أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحياة ، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعيا لقواعد حفظ الصحة ، وأن موت الإنسان في فترة متدنية ، ليس لقصور الاقتضاء ، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة ، ولو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء . وهناك كلمات ضافية من مهرة علم الطب في إمكان إطالة العمر ، وتمديد حياة البشر ، نشرت في الكتب والمجلات العلمية المختلفة ( 1 ) .
وبالجملة ، اتفقت كلمة الأطباء على أن رعاية أصول حفظ الصحة ، توجب طول العمر ، فكلما كثرت العناية برعاية تلك الأصول ، طال العمر ، ولأجل ذلك نرى أن الوفيات في هذا الزمان ، في بعض الممالك ، أقل من السابق ، والمعمرين فيها أكثر من ذي قبل ، وما هو إلا لرعاية أصول الصحة ، ومن هنا أسست شركات تضمن حياة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقررات خاصة وحدود معينة ، جارية على قوانين حفظ الصحة ، فلو فرض في حياة شخص اجتماع موجبات الصحة من كل وجه ، طال عمره إلى ما شاء الله . وإذا قرأت ما تدونه أقلام الأطباء في هذا المجال ، يتضح لك معنى قوله سبحانه : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ( 2 ) .
فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان ، في أعماق المحيطات ، ممكنا إلى يوم البعث ، فكيف لا يعيش إنسان على اليابسة ، في أجواء طبيعية ، تحت رعاية الله وعنايته ، إلى ما شاء الله ؟
( 1 ) لاحظ مجلة المقتطف ، الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسين . ( 2 ) الصافات : 143 و 144 . ( * )
الرابع : ما هي علائم ظهوره ( عليه السلام ) ؟ إذا كان للإمام الغائب ، ظهور بعد غيبة طويلة ، فلا بد من أن يكون لظهوره علامات وأشراط تخبر عن ظهوره ، فما هي هذه العلامات ؟
الجواب : إن ما جاء في كتب الأحاديث من الحوادث والفتن الواقعة في آخر الزمان على قسمين : قسم هو من أشراط الساعة وعلامات دنو القيامة . وقسم هو ما يقع قبل ظهور المهدي المنتظر . وربما وقع الخلط بينهما في الكتب ، ونحن نذكر القسم الثاني منهما ، وهو عبارة عن أمور عدة ، منها :
1 - النداء في السماء .
2 - الخسوف والكسوف في غير مواقعهما .
3 - الشقاق والنفاق في المجتمع .
4 - ذيوع الجور والظلم والهرج والمرج في الأمة .
5 - ابتلاء الإنسان بالموت الأحمر والأبيض .
6 - قتل النفس الزكية .
7 - خروج الدجال .
8 - خروج السفياني .
وغير ذلك مما جاء في الأحاديث الإسلامية ( 1 ) .
هذه هي علامات ظهوره ، ولكن هناك أمور تمهد لظهوره ، وتسهل تحقيق
( 1 ) لاحظ للوقوف على هذه العلامات ، بحار الأنوار ج 52 ، الباب 25 ، ص 181 - 308 . كتاب المهدي ، للسيد صدر الدين الصدر ( م 1373 ه ) . ومنتخب الأثر ، ص 424 - 462 . ( * )
أهدافه نشير إلى أبرزها :
1 - الاستعداد العالمي : والمراد منه أن المجتمع الإنساني - وبسبب شيوع الفساد - يصل إلى حد ، يقنط معه من تحقق الإصلاح بيد البشر ، وعن طريق المنظمات العالمية التي تحمل عناوين مختلفة ، وأن ضغط الظلم والجور على الإنسان يحمله عن أن يذعن ويقر بأن الإصلاح لا يتحقق إلا بظهور إعجاز إلهي ، وحضور قوة غيبية ، تدمر كل تلك التكتلات البشرية الفاسدة ، التي قيدت بسلاسلها أعناق البشر .
2 - تكامل العقول : إن الحكومة العالمية للإمام المهدي ( عليه السلام ) لا تتحقق بالحروب والنيران والتدمير الشامل للأعداء ، وإنما تتحقق برغبة الناس إليها ، وتأييدهم لها ، لتكامل عقولهم ومعرفتهم . يقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) في حديث له يرشد فيه إلى أنه إذا كان ذلك الظرف ، تجتمع عقول البشر وتكتمل أحلامهم : " إذا قام قائمنا ، وضع الله يده على رؤوس العباد ، فيجمع بها عقولهم ، تكتمل به أحلامهم " ( 1 ) .
فقوله ( عليه السلام ) : " فيجمع بها عقولهم " ، بمعنى أن التكامل الاجتماعي يبلغ بالبشر إلى الحد الذي يقبل فيه تلك الموهبة الإلهية ، ولن يترصد للثورة على الإمام والانقلاب عليه ، وقتله أو سجنه .
3 - تكامل الصناعات : إن الحكومة العالمية الموحدة لا تتحقق إلا بتكامل الصناعات البشرية ، بحيث يسمع العالم كله صوته ونداءه ، وتعاليمه وقوانينه في يوم واحد ، وزمن واحد .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " إن المؤمن في زمان القائم ، وهو بالمشرق يرى أخاه الذي في المغرب ، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق " ( 2 ) .
( 1 ) منتخب الأثر : ص 483 .
( 2 ) منتخب الأثر ، ص 483 . ( * )
4 - الجيش الثوري العالمي : إن حكومة الإمام المهدي ، وإن كانت قائمة على تكامل العقول ، ولكن الحكومة لا تستغني عن جيش فدائي ثائر وفعال ، يمهد الطريق للإمام ( عليه السلام ) ويواكبه بعد الظهور إلى تحقق أهدافه وغاياته المتوخاة .