1- القرن الأول الهجري:
أول من أقام رسما لقبر الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) هو الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مع بني أسد، حين دفنوا الإمام الحسين (عليه السلام) وأجساد الشهداء من أهله وأنصاره وذلك يوم الثالث عشر من شهر محرم الحرام عام 61ه الموافق لـ(15/10/680م. وذلك تطبيقاً لما روته السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) في حديثها إلى الإمام السجاد (عليه السلام) حيث قالت: (لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفى رسمه، على مرور الليالي والأيام... ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار، لم يشاركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز) (كامل الزيارات: لابن قولويه 262- 265).
ولعل القبر الشريف كان في بداية الأمر مرتفعاً وبارزاً قليلاً عن الأرض، كما يظهر من كلام جابر الأنصاري حين زار القبر الشريف في الأربعين الأول حيث قال: (ألمسوني القبر) (مدينة الحسين: لمحمد حسن بن مصطفى الكليدار: 1/ 19)، بل يؤيد ذلك ما يروى من أن السيدة سكينة (عليها السلام) ضمت قبر أبيها الحسين (عليه السلام) عند رجوعها من الشام، وقيل إن بني أسد حددوا له مسجداً وبنوا على قبره الشريف سقيفة وقيل إنهم وضعوا على القبور الرسوم التي لا تبلى (تاريخچة كربلاء: محمد بن أبي تراب كرباسي حائري: 56) وما بين عامي 61 - 63ه يذكر محمد باقر بن عبد الحسين مدرس: (أنهم بنوا في العهد الأموي مسجداً عند رأس الحسين (عليه السلام)... ثم شيِّد القبر من قبل الموالين) (شهر حسين: 160) وأما عن عام 64ه يقول الرحالة الهندي محمد هارون: (أول من بنى صندوق الضريح بهيئة حسنة وشكل مليح بنو نضير وبنو قينقاع) (مجلة الموسم الهولندية: عدد 14، ص329). ويظهر أن التوابين عندما قصدوا زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) في ربيع الأول من عام 65ه قبل رحيلهم إلى عين الوردة طافوا حول هذا الصندوق وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل.. (مدينة الحسين: محمد حسن بن مصطفى الكليدار 1/ 20).
وفي سنة 66ه وعندما استولى المختار بن أبي عبيدة الثقفي على الكوفة عمّر على مرقده الشريف قبة من الجص والآجر، وقد تولى ذلك محمد بن إبراهيم بن مالك الأشتر، واتخذ قرية من حوله، وكان للمرقد بابان شرقي وغربي وبقي على ما قيل حتى عهد هارون العباسي (تاريخ كربلاء وحائر الحسين: عبد الجواد بن علي الكليدار 160) وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته:
وجاء بعد ذلك المختار حين دعاه والجنود الثار
وعمر المسجد فوق الجدث فهو إذاً أول شيء محدث
وبقي المسجد حول المرقد إن كان قد أسس للتعبد
ولم يزل يزار في جناح حتى أتى الملك إلى السفاح
(مجالي اللطف: 2/ 18).
ويذكر المؤرخ السيد عبد الجواد الكليدار تفصيل حول مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ومقاساته وشكله وموقعه ومن جملة كلامه (...فيلمع للناظر عن بعيد كبيضة نعامة في وسط الصحراء، وفوق هذا البناء الجميل البسيط تستقر سقيفة تعلوها قبة هي أول قبة من قباب الإسلام الخالدة التي خيمت لأول مرة في الجانب الشرقي من الجزيرة العربية بين ضفة الفرات وحافة الصحراء في الاتجاه الشمالي...الخ) (تاريخ كربلاء وحائر الحسين: 81).
2- القرن الثاني الهجري:
يبدو أن القبة التي شُيّدت في عهد المختار ظلت قائمة لحين زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) لقبر جده الإمام الحسين (عليه السلام) حوالي عام 132ه حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أردت قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء قف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر، ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس، ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السلام) ثم توجه إلى الشهداء، ثم امش حتى تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم) (بحار الأنوار: المجلس: 98/ 259) ويقول الكرباسي: إن مجموع السقيفة والمسجد كان يشكل مساحة ذات أربعة أضلاع حول مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وابنه علي الأكبر (عليهما السلام) وكان للمرقد بابان أحدهما من جهة المشرق عند قدمي علي الأكبر (عليه السلام) وكانت مراقد الشهداء (عليهم السلام) خارجة عن إطار هذه المساحة، والآخر من جهة الجنوب (القبلة) (كما هو لحد اليوم) (تاريخچة كربلاء: محمد بن أبي تراب كرباسي حائري: 56) ويتبين أن مساحة الحائر كانت حوالي (25×25) ذراعاً من الخارج كما يفهم من رواية الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (امسح من موضع قبره اليوم، فامسح خمسة وعشرون ذراعاً من رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه) (كامل الزيارات: لابن قولويه: 272/ ح:4).
وتؤكد بعض المصادر بأنه كانت هناك شجرة سدرة أيام الحكم الأموي يستظل بفيئها ويستدل بها على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) ولذلك سمي الباب الواقع في الشمال الغربي من الصحن - فيما بعد بباب السدرة (تراث كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 34) وامتد عمر هذا البناء المؤلف من المسجد والمرقد ذي القبة طوال العهد الأموي فلم يتعرض للهدم رغم العداء السافر تجاه أهل البيت (عليهم السلام) مع أنهم وضعوا المسالح لمنع زيارة قبره (عليه السلام)، إلا أن ضعف الدولة الأموية في أواخر عهدها كسر حاجز الخوف فتدفقت الأفواج إلى زيارته ولم يتمكنوا من منعهم بل أدركوا أن التعرض للمرقد أو المساس به بقصد تخريبه يشكل سابقة خطيرة ومشكلة هم في غنى عنها.
ولكن المنصور العباسي الذي حكم ما بين 136 - 158ه صب جام غضبه على العلويين وآثارهم وتطاول على القبر المطهر فهدم السقيفة في عام 146ه. وفي حدود عام 158ه وذلك في عهد المهدي العباسي أعيد تشييد السقيفة (ومضات من تاريخ كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 18).
ولما كانت سنة 193ه ضيق هارون العباسي الخناق على زائري القبر وقطع شجرة السدرة التي كانت عنده وكرب موضع القبر وهدم الأبنية التي كانت تحيط بتلك الأضرحة المقدسة وزرعها، وذلك عبر واليه على الكوفة موسى بن عيسى بن موسى الهاشمي (تراث كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 34). وفي عام 198ه عندما استتب الأمر للمأمون وهو سابع حكام العباسيين، اقتضت سياسته لتنفيذ غرائزه وأطماعه مراعاة شعور الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) لامتصاص النقمة المتزايدة عليه والمنافسة السياسية لحربه مع أخيه الأمين وقتله إياه، ففسح المجال لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وتعميره، فبنى عليه قبة شامخة وحرم فخم وبدأ الناس يسكنونه من جديد. ثم إن المأمون أراد التقرب إلى العلويين وأهل البيت (عليهم السلام) لاستحكام ملكه فأصدر قراره بولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) في السابع من شهر رمضان عام 201ه وبتعمير مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) فأمر بتشييد قبة عظيمة وروضة فخمة أحسن من ذي قبل، و بذلك يكون قد عُمّر المرقد في عهد المأمون مرتين كما قام المأمون بتوسيع الحير (الحائر) (تاريخچة كربلاء: محمد بن أبي تراب كرباسي حائري: 59).