سنتحدث في هذا البحث إن شاء الله تعالى عن أحد الملامح الإعجازية التي تثبت صدق هذه الرسالة الإسلامية الخالدة، وصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ما سلمت من النيل من حضرته الشريفة ألسنة الحاقدين وأقلام الجاهلين ورسومات الناقمين على هذا النور الذي لا تراه القلوب العمياء، عسى الله أن يفتح بهذا البحث قلوبا مغلقة وآذاناً صمّاً وأعينا لا ترى، إنه على كل شيءٍ قدير.
من ضمن الأحداث الغيبية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وحدثت تماما كما أخبر: هو حديثه صلى الله عليه وسلم عن ظهور الحجاج بن يوسف الثقفي، والكذاب المختار بن عبيد الثقفي وإليك أخي الحبيب نص الحديث الشريف كما رواه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة برقم 2545: حدثنا عقبة بن مكرم العمي. حدثنا يعقوب (يعني ابن إسحاق الحضرمي). أخبرنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل.
رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة. قال فجعلت قريش تمر عليه والناس. حتى مر عليه عبد الله بن عمر. فوقف عليه. فقال: السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! إن كنت، ما علمت، صواما، قواما، وصولا للرحم، أما والله! لأمة أنت أشرها لأمة خير، ثم نفذ عبد الله بن عمر، فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال فأبت وقالت: والله! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، قال فقال: أروني سبتي، فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله! ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا "أن في ثقيف كذابا ومُبِيرا" فأما الكذاب فرأيناه. وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها. (1)
المعاني والدلالات:
يسحبك بقرونك: أي: يجرّك بضفائر شعرك
أروني سبتي: أي هي النعل التي لا شعر فيها
ثم انطلق يتوذّف: معناه يسرع
مُبِير: مُهلِكْ، ومن لسان العرب: مادة بور ومنها البوار أي الهلاك
وقوله تعالى: دار البوار: دار الهلاك (2)
وقد شرح الإمام النووي هذا الحديث فقال في آخر الشرح:
" وأما قولها في الكذاب (فرأيناه) تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن قبحه إدّعى أن جبريل عليه السلام يأتيه . وأتفق العلماء على أن المراد بالكذاب المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف . " (3)
أما المختار الثقفي فقد ذكر المؤرخ والمفسر الكبير العلامة ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية الجزء الثامن ترجمة هذا الكذاب الدعيّ ( المختار الثقفي ) ويقول فيه:
" هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، أسلم أبوه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ......... ويكمل قائلاً: وكان المختار ناصبيا يبغض علياً رضي الله عنه بغضا شديدا وكان يزعم أن الوحي يأتيه على يد جبريل عليه السلام فقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا عيسى القارئ أبو عمير بن السدي عن رفاعة القباني قال:
دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، قال: فذكرت حديثاً حدثنيه أخي عمر بن الحمق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من أمّن رجلاً على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة )) (4) ورواه النسائي وابن ماجه من غير وجه عن عبد الملك بن عمير وفي لفظ لهما: (( من أمّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً )) (5) وللمختار كذب كثير ذكرنا لك بعضه وهو موجود في كتاب البداية والنهاية. (6)
وأما الحجاج بن يوسف الثقفي فلا أظنّك تجهل ما فعل بأهل الإسلام والائمة الأعلام من أهل السنة والجماعة من قتل وسفك للدماء فقد كان مُبِيراً مهلكا حقا وصدقا كما ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكما وصفته بذلك الصحابية التقية اسماء بنت أبي بكر بذلك الوصف الذي أطلقه عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .(7)
وجه الإعجاز ( بإيجاز):
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بظهور شخصين من بني ثقيف أحدها كذاب يدعي انه نبي يوحى إليه، والآخر مهلك للناس بكثرة إعمال السيف فيهم بالقتل والظلم والإهلاك فكان وصف النبي الدقيق له بأنّه مبير أي مهلك . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.