( الهادي ) ، وبعد علي ابنه الحسن ( العسكري ) ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم ، المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا ، وأما متى ؟ فإخبار عن الوقت ، فقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي ( عليه السلام ) إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال : مثله الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو ، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ( 1 ) .
ثم إن للمهدي - عجل الله تعالى فرجه - غيبتين صغرى وكبرى ، كما جاءت بذلك الأخبار عن أئمة أهل البيت ، أما الغيبة الصغرى فمن ابتداء إمامته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم ، وقد مات السفير الأخير علي بن محمد السمري عام 329 ه ، ففي هذه الفترة كان السفراء يرونه وربما رآه غيرهم ويصلون إلى خدمته وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أمور شتى . وأما الغيبة الكبرى فهي بعد الأولى إلى أن يقوم بإذن الله تعالى .
وأما من رأى الحجة في زمان أبيه وفي الغيبة الصغرى وحتى في الكبرى ، فحدث عنه ولا حرج ، وقد ألفت في ذلك كتب أحسنها وأجملها : " كمال الدين " للصدوق ، و " الغيبة " للشيخ الطوسي .
فنذكر هنا بعض من رآه في صباه : فيمن رأى المهدي في بيت الإمام العسكري : إن هناك لفيفا من أصحاب الإمام العسكري رأوا الإمام المهدي في أيام صباه ، ووالده بعد حي .
وها نحن نذكر من الكثير شيئا قليلا حتى لا يرتاب المنصف في
( 1 ) الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة 2 : 372 . ( * )
ولادته :
1 - روى يعقوب بن منقوش قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي ( عليه السلام ) هو جالس على دكان في الدار ، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل ، فقلت له : من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : ارفع الستر . فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشرة أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين أبيض الوجه ، دري المقلتين ، شثن الكفين ، معطوف الركبتين ، في خده الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمد ثم قال لي : هذا صاحبكم ( 1 ) .
2 - روى إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري قال : لما هم الوالي عمر بن عوف بقتلي غلب علي خوف عظيم ، فودعت أهلي وتوجهت إلى دار أبي محمد لأودعه ، وكنت أردت الهرب ، فلما دخلت عليه رأيت غلاما جالسا في جنبه وكان وجهه مضيئا كالقمر ليلة البدر ، فتحيرت من نوره وضيائه وكاد ينسيني ما كنت فيه ، فقال : يا إبراهيم لا تهرب فإن الله سيكفيك شره ، فازداد تحيري ، فقلت لأبي محمد : يا سيدي يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هذا وقد أخبرني بما كان في ضميري ؟ فقال : هو ابني وخليفتي من بعدي ( 2 ) .
3 - روى أحمد بن إسحاق قال : قلت لأبي محمد الحسن العسكري : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض ( عليه السلام ) مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء ثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق ، لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكنيه ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ( 3 ) .
( 1 ) الصدوق ، كمال الدين 2 : 407 الباب 38 الحديث 2 .
( 2 ) الحر العاملي ، إثبات الهداة 3 : 700 ، الباب 33 ، الحديث 136 .
( 3 ) الصدوق ، كمال الدين 2 : 384 الباب 38 الحديث 1 . ( * )
4 - روى أبو الحسين الحسن بن وجناء قال : حدثني أبي عن جده أنه كان في دار الحسن بن علي ( عليه السلام ) فكبستنا الخيل وفيها جعفر بن علي الكذاب واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همتي في مولاي القائم ( عليه السلام ) ، قال : فإذا أنا به ، قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو ( عليه السلام ) ابن ست سنين فلم يره أحد حتى غاب ( 1 ) .
5 - روى عبد الله بن جعفر الحميري قال : سألت أبا عمر عثمان بن سعيد العمري ( أحد وكلاء الإمام أيام غيبته ) فقلت له : هل أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد ( عليه السلام ) ؟ فقال : أي والله ورقبته مثل ذا - أومأ بيده - فقلت له : فبقيت واحدة ؟ فقال لي : هات . قلت : الاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك . . . ( 2 ) .
6 - روت حكيمة بنت الإمام محمد الجواد قالت : بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي ( عليه السلام ) فقال : يا عمة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا ، فإنها ليلة النصف من شعبان ، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة ، وهو حجته في أرضه . ثم إن حكيمة عمة الإمام العسكري تتحدث عن ولادة الإمام المهدي وتقول : فصممته إلي فإذا أنا به نظيف متنظف ، فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) : هلم إلي ابني يا عمة ، فجئت إليه . . . ( 3 ) .
7 - وروى كامل بن إبراهيم فقال : دخلت على سيدي أبي محمد ( عليه السلام ) إذ نظرت إليه على ثياب بيض ناعمة فقلت في نفسي : ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا بمواساة إخواننا وينهانا عن لبس مثله ، فقال الإمام : يا كامل وحسر عن ذراعيه ، فإذا مسح أسود خشن ، فقال : هذا لله وهذا لكم ، فجاءت الريح ، فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها ،
( 1 ) المصدر نفسه ، 2 : 473 الباب 43 الحديث 25 .
( 2 ) الكافي 1 : 329 الحديث 1 .
( 3 ) الصدوق ، كمال الدين 2 : 424 الباب 42 الحديث 1 . ( * )
فقال لي : يا كامل بن إبراهيم . فاقشعررت من ذلك ، وألهمت أن قلت : لبيك يا سيدي . فقال : جئت إلى ولي الله وحجته تريد أن تسأل : لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وعرف مقالتك . . . إلى أن قال : فنظر إلي أبو محمد وتبسم وقال : يا كامل بن إبراهيم ، ما جلوسك وقد أبانك المهدي والحجة من بعدي بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه . قال : فنهضت وقد أخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم ألقه بعد ذلك ( 1 ) .
هذه نماذج ممن رأى الإمام المهدي بعد ولادته ، وقبل غيبته ذكرناه ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا المقام في المقال . أسئلة مهمة حول المهدي - عجل الله تعالى فرجه - إن القول بأن الإمام المهدي لا يزال حيا يرزق منذ ولادته عام 255 هجرية إلى الآن ، وأنه غائب سوف يظهر بأمر من الله سبحانه ، أثار أسئلة حول حياته وإمامته ، نذكر رؤوسها :
1 - كيف يكون إماما وهو غائب ، وما الفائدة المرتقبة منه في غيبته ؟
2 - لماذا غاب ؟
3 - كيف يمكن أن يعيش إنسان هذه المدة الطويلة ؟
4 - ما هي أشراط وعلائم ظهوره ؟
هذه أسئلة أثيرت حول الإمام المهدي منذ أن غاب ، وكلما طالت غيبته اشتد التركيز عليها ، وقد قام المحققون من علماء الإمامية بالإجابة عليها في مؤلفات مستقلة لا مجال لنقل معشار ما جاء فيها ، غير أن الإحالة لما كانت غير خالية عن
( 1 ) الشيخ الطوسي ، الغيبة : 148 ، كشف الغمة 3 : 289 عن الخرائج ، وغيرهما من المصادر . ( * )
المحذور ، نبحث عنها على وجه الإجمال ، ونحيل من أراد التبسط إلى المصادر المؤلفة في هذا المجال .
الأول : كيف يكون إماما وهو غائب ؟ وما فائدته ؟ إن القيادة والهداية والقيام بوظائف الإمامة ، هو الغاية من تنصيب الإمام ، أو اختياره ، وهو يتوقف على كونه ظاهرا بين أبناء الأمة ، مشاهدا لهم ، فكيف يكون إماما قائدا ، وهو غائب عنهم ؟ !
والجواب : على وجهين نقضا وحلا . أما النقض : فإن التركيز على هذا السؤال يعرب عن عدم التعرف على أولياء الله ، وأنهم بين ظاهر قائم بالأمور ومختف قائم بها من دون أن يعرفه الناس . إن كتاب الله العزيز يعرفنا على وجود نوعين من الأئمة والأولياء والقادة للأمة : ولي غائب مستور ، لا يعرفه حتى نبي زمانه ، كما يخبر سبحانه عن مصاحب موسى ( عليه السلام ) بقوله : { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } الآيات ( 1 ) .
وولي ظاهر باسط اليد ، تعرفه الأمة وتقتدي به . فالقرآن إذن يدل على أن الولي ربما يكون غائبا ، ولكنه مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته ، بل يتصرف في مصالحها ويرعى شؤونها ، من دون أن يعرفه أبناء الأمة . فعلى ضوء الكتاب الكريم ، يصح لنا أن نقول بأن الولي إما ولي حاضر مشاهد ، أو غائب محجوب .
( 1 ) الكهف : 65 - 82 . ( * )