وروى ابن شهرآشوب في المناقب نحوه إلا أنه قال : " يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار " ، وقال : فلما سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي . وقال في آخر الحديث : فقلت : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍُ } ( 1 ) . ( 2 )
5 - روى أبو الفرج الأصفهاني : حدثنا يحيى بن الحسن قال : كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير . وكانت صراره ما بين الثلاثمائة وإلى المائتين دينار ، فكانت صرار موسى مثلا . وقال : إن رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى بن جعفر ، ويؤذيه إذا لقيه ، فقال له بعض مواليه وشيعته : دعنا نقتله ، فقال : " لا " ثم مضى راكبا حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره ، فصاح : لا تدس زرعنا . فلم يصغ إليه وأقبل حتى نزل عنده ، فجلس معه وجعل يضاحكه ، وقال له : " كم غرمت على زرعك هذا " ؟ قال : مائة درهم . قال : " كم ترجو أن تربح " ؟ قال : لا أدري . قال : " إنما سألتك كم ترجو " . قال : مائة أخرى . قال : فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبه له ، فقام فقبل رأسه ، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته . وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج وسلم عليه ويقوم له ، فقال موسى لجلسائه الذين طلبوا قتله : " أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت " ( 3 ) .
6 - حكي أن الرشيد سأله يوما : كيف قلتم : نحن ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه دون جده لأمه ؟ فقال الكاظم ( عليه السلام ) : " أعوذ
( 1 ) آل عمران : 34 .
( 2 ) تحف العقول 303 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 314 .
( 3 ) مقاتل الطالبيين : 499 - 500 ، تاريخ بغداد 28 . ( * )
بالله من الشيطان الرجيم { بسم الله الرحمن الرحيم . . . وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ . . . } وليس لعيسى أب إنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه ، وكذلك ألحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء ، وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين : قال الله عز وجل : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ . . . } ولم يدع ( صلى الله عليه وآله ) عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء " ( 1 ) .
7 - أما علمه والحديث عنه فقد روى عنه العلماء في فنون العلم ما ملأ الكتب ، وكان يعرف بين الرواة بالعالم . وقد روى الناس عنه فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله ( 2 ) .
وفاته : وقد اتفقت كلمة المؤرخين على أن هارون الرشيد قام باعتقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وإيداعه السجن لسنين طويلة مع تأكيده على سجانيه بالتشديد والتضييق عليه .
قال ابن كثير : فلما طال سجن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كتب إلى الرشيد : " أما بعد يا أمير المؤمنين إنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون " ( 3 ) .
ولم يزل ذلك الأمر بالإمام ( عليه السلام ) ، ينقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الأمر
( 1 ) الفصول المهمة : 238 ، والآيتان من سورتي الأنعام 84 ، وآل عمران 61 .
( 2 ) المفيد ، الإرشاد : 298 ، ولاحظ جوانب من حكمه ووصاياه في الكافي 1 : 13 - 20 ، تحف العقول : 283 .
( 3 ) البداية والنهاية 10 : 183 . ( * )
إلى سجن السندي بن شاهك ( 1 ) ، وكان فاجرا فاسقا ، لا يتورع عن أي شئ تملقا ومداهنة للسلطان ، فغالى في سجن الإمام ( عليه السلام ) وزاد في تقييده حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم ( عليه السلام ) ، فأسرع السندي إلى إنفاذ هذا الأمر العظيم ، واستشهد الإمام ( عليه السلام ) بعد طول سجن ومعاناة في عام 183 ه .
ولما كان الرشيد يخشى ردة فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الإمام ( عليه السلام ) ، لذا عمد إلى حيلة ماكرة للتنصل من تبعة هذا الأمر الجلل ، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني وغيره ( 2 ) : أن الإمام الكاظم لما توفي مسموما أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ليشهدوا على أنه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولما شهدوا على ذلك أخرج بجثمانه الطاهر ووضع على الجسر ببغداد ونودي بوفاته .
ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في أيامنا هذه بالكاظمية .
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد سجينا مظلوما مسموما ، ويوم يبعث حيا .
( 1 ) قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : 502 : لما اعتقل الرشيد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أمر بإرساله إلى البصرة ليسجن عند عيسى بن جعفر المنصور ، وكان على البصرة حينئذ ، فحبس عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد : أن خذه مني وسلمه إلى من شئت ، وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة . فوجه الرشيد من تسلمه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع في بغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، ثم كتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلمه منه ، وطلب منه أن يعمد إلى قتل الإمام كما طلب من عيسى بن جعفر فلم يفعل ، بل عمد إلى إكرام الإمام ( عليه السلام ) والاحتفاء به ، ولما بلغ الرشيد ذلك أمر به أن يجلد مائة سوط ، ثم أخذ الإمام منه وسلمه إلى السندي بن شاهك لعنه الله ، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهرة على يده الفاجرة .
( 2 ) مقاتل الطالبيين : 504 . ( * )