قال أبو مخنف عن رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ، فبايعوه ( 3 ) .
وقال المفيد : كانت بيعته يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فرتب العمال وأمر الأمراء ، وأنفذ عبد الله بن العباس إلى
( 1 ) الشيخ الطبرسي ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 405 تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) ، ومن أراد الوقوف على نصوص إمامته فعليه أن يرجع إلى الكافي 1 : 297 ، وإثبات الهداة 2 : 543 - 568 فقد نقل خمسة نصوص في المقام .
( 2 ) الشورى : 23 . ( 3 ) مقاتل الطالبيين : 52 . ( * )
البصرة ، ونظر في الأمور ( 1 ) .
وقال أبو الفرج الأصفهاني : وكان أول شئ أحدثه الحسن [ ( عليه السلام ) ] أنه زاد في المقاتلة مائة مائة ، وقد كان علي فعل ذلك يوم الجمل ، وهو فعله يوم الاستخلاف ، فتبعه الخلفاء بعد ذلك ( 2 ) .
قال المفيد : فلما بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين وبيعة الناس ابنه الحسن ، دس رجلا من حمير إلى الكوفة ، ورجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن الأمور ، فعرف ذلك الحسن ، فأمر باستخراج الحميري من عند لحام في الكوفة فأخرج وأمر بضرب عنقه ، وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم ، فأخرج وضربت عنقه ( 3 ) .
صلحه ( عليه السلام ) مع معاوية : ثم إنه استمرت المراسلات ( 4 ) بين الحسن ومعاوية وانجرت إلى حوادث مريرة إلى أن أدت إلى الصلح واضطر إلى التنازل عن الخلافة لصالح معاوية ، فعقدا صلحا وإليك صورته : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي
( 1 ) المفيد : الإرشاد : 188 .
( 2 ) مقاتل الطالبيين : 55 . ( 3 ) الإرشاد للمفيد : 188 ، مقاتل الطالبيين : 52 .
( 4 ) ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى مقاتل الطالبيين : 53 - 72 وبالإمعان فيها وما أظهر أصحابه من التخاذل ، يتضح سر صلح الإمام وتنازله عن الخلافة ، فلم يطاع إلا أنه أتم الحجة عليهم ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين . ( * )
سفيان ، صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله ، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا ، على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم . على أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا ، وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه . على أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غائلة سوء سرا وجهرا ، ولا يخيف أحدا في أفق من الآفاق . شهد عليه بذلك فلان وفلان ، وكفى بالله شهيدا ( 1 ) .
ولما تم الصلح صعد معاوية المنبر وقال في خطبته : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ، ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون . ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي هاتين لا أفي بشئ منها له ( 2 ) .
شهادته ودفنه ( عليه السلام ) : لما نقض معاوية عهده مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وما كان ذلك بغريب على رجل أبوه أبو سفيان ، وأمه هند ، وهو طليق ابن طلقاء عمد إلى أخذ البيعة ليزيد ولده المشهور بمجونه وتهتكه وزندقته ، وما كان شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، فدس إليه السم ، فمات بسببه .
( 1 ) ابن صباغ المالكي ، الفصول المهمة : 163 .
( 2 ) الإرشاد للمفيد : 191 . ( * )
فقد روي : أن معاوية أرسل إلى ابنة الأشعث - وكانت تحت الحسن ( عليه السلام ) - : إني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمي الحسن بن علي .
وبعث إليها بمائة ألف درهم ، فقبلت وسمت الحسن ، فسوغها المال ولم يزوجها منه ( 1 ) .
فلما دنا موته أوصى لأخيه الحسين ( عليه السلام ) وقال : " إذا قضيت نحبي غسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك ، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم " .
فلما حملوه إلى روضة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتجمعوا له ولبسوا السلاح ، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول : ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب ! ! وجعل مروان يقول : يا رب هيجاء هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي ؟ ! وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أمية . ولأجل وصية الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدته فاطمة بنت أسد ( 2 ) .
وتوفي الحسن وله من العمر ( 47 ) عاما وكانت سنة وفاته سنة ( 50 ) من الهجرة النبوية .
والعجيب أن مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحسين : " أتحمل سريره ؟ ! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ " فقال مروان : إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال ( 3 ) .
فرح معاوية بموته : ولما بلغ معاوية موت الحسن ( عليه السلام ) سجد وسجد من حوله وكبر وكبروا معه .
( 1 ) مقاتل الطالبيين : 73 .
( 2 ) الإرشاد : 193 ، كشف الغمة 1 : 209 ، مقاتل الطالبيين : 74 - 75 .
( 3 ) مقاتل الطالبيين : 76 . ( * )
ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البر في الإستيعاب وغيرهما . فقال بعض الشعراء :
أصبح اليوم ابن هند شامتا * ظاهر النخوة إذ مات الحسن
يا ابن هند إن تذق كأس الردى * تك في الدهر كشئ لم يكن
لست بالباقي فلا تشمت به * كل حي للمنايا مرتهن ( 1 )
هذه لمحة عن حياة الحسن المشحونة بالحوادث المريرة .
وتركنا الكثير مما يرجع إلى جوانب حياته ، خصوصا ما نقل عنه من الخطب والرسائل والكلم القصار ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى تحف العقول ( 2 ) فقد ذكر قسما كبيرا من كلماته .