4- القرن الرابع الهجري:
في سنة 313ه زار الحائر الزعيم القرمطي أبا طاهر الجنابي (من البحرين) وطاف حول القبر مع اتباعه وآمن أهل الحائر ولم يمسهم بمكروه وفي عام 352ه أمر معز الدولة البويهي بإقامة العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) في بغداد وذلك في يوم عاشوراء وكان لهذا الأمر آثاره الإيجابية في تطوير وإعمار مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وإنعاش مواسم الزيارة، بل وساهم في عمارة المرقد ولما كانت سنة 366ه زار عز الدولة البويهي المرقد الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) مما دعم حركة الهجرة للحائر الحسيني وعمرانه. (تراث كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 78).
وفي سنة 367ه استولى عضد الدولة البويهي على بغداد فعرج منها على كربلاء لزيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ثم أنه جعل زيارته للمرقد الشريف عادة سنوية (أعيان الشيعة: 1/ 628 عن تسلية المجالس).
وفي ظل اضطراب الأوضاع السياسية في العراق وتدهورها تمكن عمران بن شاهين - بعد حادثة طويلة - أن يوفي بنذره، فبنى المسجد عند مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) المعروف باسمه إلى الآن والذي يقع إلى جهة الشمال من الروضة وقد ضم فيما بعد إلى الحرم، أما الرواق الذي شيده فيقع إلى جهة الغرب من قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وهو أول من ربط حزام الحائر بالرواق والظاهر إن ذلك كان في عام 368ه ، (تراث كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 39) (بحار الأنوار: 42/ 320) وفي عام 369ه أغار ضبة الأسدي على مدينة كربلاء وقتل أهلها ونهب أموالهم وسرق ما في خزانة الحرم المطهر من نفائس وذخائر وتحف وهدايا، وهدم ما أمكنه هدمه وذلك بمؤازرة بعض العشائر، ثم قفل عائداً إلى البادية فلما بلغ أمره إلى عضد الدولة أرسل في تلك السنة سرية إلى عين التمر وبها ضبة الأسدي فلم يشعر إلا والعساكر معه فترك أهله وماله ونجا بنفسه فريداً، وأخذ ماله وأهله ومُلّكت عين التمر عقاباً لنهبه مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) (تاريخچة كربلاء: محمد بن أبي تراب كرباسي حائري: 101).
وفي العام نفسه 369ه وعندما قام عضد الدولة بزيارته التقليدية للمرقد المطهر للإمام الحسين (عليه السلام) أمر بتجديد بناء القبة الحسينية وروضتها المباركة وشيد ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) بالعاج وزينة بالحلل والديباج وبنى الأروقة حوالي مرقده المقدس وعمّر المدينة، واهتم بإيصال الماء لسكان المدينة والضياء للحائر المقدس وعصمها بالأسوار العالية التي بلغ محيطها حوالي 2400 خطوة وقطره حوالي 2400 قدم، فأوصل المدينة بترعة فأحياها وأوقف أراضي لاستثمارها لصالح إنارة الحرمين الشريفين أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام) وبالغ في تشييد الأبنية والأسواق حوله وأجزل العطاء لمن جاوره من العلماء والعلويين (تاريخ كربلاء وحائر الحسين: عبد الجواد بن علي الگلدار: 171) كما أمر ببناء المدرسة العضدية الأولى، كما بنى بجنبها مسجد رأس الحسين (عليه السلام) وعلى أثر ذلك تضاعف عدد المجاورين لمرقده المقدس (مجلة الحوزة - القمية - العدد 72 الصفحة 173).
ولما كانت سنة 371ه واصل عضد الدولة زيارته التقليدية السنوية للحائر المقدس، ويبدو لنا أنه أشرف في هذه السنة على مراسيم الانتهاء من إعمار وبناء المرقد الحسيني المطهر (تاريخ كربلاء وحائر الحسين: عبد الجواد بن علي الكليدار: 172) وذكر الكليدار تفصيلات كثيرة جداً ضمن كتابه تاريخ كربلاء وحائر الحسين.
وفي أوائل القرن الخامس الهجري عام 407ه أصاب الحريق حرم الإمام الحسين (عليه السلام) حيث كان مزيناً بخشب الساج وذلك على اثر سقوط شمعتين كبيرتين في الحرم. وجدد البناء على عهد البويهيين غب ذلك الحريق، حيث قام الحسن بن الفضل وزير الدولة البويية بإعادة البناء نفسه مع تشييد السور، (تراث كربلاء: سلمان بن هادي آل طعمة: 39- 40).
واستمرت القرون التي بعد القرن الخامس الهجري إلى توسيع وتحسين عمارة وبناء مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) توسيع وتطوير مدينة كربلاء وإدخال عليها المشاريع الكفيلة بتحسين الوضع لمصلحة المراقد الشريفة الموجودة في المدينة ولأجل ساكني ارض كربلاء من أهالي مدينتها.
5- القرون الأخيرة:
أما في العصور القريبة فقد تعرض المرقد الحسيني الشريف لهجمات وحشية ثلاثة:
أ) حملة الوهابيين: في سنة 1216هـ (1801م) أصاب الخراب مباني مدينة كربلاء وذلك عندما دخلوا الوهابيون المدينة فهدموا المساجد والأسواق، والكثير من البيوت التراثية المحيطة بالمرقدين وعبثوا بالمراقد المقدسة وهدموا سور المدينة وكان ذلك يوم 18 ذي الحجة (يوم عيد الغدير) أيام علي باشا، وكان حاكم كربلاء عمر آغا، حيث قتلوا كل من كان لائذاً بالحرم الشريف ودامت هذه الحملة ست ساعات.
وبعد هذه الحادثة تبرع أحد ملوك الهند بإعادة بناء ما خربه الوهابيون، فأخذ المرجع الكبير السيد علي الطباطبائي على عاتقه مسؤولية إعادة بناء وترميم المراقد المقدسة والأسواق والبيوت وشيد المدينة سوراً حصيناً وجعل لهذا السور ستة أبواب (دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري: 607 - 629).
ب) حملة نجيب باشا: وكان يوم عيد الأضحى سنة 1258ه حيث استباح هذا الوالي مدينة كربلاء استباحة كاملة ولمدة ثلاثة أيام قتلاً وسلباً ونهباً حتى وصل عدد القتلى اكثر من عشرين ألفاً من رجل وامرأة وصبي وكان يوضع في القبر (وذلك بعد الحادثة) الأربعة والخمسة إلى العشرة، فيهال عليهم التراب بلا غسل ولا كفن، ووجِدَ بالسرداب الذي تحت رواق مقام أبي الفضل العباس (عليه السلام) اكثر من ثلاثمائة من القتلى.
وتم بعد فترة من الزمن بجهود من المؤمنين الموالين بإعادة إعمار المدينة (وتوسيعها وتم إضافة طرف أو محلة العباسية التي قسمت بدورها إلى قسمين يعرفان بالعباسية الشرقية والعباسية الغربية ويفصل...الخ) ويفصل بينهما شارع العباس. (دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري: 182 - 607- 629).
ج) حملة النظام الصدامي الحاقد: يوم النصف من شعبان سنة 1411ه، حيث كانت العملية بقيادة حسين كامل مع الآلاف من الجيش المدعوم بالدبابات، فقام حسين كامل بنفسه بتوجيه فوهة الدبابة الأولى إلى مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) صارخاً فيمن حوله: (أنا حسين وهذا حسين ولنر من سينتصر في النهاية) وهذا يمثل نداء الطواغيت على وجه الأرض، حيث أدى هذا الهجوم إلى تخريب كبير حدث في الحرمين المطهرين إلى تهديم حدث في رأس أحد المنارتين لمقام الإمام الحسين (عليه السلام) وتهديم السوق الذي كان بين الحرمين وتحويل المنطقة المحيطة بالحرمين إلى خراب كامل لا يرى فيها سوى الحجارة والنار والدبابات وجثث القتلى من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وهذا الهجوم السافر أدى إلى قتل الآلاف الذين بقوا على ارض كربلاء لمدة أيام لا يستطيع أحد التقرب منها لدفنها.
أما حسين كامل فقد لاقى حتفه على يد النظام الصدامي وذلك صدقاً للنبوة الكريمة (من أعان ظالماً سلطه الله عليه).
وتم تعمير المرقدين والمدينة وإحداث شوارع جديدة وذلك بعدما ألغت شوارع كانت منذ القديم.
ونلاحظ الحكام الطواغيت تستغل أيام المناسبات والأعياد الدينية للقيام بمثل هذه الأعمال الجائرة، وذلك لتجمع الزوار وتوافدها لزيارة المراقد الشريفة