تابع للموضوع :
قال الإمام البغوي في تفسيره الجزء 1 صفحة 398: (( وقال عثمان: إن في المصحف لحنًا ستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيرّه؟ فقال: دعوه فإنه لا يُحلُّ حرامًا ولا يُحرِّم حلالا. وعامة الصحابة وأهل العلم على أنه صحيح )). لاحظ قوله : عامة الصحابة وأهل العلم .
قال إمامهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) الجزء 8 صفحة 295 : ((وَتَفْسِير ( قَضَى رَبُّك أَنْ لا تَعْبُدُوا ) بِمَعْنَى وَصَّى مَنْقُول مِنْ مُصْحَف أُبَيِّ بْن كَعْب.... وَمِنْ طَرِيق الضَّحَّاك أَنَّهُ قَرَأَ " وَوَصَّى " وَقَالَ : أُلْصِقَتْ الْوَاو بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا فَقُرِئَتْ وَقَضَى ، كَذَا قَالَ ـ أي الضحاك ـ وَاسْتَنْكَرُوهُ مِنْهُ .))
أقول : أي أن إمامهم الضحّاك بن مزاحم كان يقول: إن الآية (وقضى ربك) نزلت من عند الله (ووصى ربك) ولكن الواو الثانية التصقت خطأ بالصاد حين كتابة المصحف فصارت قافا إلى يومنا ، وهذا اعتراف ابن حجر العسقلاني عليه .
وقال ابن حجر أيضا عند قوله تعالى : (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) في الجزء 11 الصفحة 7 : (( معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا . وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاسْتِئْنَاس فِي لُغَة الْيَمَن الِاسْتِئْذَان وَجَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس إِنْكَار ذَلِكَ ، فَأَخْرَجَ سَعِيد بْن مَنْصُور وَالطَّبَرِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب بِسَنَدٍ صَحِيح أَنَّ اِبْن عَبَّاس " كَانَ يَقْرَأ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا " وَيَقُول : أَخْطَأَ الْكَاتِب)) انتهى كلام ابن حجر. ومعنى كلامه أن ابن عباس لم يكن يقرؤها : حتى تستأنسوا ، كما هي عندنا في القرآن بل قرأها حتى تستأذنوا ، وكان يقول إن كاتب المصحف أخطأ في كتابة ما هو موجود في مصحفنا .
واعترف إمامهم العز بن عبد السلام بإنكار ابن مسعود المعوّذتين وأنهما في نظره ليستا من القرآن ، فقال في تفسيره الجزء 3 صفحة 509 : (( وهي والتي بعدها معوّذتا الرسول صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهوديّة ، وكان يقال لهما المشقشقتان ، أي تبرئان من النفاق . وخالف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الإجماع بقوله : هما عوذتان وليستا من القرآن الكريم .))
وقال إمامهم الماوردي في تفسيره الجزء 4 صفحة 570 : (( وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوّذ به وليستا من القرآن . وهذا قول خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت .))
وقال علامتهم الخفاجي في حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي الجزء 6 صفحة 212 : (( وأما قول عثمان: إني أرى في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ، فكلام مشكل .))
وقال علامتهم الآلوسي في تفسيره الجزء 30 صفحة 379 : (( وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما ـ أي المعوّذتين ـ أخرج الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ، ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنهما ليستا من كتاب الله تعالى ، إنما أمِر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما . وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما )) . وسجّل الآلوسي اعترافه في الجزء 16 صفحة 221 حيث قال : (( واستشكلت هذه القراءة ـ أي قوله تعالى : (إن هذان لساحران) ـ حتى قيل إنهما لحن وخطأ بناء على ما أخرجه أبو عبيد في (فضائل القرآن) عن هشام بن عروة عن أبيه قال : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى : (قالوا إن هذان لساحران) وعن قوله تعالى : (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) وعن قوله تعالى : (والذين هادوا والصابئون) فقالت عائشة : يا ابن أخي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب . وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، كما فال الجلال السيوطي .)) انتهى كلامه.
وقال إمامهم المفسر ابن عاشور في تفسيره الجزء 30 صفحة 624 : (( واشتهر عن عبد الله بن مسعود في الصحيح أنه كان ينكر أن تكون المعوّذتان من القرآن ، ويقول إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما ، أي ولم يؤمر بأنهما من القرآن .)) انتهى كلامه .
وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) الجزء 12 صفحة 492 : (( وكذلك بعض السلف أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِثْلَ إنْكَارِ بَعْضِهِمْ ـ وهو ابن عباس ـ قَوْلَهُ : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَقَالَ : إنَّمَا هِيَ : أو لَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا. وَإِنْكَارِ الآخَرِ ـ وهو الضحاك بن مزاحم ـ قِرَاءَةَ قَوْلِهِ : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إلا إيَّاهُ } وَقَالَ : إنَّمَا هِيَ : وَوَصَّى رَبُّك . وَبَعْضُهُمْ ـ وهو ابن مسعود ـ كَانَ حَذَفَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآخَرُ ـ وهو أبي بن كعب ـ يَكْتُبُ سُورَةَ الْقُنُوتِ .))
وبعد الفراغ من شهادة علمائهم واعترافهم على صحابتهم وتابعيهم بالقول بتحريف القرآن ، نذكر بعض علماء أهل السنة الذين دانوا بتحريف القرآن ودوّنوه في كتبهم .
أوّلهم إمامهم العلامة أبو بكر بن أبي داود السجستاني الذي ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) الجزء 13 صفحة 222 – 223 حسب المكتبة الشاملة بقوله: (( الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد أبو بكر السجستاني، صاحب التصانيف... وكان من بحور العلم، بحيث إن بعضهم فضله على أبيه.)) وقال عنه في (تذكرة الحفاظ) الجزء 2 صفحة 767 : (( الحافظ العلامة قدوة المحدّثين )). ماذا فعل؟ عنون في كتابه (المصاحف) صفحة 50 بابا بعنوان : باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف . وفي صفحة 130 : باب ما غيّر الحجّاج في مصحف عثمان . ثم ذكر إحدى عشرة آية غيّرها الحجاج بن يوسف الثقفي في مصحف عثمان . وما زالت تغييرات الحجاج إلى يومنا موجودة في المصحف.
ومن علمائهم صاحب المفردات الراغب الأصفهاني الذي عنون في كتابه (المحاضرات) الجزء 2 صفحة 434 بابين : أوّلهما ما في القرآن من تغيير الكتابة ، فقال : (( كان القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه . وقيل لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيها حروفا من اللحن في الكتابة فقال: لا تغيّروها فأن العرب ستغيّرها أو ستعبّر بها ، ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف . وثانيهما ما سدّ منه لحنا ، سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله : (قالوا إن هذان لساحران) وعن قوله: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) وعن قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) ، فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة .))
ومن علمائهم من كتب كتابا كاملا لإثبات وقوع التحريف في القرآن وهو شيخهم ابن الخطيب ، فجمع عالمهم هذا أقوال الصحابة والتابعين في تحريف القرآن . وكافح ابن الخطيب ونافح في كتابه (الفرقان) عن فكرة التحريف ، وصار يرد بذلك على بعض علماء الأزهر ، وسننقل بعض الموارد من كتابه .
فقال في فصل ما غيّره الحجاج في المصحف، صفحات 50 - 51 - 52 طبعة دار الكتب العلمية : (( قد غيّر الحجاج بن يوسف الثقفي في المصحف اثني عشر موضعا :
كانت في سورة البقرة (لم يتسنّ) فغيّرها (لم يتسنّه) بالهاء . [كما هي في مصحفنا اليوم] .
وكانت في سورة المائدة (شريعة ومنهاجا) فغيّرها (شرعة ومنهاجا) [كما هي في مصحفنا اليوم] .
وكذلك في سورة يونس (وهو الذي ينشركم) فغيّرها (يسيّركم) .
وكانت في سورة يوسف (أنا آتيكم بتأويله) قغيّرها الحجاج إلى (أنا أنبّئكم بتأويله) [كما في مصحفنا] .
وكانت في سورة المؤمنين (سيقولون لله) فغيّرها (سيقولون الله) ، وفي نفس السورة أيضا (سيقولون لله) فغيّرها (سيقولون الله) [وهي هكذا في مصحفنا] .
وكانت في سورة الشعراء ـ في قصة نوح عليه السلام ـ (من المخرجين) وفي نفس السورة ـ في قصة لوط عليه السلام ـ (من المرجومين) فغيّر التي في قصة نوح وجعلها (من المرجومين) وجعل التي في قصة لوط (من المخرجين) [وهي على التحريف إلى اليوم في مصحفنا] .
وكانت في سورة الزخرف (نحن قسمنا بينهم معايشهم) فغيّرها (معيشتهم) .
وكانت في سورة الذين كفروا [ سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم (من عايش ـ ] (من ماء غير ياسن) فغيّرها (آسن) [والتحريف مازال في مصحفنا] .
وكانت في سورة الحديد (فالذين أمنوا منكم واتّقوا) فغيّرها (وأنفقوا) [وهي في مصحفنا إلى اليوم] .
وكانت في سورة التكوير (وما هو على الغيب بظنين) فغيّرها (بضنين) [كما هي في مصحفنا اليوم] .)) [ما بين المعقوفتين من صاحب الشريط]
وفي عنوان فيرعيّ صفحة 52 قال ابن الخطيب : سبب ما فعله الحجاج من التغيير: (( ولم يصنع الحجاج ما صنع، إلا بعد اجتهاده وبحثه مع القرّاء والفقهاء المعاصرين له . وبعد إجماعهم على أن ذلك قد حدث من تحريف الكتّاب والناسخين [أقول : لاحظ أنه ادعى إجماع أهل السنة في عصر الحجاج على وقوع التحريف ] الذين لم يريدوا تغييرا ولا تبديلا ، وإنما حدث بعض ما حدث لجهلهم بأصول الكتابة [أي الصحابة] وقواعد الإملاء . والبعض الآخر لخطأ الكاتب في سماع ما يملى عليه ، والتباسه فيما يتلى عليه. )) .
وقال ابن الخطيب أيضا في فصل التناقض الموجود في رسم المصحف من كتابه (الفرقان) صفحة 83 - 84: في عنوان فرعي : قصور كاتب المصحف في الهجاء :
(( وعلم الله تعالى أن هذا الرسم لم يناقض بعضه بعضا ، إلا لتوهّم الكاتب للمصحف الأوّل ، وقصوره في فن الهجاء ، وخطئه .
نعم أقولها واضحة جلية بدون مواربة ، فالحق لا يقبل المحاباة ، ولا المداجاة .
لأن ذلك الكاتب من البشر ، وسائر البشر يجوز في حقهم السهو ، والخطأ ، والنسيان ، والقصور .
وقد قال بذلك؛ عائشة، وابن عباس، وغيرهما من فضلاء الصحابة الذين أخذنا عنهم الشريعة، والدين ، والقرآن .))
وقال ابن الخطيب في صفحة 45 : (( وليس ما قدمناه من لحن الكتاب في المصحف بضائره ،أو بمشكّك في حفظ الله تعالى له . بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين ، أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله .))
أقول : قصد شيخهم أنهم أرشدونا إلى أماكن التحريف الذي وقع ، ولكن تناسى شيخهم هذا أن هذا التحريف المدّعى من عائشة والصحابة ما زال موجودا في مصاحف المسلمين ولم يغيَّر .
وقال ابن الخطيب أيضا في عنوان فرعي : جواز الخطأ على كتاب المصحف صفحة 45 : (( ومما لا شك فيه أن أن كتاب المصاحف من البشر ، يجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان ، والعصمة لله وحده .)) [(من عايش) وفي صفحة 46 في عنوان فرعي : عصمة الأنبياء بعد العنوان السابق ، في الفقرة الثانية منه قال:] (( ومثل لحن الكتّاب كلحن المطابع ، فلو أن بعض المطابع طبعت مصحفا به بعض الخطأ ـ وكثيرا ما يقع هذا ـ وسايرها على ذلك بعض قرّاء هذا المصحف ؛ لم ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له ، وإعلائه لشأنه .))
وتناسى ابن الخطيب أن هذا التحريف ما زال في مصاحف المسلمين .
وقال أيضا في كتابه (الفرقان) صفحة 90 تحت عنوان نصه : قول عثمان بأن في كتابة المصحف لحنا : (( وقد جاء أن عثمان رضي الله تعالى عنه ، قال ـ حين عرض عليه المصحف في كتبته الأخيرة ـ : أرى فيه لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها .
ولا شك بأن عثمان يقصد بذلك اللحن الذي ستقيمه العرب بألسنتها : الخطأ البادي في الهجاء ، والتناقض الموجود في رسم المصحف القديم .))
وقال أيضا تحت عنوان نصه : قول عائشة بخطأ كاتب المصحف الأول ، صفحة 90 - 91 : (( روى أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها قالت : ثلاثة أحرف في كتاب الله تعالى ، هي من خطأ الكتاب : (إن هذان لساحران) ، و(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)، و(لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة). [ثم يكمل ابن الخطيب في نفس الصفحة وبعد هذه الفقرة]
أما وقد ثبت لنا الآن من قول عائشة رضي الله تعالى عنها ، ومن قول كثير من فضلاء الصحابة : خطأ الكاتب للمصحف الأوّل ؛ فلا معنى للتمسّك بهذا الرسم ، الذي ثبت خطؤه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول عثمان رضي الله تعالى عنه ، وقول عقلاء الأمة وأدبائها ومفكّريها .
وقد كان هذا الرسم سببا في خطأ بعض القرّاء المشهورين ، كما سنبيّنه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى.)) انتهى كلامه بتمامه.
والآن ما يقول أولئك القوم الذين لا يعلمون ما يقول علماؤهم ؟ هل عندهم الآن الشجاعة الكافية لتكفير الصحابة الذين صح عنهم القول بتحريف القرآن ، وشهد علماء أهل السنة بذلك ؟ ونتنازل لهم ولا نريد منهم سوى تكفير أحد الصحابة ، إن كانوا صادقين . ونتنازل أكثر فأكثر ونريد منهم تكفير علمائهم الذين صرّحوا بالتحريف كإمام العراق الحافظ أبي بكر بن داود . فهل يفعلون ؟ قال تعالى : ( يا أيها الذين لمَ تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
وفي الختام نقول : إن الله عزّ وجلّ قد تكفّل بحفظ كتابه ، وصانه من كل تلاعب ، ونقص وزيادة بقوله تعالى : ( إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنا له لحافظون ) سواء رضي سلفهم الصالح بذلك أم لا ؛ وهذه الأبحاث التي فيها من الضّرر ما لا يخفى إنما افتتح بابها الوهابيون ، وإنا لم نكن لنعبأ بأمثال هؤلاء الذين جهلوا أنفسهم ، فضلا عن [عدم] علمهم بغيرهم ، ولكن حيث صار الأمر مستفحلا ، وتلبّس بلباس العلم من ليس له بأهل ، وصار أهل الجور والنّفاق في نظر عوامّهم أهل الحق والإنصاف ، لكثرة كذب المفتري ، وكظم المحِقّ ، كان المحتّم علينا ردّ الكيل بمثله حتى يرتدع من سيوقفه الله تعالى موقفا عظيما بين يديه ، إذ نال من القرآن الكريم ، بزجّه في معترك الاتهام ، وجعله عرضة لأقوال القائلين ، وتشكيك المشكّكين . ونهيب بأهل الإسلام والغيرة على الدين الحنيف ، والقرآن المجيد ، أن يقفوا وقفة رجل واحد أمام هذه الشرذمة التي صارت معولا هدّاما للدين بجعلها القرآن الكريم الذي صانه الله عزّ وجلّ ، عرضة للتناوش والأخذ والردّ بين المذاهب الإسلامية ، حتى خيّل لمن ليس له كثير اطّلاع أن تحريف القرآن صار أمرا مجمعا عليه بين الطوائف الإسلامية ، بسبب تراشقهم بالتهم والكيل لبعضهم البعض ، الذي ما زال يؤجّج ناره الوهابيون [ومن اغترّ بهم وركب أذيالهم] ويصفّق لهم اليهود والنّصارى وأعداء الإسلام . فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم . والحمد لله رب العالمين .)) انتهى كلام الأخ العزيز .
يقول عايش ـ ناقل هذه المحاضرة بتمامها من الشريط السمعي ـ :
الحمد لله الذي وفّقني إلى هذا العمل الذي لم يكن ـ وقد علم الله تعالى ـ إلا من أجل إسكات وإخراس الألسنة المتنطّعة والمسيئة إلى القرآن الكريم بزعمها أنها تدافع عنه ، قال تعالى : (( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )) [الكهف : 104] صدق الله العلي العظيم ، يفعلون ذلك من أجل غاية خسيسة لا قيمة لها ، وهي إبطال مذهب خصمهم ـ ويبدو أنهم يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة ـ ببذل قصارى جهودهم لإثبات أن الشيعة يقولون ، لا بل ويؤمنون بأن القرآن محرّف ـ والعياذ بالله ـ وينقلون أقوال بعض من قال ذلك من العلماء زاعمين أن الطائفة كلها تقول بقولهم ! مستعملين الكذب والتدليس والتهويل والمغالطة ... وقد قلنا لهم مرارا : دعكم من هذا الأسلوب ، إنكم تسيئون بالدرجة الأولى إلى القرآن نفسه ، وقد ذكرنا لهم قول الشيخ محمد الغزالي في كتابه دفاع عن العقيدة والشريعة ضدّ مطاعن المستشرقين ، ولكنّهم لم يسمعوا نداءنا وبقوا مصرّين ومتعنّتين ومعاندين وراكبين رؤوسهم على هذا الأمر . وكم من مرّة قلنا لهم إن الروايات والأقوال التي تستندون عليها في اتهام الشيعة ، هي نفسها موجودة في كتبكم وربّما أكثر وأخطر ، ولكن لجّوا في طغيانهم ، وكبريائهم وغرورهم .
فها هو هذا الأخ قد ردّ بنفس الكيل عليهم ، وهو لا يريد أن يثبت تحريف القرآن عند أهل السنة ، كلا ولكن يقصد المعاملة بالمثل ، فعسى هؤلاء أن يثوبوا إلى رشدهم ـ إن كان فيهم رجل عاقل رشيد واعٍ مؤمن حقّا ـ .
وأخيرا أقول :
أفلا يحقّ لنا نحن الشيعة أن نقول ـ واستغفر الله تعالى ـ إن أهل السنة يقولون بتحريف القرآن لكي أبطل مذهبهم ؟ ولكنّني لن أقولها لأنني سأسيء إلى كتاب ربي بالدرجة الأولى ، وأكون عندها قد حققت غاية تافهة على حساب أمر عظيم ، بل على حساب ديني وأصل من أصوله عظيم وأحد الثقلين اللذين أمرني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهما ـ هذه هي عقيدتي ـ طبعا سيقول المعاند الجاهل المكابر : هذه تقيّة منك . لا بأس ولكن الحقائق هي ماثلة أمام العيان ، ولا ينكرها إلا أعمى البصيرة ، ومن امتلأ قلبه قيحا من الحقد والكراهية والبغضاء والتعصّب الأعمى .
كما أذكر المعاندين بقول إمامهم وشيخهم (شيخ الإسلام) في مجموع فتاويه أو فتاواه الجزء 12 صفحة 263 – 264 ، الطبعة التي اعتنى بها وخرج أحاديثها عامر الجزار وأنور الباز ، دار الوفاء بجمهورية مصر العربية ، الطبعة الثالثة (مصوّرة PDF ) في 37 مجلدا . حيث أنه لم يكفر من أنكر المعوذتين ، ومن زاد سورة القنوت في القرآن الكريم ... فراجعوا كلامه .
فإذا كفّرتم العلماء من الشيعة الذين قالوا بالنقص أو الزيادة في القرآن وحتى بالتحريف ـ علما أن أقوالهم مردودة عند علمائنا ومراجعنا ـ كصاحب فصل الخطاب ، أو بعض المفسرين القدماء ؛ إذا كفّرتموهم فيلزمكم تكفير الصحابة والتابعين والعلماء الذين قالوا بالتغيير والنقص والزيادة وأنكروا في القرآن الكريم . فما رأيكم ؟
القول السديد هو أن هؤلاء العلماء من الطرفين عرضت لهم الشبهة وأوهمتهم الروايات فوقعوا تحت تأثيرها وصدّقوها ، فخلصوا إلى تلكم النتيجة ، ولم يكفر أحد منهم بالله ولا بالقرآن الكريم ، فهم معذورون إن ساقهم البحث إليها.
وإذا بقيتم على إصراركم بأن الشيعة يقولون ويؤمنون بتحريف القرآن ، فيلزمنا ويلزمكم القول بأن أهل السنة والجماعة يقولون ويؤمنون بتحريف القرآن .
والحلّ هو التوبة والرجوع إلى الله وإلى الحق والإنصاف ، وطرح الحقد والكراهية والشحناء ، ولعن الشيطان ، واستغفار الله تعالى ، والتآخي ، والعمل بالقرآن وبالسنّة النبوية المطهّرة التي أمرتنا بالتمسّك بالقرآن والعترة الطاهرة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم جميعا . وإن كان الجميع دفه إيمانه وغيرته على دينه وكتابه فالله يجازي الجميع ويغفر لهم ـ وإن كانوا أخطأوا الطريق ـ
فالرجاء كف الألسنة عن مثل هذا الموضوع ، وعدم العود إليه ، بارك الله في الجميع ، وهداهم إلى الصواب والصراط المستقيم.
قال الله تعالى : (( بسم الله الرحمن الرحيم . والعصر . إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .)) صدق الله العليّ العظيم . انتهى كلام عايش .