات منهم. كما استفاض نقل ذلك في كتب الحديث والتاريخ والأدب. والحاصل: أن تجاهل النص والتعامي عنه لم يحصل من الكثرة الكاثرة من المهاجرين والأنصار، خصوصاً ذوي الشأن والمقام الرفيع منهم، بل كان هوى كثير منهم مع أمير المؤمنين وأهل البيت (صلوات الله عليهم)، كما سبق.
تقصير عامة الصحابة في نصرة الحق نعم، لا ريب في أنه بناءً على وجود النص وثبوت الحق لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) - كما تقول الشيعة - فالكثرةُ الكاثرة مِن الصحابة قد فرَّطوا في نصرة الحق، والاستجابة لدعوة الإمام المنصوص عليه،فقد سَبَق مِن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في جواب السؤال الثالث - كثرة الشكوى من عدم الأنصار، وأنه اجتمع جماعة إليه يدعونه إلى البيعة، فقال لهم: اغدوا على هذا محلقين الرؤوس، فلم يغدُ عليه إلا ثلاثة نفر أو أربعة، وأنه (عليه السلام) قد أعلن أنه لو كان معه أربعون رجلاً لطالب بحقه. كما أنه حمل الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) على حمار - ومعه ولداه الحسن والحسين (عليهم السلام) - وطاف بها على بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم الانتصار له، وهم يعتذرون لها بأن بيعتنا قد سبقت لأبي بكر، ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 304 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب أحد الفقهاء الستة من الصحابة معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، واللفظ له. سير أعلام النبلاء 1: 460 في ترجمة معاذ بن جبل. الكشف الحثيث 1: 178 في ترجمة عبيد بن تميم. لسان الميزان 4: 118 في ترجمة عبيدبن تميم. (2) كنز العمال 5: 761 حديث:14306. -[ 219 ]- لو كان ابنُ عمّكِ سبق إلينا لما عدلنا به (1). كما أكد معاوية ذلك في كتابه السابق لأمير المؤمنين (عليه السلام). وقد روى الشيعة الكثير في ذلك. وليس ذلك من الصحابة لتجاهلهم النص وتعاميهم عنه، بل خوفاً وهلعًا أو يأساً من الانتصار بمقتضى المقاييس المدركة لهم، لأن مبدئية أمير المؤمنين، واهتمامه الأعظم بالكيان الإسلامي العام، جعلهم يدركون ضعفَ موقفه في الصراع، وضآلةَ قوتهِ المادية.
بعض شواهد مبدئية أمير المؤمنين (عليه السلام) ويكفي شاهداً على ذلك أنه ورد عنه (عليه السلام) الاعتذار عن مسابقة القوم بأني ما كنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازةً لا أجهزه، وأخرج لأنازع الناس سلطانه (2). ولما عرض عليه العباس أن يبايعه، ليقال: عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بايع ابن عمه، فلا ينازعه أحد، قال: "فإني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج وأحب أن أصحر به" (3). كما أن أبا سفيان - بما له مِن قوة قبَلِيّة لا يستهان بها - حين نظر للأمر مِن جانب قبَلِي، وحاول حمْلَ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) على المطالبة بالخلافة، لم يستجب (عليه السلام) له ونَهَرَه (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 16 إباية علي (كرم الله وجهه) بيعة أبي بكر (رضي الله عنهم). شرح نهج البلاغة 6: 13. (2) الإمامة والسياسة 1: 16 إباية علي (كرم الله وجهه) بيعة أبي بكر (رضي الله عنهم). شرح نهج البلاغة 6: 13. الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 13 ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار. (3) شرح نهج البلاغة 9: 196، واللفظ له، 11: 9. (4) المستدرك على الصحيحين 3: 83 كتاب معرفة الصحابة: أبو بكر بن أبي قحافة (رضي الله عنه). المصنف لعبد الرزاق 5: 451 بيعة أبي بكر (رضي الله عنه). الاستيعاب 3: 974 في ترجمة عبد الله بن أبي قحافة، 4: 1679 في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية. تاريخ الخلفاء 1: 67 فصل في الأحاديث والآيات المشيرة إلى خلافته وكلام الأئمة في ذلك. أنساب الأشراف 2: 271 أمر السقيفة. تاريخ الطبري 2: 237 حديث السقيفة. شرح نهج البلاغة 2: 45. -[ 220 ]- بينما استرضاه أبو بكر، فنفله أموال الصدقة (1)، وولّى ولده (2). فصار هو وأهل بيته مِن مؤيديه، وأنصاره... إلى غير ذلك. ولعله لذا ونحوه ورد أنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها (3) حيث إنّ مبدئية أهل الحق تُفَوِّت عليهم كثيراً مِن فرص الانتصار، بينما يستغلها أهل الباطل، فتكون سبب انتصارهم،يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "قد يرى الحول القلب وجهَ الحيلة، ودونه مانع مِن أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها مَن لا حريجة له في الدين" (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) العقد الفريد 4: 240 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم في خلافة أبي بكر (رضي الله عنه). شرح نهج البلاغة 2: 44. (2) الطبقات الكبرى 4: 97 ـ 98 في ترجمة خالد بن سعيد بن العاص. المستدرك على الصحيحين 3: 279 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبدمناف (رضي الله عنه)، وقال بعد ذكر الحديث: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". تاريخ اليعقوبي 2: 133 في أيام أبي بكر. تاريخ الطبري 2: 331 في أحداث سنة ثلاث عشرة. تاريخ دمشق 16: 78 في ترجمة خالد بن سعيد بن العاص. شرح نهج البلاغة 2: 58 ـ 59. (3) مجمع الزوائد 1: 157 كتاب العلم: باب في الاختلاف. المعجم الأوسط 7: 370. فيض القدير 5: 415. حلية الأولياء 4: 313. تذكرة الحفاظ 1: 87 في ترجمة الشعبي. سير أعلام النبلاء 4: 311 في ترجمة الشعبي. ذكر من اسمه شعبة: 68. كنز العمال 1: 183 حديث: 929. الجامع الصغير للسيوطي 2: 481 حديث:7799. شرح نهج البلاغة 5: 181 ولكن رواه في ضمن خطبة لأمير المؤمنين. (4) نهج البلاغة 1: 92. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 2:10 pm | |
| -[ 221 ]- تجب الاستجابة للإمام المنصوص عليه مهما كانت النتائج لكن ذلك كله لا يصلـح عذراً للصحابة، ولا لغيرهم مع الله تعالى، بل يجب على الناس طاعة الإمام المنصوص عليه، والاستجابة له، ونصره مهما كانت النتائج، وليس لهم الاجتهاد والنظر معه، إذ كثيراً ما يخفى وجه الصلاح على الناس فيما يفعله، نظير ما كان من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلـح الحديبية، الذي أنكره المسلمون لجهلهم بالعواقب، كما تقدم التعرض له في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. وكم صار الفشل العاجل سبباً للانتصار والفتح، على الأمد البعيد. ولو لم يكن للاستجابة في نصرة الحق والحرب على الباطل مِن ثمرة، إلا تنبيه الغافل، وإقامة الحجة لله تعالى، لكفى بذلك مكسباً عظيماً لدين الله تعالى، وأهل دعوته. وفي حديث أبي سالم الجيشاني: "سمعت علياً (رضي الله عنه) بالكوفة يقول: إني أقاتل على حق ليقوم، ولن يقوم، والأمر لهم. قال: فقلت لأصحابي: ما المقام ههنا وقد أخبرنا أن الأمر ليس لهم؟ فاستأذناه إلى مصر. فأذن لمن شاء منا، وأعطى كل رجل منا ألف درهم. وأقام معه طائفة منا" (1). فتراه (صلوات الله عليه) لم يثنه علمه بغلبة معاوية عن القتال في سبيل الحق، وبقي معه أهل البصائر مِن أصحابه. وفي حديث الأسود الديلي عن أبيه: "عن علي (رضي الله عنه) قال: أتاني عبدالله ابن سلام، وقد وضعت رجلي في الغرز، وأنا أريد العراق، فقال: لا تأتي (كذا في المصدر)العراق، فإنك إن أتيته أصابك به ذباب السيف. قال علي: وأيم الله لقد قالها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلك.
ـــــــــــــــــــــــ (1) الفتن لنعيم بن حماد 1: 127 ما يذكر في ملك بني أمية وتسمية أساميهم بعد عمر (رضي الله عنه). -[ 222 ]- قال أبو الأسود: فقلت في نفسي: يالله ما رأيت كاليوم، رجل محارب يحدث الناس بمثل هذا" (1). فانظر إليه (صلوات الله عليه) كيف يخبر الناس بأنه سوف يقتل، ومع ذلك يدعوهم للجهاد معه! وما ذلك إلا لأن الهدف من الجهاد المذكور أسمى مِن الانتصار العاجل. كما أنه استفاض الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2)، وعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) (3) بالإخبار بقتل الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). ـــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك على الصحيحين 3: 151 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". صحيح ابن حبان 15: 127 باب إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار عن خروج علي بن أبي طالب (رضوان الله عليه) إلى العراق. موارد الظمآن 1: 545 باب في فضل علي (رضي الله عنه). نظم درر السمطين: 136 في ذكر أخبار النبي بقتله. تاريخ دمشق 42: 546 في ترجمة علي بن أبي طالب. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 194، 196 كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد رضي الله عنهما بن فاطمة.. الأحاديث المختارة 2: 375 فيما رواه نجي الخضرمي والد عبد الله عن علي (رضي الله عنه). مسند البزار 3: 101 ومما روى عبد الله بن نجي عن علي. مسند أحمد 1: 75 مسند علي بن أبي طالب (رض).مسند أبي يعلى 1: 298 مسند علي بن أبي طالب (رض). الآحاد والمثاني 1: 308 ومن ذكر الحسين بن علي (رضي عنهم). مجمع الزوائد 9: 187، 188، 189، 190، 192 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين ابن علي عليهما السلام، وفيه عدة روايات بعضها صرح بصحته، المعجم الكبير 3: 105، 106، 107، 108 عند ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رض) يكنى أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رض)... سير أعلام النبلاء 3: 288، 289، 290 في ترجمة الحسين الشهيد وغيرها من المصادر. (3) مجمع الزوائد 9: 187، 191 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام. المعجم الكبير 3: 110، 111 عند ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رض) يكنى أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رض)... الأحاديث المختارة 2: 375 فيما رواه نجي الحضرمي والد عبد الله عن علي عليه السلام. مسند البزار 3: 101 وما روى عبد الله نجي عن علي. مسند أحمد 1: 750 مسند علي بن أبي طالب (رض) مسند أبي يعلى 1: 298. مسند علي بن أبي طالب (رض). الآحاد والمثاني 1: 308 ومن ذكر الحسين بن علي (رضي عنهم). وغيرهما من المصادر الكثيرة. -[ 223 ]- كما استفاض عن الحسين (صلوات الله عليه) نفسه الإخبار بقتله وانتهاك حرمته (1). إلاّ أن ذلك لم يمنعه من النهوض والثورة في وجه الظالمين، ومن دعوة المسلمين للجهاد في سبيل الله تعالى، و التضحية معه. كل ذلك لأن الهدف ليس هو الانتصار المادي بالاستيلاء على السلطة، بل ما هو أسمى من ذلك بكثير.فقد كتب صلوات الله عليه من مكة المكرمة - وهو يعد العدة لنهضته - إلى بني هاشم في المدينة المنورة: "بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم.. أما بعد فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام" (2). كما خطب (عليه السلام) في مكة المكرمة حين عزم على الخروج منها متوجهاً إلى العراق، فقال: "الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله. خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وخِير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة، بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفا، وأجربة سغبا. لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا ـــــــــــــــــــــــ (1) الفتوح لابن أعثم 5: 940 ذكر نزول الحسين (رض) بكربلاء. تاريخ دمشق 14: 216 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تاريخ الطبري 3: 300 ذكر الخبر عن مسيره إليها (أي الكوفة) وما كان من أمره في مسيره. البداية والنهاية 8: 169 صفة مخرج الحسين إلى العراق. سير أعلام النبلاء 3: 306 في ترجمة الحسين الشهيد. بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2616 الكامل في التاريخ 3: 401 ذكر مسير الحسين إلى الكوفة. (2) كامل الزيارات: 157 واللفظ له. بصائر الدرجات: 502. نوادر المعجزات: 110. دلائل الإمامة: 188. الخرائج والجرائح 2: 771 ـ 772. وغيره. -[ 224 ]- أهل البيت. نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا، إن شاء الله تعالى" (1). فهو (عليه السلام) في الوقت الذي يتنبأ بقتله في خطبته هذه، وبقتل أهل بيته في كتابه السابق، يرى نفسه فاتحاً - كما سبق- ويستنصر الناس لهذا الفتح. وأي فتح هذا الذي يكون مع القتل والشهادة؟! ذلك ما جهله كثير من الناس، فأشاروا عليه بترك الخروج، وعلمه هو (صلوات الله عليه) فأصر على الخروج. ووثق بقيادته (عليه السلام) خاصة شيعته، فتبعوه بخوعاً لأمر الله تعالى، ووفاءً لحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واشتركوا معه في الشهادة، والفتح، والسعادة، التي كتبها الله تعالى له ولهم. وعلى كل حال فواجب الأمة الانقياد للإمام المنصوص والاستجابة له، بغض النظر عن النتائج، عملاً بالتكليف الشرعي، ولأنه مسدد من قبل الله تعالى الذي أمر باتباعه. كما يأتي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثناء على خاصة شيعته من الصحابة: "ووثقوا بالقائد فاتبعوه" (2). هذا ما تأخذه الشيعة - بعد استيضاحهم النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) - على الكثرة الكاثرة من الصحابة الذين تخلفوا في حادثة السقيفة عن الخليفة المنصوص عليه، ولم يستجيبوا لدعوته، ويشدوا أزره، وينصروه، ليسترجع الحق، كما أراده الله عز وجل. ـــــــــــــــــــــــ (1) مقتل الحسين للمقرم: 193 ـ 194 السفر إلى العراق، واللفظ له. كشف الغمة 2: 239. بحار الأنوار 44: 366 ـ367. (2) نهج البلاغة 2: 109. ينابيع المودة 2: 29.
-[ 225 ]- عدم نصر الإمام المنصوص عليه لا يرجع للتعامي عن النص وليس هذا منهم - حسب منظور الشيعة - عن جهل بالنص، ولا عن تعامٍ عنه، أو ردّ له، بل هو لا يزيد على التقاعس عن أداء الواجب في نصرة الحق المعلوم والجهاد في سبيله، نظير تثاقل الصحابة في الخروج لغزوة بدر، كما أشار إليه قوله تعالى: ((كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ)) (1). وكذا فرارهم في معركتي أحد وحنين، وتخاذلهم يوم الخندق، وتخلف بعضهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما خرج لغزوة تبوك، ونحو ذلك مما لا يرجع من كثير منهم إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نبوته. وكذا تقاعس أهل الكوفة عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أواخر أيامه، وعن نصرة الإمام الحسن (عليه السلام)، وتقاعس المسلمين عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) حينما استنصرهم في مكة، وغيره، حيث لا يرجع ذلك من كثير منهم إلى إنكار إمامتهم (صلوات الله عليهم)، وتجاهل النص عليهم.
عدمُ نصر الإمام المنصوص عليه ذنبٌ قابلٌ للتوبة نعم هو ذنب عظيم، نظير الفرار من الزحف الذي شدد الله تعالى فيه، وهو من الكبائر العظام، ونظير تخلف المتخلفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حروبه الذي أنَّبهم الله تعالى عليه أشد التأنيب، إلا أن الله تعالى قد فتح باب التوبة منه، كسائر الذنوب التي يقارفها عباده مهما عظمت. وقد صرح في القرآن الكريم بالعفو عن فرار المسلمين في واقعة أحد. كما تاب الله عزوجل ((عَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنفال الآية: 5 ـ 6. -[ 226 ]- الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (1)... إلى غير ذلك.
تراجع الصحابة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ودعمهم له وهو ما حصل فعلاً من كثير من الصحابة مع أمير المؤمنين وأهل بيته (صلوات لله عليهم أجمعين)، خصوصاً بعد أن ظهرت سلبيات خروج الخلافة عن أمير المؤمنين وأهل البيت (عليهم السلام)،فقد رجعوا إليه، وعرفوا تقصيرهم في أمره، وبايعوه حين أمكنتهم بيعته بعد عثمان.
لزوم الصحابة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان بل لولا تنويههم به (عليه السلام) وبيانهم لفضله وحقه لما أصرَّت جماهير المتواجدين في المدينة بعد مقتل عثمان على بيعته، مع أنه (عليه السلام) لم يكن هو المتصدي لقيادة تلك الجماهير، وتأليبها على عثمان، بل كان (عليه السلام) ألين النفر في أمره. ثم نصروه في حروبه، وكان لهم دور بارز فيها، وفي عضد السلطة وإدارتها في عهده. وشواهد ذلك كثيرة جدًّا. نذكر بعض ما هو المسجل منه، والمثبت في المصادر المناسبة: 1 ـ قال أبو جعفر الإسكافي: "لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان، ورفاعة بن رافع، ومالك بن العجلان، وأبو أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر بعلي (عليه السلام)، وذكروا فضله، وسابقته، وجهاده، وقرابته...فمنهم مَن فضَّلَه على أهل عصره خاصة، ومنهم مَن فضَّله على المسلمين كلهم كافة، ثم بويع..." (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة الآية: 118. (2) شرح نهج البلاغة 7: 36، 39. -[ 227 ]- ثم لما بايعوه، وحملوا الناس على بيعته تبنوا دعوته، وذكروا بمقامه وحقه، ولزموا جانبه، ونصروه في حروبه، وكان لهم دور بارز في عضد السلطة وإدارتها في عهده (صلوات الله عليه).. وسوف يأتي في آخر هذا الحديث تصريحهم بفضله، وبالوصية له عند البيعة وبعدها في كلام كثير. 2 ـ كما استطرد الإسكافي في ذكر ما حدث بعد البيعة من بوادر الشقاق والخلاف من بعض النفر على أمير المؤمنين (عليه السلام)، بسبب قسمته المال بالسوية، وتعريضه بالمترفين، والمنتفعين بوجه غير مشروع في عهد مَن سبق. وقال: "فلما ظهر ذلك مِن أمرهم قال عمار بن ياسر لأصحابه: قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم، فإنه قد بلغنا عنهم، ورأينا منهم، ما نكره مِن الخلاف، والطعن على إمامهم وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاق. يعني: طلحة. فقام أبو الهيثم وعمار وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم، فدخلوا على علي (عليه السلام). فقالوا: يا أمير المؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك هذا الحي من قريش، فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك. وقد دعونا في السر إلى رفضك، هداك الله لرشدك، وذلك لأنهم كرهوا الأسوة، وفقدوا الأثرة، ولما آسيت بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوك وعظموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان، فرقةً للجماعة، وتألفاً لأهل الضلالة. فرأيك" (1). فانظر إلى خواص الصحابة (رضي الله عنهم) كيف استوضحوا حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ودعوا إليه، ونصحوا له، وجدّوا في تثبيت حكمه. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 7: 36، 39. -[ 228 ]- 3 ـ وقال خفاف بن عبدالله الطائي لمعاوية في وصف ما حدث بعد قتل عثمان: "ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش... ثم تهيأ للمسير، وخفّ معه المهاجرون والأنصار. وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك، وعبدالله بن عمرّ، ومحمد بن مسلمة، فلم يستكره أحدًا واستغنى بمن خفّ معه عمن ثقل" (1). 4 ـ وقد روى سعيد بن جبير أنه كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (2)، وفي رواية أنه كان معه (عليه السلام) سبعمائة من الأنصار (3). 5 ـ ولما كتب معاوية إلى عبد الله بن عمر يستنصره أجابه ابن عمر، فقال: "أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك فيَّ هو الذي صيَّرك إلى ما صيَّرَك إليه. إني تركت [أترك] علياً في المهاجرين والأنصار، وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين، واتبعتك [واتبعك]!... ". ثم قال لابن غزية: أجب الرجل - وكان أبوه ناسكا وكان أشعر قريش - فقال أبياتاً منها: و كان لما يرجى لـه غير تارك مهاجرة مثل الليوث الشوابك (4) تركنا علياً فـي صحاب محمد و قد خفت الأنصار معه و عصبة 6 ـ وفي كتاب محمد بن أبي بكر - المشار إليه آنفاً - إلى معاوية: ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 65. الإمامة والسياسة 1: 74 في قدوم ابن عم عدي بن حاتم الشام. شرح نهج البلاغة 3: 111. (2) تاريخ خليفة بن خياط 1: 184 تفصيل خبر معركة الجمل. العقد الفريد 4: 289 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: خلافة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : يوم الجمل. (3) أنساب الأشراف 3: 30 وقعة الجمل. (4) وقعة صفين: 72 ـ 73. -[ 229 ]- "والشاهد لعلي - مع فضله المبين، وسبقه القديم - أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن، فأثنى الله عليهم، من المهاجرين والأنصار، فهم معه عصائب وكتائب حوله، يجالدون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه..." (1). 7 ـ ولما نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) بفيد - في طريقه إلى حرب الجمل - أتته أسد وطيء، فعرضوا عليه أنفسهم، فقال: "الزموا قراكم، في المهاجرين كفاية" (2). 8 ـ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى معاوية: "وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم... قد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية..." (3). 9 ـ وقال عقيل بن أبي طالب لمعاوية: "إني كنت أنظر إلى أصحاب علي يوم أتيتُه فلم أرَ معه إلا المهاجرين والأنصار وأبناءَهم وألتفتُ الساعة فلم أرَ إلا أبناء الطلقاء وبقايا الأحزاب" (4). 10 ـ وورد في الحديث عن تعبئة الجيش بصفين أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في القلب، في أهل المدينة، بين أهل الكوفة وأهل البصرة. وعظم من معه من أهل المدينة الأنصار (5). ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 119، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 3: 188. مروج الذهب 3: 21 في ذكر لمع من أخباره (معاوية) وسيره ونوادر عن بعض أفعاله: بين معاوية ومحمد بن أبي بكر. (2) الكامل في التاريخ 3: 117 في ذكر مسير علي بن أبي طالب إلى البصرة والوقعة. الفتنة ووقعة الجمل 1: 137. تاريخ الطبري 3: 24 ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة. شرح نهج البلاغة 14: 18. (3) نهج البلاغة 3: 35. شرح نهج البلاغة 15: 184. مناقب الإمام علي لابن الدمشقي 1: 375. ينابيع المودة 3: 447. (4) الموفقيات: 335. (5) تاريخ الطبري 3: 84 في تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال. -[ 230 ]- 11 ـ وروى نصر بن مزاحم بسنده عن أبي سنان الأسلمي، قال: "لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو، وتحريضهما الناس عليه، أمر الناس فجمعوا. قال: كأني أنظر إلى علي متوكئاً على قوسه، وقد جمع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه) عنده: فهم يلونه [وكأنه] أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه..." (1). 12 ـ وقال عمرو بن العاص لمعاوية: "إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلاً له من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قرابة قريبة... وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام، ولهم في النفوس مهابة..." (2). 13 ـ وخطب سعيد بن قيس أصحابه، فقال في جملة خطبته: "وقد اختصنا الله منه بنعمة، فلا نستطيع أداء شكرها ولا نقدر قدرها: أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا وفي حيزنا فوالله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشياً مجدعا إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلاً لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا وتطيب أنفسنا فكيف؟! وإنما رئيسنا ابن عم نبينا..." (3). 14ـ ونصوص المؤرخين وإن اختلفت في عدد الصحابة الذين شهدوا مع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في حروبه وفي صفين خاصة، إلا أنها تكاد تجمع على الوجود المكثف لهم، فقيل: إنه شهد معه ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 223. (2) المصدر السابق: 222. (3) وقعة صفين: 236ـ237، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 5: 189. جمهرة خطب العرب 1: 355 في خطبة سعيد بن قيس. -[ 231 ]- صفين سبعون بدرياً (1)، وقيل: ثمانون (2)، وقيل: أكثر (3)، كما شهدها ممن بايع بيعة الرضوان سبعمائة (4)، وقيل: ثمانمائة (5)، وقيل غير ذلك (6). ويروي ابن عساكر بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) ومحمد بن المطلب وزيد بن الحسن قالوا: "شهد مع علي بن أبي طالب في حربه من أصحاب بدر سبعون رجلاً وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله..." (7). 15 ـ وقال نصر: "وإن معاوية دعا النعمان بن بشير الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري - ولم يكن معه من الأنصار غيرهما - فقال: يا هذان، لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال، حتى والله جبَّنُوا أصحابي، الشجاع والجبان، وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا: قتلته الأنصار... يقولون: نحن الأنصار! قد والله آووا ونصروا، ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم... وانتهى الكلام إلى الأنصار، فجمع قيس بن سعد الأنصاري ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 188 خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. (2) المستدرك على الصحيحين 3: 112. كتاب معرفة الصحابة: ذكر مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه).الإصابة 1: 164 في ترجمة حبة. التدوين في أخبار قزوين 1: 193. تالي تلخيص المتشابه 2: 503. وغيرها من المصادر. (3) شرح الزرقاني 3: 158. مروج الذهب 2: 350 ذكر خلافة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: التقاء الحكمين. (4) شرح الزرقاني 3: 158. (5) الاستيعاب 3: 138 في ترجمة عمار بن ياسر. الإصابة 4 ص:282 في ترجمة عبد الرحمن بن أبزي. (6) المستدرك على الصحيحين 3: 112. كتاب معرفة الصحابة: ذكر مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه). (7) تاريخ دمشق 19: 442 في ترجمة زيد بن صوحان. -[ 232 ]- الأنصار، ثم قام خطيباً فيهم، فقال: إن معاوية قد قال ما بلغكم... فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس، ولئن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك، وما لكم إليه من ذنب [أعظم] من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه، فجدُّوا اليوم جدّاً تنسونه [به] ما كان أمس، وجدّوا غداً [جداً] تنسونه [به] ماكان اليوم،وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل، وعن يساره ميكائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب... " (1). 16 ـ وطلب معاوية من النعمان أن يخرج إلى قيس بن سعد بن عبادة فيعاتبه، ويسأله السلم.فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين، فقال: يا قيس بن سعد، أنا النعمان بن بشير. فخرج إليه. وبعد تبادل الحديث بينهم. قال قيس في جملة حديثه: "وأما معاوية فوالله أن لو اجتمعت عليه العرب [قاطبة] لقاتلته الأنصار. وأما قولك: إنا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله، نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون.ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقًا أو أعرابيًّا أو يمانياً مستدرجاً بغرور؟! انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان الذين رضي الله عنهم، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك؟! ولستما والله ببدريين [ولاعقبيين] ولا أحديين، ولا لكما سابقة في الإسلام، ولا آية في القرآن، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 445 ـ447. (2) وقعة صفين: 449، واللفظ له. شرح نهج البلاغة 8: 87 ـ 88. الإمامة والسياسة 1: 91ـ92 ما خاطب به النعمان بن بشير قيس بن سعد. جمهرة خطب العرب 1: 367 الخطب والوصايا عصر صدر الإسلام: خلافة الإمام علي (كرم الله وجهه): جواب قيس بن سعد. -[ 233 ]- وقد أشار بشغب أبيه إلى أن بشير بن سعد - أبا النعمان هذا - أول مَن بايع أبا بكر في سقيفة بني ساعدة (1)،أو مِن أوائلهم. 17 ـ وذكروا في جملة وقائع صفين أن عماراً حمل في عدة من البدريين وغيرهم من المهاجرين والأنصار على عمرو بن العاص، وهو يقود تنوخ ونهداً وغيرهما من أهل الشام (2). 18 ـ ويقول أبو عبدالرحمن السلمي وهو من شهود صفين: "فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتبعونه كأنه عَلَم لهم" (3). 19 ـ وفي حديث أم الخير بنت الحريش يوم قتل عمار: "صبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم..." (4). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليعقوبي 2: 124 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر. الرياض النضرة 2: 215 الفصل الثالث عشر: ذكر بيعة العامة. الإصابة 1: 311 في ترجمة بشير بن سعد. فتح الباري 7: 31. الطبقات الكبرى 3: 182 في ترجمة أبي بكر: ذكر بيعة أبي بكر. وغيرها من المصادر. (2) مروج الذهب 2: 375 ذكر جوامع مما كان بين أهل العراق وأهل الشام بصفين: اليوم الثالث. (3) الاستيعاب 3: 1138 في ترجمة عمار بن ياسر، واللفظ له. تاريخ الطبري 3: 99 مقتل عمار بن ياسر. المجموع في شرح المهذب للنووي 19: 162. شرح نهج البلاغة 10: 104. أسد الغابة 4: 46 في ترجمة عمار بن ياسر. (4) جمهرة خطب العرب 1: 371 خطبة أم الخير بنت الحريش، واللفظ له. تاريخ دمشق 70: 235 في ترجمة أم الخير بنت الحريش. العقد الفريد 2: 90 فرش كتاب الجمانة في الوفود: الوافدات على معاوية (رحمه الله تعالى). صبح الأعشى في صناعة الإنشاء 1: 297 النوع التاسع مما يحتاج إليه الكاتب من حفظ جانب جيد من مكاتبات الصدر الأول ومحاوراتهم ومراجعاتهم وما ادعاه كل منهم لنفسه أو لقومه والنظر في رسائل المتقدمين من بلغاء الكتاب: المقصد الثاني في ذكر شيء من مكاتبات الصدر الأول يكون مدخلا إلى معرفة ما يحتاج إلى حفظه من ذلك: ومن ذلك كلام أم الخير بنت الحريش البارقية يوم صفين في الانتصار لعلي (رضي الله عنه). بلاغات النساء: 38 كلام أم الخير بنت الحريش البارقية. -[ 234 ]- 20 ـ وفي حديث عكرشة بنت الأطش أو الأطرش في صفين: "قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم" (1)... إلى غير ذلك مما لا يتيسر لنا ذكره، ويكشف عن الوجود المكثف للصحابة في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونصرتهم له.
وجود الصحابة المكثف في خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقياداته وولاته وقد كان منهم جماعة من قواد جيشه، وولاته على الأمصار، وعيون أصحابه، كعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وابن التيهان، وذي الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وهاشم بن عتبة المرقال، وعدي ابن حاتم الطائي، وعبد الله ومحمد ابني بديل بن ورقاء الخزاعي، وسهل وعثمان ابني حنيف، وجابر ابن عبد الله، وغيرهم كثير.
تلهف أمير المؤمنين (عليه السلام) على خاصته من الصحابة وقد تلهف أمير المؤمنين (عليه السلام) على بعضهم في خطبة له حث فيها الناس على الجهاد، فقال: "أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم ـــــــــــــــــــــــ (1) بلاغات النساء: 71 كلام عكرشة بنت الأطش، واللفظ له. العقد الفريد 2: 86 فرش كتاب الجمانة في الوفود: الوافدات على معاوية: وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية (رحمه الله). وقريب منه في صبح الأعشى في صناعة الإنشاء 1: 301 النوع التاسع مما يحتاج إليه الكاتب من حفظ جانب جيد من مكاتبات الصدر الأول ومحاوراتهم ومراجعاتهم وما ادعاه كل منهم لنفسه أو لقومه والنظر في رسائل المتقدمين من بلغاء الكتاب: المقصد الثاني في ذكر شيء من مكاتبات الصدر الأول يكون مدخلا إلى معرفة ما يحتاج إلى حفظه من ذلك، وجمهرة خطب العرب 1: 368 ـ 369 خطب الشيعيات في وقعة صفين: خطبة عكرشة بنت الأطرش. -[ 235 ]- مِن إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة؟". قال الراوي: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة فأطال البكاء، ثم قال (عليه السلام) : "أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه،أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دُعُوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه..." (1). وقد بقي مَن بقي منهم مع الإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) حين ولي الأمر، حتى صالـح معاوية، وبقوا بعد ذلك يوالونه ويوالون أهل بيته.
تعرض الصحابة لانتقام معاوية وقد تعرض كثير منهم للقتل والتشريد والنقمة والتنكيل مِن معاوية، انتقاماً منهم لموقفهم مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ومع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبله، ولمجافاتهم لمعاوية بعده، حتى شرّد الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي، ولما قتل أو مات قطعوا رأسه وحملوه إلى معاوية، ووضع رأسه في حجر زوجته التي كانت في سجن معاوية، ففزعت، وقالت: غيبتموه عني طويلا ثم أهديتموه إلي قتيلا... (2).
مقتل حجر بن عدي وأصحابه واستياء المسلمين من ذلك كما قتل الصحابي العظيم حجر بن عدي الكندي وجماعته في مرج عذراء، في حادثة مشهورة، لأنهم أنكروا على زياد عامل معاوية على الكوفة، وامتنعوا بعد ذلك من البراءة مِن أمير المؤمنين (عليه السلام). وقد كان لمقتلهم ضجة استنكار من المسلمين، فهذه عائشة قد ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 2: 109. (2) أسد الغابة 4: 101 في ترجمة عمرو بن الحمق. البداية والنهاية 8: 48 في أحداث سنة خمسين. تاريخ دمشق 69: 40 في ترجمة آمنة بنت الشريد. -[ 236 ]- أكثرت في ذلك، فقالت مرة لمعاوية لما دخل عليها: "يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه..." (1). وفي رواية أخرى: "أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجراً وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس. أما والله إن كانوا..." (2). وفي كلام آخر لها مع معاوية: "ما حملك على ما صنعت مِن قتْل أهل عذراء حجر وأصحابه..." (3). ولها كلام أيضاً غير هذا (4). ولما بلغ عبد الله بن عمر قتل حجر وهو في السوق أطلق حبوته، وقام وقد غلب عليه النحيب (5). ولما بلغ الربيع بن زياد - عامل معاوية - مقتله قال: "اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك" (6). وقال الحسن البصري: "أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة... وقتله حجر. ويلاً له من حجر مرتين" (7). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3: 232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي. (2) الاستيعاب 4: 126 في ترجمة حجر بن عدي. (3) البيان والتعريف 2: 72. فيض القدير 4: 126. (4) راجع تاريخ الطبري 3: 232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي، وتاريخ دمشق 12: 226، 229، 230 في ترجمة حجر بن عدي. (5) الاستيعاب 1: 330 في ترجمة حجر بن عدي، واللفظ له. تاريخ دمشق 12: 227، 228، 229 في ترجمة حجر بن عدي. البداية والنهاية 8: 55 في أحداث إحدى وخمسين:مقتل حجر بن عدي. (6) الاستيعاب 1: 330 في ترجمة حجر بن عدي، واللفظ له. تهذيب التهذيب ج: 3: 211 في ترجمة الربيع بين زياد. تهذيب الكمال 9: 79 في ترجمة الربيع بن زياد. (7) تاريخ الطبري 3: 232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي. الاستيعاب 1: 331 في ترجمة حجر بن عدي. الكامل في التاريخ 3: 337 في أحداث سنة إحدى وخمسين: ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهم. ينابيع المودة 2: 27. شرح نهج البلاغة 2: 262. -[ 237 ]- وهناك كلمات استنكار أخرى صدرت من المسلمين عند مقتله (رضوان الله عليه) (1). ونكتفي بالذي ذكرناه. وفيهم ورد قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله وأهل السماء من قتلهم..." (2). وقد نكّل بالكثير من الصحابة من أجل أنّ هواهم مع أهل البيت (صلوات الله عليهم)، كما لا يخفى على مَن نظر في تاريخ تلك الفترة السوداء. ولما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري، وورد في الحديث عن ذلك: "فقال له معاوية: يا أبا قتادة تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار. ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دواب. قال معاوية: فأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. قال: نعم يا أبا قتادة. قال أبو قتادة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لنا: إنا نرى بعده أثرة. قال معاوية: فما أمركم عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبر. قال: فاصبروا حتى تلقوه" (3). ـــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3: 232، 233 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي. تاريخ دمشق 12: 219،232، 233 في ترجمة حجر بن عدي. البداية والنهاية 8: 54، 55 في أحداث سنة إحدى وخمسين: مقتل حجر بن عدي. (2) أنساب الأشراف 5: 274 في أمر حجر بن عدي الكندي ومقتله، واللفظ له. تاريخ دمشق 12: 226 في ترجمة حجر بن عدي الأدبر. الجامع الصغير 2: 61 حديث:4765. البداية والنهاية 6: 226 ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه، 8: 55 في أحداث سنة إحدى وخمسين: مقتل حجر بن عدي. كنز العمال 11: 126 حديث:30887، 13: 587 حديث:37509،: 588 حديث:37510. تاريخ اليعقوبي 2: 231 في أيام معاوية بن أبي سفيان بعد وفاة الحسن (عليه السلام). النصائح الكافية: 83. فيض القدير 4: 126. ومثله في الإصابة 2: 38 في ترجمة حجر بن عدي. (3) الاستيعاب 3: 1421 في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له. سير أعلام النبلاء 2: 453ـ454 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري السلمي. شعب الإيمان 6: 56 ـ57 التاسع والأربعون من شعب الإيمان وهو باب في طاعة أولي الأمر بفصولها: فصل في ذكر ما ورد من التشديد في الظلم. الجامع لمعمر بن راشد 11: 60ـ61 باب في فضائل الأنصار. تاريخ دمشق 34: 295 ـ 296 في ترجمة عبد الرحمن بن حسان، 67: 151 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري. تاريخ الخلفاء 1: 201 معاوية بن أبي سفيان: فصل في نبذ من أخباره. -[ 238 ]- وقال ابن أبي الحديد: "قدم عبد الله بن الزبير على معاوية وافدًا فرحب به وأدناه، حتى أجلسه على سريره، ثم قال: حاجتك أبا خبيب. فسأله أشياء. ثم قال له: سل غير ما سألت. قال: نعم المهاجرون والأنصار، ترد عليهم فيئهم، وتحفظ وصية نبي الله فيهم، تقبل من محسنهم، وتتجاوز عن مسيئهم. فقال معاوية: هيهات هيهات، لا والله ما تأمن النعجة الذئب وقد أكل أليتها" (1).
إغفال الأمويين ماضي الصحابة في خدمة الإسلام بل تعدى الأمر ذلك إلى إغفال الأمويين ماضي الصحابة في خدمة الإسلام وعدم التذكير به.فحين حضرت وفود الأنصار باب معاوية، وخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة، قالوا له: استأذن لنا، فدخل وقال لمعاوية: الأنصار بالباب، وكان عنده عمرو بن العاص - وهو الذي نال من الأنصار في أعقاب حادثة السقيفة، وانتصر لهم منه أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى اضطره للخروج من المدينة، كما سبق - فالتفت لمعاوية حين سمع حاجبه يذكرهم باسم الأنصار - وهو اللقب الذي شاع لهم بين المسلمين، تبعاً للكتاب المجيد والسنة الشريفة - وقال له: ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسبًا؟! ارددهم إلى نسبهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 20: 141. -[ 239 ]- فقال له معاوية: إن علينا في ذلك شناعة، قال: وما في ذلك؟ إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مرد له. فقال معاوية لحاجبه: اخرج فناد: من بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فخرج الحاجب، فنادى بذلك، فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار. فقال معاوية: اخرج فناد: من كان هاهنا من الأوس والخزرج فليدخل، فخرج فنادى ذلك. فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول: يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا *** نسب نجيب به سوى الأنصار نسب تـخيره الإله لقومنا *** أثقل به نسـباً علـى الكفـار إن الذين ثووا ببدر منكـم *** يوم القليب هـم وقود النـار وقام مغضباً فانصرف. فرده معاوية وترضاه، وقضى حوائجه وحوائج من كان معه من الأنصار (1). بل ضاق مروان بن الحكم بحَجَرٍ وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قبر عثمان بن مظعون- وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة المنورة، فدفنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبقيع وجعل على قبره حجرًا ليعرف به، ويدفن عنده من يموت من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)- فلما ولي مروان بن الحكم المدينة من قبل معاوية مر على ذلك الحجر، فأمر به فرمي به، وقال: "لا يكون على قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به". فأتته بنو أمية، فقالوا: بئس ما صنعت، عدت إلى حجر وضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورميت به، بئس ما عملت به، فأمر به فليرد. قال: "أما والله إذ رميت به فلا يرد" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) الأغاني 16: 56، واللفظ له،: 50 ـ 51 باكورة شعر النعمان. (2) تاريخ المدينة 1: 101 ـ 102 فيما ذكر في مقبرة البقيع وبني سلمة والدعاء هناك. -[ 240 ]- وذكر الزبير بن بكار أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة - وهو ولي عهد - فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومغازيه، فقال أبان: "هي عندي قد أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر بنسخها وألقى فيها إلى عشرة من الكتاب، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه نظر، فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل. فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا... ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه. فأمر بذلك الكتاب فخُرِّق... فرجع سليمان بن عبد الملك فأخبر أباه... فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟! تعرف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوه. قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته... فصوب رأيه" (1). وما موقف أهل المدينة مِن يزيد في خلعهم له، وموقفه منهم في واقعة الحرة بفجائعها وبشاعته، إلا امتدادا لموقف الآباء، وما بينهم من بغض مستحكم وعداء.
تشويه الإعلام الأموي للحقائق ومن الطريف بعد ذلك أن يستطيع الإعلام الأموي تشويه الحقائق، حتى جعل الجمهور مِن السنة يوالون معاوية وعمرو بن العاص وأضرابهم، ويدافعون عنهم، بملاك موالاة الصحابة، والدفاع عنهم، ويرون في موقف الشيعة منهم وطعنهم فيهم نيلاً من الصحابة، وتجاوزاً عليهم، متجاهلين موقف الصحابة من هؤلاء، وتقييمهم لهم، وموقف هؤلاء من الصحابة وعداءهم لهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) الموفقيات: 331 ـ 334 خبر أبان بن عثمان يكتب سير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومغازيه. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الأربعاء يوليو 18, 2012 3:16 pm | |
| -[ 241 ]- موقف الصحابة مِن أهل البيت (عليهم السلام) بعد هلاك معاوية ونعود إلى موقف الصحابة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) بعد هلاك معاوية، فنرى جماعة منهم قد خرجوا مع الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) إلى العراق، واستشهدوا بين يديه وفيهم نفر من الأنصار، ومنهم أنس بن مالك الكاهلي، الذي شهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدراً وحنين وقد حدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "إن ابني هذا (يعني: الحسين) يقتل بأرض كربلاء. فمَن شهد ذلك منكم فلينصره" (1). وكان حين الواقعة شيخاً كبيرا وقد برز شادّاً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة، ولما نظر إليه الحسين (عليه السلام) بهذه الهيئة بكى، وقال: "شكر الله لك يا شيخ". وقتل على كبره ثمانية عشر، وقتل (رضوان الله عليه) (2). إلى غير ذلك من مواقف الصحابة في ولاء أهل البيت (عليهم السلام) ودعمهم لهم، ومباينتهم لأعدائهم ومضادتهم.
جهود الصحابة في رواية النص ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) كما أن لكثير من الصحابة اليد الطولى في رواية النص على أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وفي إظهاره ونشره بين المسلمين، وفي رواية مناقبه ومناقب أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وتنبيه الأمة لذلك كله، وإلفات نظرها إليه. وقد تقدم في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة عند الكلام ـــــــــــــــــــــــ (1) الإصابة 1: 121 في ترجمة أنس بن الحارث بن نبيه. تاريخ دمشق 14: 224 في ترجمة الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام). البداية والنهاية 8: 199 في أحداث سنة إحدى وستين: في صفة مقتله. ينابيع المودة 3: 8. (2) مقتل الحسين للمقرم: 313. -[ 242 ]- في واقعة الغدير أن نفراً من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري سلموا على أمير المؤمنين بالولاية، تنبيهاً لحديث الغدير الذي يرى الشيعة أنه نص في إمامة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، ولعل ذلك هو السبب لمناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) مَن شهد واقعة الغدير - ممن حضره حينئذٍ - أن يقوم فيشهد بما رأى وسمع، فاستجاب له مَن حضره من الصحابة، فقاموا وشهدوا إلا نفر قليل. وربما كان نتيجة ذلك انتشار حديث الغدير وتناقله والإكثار من رواية الصحابة له، كما تقدم.
جمع الإمام الحسين الصحابة لتثبيت حق أهل البيت عليهم السلام كما روى سليم بن قيس الهلالي (رضوان الله تعالى عليه) أن الإمام الحسين حج في أواخر عهد معاوية بن أبي سفيان، فجمع وجوه مَن بقي من المهاجرين والأنصار، وجماعة ممن يعرف بالصلاح والنسك من التابعين المنتشرين في أقطار الأرض، ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم، وحق رسول الله، وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم مَن أمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرَس هذا الأمر، ويذهب الحق ويُغلب. والله متمّ نوره ولو كره الكافرون". ثم ما ترك (صلوات الله عليه) شيئاً مما أنزل الله تعالى فيهم في القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئاً مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته (صلوات الله عليهم) إلا رواه. -[ 243 ]- وفي كل ذلك يقول من شهد الحديث من الصحابة: "اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا"، ويقول التابعي: "اللهم قد حدثني به من أصدقه وأءتمنه من الصحابة". فقال (عليه السلام) : "أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه". ثم تفرقوا على ذلك (1). وروى جابر بن عبد الله الأنصاري حديثَ اللوح الذي أنزله الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسماء الأئمة الاثني عشر من آله (صلوات الله عليهم) (2). بل لولا الصحابة لما وصل كثير من النصوص الدالة على إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده، وكثير من فضائله ومناقبه، وفضائل أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومناقبهم، وكثير من مثالب أعدائهم وفضائحهم. فإنهم حدثوا بجميع ذلك، خصوصاً بعد ارتفاع الحَجْر عن السنة النبوية، الذي أشرنا إليه في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة.
أسباب تحجير الأولين على السنة النبوية بل من القريب أن يكون السبب في التحجير على السنة النبوية من قبل الأولين، وفي منع عمر كثيراً من أعيان الصحابة عن الخروج من المدينة، هو الحذر من روايتهم النص على أمير المؤمنين والأئمة من ولده (صلوات الله عليهم)، ونشر فضائلهم ومناقبهم في البلاد، وتنبيه المسلمين في أقطار الأرض له، خوفاً من ردود الفعل السيئة على السلطة القائمة، وسلب الثقة بشرعيتها. فإن السلطة كانت تدرك أن هوى كثير من الصحابة (رضي الله عنهم) مع أمير ـــــــــــــــــــــــ (1) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 320 ـ 323. (2) بحار الأنوار 36: 201 ـ 202. -[ 244 ]- المؤمنين (صلوات الله عليه)، وأنهم يؤمنون بالنص عليه، وبأحقيته وأحقية أهل البيت (عليهم السلام) بالأمر، وتعدي غيرهم عليهم، كما أشرنا إليه آنفًا. والحاصل: أن الناظر في التاريخ والحديث بتدبر وإمعان يستوضح أن هوى كثير من الصحابة - بما فيهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار - مع أمير المؤمنين وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، قبل استيلائه على الحكم، وبعده، وبعد مقتله (عليه أفضل الصلاة والسلام).
ظهور حال كثير من الصحابة في اعترافهم بحق الإمام (عليه السلام) وحيث كان ذلك منهم قد حصل مع معرفتهم بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يرى أنه صاحب الحق في الخلافة مِن اليوم الأول، ويؤكد ذلك هو وكثير ممن معه في المناسبات المختلفة، فلابد أنهم يتفقون معه، ويرونه صاحب الحق فيه، دون غيره ممن تقدم عليه، وهو راجع بالآخرة إلى إيمانهم بالنص عليه.
بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) (هو) رجوعُ الحقِّ لأهله بنظر كثير من الصحابة بل الذي يبدو للمتأمل أن بيعة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قد ابتنت بنظر كثير من الصحابة والناس على كونه هو الأولى بالأمر ممن تقدمه، وأن الحق قد عاد لأهله، كما يشهد بذلك كثيرٌ من كلام أمير المؤمنين وغيره. وقد سبق عن أبي جعفر الإسكافي أن الصحابة اجتمعوا بعد مقتل عثمان للتشاور في أمر الخلافة، وأنهم ذكروا فضل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمنهم من فضَّله على أهل عصره، ومنهم من فضله على المسلمين كلهم كافة. ومن الظاهر رجوع القسم الثاني إلى تقديمه على الأولين، وفيه إيماء إلى كونه أولى منهم بالأمر. كما سبق في جواب السؤال الثالث في جملة كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) -[ 245 ]- في أمر الخلافة قوله في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له: "والتوبة مِن ورائكم. قد كانت [لكم] أمور [ملتم علي فيها ميلة] لم تكونوا عندي فيها محمودين ولا مصيبين...". وتقدم عن حذيفة أنه قال حينما بلغه استنفار أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس لنصرته على أهل البصرة: "إن الحسن وعماراً قدما يستنفرانكم. فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب" (1). وقد روى اليعقوبي في تاريخه عند ذكر بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) أن قوماً من الأنصار تكلموا، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وكان خطيب الأنصار فقال: "والله يا أمير المؤمنين لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين. ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم. ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك ولا يجهل مكانك. يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك" (2). وقد روى الحاكم النيسابوري أن خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين أنشد حين البيعة أمام المنبر: إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا *** أبو حسن ممـا نخـاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس إنه *** أطبّ قريش بـالكتاب و بالسنن وإن قريشاً ما تشق غبــاره *** إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن و فيه الذي فيهم من الخير كله *** و ما فيهم كل الذي فيه من حسن (3) ـــــــــــــــــــــــ (1) أنساب الأشراف 2: 366 وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). (2) تاريخ اليعقوبي 2: 179 في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. (3) المستدرك على الصحيحين 3: 124 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له. الإصابة 2: 278 في ترجمة خزيمة بن ثابت بن الفاكه. -[ 246 ]- ومن الظاهر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم ينافسه أحد من قريش حين البيعة، فذكر خزيمة بن ثابت في هذه الأبيات لقريش لابد أن يكون تعريضاً بمن تقدم منهم عليه (عليه السلام). بل مضمون الأبيات ظاهر في تقدمه (عليه السلام) على جميع قريش بما فيهم من تقدمه في الحكم. وأظهر في ذلك بقية الأبيات التي رواها السيد المرتضى (قدس سره) وهي: وصي رسول الله من دون اهله *** و فارسه قد كان في سالف الزمن و أول من صلى من الناس كلهم *** سوى خيرة النسوان و الله ذو منن و صاحب كبش القوم في كل وقعة *** تكون لها نفس الشجاع لدى الذقن فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه *** امامهم حتى أغيَّب في الكفن (1) وفي حديث الحسن بن سلمة قال: "لما بلغ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة نادى الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قلنا: نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) منا وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا وخشنت والله الصدور... وقد ولي ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم، ورد الله الأمر إليّ. وقد بايعني هذان الرجلان طلحة والزبير فيمن بايعني، وقد نهضا إلى البصرة، ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بغشهما لهذه الأمة وسوء نظرهما للعامة. فقام أبو الهيثم بن التيهان (رحمه الله)، وقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش ـــــــــــــــــــــــ (1) الفصول المختارة: 267. -[ 247 ]- إياك على وجهين، أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعاً في الدرجة. وأما أشرارهم فحسدوك حسداً أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم. وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش..."، ثم أنشد أبياتاً نذكر منها: إن قوماً بغوا عليك وكادوك *** وعابوك بالأمور القباح ليس من عيبها جناح بعـوض *** فيـك حقاً ولا كعشر جناح أبصروا نعمة عليـك من الل *** ــه وقرماً يدق قرن النطاح وإماماً تأوى الأمـور إليه *** ولجاماً يلين غرب الجماح حاكماً تجمع الإمـامة فيه *** هـاشمياً له عراض البطاح يا وصـي النـبي نحن من الح *** ـق على مثل بهجة الإصباح (1) وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وتعقيب ابن التيهان عليه كما ترى شاهد على ما ذكرنا. ولابن التيهان أبيات أخرى تشير لما ذكرنا يقول فيها: قل للزبير وقل لطلحة إننا *** نحن الذين شعارنا الأنصـار نحن الذين رأت قريش فعلنا *** يوم القليب أولئك الكفار كنا شعار نبينا ودثاره *** يفديه منا الروح والأبصار إن الوصي إمامنا وولينا *** برح الخفاء وباحت الأسرار (2) وقال عبد الرحمن بن جعيل حين بويع أمير المؤمنين: لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة *** على الدين معروف العفاف موفق علياً وصي المصطفى وابن عمه *** وأول من صلى أخا الدين والتقى (3) ـــــــــــــــــــــــ (1) أمالي الشيخ المفيد: 154 ـ 156. (2)، (3) شرج نهج البلاغة 1: 143 ـ 144. -[ 248 ]- فإن النعوت التي نعت بها أمير المؤمنين (عليه السلام) تناسب تقدمه على غيره حتى الأولين. وفي حديث لشريح بن هاني مع عمرو بن العاص حينما أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) بنصيحة له قال شريح: "فأبلغته ذلك يوم لقيتة، فتمعر وجه عمرو، وقال: متى كنت أقبل مشورة علي أو أنيب إلى أمره، وأعتد برأيه؟! فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم (صلى الله عليه) مشورته. لقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه. فقال: إن مثلي لا يكلم مثلك. فقلت: بأي أبويك ترغب عن كلامي، بأبيك الوشيظ، أم بأمك النابغة؟! فقام من مكانه..." (1).
تأكيد الصحابة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وصي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل في تأكيدهم وتأكيد كثير من الصحابة - يزيدون على عشرين، كما قيل - والتابعين في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) في أشعارهم وخطبهم وأحاديثهم في المناسبات المختلفة على وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) تذكير بالنص وتأكيد عليه، لأن المراد بها وصية النبوة، وهي قيامه مقامه في أمته، كسائر أوصياء الأنبياء، فإن ذلك هو الظاهر منها في الأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2)، دون الوصية بالأمور الشخصية الخاصة، وإن كانت هي شاملة لها أيضا. ـــــــــــــــــــــــ (1) وقعة صفين: 543، واللفظ له. ينابيع المودة 2: 23. (2) فتح الباري 8: 150. مجمع الزوائد 7: 237 كتاب الفتن أعاذنا الله منها: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهم، 8: 253 كتاب علامات النبوة: باب عظم قدره (صلى الله عليه وآله وسلم)، 9: 165 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم). المعجم الكبير 3: 57 بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنهم) ، 4: 171 فيما رواه عباية بن ربعي الأسدي عن أبي أيوب، 6: 221 فيما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه). المعجم الأوسط 6: 327.فضائل الصحابة 2: 615. الفردوس بمأثور الخطاب 3: 336. كنز العمال 11: 605 حديث:32923. الكامل في ضعفاء الرجال4: 14 في ترجمة شريك بن عبد الله بن الحارث. الموضوعات 1: 369، 374. تاريخ دمشق 42: 130،392 في ترجمة علي بن أبي طالب. شرح نهج البلاغة 13: 210. المناقب للخوارزمي: 85،147. ينابيع المودة 1: 235، 239، 241، 2: 79، 163، 232، 267، 279، 280، 3: 264، 291، 384. وغيرها من المصادر. -[ 249 ]- استفزاز دعوى الوصية بعض من تبنى خلافة الأولين ولذا استفزت دعوى الوصية له بعض من تبنى خلافة الأولين، وأنكروه. فعن الأسود، قال: "ذكر عند عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست، فانخنث فمات، فما شعرت. فكيف أوصى إلى علي؟!" (1). ويأتي في جواب السؤال الثامن عند الكلام في صحاح الجمهور الكلام حول هذا الحديث إن شاء الله تعالى. وفي حديث طلحة بن مصرف: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 4: 1619 كتاب المغازي: باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته وقول الله تعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ]، واللفظ له. صحيح مسلم 3: 1257 كتاب الوصية: باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه. مسند أحمد 6: 32 في حديث السيدة عائشة (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر. (2) صحيح البخاري 4: 1918 كتاب فضائل القرآن: باب الوصية بكتاب الله عز وجل، واللفظ له، 3: 1006 كتاب الوصايا: باب الوصاي، 4: 1619 كتاب المغازي: باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته وقول الله تعالى ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ]. السنن الكبرى للبيهقي 6: 266 كتاب الوصايا: باب من قال بنسخ الوصية للأقربين الذين لا يرثون وجوازها للأجنبيين. مسند أبي عوانة 3: 475 مبتدأ كتاب الوصايا: بيان الخبر المبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يوص شيئاً إلى أحد والدليل على أنه لم يوص في المال لأنه لم يترك شيئاً من الأموال ميراثـاً وبيان الخبر المبين أنه أوصى بما وجب عليه. وغيرها من المصادر الكثيرة. -[ 250 ]- وفي حديث مالك بن معول عن طلحة قال: "قلت لعبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا. قلت: فكيف كتب على الناس الوصية ولم يوص؟! قال: أوصى بالقرآن. فقال له هزيل بن شرحبيل: أبو بكر يتأمَّر على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) !! لودّ أبو بكر أنه وجد عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه خزم أنفه خزام" (1). ويقول ابن كثير بانفعال وعصبية ظاهرة: "وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء، من أنه أوصى إلى علي بالخلافة، فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة، وممالأتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته... وما قد يقصه بعض القصاص من العوام وغيرهم في الأسواق وغيرها من الوصية لعلي في الآداب والأخلاق... كل ذلك من الهذيانات، فلا أصل لشيء منه، بل هو اختلاق بعض السفلة الجهلة، ولا يعول على ذلك، ولا يغتر به إلا غبي عيي" (2). والحاصل: أن شيوع الحديث عن الوصية بعد بيعة الناس لأمير ـــــــــــــــــــــــ (1) مسند أبي عوانة 3: 476، واللفظ له،: 475 مبتدأ كتاب الوصية: بيان الخبر المبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يوص شيئاً إلى أحد والدليل على أنه لم يوص في المال لأنه لم يترك شيئاً من الأموال ميراثـاً وبيان الخبر المبين أنه أوصى بما وجب عليه. سنن الدارمي 2: 496 ومن كتاب الوصايا: باب من لم يوص. مسند البزار 8: 297 ـ 298 فيما رواه عبدالله بن أبي أوفى. فتح الباري 5: 361. البداية والنهاية 5: 251 في فصل لم يعنونه بعد قصة سقيفة بني ساعدة. حلية الأولياء 5: 21 في ترجمة طلحة بن المصرف. الرياض النضرة 2: 197 الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها من الصحابة: ذكر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعهد في الخلافة بعهد ولم ينص فيها على أحد بعينه. تاريخ الخلفاء 1: 7 فصل في بيان كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلف وسر ذلك. الفائق في غريب الحديث 4: 42 في مادة وثب. النهاية في غريب الحديث 2: 29 في مادة خزم، 5: 149 في مادة وثب. لسان العرب في مادة وثب، ومادة خزم. غريب الحديث لابن سلام 3: 212 ـ 213 في حديث أبي بكر الصديق (رضي الله عنه). (2) البداية والنهاية 7: 225 ـ 226 في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). -[ 251 ]- المؤمنين (عليه السلام)، وتأكيد جماعة كبيرة من الصحابة وغيرهم له، ظاهر في الاعتراف بالنص والإذعان به. غاية الأمر أن الصحابة قد غلبوا على أمرهم مدة من الزمن، فاستسلموا للأمر الواقع، وهو أمر آخر غير تجاهلهم للنص.
شكوى أهل البيت (عليهم السلام) كانت من قريش، لا من الصحابة ولذا لم يُعْرَف من أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) الشكوى من الصحابة عمومًا وإنما أكثروا الشكوى من قريش ومن تبعهم خاصة، كما يظهر مما سبق وغيره مما لم يتيسر لنا ذكره. بل أغلب من تعرض لأحداث السقيفة وما بعدها إنما نسب الموقف المضاد لأهل البيت (عليهم السلام) لقريش، لا للمسلمين عمومًا ولا للصحابة، حتى مثل عمر وعثمان في كلماتهما المتقدمة في جواب السؤال الثالث من هذه الأسئلة. نعم، قد يَنْسُبُه للمسلمين أو للصحابة مَن يحاول إضفاء الشرعية عليه، كما في كلام أبي بكر مع العباس المتقدم هنا، وكتابي معاوية للإمام الحسن (عليه السلام) المتقدمين في جواب السؤال الثالث.
فوز كثير من الصحابة بالمقام الرفيع وبذلك فاز كثير من الصحابة (رضي الله عنهم) الذين بقوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمقام الرفيع، والمنزلة السامية، والفضل الكبير، والأجر العظيم. كما فاز بجميع ذلك قبلهم من الصحابة من صدقوا في نصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واهتدوا بهديه، ومضوا على منهاجه في حياته - قبل أن يحدث الخلاف والشقاق بين المسلمين - من أعلام المهاجرين والأنصار، وذوي الأثر المحمود في الإسلام.
-[ 252 ]- ثناء الأئمة (عليهم السلام) على الصحابة وقد عرف الأئمة (عليهم السلام) لكثير من الصحابة ذلك، وشكروه لهم، وأثنوا عليهم، ونوهوا بهم وبجهادهم وجهودهم. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: "ولقد كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليما ومضياً على اللقم، وصبراً على مضض الألم، وجداً في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهم، أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر" (1). وقال (صلوات الله عليه) في خطبة له: "لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فما أرى أحداً يشبههم. لقد كانوا يصبحون شعثاً غبرًا وقد باتوا سجداً وقيامًا يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء الثواب" (2). ولما تكلم عمرو بن العاص على الأنصار، ونال منهم في أعقاب السقيفة بكلامه المتقدم، ونظم شعراً في ذمهم،وحاول جماعة من سفهاء قريش - من مسلمة الفتح ونحوهم - تشجيعه على ذلك، فعاد للكلام فيهم، استنكر أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه ذلك، ولزم جانب الأنصار، وتكلم ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 1: 104 ـ 105. (2) نهج البلاغة 1: 189 ـ 190، واللفظ له. كنز العمال 16: 200 حديث: 44222. صفوة الصفوة 1: 331 ـ 332 في ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه (عليه السلام). تاريخ دمشق 42: 492 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. -[ 253 ]- مغضباً فقال: "يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق، وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم..." في كلام طويل. وطلب من الفضل بن العباس أن ينصر الأنصار بشعره، فنظم أبياتاً في ذلك. فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص، فقالوا: "أيها الرجل أما إذا غضب عليّ فاكفف". ثم أعاد أمير المؤمنين (عليه السلام) الكرة، وأثنى على الأنصار، وندد بمن نال منهم، وصدقه المسلمون، حتى خرج عمرو بن العاص من المدينة، ولم يرجع حتى رضي عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) والمهاجرون (1). وقال (عليه السلام) عن الأنصار في كلام آخر له: "هم والله ربوا الإسلام كما يربى الفلو مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط" (2). وروى زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: "ما سلت السيوف، ولا أقيمت الصفوف، في صلاة ولا زحوف، ولا جهر بأذان ولا أنزل الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو)) حتى أسلم أبناء القيلة [قيلة.ظ] الأوس والخزرج" (3)... إلى غير ذلك مما ورد عنهم (عليهم السلام) في حق الصحابة. كما أن الإمام أبا محمد علي بن الحسين السجاد زين العابدين (صلوات الله عليه) قد خصّ صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفقرات كثيرة في دعائه الرابع من أدعية الصحيفة السجادية في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم. قال فيه: "اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجة ـــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة 6: 29 ـ 36. (2) نهج البلاغة 4: 106. (3) بحار الأنوار 22: 312. -[ 254 ]- رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منوطين على محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودته...". إلى آخر ما ذكره (صلوات الله عليه) في دعائه لهم (1).
موالاة مَن ثبت على الحق من الصحابة مِن فرائض الدين بل قد عدّ الأئمة (صلوات الله عليهم) موالاة مَن ثبت على الحق من الصحابة من فرائض الدين، وشرايع الإسلام، التي يجب القيام به. ففي حديث الأعمش عن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) في بيان شرائع الدين، قال (عليه السلام) : "وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام)، وهتكوا حجابه... وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله... والبراءة من الأنصاب والأزلام، أئمة الضلال، وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم، واجبة... والبراءة من جميع قتلة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة. مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد ابن الأسود الكندي، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري، وعبدالله بن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، ومن نحا نحوهم، وفعل مثل فعلهم. والولاية لأتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) تجده أيضاً في ينابيع المودة 3: 428، 429. (2) الخصال: 607 ـ 608 باب الواحد إلى المائة: خصال من شرائع الدين. -[ 255 ]- وقد سأل المأمون العباسي الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب (عليه السلام) له: "إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله..."، ثم كتب أصول الإسلام وفروعه، وجاء في جملة ذلك في بيان الواجبات في شريعة الإسلام: "والبراءة من الذين ظلموا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهموا بإخراجهم، وسنوا ظلمهم، وغيروا سنة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)... والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، والذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة اليماني، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم (رضي الله عنهم، ورحمة الله عليهم)، والولاية لأتباعهم وأشياعهم، والمهتدين بهداهم، والسالكين منهاجهم (رضوان الله عليهم") (1). وقد عرف لهم شيعة أهل البيت ذلك، فوالوهم كما قال أئمتهم (صلوات الله عليهم)، أداء لحقهم، وبخوعاً لأمر الله تعالى وأمر رسول الله وأوصيائه (صلوات الله عليهم) فيهم،فقد قال عز من قائل: ((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) عيون أخبار الرضا 1: 129ـ 134 باب ماكتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين. (2) سورة الحشر الآية: 10. -[ 256 ]- وقد تقدم عن الأئمة (عليهم السلام) ما يكفي في ذلك. كما قد تقدم في أواخر الجواب عن السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن من تمام الدين الحب في الله تعالى والبغض في الله، وموالاة أولياء الله، والبراءة من أعداء الله ومعاداتهم، وأن الأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا، ذكرنا هناك بعضاً منها.
خلاصة ما سبق وبذلك كله ظهر جلياً ما سبق من أن النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) لو كان موجوداً - كما تقول الشيعة - فالذين ردوه جماعة قليلة من المهاجرين والأنصار قادت الانقلاب على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتبعهم كثير من ضعاف الدين من مسلمة الفتح ونحوهم ممن دخل الإسلام رهبة أو رغبة في الدنيا أما باقي المهاجرين والأنصار فلا يتضح منهم ذلك، بل الذي يظهر من كثير منهم الإذعان بالنص،وهم وإنْ فرَّطوا في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أول الأمر - عدا القليل منهم - إلا أنهم قد رجعوا إليه بعد ذلك، ولزموا جانبه، وقاتلوا معه، وشدوا أزره، فشكر الله تعالى سعيهم، وغفر ذنبهم، وأجزل ثوابهم، إنه قابل التوبة، شكور غفور. وفي ختام حديثنا هذا نود التنبيه على أمرين قد يغفل عنهما:
يكفي الشك في إعراض الصحابة عن النص الأول: ان الذي يبدو من السؤال المفروغية عن تبني الجمهور الأعظم من الصحابة لما حصل في السقيفة وعن إعراضهم عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وكأن ذلك من الوضوح بحد لا يحتاج معه إلى إثبات ومن ثَمَّ استنكر السائل النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستبعاد -[ 257 ]- تجاهلهم له لو كان موجودًا،لكن طبيعة الاستدلال تقتضي بأن تبنِّي الجمهور الأعظم من الصحابة لما حصل هو الأمر المحتاج للإثبات، ويكفي في عدم صحة الاستدلال التشكيك فيه. ومن ثَمَّ لا يتوقف رد الاستدلال المذكور على إثبات صحة الأحداث والشواهد التي ذكرناها في الجواب وتمامية سندها بل يكفي احتماله صحته، أو صحة بعضه. على أنها من الكثرة والتعاضد بحيث يعلم بحصول كثير منه، ولا يشك الناظر فيها في عدم تبنيهم لما حصل وعدم إعراضهم عن أمير المؤمنين وعن النص عليه لو كان واردًا.
إذعان الصحابة للنص شرف لهم الثاني: أن الناظر في حديثنا السابق قد يحسب بدواً أنا نحاول تأييد النص والدفاع عنه من طريق بيان إذعان كثير من الصحابة به وعدم تجاهلهم له، وبيان فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ورفيع مقامه من طريق بيان ولاء الصحابة المذكورين له، ولزومهم جانبه، وحروبهم معه،لكن وضوح النص وجلاءه، وبداهة رفعة مقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وكونه علماً للحق، وفارقاً بينه وبين الباطل، كل ذلك يجعلهما في غنى عن التأييد والاستظهار بغيرهم. كما قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): "لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة" (1). بل يبقى (صلوات الله عليه) وسام شرف لمن ائتم به، وأذعن بالنص عليه، وشايعه، وجاهد في سبيل دعوته. ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 3: 62. الإمامة والسياسة 1: 51 خروج علي من المدينة. الأغاني 16: 290 رسائل بين علي وأخيه عقيل. -[ 258 ]- ومن ثم يكون حديثنا السابق في حقيقته بياناً لفضل الصحابة المذكورين، ودفاعاً عنهم، وتنزيهاً لهم عما قد يوصمون به - نتيجة الإعلام المضاد - من النكوص على الأعقاب والزيغ عن الحق وأهله. هذا هو التفسير الصحيح لما حصل، وعليه جرى السلف الصالـح لشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ففي حديث عبد الرحمن بن الحجاج، قال: "كنا في مجلس أبان بن تغلب، فجاءه شاب، فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل عليّ بمَن تبعه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فقال الرجل: هو ذلك. فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه..." (1). ويشبهه في ذلك حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: "كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر بن الخطاب، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا فأطالوا. فرفع أبي رأسه إليهم، فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، والخلافة وعلي، إنَّ الخلافة لم تزين عليًّا، بل علي زيَّنها" (2). ـــــــــــــــــــــــ (1) معجم رجال الحديث 1: 133 في ترجمة أبان بن تغلب. (2) تاريخ دمشق 42: 446 في ترجمة علي بن أبي طالب. تاريخ بغداد 1: 135 في ترجمة علي بن أبي طالب. المنتظم 5: 62 أحداث سنة خمس وثلاثين: ومن الحوادث في هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين من الهجرة خلافة علي (عليه السلام). -[ 259 ]- الكلام في آية: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس...)) بقي الكلام في الآية الشريفة، وهي قوله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)) (1). وكأنك تدعي أن المراد بها هم الصحابة، من أجل أن تبعد عنهم احتمال الجهل بالنص، والتعامي عنه. وما ندري كيف تقول ذلك؟! فإنّ اللغويين وإن ذكروا للأمة معاني مختلفة، إلا أن أظهرها وأجمعها ما في مفردات الراغب، قال: "والأمة كل جماعة يجمعهم أمر مّا، إما: دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد" (2). والمناسب للمقام أن يراد بها هي أمة الإسلام عمومًا،وإنما صارت خير أمة لأنها خاتمة الأمم، ونبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء وأشرفهم، ودينها خاتم الأديان وأفضله، وشريعتها خاتمة الشرايع وأكملها،ولأن هذه الأمة مهما شذت واختلفت فإنها لم تكفر بالله تعالى ولم تشرك به، كما أشرك اليهود حين عبدوا العجل، وحين ((قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (3). وكما كفر النصارى حين ((قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) (4)، وأشركوا حين ((قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)) (5)... إلى غير ذلك مما فضلت به هذه الأمة على الأمم. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران الآية: 110. (2) مفردات غريب القرآن: 23 في مادة (أم). (3) سورة الأعراف الآية: 138 ـ 139. (4) سورة المائدة الآية:72. (5) سورة المائدة الآية:73. -[ 260 ]- وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد قال له بعض اليهود: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه! فقال (عليه السلام) له: "إنما اختلفنا عنه، لا فيه. ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: ((اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) (1). أما الصحابة فهم كسائر أفراد هذه الأمة، فيهم الصالـح والطالـح، والحافظ لعهد الله تعالى والناكث له، كما تقدم الحديث عن ذلك مفصلاً في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة. ولو فرض أنه لم يكن المراد منها أمة الإسلام عمومًا بل خصوص مَن حضر منها الخطاب، حين نزول الآية الشريفة، فهم لا يختصون بالصحابة، بل هم كل المسلمين الموجودين حين نزول الآية، وإن لم يصحبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعدهم عنه، ومن الظاهر أنهم ليسوا منزهين عن الزيغ، ولا يؤمن عليهم، فلابد من حمل الآية على بعضهم. على أنه لو سلم جدلاً أن المراد بالآية الشريفة خصوص الصحابة، بمعنى: من رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع حديثه، فإنْ كان المدعى أنهم كلهم خير لا شر فيه. فيدفعه..أولاً: أن الآية الشريفة لا تقتضي ذلك، لأنه يكفي في التفضيل زيادة نسبة الخير في الأفضل، ولا يتوقف على خلوّ الأفضل من الشر. وثانياً: أن ذلك لا يناسب حال الصحابة، كما سبق في جواب السؤال المذكور. بل هو أمر لا يقول به حتى السنة، فإنهم لا ينزهون الصحابة عن الشر، ولا يرون عصمتهم، غاية الأمر أن يقولوا أو يقول بعضهم، بعدالتهم، وهي تجتمع مع صدور الشر منهم. ـــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة 4: 75. -[ 261 ]- وإن كان المدعى أنهم خير نسبياً بأن تكون نسبة الخير فيهم أكثر من نسبة الخير في غيرهم. فهو لا ينافي إعراضهم عن النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) - لو كان موجودًا كما تقول الشيعة - لأنه لا يبلغ حدّ الكفر بالله تعالى والشرك به، الذي صدر من أصحاب الأنبياء السابقين وأممهم. وربما كان الثابتون على الحق من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر نسبة من الثابتين عليه من أصحاب الأنبياء السابقين وأممهم. وهذا كافٍ في كون صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خيراً من أولئك نسبيًّا. وعلى كل حال فالآية الكريمة أجنبية عما نحن فيه، ولا تنفع في إثبات المدعى، من أجل استبعاد وجود النص على أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل لابد من النظر في النص، وبذل الجهد في الفحص عنه، وتحقيق سنده ودلالته، خروجاً عن تبعة مخالفته لو كان موجودًا لعظم المسؤولية وخطورة التبعة، مع خلوص النية، والبعد عن اللجاجة والمراء، واللجأ إلى الله تعالى في التوفيق والتسديد، فإن الأمر بيده، كما قال عز من قائل: ((وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) (1). وقال عزوجل: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)) (2). والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل الآية:9. (2) سورة العنكبوت الآية:69. | |
|
| |
تراب أقدام المهدي المدير العام
عدد الرسائل : 303 العمر : 47 الموقع : الشرق الأوسط تاريخ التسجيل : 02/04/2012
| موضوع: رد: (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول الخميس يوليو 19, 2012 8:43 pm | |
| -[ 262 ]- س5 يقول البعض أن الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر المؤلم من يوم هدم الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا - سنة وشيعة - يتوجب عليهم تنصيب رجل يقوم بأعباء الأمة وحاجاتها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية السمحة. خصوصاً أن أهل السنة اليوم لا يتمثلهم خليفة. وكذلك أنتم في زمن الغيبة، حيث أن الشيعة من زمن الغيبة لا يـختلفون عن أهل السنة في احتياجهم إلى شخص يقوم بأعباء الأمة، فما رأيكم في ذلك؟
ج: لا ريب في أن وضع المسلمين اليوم مدعاة للحسرة والألم، بحدّ يبلغ المأساة والفجيعة إلا أن وجوب نصب رجل عليهم يقوم بأعباء الأمة وحاجاتها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية - كما تضمنه السؤال - يتوقف على أمرين:
لابد من تحديد مَن له أهلية المنصب شرعًا الأول: تحديد مَن هو أهلٌ لهذا المنصب العظيم بمقتضى الشريعة الإسلامية، وإلا فالاختيار الكيفي من دون تقيد بالميزان الشرعي.. أولاً: لا يتأدى به الواجب، والخروج عن العهدة مع الله تعالى، بل يتحمل الذين يزاولونه مسؤولية التسليط غير المشروع على دماء المسلمين، -[ 263 ]- وأموالهم، وأعراضهم، ومصالحهم، ويتحمّلون تبعة الأخطاء التي تنجم عن ذلك، لتسبيبهم إليها بذلك التسليط. وثانياً: لا يكتسب به الشخص الذي يُختار للمنصب القدسية والولاء الديني الذي يحمل أفراد المسلمين على طاعته، التي يتوقف عليها قيامه بمهمته، وأداؤه لوظيفته.ومن هنا لابد من بحث المسألة فقهياً في مذاهب المسلمين المختلفة، التي ارتضوها لأنفسهم، فإنْ أمكن الخروج برأي موحد، يتم العمل عليه منهم جميعًا فذاك، وإلا كان على كلٍّ منهم أن يعمل بوظيفته التي أدى إليه اجتهاده ويرى العمل عليها مبرئاً للذمة، ورافعاً للمسؤولية بينه وبين الله عز وجل. وهو أمر لا مجال للحديث فيه هنا في هذه العجالة، وبهذه البساطة، بل لابد من إيكاله لأهل الاختصاص، ليبحثوه فقهياً بعمق وتثبت، يناسب أهمية الموضوع، وخطورته، وتعقده.
لابد مِن ملاءمة الظروف الحاضرة لتنفيذ هذا المشروع الثاني: إحراز إمكان تطبيق ذلك بالنظر لأوضاع المسلمين القائمة، وظروفهم الحاضرة، وما يحيط بهم من ملابسات، بما في ذلك الأوضاع العالمية المعاصرة، فإنّ الإقدام على مثل هذا الأمر الخطير في غير وقته قد ينجم عنه مضاعفات وسلبيات تزيد في تدهور المسلمين وسوء حالهم، فلابد من مزيد من التروي والتثبت، ومراعاة مقتضيات الحكمة. والحذر ثم الحذر من الاندفاع العاطفي غير المدروس في مثل هذا الأمر الخطير.
وظيفة المسلمين الحاضرة عند تعذر تنفيذ هذا المشروع وإذا لم يتسنّ لنا في الأوضاع القائمة والظروف الحاضرة تنفيذ ذلك، فلا أقل من أن نتوجه إلى أمرين مهمين يتعلقان به، ويتيسر لكل أحد أن -[ 264 ]- يؤدي وظيفته فيهما ويخرج عن المسؤولية إزاءهما: أحدهما: أن من أعظم مصائب المسلمين، وأعقد العقبات التي تقف دون تنفيذ هذا الأمر، هو تشرذم المسلمين، واختلافهم، وانشقاقهم على أنفسهم، إما بسبب الاختلاف المذهبي، أو بسبب الاختلاف السياسي، نتيجة انتماء كل بقعة إسلامية إلى حكومة تسيطر عليها ويكون مصير شعبها منوطاً باختياراتها وخاضعاً لحساباتها،وإن هذا التشرذم والاختلاف من أهم الأهداف التي يحاول أعداء الإسلام استغلالها وتغذيتها من أجل إضعاف المسلمين، وتفريق كلمتهم، وتشتيت جماعتهم. فهم دائماً يحاولون زرع الفتن فيهم، وتأجيج نار العداوة والبغضاء بينهم، مستغلين بذلك مرضى القلوب، وضعاف النفوس، والمشبوهين، والسذج، والهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق.
اللازم العمل لتخفيف حدة الخلاف المذهبي وإذا كان أفراد المسلمين فعلاً مكتوفي اليد أمام الاختلاف السياسي المذكور، فإنهم يستطيعون نسبياً العمل لتخفيف حدة الخلاف المذهبي. وقد تقدم منا في جواب السؤال التاسع من الأسئلة السابقة الحديث حول هذا الموضوع، وبيان وجهة نظرنا فيه، فيحسن مراجعة ذلك بإمعان، والتدبر فيه بروية وموضوعية كاملة. فإنّ ذلك بنفسه مكسب عظيم للمسلمين، حتى لو لم يترتب عليه بالآخرة جمعهم تحت حكم شخص واحد يقوم بأعباء الأمة، وإدارة أمرها وفق الشريعة الإسلامية.بل حتى لو لم يتم على الصعيد العام المستوعب لجميع المسلمين، فإنّ حصوله بنحو فردي - مهما كان ضيقاً - مغنم مهم لا ينبغي الاستهوان به والتهاون فيه. -[ 265 ]- ومن هنا كان اللازم على كل فرد من المسلمين، غيور عليهم وعلى الإسلام، ويهمه خيرهم وصلاحهم، وخيره وصلاحه، السعي له بما يسعه ويقدر عليه، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يدرك كله لا يترك كله.
اللازم الرجوع إلى مبدأ المأساة والبحث عن أسبابه ثانيهما: من الظاهر أن وضع الإسلام والمسلمين المؤلم، بل المأساوي الفجيع، لم يبدأ بهدم الخلافة في القرن الماضي، وإنهاء حكم الإسلام رسميًّا وإنما بدأ في عصور الإسلام الأولى، واستمر بسلبياته ومضاعفاته في حلقات متلاحقة من التدهور والتسافل، بنحو لابد أن ينتهي إلى هذه النهاية الفجيعة، فهي النهاية الطبيعية لتلك البدايات من الانحراف عن خط الإسلام القويم،وإلا فمِنْ هوان الدنيا على الله تعالى أن تصل الخلافة في هذا الدين العظيم إلى العثمانيين! ثم لم ترض الدنيا لنا بذلك حتى صار خروجها منهم بفجيعة المسلمين العظمى، وذلك بإنهاء حكم الإسلام رسميًّا وإلغاء الخلافة رأسًا ثم تقسيم بلاد الإسلام التي كانت تحكمها تلك الخلافة، وقيام دول متعددة فيها وفي بقية بلاد الإسلام، علمانية، رسمياً أو عمليًّا وهي تسعى جاهدة لإبعاد الإسلام، سياسيًّا وثقافيًّا وتقنينًا. وبعد كل ذلك يا ترى ألا ينبغي للمسلم - ولا سيما المثقف المتبصر الغيور - أن يسأل نفسه عن أسباب هذا التدهور؟ وهل أن الله تعالى حين قضى أن يكون الإسلام هو الدين الخاتم للأديان، والباقي ما بقيت الأرض بأهلها وحين أراد لهذا الدين أن يحكم في الأرض ويطبق عملياً فيها لتنعم البشرية بخيراته وثمراته، وحين علم - وهو العالم بالغيب - بما يصير إليه أمر الإسلام والمسلمين من التسافل والتدهور، حتى انتهى إلى ما انتهى إليه، وحين أكمل دينه وأتم نعمته بتشريعاته القويمة، أتراه مع كل ذلك لم -[ 266 ]- يعالـج هذه المشكلة في تشريعه؟! وهل من المعقول أنه لم يجعل في ذلك التشريع القويم والحلول الواقية من هذا التدهور والتسافل، والكفيلة بعزة الإسلام وحكمه في الأرض، وبقاء رايته خفاقة فيها وبتنعم البشرية بخيراتها وصلاحها وسعادتها تحت ظله الوارف، وبعدله الشامل، ومُثُله السامية؟! أترى هل يتقبل المنصف ذلك؟! وهل يرضى المؤمن الغيور به؟! ثم ألا يكفي ذلك في إقامة الحجة على أنّ ما حصل مِن اليوم الأول وانتهى بهذه النهاية المأساوية إنما كان انحرافاً عن خط الإسلام العظيم، وخروجاً عن تشريعه القويم، وصراطه المستقيم؟! وبعد كل ذلك فهل يعذر المسلم إذا لم يقف الموقف المناسب من ذلك الانحراف، ويبحث عن الحقيقة الدينية القويمة التي جعلها الله تعالى، وأكمل بها دينه وتشريعه وأتم نعمته على المسلمين؟! كل هذه الأسئلة يجب على المسلم التبصر بها، والجواب عنها بموضوعية كاملة، وتجرد عن التراكمات والمسلَّمات، التي أكل الدهر عليها وشرب ((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) (1)، ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)) (2). وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وهو حسبنا ونعم الوكيل. وتقدم في أوائل جواب السؤال الرابع من هذه الأسئلة ما ينفع في المقام. فراجع. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنعام الآية:149. (2) سورة الغاشية الآية: 21 ـ 22. | |
|
| |
| (في رحاب العقيدة)للسيد الحكيم.مفصّل سهل التناول | |
|